قال وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، إن "هناك فرصة اليوم لوقف الحرب، ولبنان يمد يده للتفاوض، ولكن على قاعدة التعاطي الإنساني والوطني، وإعطاء الحقوق، وليس على قاعدة الهيمنة والسيطرة، أو فرض إملاءات فوقية نحن نرفضها جملة وتفصيلا".

وأشار شرف الدين، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أن "هناك موجة نزوح كبيرة جدا تعادل ثلث عدد الشعب اللبناني؛ فقد تجاوز عدد النازحين المليون ونصف المليون نسمة حتى الآن".



وأوضح أنهم "بصدد إصدار قرار حكومي لإعداد وتجهيز مخيمات نزوح من بيوت بلاستيكية جاهزة لنقل النازحين بدلا من لجوء البعض إلى المدارس كمراكز إيواء بغية تأمين العام الدراسي".


ودعا الأمم المتحدة إلى "ممارسة الضغط الدبلوماسي، والمساعدة المعنوية لتقديم شكوى لمجلس الأمن، وإقامة دعوى على إسرائيل من أجل دفع التعويضات، وإحالة المسؤولين الإسرائيليين إلى المحكمة الجنائية؛ فما يحدث هو إبادة جماعية وجريمة بحق بالإنسانية"، موضحا أن "مجلس الأمن هو المسؤول عن إقامة دعوى ضد إسرائيل من أجل دفع التعويضات جراء الأضرار بموجب شكوى من لبنان".

ورفض ربط موضوع انتخاب رئيس الجمهورية بوقف إطلاق النار، متوقعا "انتخاب الرئيس قريبا جدا، وربما قبل نهاية الجاري؛ فهناك استعداد للحضور من قِبل كتل كبيرة من النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا واجب مقدس".

وأردف: "لدينا شخصيات كثيرة في لبنان يمكن أن تتبوأ هذا المركز الهام (منصب الرئاسة)، ويكون لها دور فاعل في الوحدة الوطنية؛ فنحن بدون رئيس جمهورية منذ عامين وهذا غير مقبول، وهناك مراسيم وقرارات دولية والعديد من الأمور الهامة التي تتطلب انتخاب رئيس للجمهورية".

وإلى نص المقابلة المصورة مع "عربي21":

كيف ترى الأزمة الإنسانية التي تسبّب بها النزوح الواسع للبنانيين من مناطق الجنوب؟

بعد الهجوم الهمجي من قِبل العدو الإسرائيلي على قرى الشريط الحدودي، والضاحية الجنوبية، والبقاع الشمالي في لبنان، وكافة القرى اللبنانية، تجاوز عدد النازحين المليون ونصف المليون نسمة، وذلك بعد موجات الاستهداف خلال الأيام الماضية على الضاحية الجنوبية، ومنطقة الأوزاعي، ومراكز القرض الحسن.

هناك موجة نزوح كبيرة جدا تعادل ثلث عدد الشعب اللبناني، وقد نزح من بيوته، وقراه، وأملاكه، بسبب أفعال وممارسات العدو الهمجي الذي يقتل المدنيين الأبرياء ويعتدي بوقاحة على سيادة لبنان.

ما هي إجراءات السلطات اللبنانية في مواجهة أزمة النازحين من الجنوب؟

هناك لجنة طوارئ، وتضم هيئة إغاثة، وهناك أكثر من 8 وزارات معنية، وهي تعمل على تأمين مراكز الإيواء على كافة الأراضي اللبنانية، بالإضافة إلى استقبال أهالي المناطق التي تعتبر آمنة نسبيا للنازحين في بيوتهم، وهنا تتجلى الوحدة الوطنية بأبهى منظر يفتخر به اللبنانيون.

وبعد تأمين الإيواء تكون لنا اجتماعات دائمة لتأمين المياه، وتأمين الكهرباء، وقريبا جدا تأمين التدفئة، لأن شتاء لبنان بارد جدا، وبالطبع تأمين الغذاء بوجبة ساخنة مرة يوميا على الأقل، وتلبية متطلبات النازحين من العلاج وغيره.

ونوجّه الشكر للدول الصديقة التي تقدم مساعدات للبنان، وللجنة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة التي تساعدنا.


