الشيح كمال الخطيب .. دعوة للثبات: لا تقطع أذنك وكن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
#سواليف
دعوة للثبات: لا تقطع أذنك وكن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا
#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️يحكى أن أحد الملوك قد تأخرت زوجته في إنجاب وليّ العهد، فأرسل في أثر أشهر الأطباء في مملكته. وبعد علاجات ووصفات، فقد كتب الله أن يجري شفاء الملكة على أيديهم فحملت الملكة بوليّ العهد. طار الملك فرحًا وأخذ يعدّ الأيام لقدوم الأمير الموعود.
▪️وعندما وضعت الملكة وليدها كانت الدهشة وكانت الصدمة، فقد كان المولود بأذن واحدة وليس أذنين اثنتين.
▪️ انزعج الملك وتألم من رؤية ابنه وليّ العهد الموعود بأذن واحدة وخشي أن يصبح لدى الأمير الصغير عقدة نفسية تحول بينه وبين كرسي الحكم، فجمع وزراءه ومستشاريه وعرض عليهم الأمر، فقام أحد المستشارين وقال: الأمر بسيط يا جلالة الملك، فلتصدر جلالتك مرسومًا بقطع أذن كل مولود ذكر جديد فيبقى المولود بأذن واحدة، وبذلك يتشابهون مع سموّ الأمير فلا يشعر بالنقص وتعقيداته.
▪️أعجب الملك بالفكرة ونُفذت، فصار كلما وُلد مولود ذكر قطعوا إحدى أذنيه، فما أن مضت سنوات حتى غدا الشباب والرجال في تلك المملكة كل واحد منهم بأذن واحدة.
▪️وكان اليوم الذي رجع إلى تلك المملكة شاب كان في سفر طويل وكان له أذنان اثنتان كما كلّ البشر، فاستغرب سكان تلك المملكة من هذه الظاهرة الغريبة كيف يكون لإنسان أذنان؟ وأصبح الشاب محلّ سخرية حتى أنهم كانوا ينادونه “أبو أذنين”. ضاق الشاب ذرعًا ولم يعد يحتمل حديث الناس وسخريتهم بأنه من دونهم بأذنين، فقرر أن يذهب إلى طبيب وطلب منه أن يقطع إحدى أذنيه. وهكذا ويومًا بعد يوم أصبح المجتمع في تلك المملكة مجتمعًا معاقًا حيث الرجال كلهم فيه بأذن واحدة.
✍️ولقد شهد التاريخ أمثلة كثيرة ونماذج لمجتمعات أصيبت في إعاقات فكرية وسلوكية واجتماعية وعقائدية، حتى أن الذي كان يعارض تلك الإعاقات وينتقدها ويدعو لعلاجها فكأنه غريب وأنه هو المعاق والمريض لأنه يعاكس التيار.
✍️إن إبراهيم عليه السلام قد جاء إلى مجتمع معاق بالشرك وعبادة النجوم والأصنام، فلما خالفهم ورفض أن يكون مثلهم عاقبوه {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} آية 68 سورة الأنبياء .
✍️وهذا لوط عليه السلام قد جاء إلى مجتمع معاق بالشذوذ وانحراف الفطرة وممارسة الرذيلة، الرجال مع الرجال والنساء مع النساء، وليس كما هي الفطرة أن يكون الزواج بين الرجال والنساء، فلما خالفهم ورفض أن يكون مثلهم {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ*إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} آية 80-81 سورة الأعراف، فعاقبوه وقالوا {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} آية 82 سورة الأعراف.
✍️وهذا شعيب عليه السلام قد جاء إلى مجتمع معاق بسلوك شائن، إنه الغش في البيع وتطفيف الميزان، { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} آية 85 سورة الأعراف، فلما نهاهم ورفض أن يكون مثلهم فما كان منهم إلا أن قالوا {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} آية 88 سورة الأعراف.
✍️إنه ما يسمى اليوم الرأي العام أو الأكثرية التي تريد فرض أجندتها السياسية والاجتماعية والأخلاقية على المجتمع، حتى أن من يخالفها يصبح وكأنه هو المخطئ وهو المعاق بينما هم الأصحّاء العقلاء. يقول الأستاذ الفاضل حسان شمسي باشا: “فالخطأ يبقى خطأ ولو فعله كل الناس، والصواب يبقى صوابًا ولو لم يفعله أحد، فلا تقطع أذنك. وإن كنت على يقين أنك على صواب فلا تتنازل عنه لإرضاء الآخرين، وإن كانوا هم لا يخجلون من خطئهم، فلمَ تخجل أنت من صوابك”. وإياك أن تأخذ بمقولة: “إذا أهل بلدك انجنوا انجنّ معهم”.
