هل يمكن استعادة توازن القوى في المنطقة؟
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان الخلل الكبير في توازنات القوى في المنطقة، ليس على الصعيد العسكري وحسب، بل والصعيد السياسي، إذ تبين حجم الرصيد الصفري للتأثير العربي في إمكانية وقف جنون العصابة الصهيونية المتطرفة، التي أشعلت حرب إبادة كاملة الأوصاف ستكون لتداعياتها آثار ملموسة على كامل المنطقة في الأزمنة القادمة.
لم تستطع الأطر التي تنضوي تحتها دول المنطقة (الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي) وما يسمى بالدول الفاعلة والمحورية في المنطقة سوى التنديد الخجول بممارسات العصابة الصهيونية، والملفت أن جميع هذه الدول أبدت قلقا ومخاوف على أمنها واستقرارها من الجنون الإسرائيلي، مثل تركيا وإيران، وهي أطراف طالما عملت على ترويج نفسها كقوى موازية قادرة على ترجيح الكفة لمصلحتهم في حرب إسرائيل. فهذه إيران، التي حطمت نصف المشرق العربي، تنتظر الضربة الإسرائيلية القادمة بمزيج من الرعب والقلق، فيما تركيا، التي طرحت نفسها قوة إقليمية جبارة، ترتعد فرائصها خوفا على مصير بشار الأسد الذي بات يعني القضاء عليه خراب المعبد كله حسب التصوير التركي.
سياقات الأحداث وطبيعة الاستجابة للتحديات التي فرضها، الجنون الإسرائيلي، تثبت أن هذه الأطراف تعرف تماما حجم التحدي الذي تفرضه إسرائيل عليها، وتعرف في المقابل وزن قوتها وفعاليتها من منظور واقعي خال من الأوهام والدعايات، حيث لا ينفع في هذا المقام لا استعراض القوى ولا التبجح بامتلاكها ما دامت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات
ودع عنك الأنظمة والحكومات العربية التي صورت لشعوبها أنها تعرضت لمؤامرات دولية استطاعت كسرها وهزيمتها وباتت قوى فوق إقليمية يُحسب لها ألف حساب في سوق القوى الدولية، فقد اكتفت هذه الدول بالترقب والانتظار والسعي لالتقاط تطمينات غربية تؤكد بأنها خارج رادار الاستهداف الإسرائيلي، دون الحصول بالطبع على ضمانات موثوقة، ما دام نتنياهو قد أصبح خارج قدرة حتى الولايات المتحدة الأمريكية على السيطرة، ولا أحد يعرف ماذا يخبئ من مفاجآت لمستقبل المنطقة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذا المناخ المتأزم: هل فعلا أن دول المنطقة منفردة لا تملك ما يوازي القوة الإسرائيلية ويجعل عصابة الصهاينة تعيد حساباتها، أم أن لهذه الدول حساباتها الخاصة التي تدفعها إلى التروي في الإقدام على أي خطوة تكشف ما تضمره من أهداف وما تملكه من أرصدة قوة لتحقيق أهدافها؟
الجواب: ربما، لكن سياقات الأحداث وطبيعة الاستجابة للتحديات التي فرضها، الجنون الإسرائيلي، تثبت أن هذه الأطراف تعرف تماما حجم التحدي الذي تفرضه إسرائيل عليها، وتعرف في المقابل وزن قوتها وفعاليتها من منظور واقعي خال من الأوهام والدعايات، حيث لا ينفع في هذا المقام لا استعراض القوى ولا التبجح بامتلاكها ما دامت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات.
إذا، ماذا كانت كل تلك المشاريع التي تطلقها قوى الشرق الأوسط، على المستويات الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية؟ وماذا وراء ادعاء الجميع إنجاز الانتصارات وهزيمة المؤامرات والأعداء؟ هل كانت مجرد فسحة سمحت بها إسرائيل ومن يقف خلفها؟ هل كانت مجرد أدوار انتهت الحاجة لها لوصولها إلى المدى الذي يصعب تجاوزه؟
المسألة لم تعد مسألة القضاء على حماس والحزب، بل تجاوزتها للتنمر على شعوب ودول المنطقة وتهديد كيانات المنطقة والاستهتار بمشاعر شعوبها، وبطريقة أو أخرى إشراك هؤلاء عنوة في المأساة التي تصنعها إسرائيل في غزة ولبنان، إذ يبدو أن إسرائيل إن لم تجد من يردعها تمضي إلى مخطط تغيير ديموغرافي هائل من شأنه زعزعة الاستقرار في كامل المنطقة
مما لا شك أن إسرائيل التي تدعمها أقوى قوة عسكرية في العالم، سيكون وزنها في معادلات القوة أكبر من أي طرف آخر، ولا سيما أن جميع اللاعبين في المنطقة بدون استثناء، عرب وعجم، هم مستوردون لتكنولوجيا السلاح إما من مصادر غربية أو مصادر شرقية" الصين وروسيا وكوريا الشمالية"، ووفق ذلك يصعب أن يكون لديهم منظومات أسلحة توازي القوة الإسرائيلية راهنا.