برأيكم، هل هناك حاجة ماسة لإعداد مخيمات نزوح أو ما شابه؟

أغلب النازحين يقيمون في مراكز إيواء بالمدارس الرسمية التي تشمل أكثر من ألف مدرسة، لكن مع ضرورة بدء العام الدراسي لا بد من إيجاد حل آخر، مثل تجهيز المخيمات من بيوت بلاستيكية جاهزة لنقل النازحين بغية تأمين العام الدراسي، لذا نحن بحاجة لمشروع المخيمات.

متى يمكن أن يبدأ تطبيق هذا المشروع؟

سيؤخذ فيه قرار من لجنة الطوارئ، وبالتنسيق مع الهيئات الأممية ومنظمات الشؤون الإنسانية، وسيصدر به قرار حكومي نحن بصدد إصداره.

لكن هذا القرار سيأخذ بعض الوقت لأنه قرار سياسي، لبحث المنطقة التي ستُخصص لهذا المشروع، وتحديد الأماكن الآمنة، وسنبلغكم بالتفاصيل في حينه.

إلى أي مدى تكفي احتياطات الغذاء والطاقة لبنان في حال نشوب حرب واسعة مع إسرائيل؟

نحن نوجّه الشكر في موضوع الغذاء للدول الصديقة والعربية التي أرسلت لنا موادا أولية أساسية مثل الأرز، والقمح، ووزير الاقتصاد أعلن عن مخزون يكفي لأربعة أشهر من المواد الغذائية الأساسية.

كيف يتم تنسيق الجهود بين مختلف الوزارات والجهات المعنية للتعامل مع قضايا النزوح خاصة في ظل غياب بعض الوزراء عن اجتماعات الحكومة؟

الوزراء المقاطعون لاجتماعات الحكومة يشاركون في لجنة الطوارئ، كل بحسب اختصاصه، أما الوزراء الباقين مثل وزارة الصحة فنحن نوجّه لهم تحية خاصة لما تقوم به من واجبات كاملة.

قبل أيام، كان هناك تهديدا باستهداف مستشفيات بعينها في لبنان، وهي رسالة للسيد نبيه بري، لأن مستشفى الساحل هي لنائب من كتلته؛ فكانت رسالة تحذيرية وضغط لرفع سقف المفاوضات، وتهديد مُبطن، كما قُصفت مداخل مستشفى الحريري.


هل ستتمكن السلطات اللبنانية من احتواء تداعيات عملية النزوح التي تعد الأكبر من نوعها من جنوب لبنان؟

المهمة ليست سهلة بطبيعة الحال، ولكن الشعب اللبناني شعب حيوي، ونحن نعتبرها فترة مؤقتة، وإن شاء الله يعود أبناء الجنوب، وكل النازحين إلى بيوتهم مرفوعي الرأس.

وهنا يأتي دور الجامعة العربية، فينبغي على الأقل أن تساعدنا في إعادة الإعمار، وتقديم المساعدات.

ثم يأتي دور الأمم المتحدة من خلال الضغط الدبلوماسي، والمساعدة المعنوية لتقديم شكوى لمجلس الأمن، وإقامة دعوى على إسرائيل من أجل دفع التعويضات، ومن أجل الإدانة، وإحالة المسؤولين الإسرائيليين إلى المحكمة الجنائية؛ فما يحدث هو إبادة جماعية وجريمة بحق بالإنسانية، وقد رأى الجميع قتل الأطفال، وتدمير المنازل والأبنية على رؤوس قاطنيها بذرائع واهية.

وهل لبنان سيقيم دعوى على إسرائيل من أجل دفع التعويضات جراء الأضرار؟

مجلس الأمن الدولي هو المسؤول عن إقامة تلك الدعوى بموجب شكوى من لبنان.

وفق تقديراتكم، كم سيتكلف إعادة إعمار لبنان مُجددا؟

الشأن المالي الخاص بإعادة الإعمار ليس كبيرا، لكن الموضوع الأهم متعلق بالاقتصاد المُدمّر، وبالمؤسسات والمزارع والبساتين والقطاعات المنتجة التي دمّرها الاحتلال كالمصانع ومراكز التعليم، وغيرها من المؤسسات التي تنهض بالاقتصاد، وحتى الأراضي الزراعية التي حرقها العدو بالقنابل الفسفورية، وتُقدّر مساحتها بآلاف الهكتارات، وغيرها من الأمور التي تعيق عودة البناء.