✍️إن أسلوب قطع الأذن هو الذي يمارس في هذه الأيام بأشكال وأنماط مختلفة عبر استخدام ماكينة الإعلام التي يسيطر عليها الأشرار لجعل الأبيض أسودَ والحق باطلًا والمعروف منكرًا. ولجعل مصطلح الإسلام يعني “التطرف والإرهاب” حتى أنه تحت تأثير الفخّ الإعلامي بات كثير من المسلمين يشككون في دينهم وينفون عن أنفسهم صفة التطرف، وأنهم لا يؤمنون إلا بالإسلام المعتدل والإسلام النغش والإسلام الليبرالي، فإن هؤلاء المسلمين قد قبلوا بالإعاقة العالمية وهي معاداة الإسلام. إنهم قبلوا بالدين الإبراهيمي المزعوم الذي قبلت به الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية والذين يزعمون أنه يعطي لكل من هو من سلالة إبراهيم الحق بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك وكأنه ليس مسجدًا خالصًا للمسلمين، فكانوا كمن قطع أذنه، فلا تقطع أذنك ولا تردد ما يرددونه.
حكموا عليّ بأنني إرهابي قالوا بأني قد فقدت صوابي
زعموا بأني مسلم متطرف والويل كل الويل للإرهابي
حكموا بقتلي حيث أني مسلم أبغي الكرامة أو يهال ترابي
إن كان حبّ القدس صار تطرفًا فأنا أبيح تطرفي لصحابي
✍️فلا تقطع أذنك ولا تطأطئ رأسك ونادِ بأعلى صوتك:
أنا مسلم ولي الفخار فأكرمي يا هذه الدنيا بدين المسلم
وأنا البريء من المذاهب كلها وبغير دين الله لن أترنم
فلتشهد الأيام ما طال المدى أو ضمّ قبري بعد موت أعظمي
أني لغير الله لست بعابد ولغير دستور السماء لن أنتمي
✍️فابق على ثوابتك ولا تحرف بوصلتك ولا تقطع أذنك، ولا تكن إمّعة كما جاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تكونوا إمّعة تقولون إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظالموا”. نعم لا تكن إمّعة كريشة تحملها الريح شرقًا وغربًا وكن مسلمًا وكفاك فخرًا.
???? لا تكن دجاجة وكن نسرًا
✍️يحكى أن نسرًا وأنثاه قد بنيا عشًا لهما على شجرة في قمة جبل، ووضعت الأنثى بيضها، وكان أن مرّ بتلك الشجرة راعٍ فشاهد النسر وهو يطير من عشّه فانتظر حتى ابتعد النسر وتسلّق الراعي الشجرة وأخذ من العشّ بيضة. فلما رجع إلى قريته وكانت له حظيرة فيها أبقار وقنّ فيه دجاج، فوضع بيضة النسر مع بيضات كانت دجاجة ترقد فوقها حتى يحين وقت التفقيس. وكان اليوم الذي فقّس البيض فخرج من بيض الدجاج صيصان صغيرة وخرج من بيضة النسر نسر صغير، وبدأ النسر الصغير يمارس حياته ويلعب ويلهو ويأكل مع صيصان الدجاج حتى أصبح كأنه فرخ دجاج.
▪️ وذات يوم وبينما النسر الصغير الذي كبر قليلًا كان يلعب في ساحة القنّ مع صيصان الدجاج، وإذا به يرى مجموعة من النسور تحلّق عاليًا في السماء، تحركت في النسر الفطرة ومزايا وخصائص النسور فتمنى أن يحلّق عاليًا مثلها وحاول ذلك لكنه سرعان ما سقط على الأرض، فكانت ضحكات الاستهزاء من باقي الدجاجات يقلن له: ما أنت إلا دجاجة تطير قليلًا فوق الأرض ولست نسرًا تحلق بعيدًا في السماء. عندها توقف النسر الصغير عن حلم التحليق في الأعالي، ومات محبطًا يقتله اليأس بعد أن عاش بضع سنوات عيش الدجاج.