وفوق ذلك، ربما لا ترى دول المنطقة أن هذه حربها، فهي لم تُستشر ولم تكن طرفا له وزن في حسابات حماس وحزب الله، كما أن هؤلاء خصوم أغلب الفاعلين في المنطقة، فلماذا تنخرط في الحروب لأجلهم ولإنقاذهم طالما هم من اختاروا ذلك؟ بالطبع هذا التبرير لا ينطبق على إيران التي يعتبرها البعض المحرك الأساسي للصراع الحالي.
لكن ذلك كله لا يخفي حقيقة اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل، فالمسألة لم تعد مسألة القضاء على حماس والحزب، بل تجاوزتها للتنمر على شعوب ودول المنطقة وتهديد كيانات المنطقة والاستهتار بمشاعر شعوبها، وبطريقة أو أخرى إشراك هؤلاء عنوة في المأساة التي تصنعها إسرائيل في غزة ولبنان، إذ يبدو أن إسرائيل إن لم تجد من يردعها تمضي إلى مخطط تغيير ديموغرافي هائل من شأنه زعزعة الاستقرار في كامل المنطقة.
ثم بمنطق موازين القوى، لا يجب السماح للاعب إقليمي امتلاك قدرات من شأنها خلخلة التوازنات الإقليمية والتحكم بمجريات الأمور ومساراتها، وإلا فإن الأمن الإقليمي برمته يصبح تحت رحمته ولتحقيق مصالحه الخاصة جدا، وإزاء ذلك، تملك الأطراف المختلفة في الشرق الأوسط خيار اللجوء الى القوة الجمعية في مواجهة هذه الأوضاع، ومن ثم تصبح ملزمة بوضع خلافاتها جانبا وإلغاء مشاريعها الوهمية التي لم تجلب سوى المزيد من الضعف والانحطاط.. فهل من يفعل؟
x.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية القوة الشرق الأوسط إسرائيل الشرق الأوسط القوة مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
محللون: الصمت على إسرائيل بغزة يزيد جرائمها ويجر المنطقة لمربع الدم
اتفق محللون وباحثون أن صمت المجتمع الدولي والعجز العربي أمام استهداف الاحتلال الإسرائيلي للمؤسسات الطبية في قطاع غزة، يشجع إسرائيل على التمادي في جرائمها ويؤسس لمرحلة دامية جديدة في المنطقة.
وفي حلقة جديدة من برنامج "مسار الأحداث"، بتاريخ 2025/4/13 أجمع الضيوف على أن الهجمات الإسرائيلية باتت تستهدف عمدا المنظومة الصحية، مؤكدين أن تلك الاعتداءات تعكس "عقيدة الترويع" الهادفة إلى تهجير سكان غزة وتجريدهم من أدنى مقومات البقاء.
وكانت إسرائيل قد استهدفت فجر الأحد المستشفى المعمداني في غزة، في قصف مزدوج أدى إلى تدمير المبنى بالكامل، وإخراج المستشفى عن الخدمة. وتزامن الهجوم مع قصف خيمة داخل مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح، وسط اتهامات متصاعدة لإسرائيل باتباع سياسة ممنهجة لتدمير النظام الصحي في غزة.
وحذر الرئيس التونسي الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي من أن ما تشهده غزة يمثل "ذروة الوحشية والصفاقة"، معتبرا أن الاحتلال يتعمد استخدام "نظرية الصدمة والرعب" التي اشتهرت بها الأنظمة الفاشية والنازية لتحقيق هدف واضح، وهو جعل غزة غير قابلة للعيش ودفع سكانها نحو التهجير.
ووصف المرزوقي الهجمات الإسرائيلية بأنها "إبادة جماعية متعمدة"، محملا الإدارة الأميركية مسؤولية مباشرة، وقال إن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن فتح مخازن الأسلحة ومنح إسرائيل غطاء سياسيا كاملا، و"ها هي الجرائم تتواصل اليوم بضوء أخضر واضح من خلفه دونالد ترامب".