أما عن إعادة الأبنية فقد رأينا بعد حرب عام 2006 كيف رجعت الضاحية أجمل وأرقى مما كانت عليه، وهو أمر نعمل عليه مع الجامعة العربية، ودول الخليج التي لا تقصر معنا.

ما هو دور المجتمع الدولي في دعم لبنان في مواجهة أزمة النزوح؟

مع الأسف هناك وصاية غربية، وهذه الوصاية يهمها أمن إسرائيل أكثر بكثير من سلامة لبنان؛ فمن يتحدث عن القرار 1701 كان الأولى به أن يحث إسرائيل على تطبيقه، فأول شروط هذا القرار الذي لم تلتزم به إسرائيل عام 2006 هو خروج كل الجيوش الأجنبية والمحتلة، ولو التزموا به ما كان هناك أي مبرر لحزب الله أن يتسلح ويقاوم لتحرير أرضه.

الاحتلال لا زال يسيطر على مزارع شبعا، وتلال كفر شوبا، وقرية الغجر، والقرى السبع اللبنانية التي رُسمت حدودها وقت تقسيم فلسطين وبداية الاحتلال الإسرائيلي؛ فلو انسحبت إسرائيل من تلك الأماكن لم يكن هناك مبررا لوجود أي سلاح لأي فريق، لكن إسرائيل لا تلتزم بقرار وقف الحرب، ولا تلتزم بقرار 1701، وحتى قرار 1559 ينص البند الأول فيه على انسحاب كل الجيوش الأجنبية من لبنان.

ما موقفكم من وثيقة المبادئ التي قدّمتها إسرائيل من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الحرب في لبنان؟

إذا تراجع حزب الله إلى الوزاني، ثم إلى الليطاني، لا تعرف ماذا سيطلب الاحتلال بعد ذلك؟، وبحسب تصريح المسؤولين الإسرائيليين بأن "حدودنا نهر الليطاني"، أي الاستيلاء على المياه اللبنانية، حتى بدأ الحديث عن النهر الأول، بمعنى مسافة أبعد.

هذه ألاعيب خبيثة ومحاولة للضغوط مثل موضوع تقسيم الحدود البحرية لمصلحتهم؛ فحدودنا التي زعموا إنها عند خط 23 لكن كان من المفترض أن تكون عن خط 29، وكذلك عندما أوهمونا أننا نستفيد من الغاز لفترة وجيزة، فسُلّم ملف الغاز لشركات أجنبية تخضع لإملاءات أمريكية إسرائيلية، وخرجنا بدون إنتاج غاز، وحتى لو ظهر الغاز عندنا فلن يدعوا الشركة تستمر بالعمل؛ فهذه كلها أمور تدخل في نطاق الخداع، وليس الدبلوماسية.

هل تتوقع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان لفترة طويلة؟

بعد كل حرب طويلة بين طرفين لا يصلون بها لنتيجة يعودون لطاولة المفاوضات. إسرائيل تتبع أسلوب الدمار لأنها فشلت في الجنوب اللبناني في تحقيق أي انتصار لتساوم على أساسه، وبالتالي لكي ترفع مستوى التفاوض تتعمد الضغط من خلال التدمير، وقتل الأبرياء، وهذا أسلوب همجي بربري.

في المقابل، رأينا الرد من قِبل المقاومة، وكيف كان الرد مدروسا ورزينا، والمستهدف فيه فقط العسكريين، والثكنات العسكرية، ومراكز التدريب؛ فهناك فرق في التعامل، وهناك التزام بقواعد الاشتباك من قِبل المقاومة، وهناك حرب تدمير وإبادة وجرائم ضد الإنسانية يمارسها الإسرائيليون، ويتوهمون أن بإمكانهم كسر الإرادة اللبنانية؛ فهذا لم ولن يحدث على الإطلاق.

اليوم هناك فرصة لوقف الحرب، ولبنان يمد يده للتفاوض، من قِبل المقاومة، ومن قِبل الحكومة، ولكن على قاعدة التعاطي الإنساني، والتعاطي الوطني، وإعطاء الحقوق، ووقف الحرب، وليس على قاعدة الهيمنة والسيطرة، وفرض "إملاءات فوقية" نحن نرفضها جملةً وتفصيلا.