✍️مثلما تم تدجين النسر بسبب اعتياد العيش مع الدواجن، فإن هناك سياسة يستعملها الظالمون، إنها سياسه التدجين التي يراد من خلالها فرض أجندات وأنماط عيش لتجعل المجتمع مثل قنّ الدجاج، الدجاجة تُعلف وتُسمن ولا تكون إلا للبيض أو الذبح. إنها سياسة يراد من خلالها للمسلم أن لا يعيش إلا بهدف الأكل والشرب والزواج، ليس له في الحياة هدف ولا غاية.
✍️ إنهم يريدون للمسلم الذي خُلق ليكون عزيزًا شامخًا يحلّق في سماء المجد والعزة، أن يصبح خانعًا ذليلًا يزحف على بطنه مثل الزواحف ويدب دبًا مثل الدجاج. إنهم يريدون له أن يدجّن مثل الدجاج وأن يروّض مثل الحيوانات الأليفة فيقبل عيش القطيع، ولقد قيل: “لا تسابق حصانك مع الحمير لأنهم إن سبقوه سيقال الحمار الخاسر وإن سبقهم سيقال الحمار الفائز”. فعلى كلا الحالتين سيصبح حصانك حمارًا لمجرد أن قبل المشاركة في سباق الحمير. نعم إن هناك من يمارسون سياسة الترويض والتدجين لمجتمعنا، وكل ذلك تحت غطاء الواقعية والبراغماتية وتقدير الظروف وهم في الحقيقة قد تم ترويضهم وتدجينهم في عتمات الليالي في مكاتب الشاباك ومراكز الموساد وفي البعثات إلى مراكز صنع القرار في أمريكا. إن هؤلاء يريدون لكل أبناء شعبنا أن يكونوا مثلهم، مثلما أن العاهرة التي تحترف الزنا تتمنى لو كل النساء الشريفات يكنّ مثلها حتى لا يعيّرها أحد بعهرها ولا يطعن في شرفها.
✍️ فكن نسرًا يحلّق في الأعالي ويسكن القمم، ولا تكن دجاجة تُعلف لتُذبح. وإياك وأدعياء الواقعية والبرجماتية وتحقيق مصالح الطعام والشراب على حساب الكرامة والثوابت لأنهم وكلاء التدجين والترويض.
????إن لم تكن ابن حنبل فكن أبا الهيثم
✍️خلال الفتنة العظيمة التي عُرفت في التاريخ بفتنة خلق القرآن التي كانت زمن الخليفة العباسي المعتصم، وقد تأثر بعض علماء المسلمين بالفلسفة اليونانية والفارسية، ودار بينهم الجدال حول هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق، فكان أن وقع الكثير من العلماء في الفخ ورددوا أن القرأن مخلوق، وأصبح هؤلاء تيارًا جارفًا من يعارضه ويخالفه كأنه هو المخطئ وفي فهمه خلل. وزاد الأمر صعوبة أن الخليفة العباسي قد اعتقد بنفس الإعتقاد، وتعظم الفتنة حينما يتبناها الأمراء والعلماء ويروّجون لها.
▪️ لكن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله قد قال غير ذلك، قال إن القرآن كلام الله تعالى، وإذا كان الله تعالى لم يخلقه أحد وليس له والد ولا ولد فكيف يكون كلامه مخلوقًا. وراح بعض علماء السوء والحسّاد للإمام أحمد يحرضون الخليفة المعتصم عليه حتى أمر بسجنه إلا أن يتراجع عن مقولته ويقول ما يقوله المعتصم ومن معه وحوله من العلماء.
▪️ كان الإمام أحمد يعرف مقامه ومكانته بين الناس، وعرف لو أنه سيقول بما يقول هؤلاء العلماء فإن هذا سيكون سبب فتنة الناس الذين يثقون به وسيقولون ما يقول. قال الإمام أحمد رأيه بوضوح كوضوح الشمس من أن القرآن ليس مخلوقًا وثبت على ذلك فكان مصيره السجن ثم الحكم عليه بالجلد ثمانية عشر ألف سوط. وخلال وجوده في السجن بل وفي عتمة الزنزانة، وقعت معه قصة عجيبة زادت من ثباته وصبره واحتماله.