إعلانوأشار إلى أن الإدانات الدولية المتكررة من قبل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لم تجد نفعا، لأن المخطط، حسب تعبيره، يسير بدعم أميركي ولا يمكن إيقافه إلا بتحرك عربي جاد يمارس ضغطا سياسيا واقتصاديا حقيقيا على واشنطن.
وشهدت الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة تدمير أكثر من 80 مركزا صحيا، واستهداف ما يفوق 140 سيارة إسعاف، حسب بيانات منظمات دولية، وسط تحذيرات من انهيار كامل للنظام الصحي، وتفاقم الكارثة الإنسانية مع استمرار الحصار وإغلاق المعابر.
مأساة مكثفة
من جانبه، وصف الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة من دير البلح ما حدث بعد قصف المستشفى المعمداني بأنه "صورة مكثفة للمأساة"، مؤكدا أن الجرحى نقلوا إلى أبواب مستشفيات مغلقة، وبقوا ينزفون على عربات النقل دون أن يجدوا أي جهة طبية قادرة على استقبالهم.
وأضاف عفيفة أن الاستهداف الإسرائيلي للمرافق الصحية لم يعد حالات معزولة، بل أصبح "نهجا متكررا" بدأ منذ الأيام الأولى للحرب، عبر حملة دعائية صورت مستشفى الشفاء كمركز قيادة للمقاومة، لتبرير تدميره، وتكررت هذه المزاعم ضد أغلب مستشفيات القطاع.
وحذر من أن الفلسطينيين باتوا يخشون التوجه إلى المستشفيات خشية استهدافها، مؤكدا أن تلك المؤسسات تحولت من مراكز إنقاذ إلى "مناطق خطرة"، وهو ما يدفع كثيرين إلى تجنب طلب العلاج رغم الإصابات أو الأمراض المزمنة.
وعبر عن أسفه لما وصفه بـ"التطبيع الدولي مع الجريمة"، قائلا إن العالم بات يتقبل استهداف سيارات الإسعاف وقتل المسعفين باعتباره "حوادث مروعة" لا تثير سوى بيانات شجب عابرة، دون أي خطوات عملية لمحاسبة الجناة أو حتى عزل إسرائيل على مستوى القطاع الصحي.
أما الدكتور عثمان الصمادي، الباحث والناشط في المجال الإنساني، فرأى أن العجز الأممي بلغ ذروته، داعيا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى اتخاذ موقف حاسم، إما بالتحرك لوقف الحرب أو بالاستقالة تعبيرا عن رفض العجز القائم.
إعلانوشدد الصمادي على أن صمت الدول العربية "غير مبرر"، قائلا إن الخطاب العربي تراجع من التنديد إلى التجاهل، في وقت يتعرض فيه أكثر من مليونين ونصف مليون فلسطيني لخطر الجوع والمرض والموت البطيء بسبب الحصار والهجمات.
تبلد عربي
وانتقد ما سماه "تبلد الحس الشعبي العربي"، مؤكدا أن استمرار الشعوب في الصمت مقابل ما يتعرض له الفلسطينيون من مذابح يعكس أزمة أخلاقية عميقة، تستوجب وقفة حقيقية مع الذات ودورا جماهيريا يحاصر السفارات الأميركية ويضغط على الأنظمة لتغيير سياساتها.
وأشار إلى أن أي حروب سابقة لم تشهد تدميرا ممنهجا للمرافق الطبية كما يحدث في غزة، مشيرا إلى أن الاحتلال قتل خلال 4 أشهر من الحرب عددا من الأطفال يعادل ما سجلته كل الصراعات المسلحة بين عامي 2019 و2022 مجتمعة.
وقال إن الكادر الطبي في القطاع بات منهكا بالكامل بعد استشهاد أكثر من 1500 طبيب وممرض، موضحا أن الوفود الطبية تواجه منعا أو تضييقا في الدخول، وأن إسرائيل تصادر المعدات وتمنع نقل الإمدادات الإنسانية، وسط غياب أي تدخل عربي فعّال.
واعتبر الصمادي أن خطة الاحتلال واضحة، وهي تهجير سكان غزة أو قتلهم، محملا النظام العربي برمته مسؤولية الفشل في الفصل بين المسارين الإنساني والسياسي، والركون إلى مشهد يزداد سوداوية دون أي تحرك لوقف الانهيار أو حتى التخفيف من معاناة المدنيين.
واتفق ضيوف الحلقة على أنه لا يمكن اعتبار ما يجري في غزة مجرد تجاوزات عسكرية، بل يمثل -كما وصفه المرزوقي- "عودة إلى زمن النازية والفاشية"، حيث تُقاس الحقوق بالقوة وحدها، ولا مجال لأي قوانين أو معاهدات أو إنسانية.