ما نتائج التحركات الأخيرة التي يقوم بها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري؟

لقد استقبل مؤخرا المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين، كما استقبل الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، ونبيه بري لم يُصرّح بتفاصيل تلك اللقاءات، ولكن قال إن النتائج إيجابية إن شاء الله، وقد تناولوا موضوع الرئاسة، وموضوع وقف إطلاق النار لمدة 21 يوما، والدعم العربي للدولة اللبنانية وللشعب اللبناني، ونأمل خيرا قريبا.

سمير جعجع قال إن "انتخاب رئيس جديد شرط لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل".. ما تعقيبكم على هذه التصريحات؟

موضوع انتخاب رئيس جمهورية موضوع حيوي ومهم؛ لأنه هو رأس الدولة، بالطبع هناك إجراءات لاختيار رئيس الجمهورية، وهناك مراسيم وقرارات دولية والعديد من الأمور الهامة التي تتطلب انتخاب رئيس للجمهورية.

لكن لا أؤيد ربط موضوع انتخاب رئيس الجمهورية بوقف إطلاق النار؛ فهناك استعداد للحضور من قِبل كتل كبيرة من النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، وهذا واجب مقدس.

هل يمكن أن يتم انتخاب الرئيس اللبناني قبل نهاية العام الجاري؟

أتمنى ذلك، وأتوقع أن يحدث قريبا جدا، ولدينا شخصيات كثيرة في لبنان يمكن أن تتبوأ هذا المركز الهام، ويكون لها دور فاعل في الوحدة الوطنية؛ فنحن بدون رئيس جمهورية منذ عامين وهذا غير مقبول.

مَن أبرز الشخصيات التي تراها مناسبة لتولي رئاسة لبنان؟

هذا الموضوع تقرّره الكتل النيابية داخل البرلمان، وأنا على مسافة واحدة من كل الشخصيات المُرشحة؛ فكلها لديها صفات وازنة، وعلاقاتها جيدة شرقا وغربا وهذا أهم شيء نحتاجه اليوم، لا أن يكون هناك رئيس منحازا أو خاضعا لا للغرب ولا للشرق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مقابلات اللبناني إسرائيل حزب الله لبنان إسرائيل حزب الله الأم المتحدة المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة انتخاب رئیس الجمهوریة إطلاق النار على قاعدة فی لبنان یمکن أن من ق بل

إقرأ أيضاً:

مجمع الكرادلة الهيئة التي تنتخب بابا الفاتيكان

الهيئة الاستشارية العليا للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، تتكون من مجموعة من الكرادلة يشكلون مساعدي البابا ومستشاريه المقربين، الذين يشغلون المناصب في الإدارة المركزية لشؤون الكنيسة بالفاتيكان، ويديرون أكبر أبرشيات العالم.

والكرادلة هم أصحاب الرتبة الكنسية الأعلى بعد رتبة البابا، ويتم تعيينهم بموجب مرسوم بابوي، ويعتبرون أمراء الكنيسة، ويحملون لقب صاحب السيادة، ولا يخضعون لأي ولاية قضائية باستثناء سلطة البابا، ويتمتع المقيمون منهم في مدينة روما أو وخارجها بحقوق وامتيازات المواطنة نفسها.

ويُعد انتخاب البابا الجديد المهمة الأبرز لمجمع الكرادلة، والذي يتم في اجتماع سري مغلق، قد يستغرق أياما، يُطلق عليه "المجمع المغلق"، ولا يسمح لأي من الكرادلة مغادرته حتى انتخاب البابا، وإعلان ذلك للحشود المنتظرة خارج كنيسة سيستينا، مقر الاقتراع، عبر دخان أبيض يتصاعد منها.

النشأة

نشأت رتبة كاردينال، في عهد البابا سلفستر الأول، حوالي العام 315 ميلادي، وهي الرتبة الأعلى في الكنيسة الكاثوليكية بعد رتبة البابا، وكان يحملها الأساقفة الذين يشكلون مجموعة مستشاري البابا الأقربين ومعاونيه.

توسع استخدام لقب كاردينال، فأصبح يُطلق على قساوسة الأبرشيات السبع في روما، والكهنة والشمامسة الذين يديرون الكنائس داخل أسوار المدينة، ويؤدون الخدمات الأسبوعية في الكنائس البطريركية الأربع: كنيسة القديس بطرس وكنيسة القديس بولس وكنيسة القديسة ماريا وكنيسة القديس لورانس.