▪️ يقول ابنه عبد الله بن حنبل: “كثيرًا ما كنت أسمع أبي يقول: اللهم اغفر لأبي الهيثم اللهم ارحم أبا الهيثم. فقلت له: من أبو الهيثم يا أبتي؟ فقال: رجل من الأعراب لم أرَ وجهه، ففي الليلة التي سبقت جلدي، وضعوني في زنزانة مظلمة فسمعت رجلًا ينادي عليّ من الزنزانة المجاورة يقول: أأنت أحمد بن حنبل؟ قلت: أجل، قال: تعرفني؟ قلت: لا، فقال: أنا أبو الهيثم العيّار اللص، شارب الخمر، قاطع الطريق، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني جلدت ثمانية عشر ألف جلدة متفرقة وقد احتملت وصبرت وكان هذا في سبيل الشيطان وأنا على الباطل، أفلا تصبر يا إمام وأنت على الحق وفي سبيل الله؟ فقلت له: سأصبر يا أخي. فلما أوثقوني وبدأ الجلد وقلت في نفسي: اصبر في سبيل الله يا أحمد فإن لم تكن ابن حنبل فكن أبا الهيثم. فما أن كانت الجلدة الثامنة عشر حتى نودي لقد عُفي عن الإمام أحمد”.
✍️ فإذا كان الإمام أحمد وخلال سجنه قد وجد لصًا وقاطع طريق يدعوه للثبات على ما هو عليه، فإننا في زمان كثر فيه من يدّعون أنهم العلماء والدعاة، ومن يدّعون أنهم يسيرون على نهج القرآن فإنهم يدعون للتثبيط بدل التثبيت، إنهم المحبطون واليائسون والمتشائمون ممن يرون فيمن يدعو للتمسك بالثوابت وعدم التفريط بها، ومن يدعو الناس للتفاؤل والثقة بالله، وبأن المستقبل للإسلام وأن فرج الله آت، إنهم يسخرون بأمثال هذا بأنه يغرد خارج سربهم، وأنه يريد أن يحلّق ويطير بجناح الثقة والأمل، فأرادوا له أن يبقى في سربهم مثلما سخرت الدجاجات من النسر لما أراد التحليق، ومثلما سخر من قطعوا آذانهم ممن كانت له أذنان اثنتان فأرادوا له أن يقطع إحداهما حتى يكون مثلهم.
✍️فلهؤلاء المثبطين واليائسين أقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به. فلا تقطع أذنك ولا تكن دجاجة تدب على الأرض وكن نسرًا يحلّق في الفضاء، ولا تداهن في الحق، ولا تساوم على ثوابتك، وكن جبلًا في الثبات، وكن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا.
لا عزاء للمحبطين واليائسين والمتشائمين.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. مقالات ذات صلة وزير الإعلام اللبناني: العدو الإسرائيلي انتظر استراحة الصحفيين ليغدر بهم أثناء نومهم (صور) 2024/10/25
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف الشيخ كمال الخطيب تلک المملکة الإمام أحمد بین الناس أن یکون دجاجة ت لا تکن حتى أن
إقرأ أيضاً:
نائب رئيس جامعة الأزهر: العداوة والبغضاء سبب عدم إقامة العدل والمساواة بين الناس
عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء بالجامع الأزهر، ملتقى الأزهر الأسبوعي للقضايا المعاصرة تحت عنوان «العدالة في الإسلام ومفهوم المساواة»، بمشاركة الدكتور محمد عبد المالك، نائب رئيس الجامعة للوجه القبلي، والدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وأدار الملتقى الشيخ أحمد سنجق، الباحث بالجامع الأزهر، وحضور عدد من الباحثين وجمهور الملتقى. من رواد الجامع الأزهر.
وفي بداية الملتقى قال الدكتور محمد عبد المالك، نائب رئيس جامعة الأزهر: إن الحق سبحانه وتعالى يأمرنا بالعدل والإحسان كما في قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" واقتران العدل والإحسان في هذه الآية الكريمة بمكارم الأخلاق دليل على أن الأخلاق هي أساس كل عمل صالح وأن العدل والإحسان هما في مقدمة مكارم الأخلاق، والعدل هو التوسط بين أمرين دون إفراط أو تفريط، والمراد به التسوية بين الناس في كل شيء، والوسطية في كل شيء هي المنهج الذي جاء به الدين الإسلامي، كما أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه "بالعدل" ليبين لنا أن العدل قيمة عظيمة لا بد لنا أن نتمسك بها، كما ورد أيضا في موضع آخر من القرآن الكريم ما يدل على العدل "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وهو تأكيد على أهمية العدل في ضبط التعامل بين البشر، وعلينا أن نلتزم بمعنى العدل في كل شيء في حياتنا التزامًا.