إعلان

وكانت وظائف الكرادلة في العقود الأولى تقتصر على الطقوس الكنسية، وكان على كرادلة الأبرشيات السبع في روما أداء الخدمات الأسبوعية في كاتدرائية اللاتراني بروما، لذلك أُطلق عليهم أحيانا "الأساقفة اللاترانيون".

وبمرور الزمن، شكلت مجموعة الكرادلة الذين ساعدوا البابا بشكل منتظم في كافة المهام الرعوية، والتي شملت العمل الإداري والقانوني والعقائدي والطقوس، "كوريا" خاصة بالبابا، على غرار الكوريا اللاتينية، أي مجلس مدينة روما في عصور ما قبل المسيحية، والذي كان يساعد في حكم المجتمع المدني في مدينة روما ومحيطها.

البابا فرنشيسكو بعد انتخابه في منتصف مارس/آذر 2013 (رويترز)

وبحلول منتصف القرن الحادي عشر، أخذ التنظيم الكنسي شكلا أكثر مركزية، وخضعت الكنيسة الأوروبية لسيطرة بابوية قوية ومباشرة، وهو الأمر الذي أدى إلى توسع مؤسسات الإدارة الكنسية، وتزايد الحاجة إلى موظفين قادرين على الإشراف على الأعمال البابوية، وحينها تولى الكرادلة مهام مؤسسية جديدة محل وظائفهم المتعلقة بالطقوس الكنسية.

ومنذ عام 1059 أصبح الكرادلة هم القائمين رسميا على مهمة انتخاب البابا، ومع ذلك، لم يتم إنشاء "مجمع الكرادلة" بشكله المعروف حتى عام 1150م، فترأسه وقتها أسقف أوستيا، وكانت مهمته إدارة الكرسي الرسولي عند وفاة البابا إلى حين انتخاب البابا الجديد.

وفي القرن الثاني عشر أصبح الكرادلة يُعينون في الكنائس الرئيسية خارج روما، وكان يُطلَب منهم عادة التنازل عن مناصبهم والإقامة في روما، ثم أصبح من الشائع أن يبقوا في مناصبهم، وتدار أبرشياتهم من قبل آخرين، ولكن منذ القرن السادس عشر، أصبح من الممكن لهم الإقامة في أبرشياتهم خارج روما، رغم حصولهم على لقب كاردينال.

وقد أخذ مجمع الكرادلة صفة العالمية بشكل واضح منذ النصف الأول من القرن العشرين، في عهد البابا بيوس الثاني عشر، فقد أصبح ثلث الكرادلة المعينين في عهده من خارج أوروبا، وكان هو أول من عين كرادلة في أفريقيا والهند والصين، ثم سار البابا بولس السادس على نهجه، فوسع عام 1965 نطاق مجمع الكرادلة ليشمل البطاركة الشرقيين.

إعلان

أعضاء مجمع الكرادلة

يتألف المجمع من مجموعة من الكرادلة، يشغلون المناصب في الإدارة المركزية لشؤون الكنيسة الكاثوليكية، أو ما يسمى "الكوريا الرومانية"، ويساعدون البابا في ممارسة سلطته ومهامه المختلفة، كما يضم المجمع أساقفة الأبرشيات المهمة في روما وحول العالم.

ويشترط لاختيار الكاردينال أن يكون قد نال رتبة كاهن على الأقل، إضافة إلى تمييزه في العقيدة والتقوى والفضيلة والحكمة في أداء واجباته، ويتم تعيينه بموجب مرسوم من الحبر الأعظم (البابا)، ويصبح الكاردينال ملزما بواجباته ويتمتع بالحقوق المحددة له في القانون الكنسي، بمجرد إعلان ذلك المرسوم في مجمع الكرادلة.

ويترأس المجمع رئيس يطلق عليه لقب عميد، ويساعده نائب، كلاهما يتم اختياره من الكرادلة الأساقفة، الذين يديرون كنائس الضواحي، وهي الأبرشيات الأقرب إلى روما، وتشمل: ألبانو، وفراسكاتي (توسكولوم) وأوستيا وباليسترينا وبورتو سانتا روفينا وفيليتري سيجني، ثم يصدق البابا على الانتخاب.

مشهد لمقر الفاتيكان في روما (شترستوك)

ولم يكن عدد كرادلة المجمع ثابتا دائما، فقد ظل يتغير بحسب العصور، وحتى القرن الخامس عشر الميلادي كان عددهم نحو 24 كاردينالا،  وفي منتصف القرن السادس عشر، رفع البابا بولس الرابع العدد إلى 70، ثم إلى 76 في عهد البابا بيوس الرابع بين عامي 1559 و1565، وتم إعادة عدد كرادلة المجمع إلى 70 مرة أخرى في العام 1586، في عهد البابا سكستوس الخامس، وهو العدد نفسه الذي أكده قانون الكنيسة عام 1917.

وزاد البابا بولس السادس عام 1973 الحد الأقصى لعدد الكرادلة الذين يحق لهم انتخاب البابا إلى 120، واتبع البابا يوحنا بولس الثاني التوجه عينه في الدستور الرسولي الصادر عام 1996، ويعود ذلك إلى الرغبة البابوية في أن يضم المجمع أساقفة من جميع أنحاء العالم.

إعلان

وفي العام 2001، أصبح عدد أعضاء المجمع 178 كاردينالا، يمثلون جميع القارات، وينتمون إلى 63 دولة، منهم 92 من أوروبا، و18 من أميركا الشمالية، و32 من أميركا اللاتينية، و15 من أفريقيا، و17 من آسيا، و4 من أوقيانوسيا.

وفي مطلع عام 2025، بلغ عدد أعضاء المجمع 252 كاردينالا، يمثلون أكثر من 90 دولة حول العالم، منهم 138 كاردينالا يحق لهم التصويت لانتخاب البابا الجديد.

المهام والوظائف

تتمثل المهمة الرئيسية لمجمع الكرادلة في تقديم المشورة للبابا ومساعدته، وأعضاؤه هم المسؤولون الرئيسيون عن شؤون الكنيسة، ويعملون في قسم أو أكثر من أقسام الكوريا الرومانية في الفاتيكان.

وتُسمى الأقسام الرئيسية في الكوريا الرومانية مجامع؛ لأنها تتكون من عدد من الكرادلة الذين يملكون حق التصويت، بقيادة أحد الكرادلة.

ويمارس أعضاء المجمع بمهامهم على صورتين:

العمل بشكل جماعي:

إذ يتم استدعاء الأعضاء جميعا للتشاور في القضايا ذات الأهمية، ويتعين على الكرادلة الذين يتولون مسؤولية أبرشية خارج روما أن يحضروا إلى روما كلما استدعاهم الحبر الأعظم.

ويتخذ المجمع القرارات بشكل جماعي، ثم يصدق عليها البابا، إلا في حالة انتخاب البابا، أو القرارات التي لا يمكن تأخيرها في المرحلة الانتقالية بعد وفاته.

ولمجمع الكرادلة دور رئيسي في الإدارة المركزية لشؤون الكنيسة في فترة شغور الكرسي الرسولي، إما لوفاة البابا أو (في حالات نادرة) استقالته، وذلك وفقا لمعاهدة لاتيران عام 1929، ويقرر المجمع في الشؤون العادية للكرسي الرسولي، وكذلك المسائل المتعلقة بجنازة البابا ودفنه وانتخابه.

العمل بشكل فردي:

إذ يؤدي الكرادلة واجباتهم ومهامهم المتعلقة بالوظائف والمناصب التي يشغلونها في الكوريا الرومانية، وتتطلب طبيعة العمل ممن يشغل أي منصب في الكوريا الإقامة في روما، وإن لم يكن أسقفا لإحدى كنائس روما.

إعلان

وليس كل من حمل لقب كاردينال مكلف بمسؤولية فعلية في المجمع، فبعض الكرادلة يحملون لقبا أو منصبا فخريا، دون سلطة فعلية، وينقسم الكرادلة في المجمع إلى ثلاث رتب:

الكرادلة الأساقفة: وهم الأعلى رتبة والأقل عددا، وهم على نوعين: الأول: الذين يشغلون المناصب المهمة في الكوريا الرومانية، والذين يعملون في الكنائس الرئيسية في روما (كنائس الضواحي). الثاني: بطاركة الكنائس الشرقية الكاثوليكية، الذين هم أعضاء في مجمع الكرادلة. الكهنة الكرادلة: ويمثلون الرتبة المتوسطة، وهم الأكثر عددا في مجمع الكرادلة، وتضم هذه الرتبة مسؤولين في الكوريا الرومانية، وأساقفة الأبرشيات الكبرى في العالم. الشمامسة الكرادلة: وهي الرتبة الأقل، وتشمل مسؤولين في الكوريا الرومانية، واللاهوتيين (رجال الدين) الذين كرمهم البابا لمساهمتهم في الكنيسة.

ويُطلب من الكرادلة الذين يرأسون الدوائر والأقسام الدائمة في الكوريا الرومانية ومدينة الفاتيكان، إذا بلغوا الـ75 من العمر أن يقدموا استقالتهم من مناصبهم إلى البابا، الذي ينظر في جميع الظروف، ويقيِّم الحالة، ويتخذ التدابير المناسبة.

ويصبح لقب الكرادلة الذين يبلغون الـ80 من العمر فخريا، وفقا للقرار الذي أصدره البابا بولس السادس عام 1970، إذ يترتب على ذلك إيقاف عضويتهم في دوائر الكوريا الرومانية وجميع الهيئات الدائمة للكرسي الرسولي ودولة الفاتيكان، ويُمنع مشاركتهم في انتخاب البابا أو الدخول إلى مجمع الكرادلة.

وفي العام 2001، كان عدد أعضاء المجمع 178، من بينهم 50 كاردينالا تجاوزت أعمارهم الثمانين، لا يمكنهم دخول المجمع ولا يحق لهم الانتخاب، وإن كان ذلك لا يمنع من انتخاب أحدهم لمنصب البابا.

أنواع المجامع

تنعقد داخل مجمع الكرادلة ثلاثة أنواع من المجامع:

المجامع العامة

وتضم جميع أعضاء المجمع من الكرادلة، الذين لم يمنعهم عذر من الحضور، كالمرض وغيره من الأسباب القانونية، وتكون بدعوة من البابا ورئاسته، وفيها يتم اتخاذ القرارات الأكثر أهمية في الشؤون الكنسية.

إعلان

وغالبا ما تقتصر المجامع العامة على الكرادلة، وقد يُسمح لممثلي الدول المدنية وغيرهم بالحضور في بعض الحالات، مثل الاحتفالات والمناسبات.

وفي فترة خلو الكرسي البابوي، يدعو رئيس المجمع الكرادلة للاجتماع ويرأسه، ويتخذ القرارات بشكل جماعي، بشأن جنازة البابا وأعمال الكرسي الرسولي التي لا يمكن تأخيرها.

وتخضع القرارات بالكامل للدستور الرسولي، ولا يُسمح بتغييرات جوهرية في عمل الكرسي الرسولي في غياب البابا، ويمكن للمجمع العام تعيين النقاط المتنازع عليها في تفسير القانون.

الفاتيكان أصغر دولة في العالم وتقع داخل مدينة روما (شترستوك) المجمع الخاص

يتألف من الكاميرلينغو أو الحاجب، وهو منصب كنسي يساعده ثلاثة كرادلة، يُطلق عليهم اسم المساعدين، يتم اختيارهم بالقرعة من رتب الكرادلة الثلاث.

ويتولى المجمع الخاص الأعمال العادية للكنيسة الرومانية، ويدير الكاميرلينغو الكرسي الرسولي والشؤون المالية والدنيوية فيه، أثناء فترة شغوره، ويحيل المسائل المهمة إلى المجامع العامة.

المجمع المغلق (انتخاب البابا)

عند موت البابا، يصادق الكاميرلينغو على وفاته، ويدمر خاتمه المخصص لختم الوثائق الرسمية، ثم يجهز لدفنه، وينظم اجتماعا عاما، يستمر في الأيام التي تسبق انعقاد المجمع المغلق، يُسمح فيه لجميع الكرادلة بالمشاركة، ولا يقتصر على من يملكون حق التصويت.

ويناقش الاجتماع العام احتياجات الكنيسة وعلاقاتها بالعالم، ووضع الكوريا وكل ما يتعلق بعملها.

وتبدأ مراسم اختيار البابا الجديد غالبا في 15 إلى 20 يوما من تاريخ فراغ الكرسي الرسولي، ويجوز أن يكون قبل ذلك، إذ يدعو عميد المجمع الكرادلة لما يُعرف بـ"المجمع المغلق" أو "المجمع السري".

ويترأس العميد المجمع للبدء بعملية اقتراع، تتم بشكل سري، وهو نهج بدأه البابا غريغوري الخامس عشر، حوالي العام 1621م.

وفي اليوم الأول للمجمع يتوجه الكرادلة الناخبون إلى كنيسة بولين بالفاتيكان، للاستماع لموعظة صباحية قصيرة والدعاء وطلب المساعدة في عملية الانتخاب، ثم يتوجهون إلى كنيسة سيستينا، حيث يؤدون يمين الحفاظ على السرية التامة، وعدم السماح بتدخل السلطات المدنية في كل ما يتعلق بانتخاب البابا.

إعلان

ويُمنع كل من أدى اليمين من الخروج من المجمع، أو الاتصال بالعالم الخارجي بأي شكل من الأشكال، فيتم إغلاق جميع الهواتف وأجهزة الراديو والتلفزيون واتصالات الإنترنت، ولا يسمح بإدخال الرسائل أو الصحف، إلى حين نجاح المجمع في انتخاب البابا الجديد.

ويتم الانتخاب تحت إدارة لجنة، يتم تعيينها باختيار 9 كرادلة عشوائيا، منهم 3 لجمع الأصوات، و3 للمراجعة، و3 للإشراف على التصويت، ويكون الانتخاب عبر عدد من جولات التصويت، تحدد بـ 4 جولات في كل يوم، باستثناء اليوم الأول، بسبب الانشغال باختيار المرشحين.

ويتفاوت عدد الجولات في كل عملية انتخابية للبابا الجديد، فقد يتم اختياره عبر عدد قليل من الجولات، إذا وُجد مرشح قوي قادر على الفوز بسرعة، ولكن إذا تعذر ذلك، ووصل عدد الجولات إلى 34، فلا يُصوَّت حينها إلا للمرشحَين اللذين حصلا على أعلى الأصوات، وفي هذه الحالة لا يحق للمرشحَين التصويت، ولا يتحقق فوز أحدهما إلا بحصوله على ثلثي الأصوات.

وتُعتمد نتيجة الاقتراع عموما بحصول أحد المرشحِين على الأغلبية بثلثي المجمع، وعندها يستدعي رئيس المجمع المرشح الفائز إلى مقدمة الكنيسة، ويتأكد من قبوله المنصب، ثم يطلب منه اختيار اسمه البابوي.

وقد تستمر عملية الاقتراع أياما، وتتخلل الجولات خطب وصلوات ومناقشات مكثفة، وبعد كل جولة يتم حرق أوراق الاقتراع، ويشير الدخان الأسود الناتج عن الحرق، والمتصاعد خارج الكنيسة، بأن نتيجة التصويت فشلت في اختيار البابا الجديد.

وإذا فاز أحد المرشحين، تُحرق أوراق الاقتراع بإضافة مادة إلى النار تُحول الدخان إلى اللون الأبيض، وهذه العلامة هي عبارة عن إعلان للحشود المنتظرة في الخارج عن نجاح المجمع في اختيار البابا الجديد.

ويذكر التاريخ الكنسي أن أطول مجمع بابوي كان في أواخر القرن الثالث عشر، وقد استمر نحو ثلاث سنوات (34 شهرا) بسبب الصراع السياسي الداخلي الهائل، وقد توفي ثلاثة من الكرادلة المصوتين أثناء العملية، وانتهى بانتخاب البابا غريغوري العاشر، بينما لم يستغرق انتخاب البابا يوليوس الثاني عام 1503 سوى بضع ساعات.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الرئيس اللبناني: أتطلع إلى المحادثات التي سأجريها مع الأمير محمد بن سلمان
  • الرئيس اللبناني: زيارتي للسعودية فرصة لتعزيز العلاقات الثنائية وتقدير دور المملكة في دعم لبنان
  • الرئيس اللبناني يجري أول زيارة خارجية: نقدّر الدعم المستمر للسعودية
  • رئيس لبنان يصل السعودية في أول زيارة خارجية: فرصة للتأكيد على عمق العلاقات
  • الرئيس اللبناني يتوجه إلى السعودية في أول زيارة خارجية
  • الرئيس اللبناني يزور المملكة في أول جولة خارجية منذ انتخابه
  • الرئيس عون من الرياض: فرصة للتأكيد على عمق العلاقات اللبنانية
  • الرئيس اللبناني يتوجه إلى السعودية في أول زيارة خارج البلاد منذ انتخابه  
  • الرئيس اللبناني: السعودية وجهة أولى لتعزيز العلاقات الثنائية
  • مجمع الكرادلة الهيئة التي تنتخب بابا الفاتيكان