وحذر نائب رئيس جامعة الأزهر، من أن تكون البغضاء والعداوة بين الناس سببًا في عدم إقامة العدل والمساواة، لأن في هذا مخالفة صريحة لتوجيهات الحق سبحانه وتعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" كما أن العدل بين الناس يكون بميزان الشرع وليس بميزان الأهواء، والنبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على العدل في كل أمر من أمور الدنيا كما بين في حديثه أنه من السبعة الأبرار الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله "إمام عادل" لأن العدل به تستقر الأمور وتسود الطمأنينة، وفي حديث آخر "إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة" ليبين لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكانة العدل في استقرار المجتمعات.
وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يغضب لقيمة العدل، وضرب أروع الأمثلة في ذلك بأن حلف أن يطبقه على أقرب الناس له إذا تطلب الأمر، فعندما أراد بعض الناس أن يشفع لامرأة سرقت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خطب في الناس قائلا: " إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وقال: والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدرس أن يعلمنا أن المجتمعات لا يمكن أن تستقر فيها الحياة بدون العدل، فاختلال المجتمعات إنما يكون بسبب غياب قيمة العدل في كل شيء.
وبين نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الصحابة رضوان الله عليهم عندما تأسوا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربوا أروع الأمثلة في العدل، فعندما رأى عمر رضي الله عنه مرة إبلاً ثمينة , فقال: (لمن هذه الإبل؟ قالوا: إنها لابنك عبد الله، قال: ائتوني به، فلما جاؤوا به, سأله: لمن هذه الإبل؟ قال: هي لي، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، فماذا فعلت؟ قال عمر لابنه: ويقول الناس: اسقوا هذه الإبل، فهي لابن أمير المؤمنين، ارعوا هذه الإبل, فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، بع هذه الإبل، وخذ رأس مالك، ورد الباقي لبيت مال المسلمين)، وهو دليل على أن القرابة لا يجب أن تكون سببًا في عدم إقامة العدل.
من جانبه قال الدكتور على مهدي، أستاذ الفقه المساعد بجامعة الأزهر، إن الإسلام هو دين العدالة، والعدالة ركن هذا الدين العظيم، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية شاهدة بشكل نظري وعملي على أن الدنيا لم تعرف أمة أقوم سبيلا وأهدى إلى تطبيق العدل في كثير من المواقف، من أمة الإسلام، لأنها أمة تعبد ربًا وصف نفسه بالعدل، كما أنها مأمورة بإقامة العدل ولو على نفسها، والقرآن الكريم بين لنا منهج " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" وهو منهج يأمر المسلم في سبيل العدل بالتخلص من علاقات النفس ومن علاقات القرابة، وهو دليل على أن هذه الأمة هي أمة العدل.
وأوضح أستاذ الفقه المقارن، أن العدل يجب ألا يقوم على الهوى والآراء والمجاملة، لأنه لا يمكن للعدل أن يستقيم في وجود هذه الأشياء، وكما أمرنا الإسلام بأن لا نجامل أو ننحاز في إقامة العدل، أمرنا أيضا ألا تحول العداوة والبغضاء بيننا وبين إقامة العدل " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، وكان النبي ﷺ يقيم العدالة في كل شيء في الحياة، لأن إقامة العدل ليست أمرًا ترفًا وإنما هي ضرورة لاستقامة الحياة.
وبين أستاذ الفقه المقارن، أن من أبشع أنواع الظلم أن يزرع الآباء الظلم بين أبنائهم من خلال تفضيل احدهما على الآخر كما في قصة بشير عندما أراد ان يهب لأبنه النعمان هبة وهي "بستان" فعندما ذهب بشير للنبي ﷺ وقال يا رسول الله إني وهبت لأبني النعمان "نحلة" أي عطية، هنا قال النبي ﷺ: له إخوة؟ قال : نعم ، قال : فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته ؟ قال بشير: لا ، قال النبي ﷺ : فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق"، وهنا أسس النبي ﷺ التسوية بين الأولاد في العطية، حتى لا تسود العداوة والبغضاء بين ذوي الأرحام، لأن الأقارب ينفس بعضهم على بعض أكثر ما ينفس بين الأعادي، لهذا وضعت المواريث من عند الله لكي لا يكون للإنسان تدخل فيها ضمانًا لإقامة العدل.
كما بين الشيخ أحمدالسنجق، الباحث بالجامع الأزهر، أن التشريع الإسلامي راعى أحوال المكلفين فإذا تماثلت أحولاهم ساوي بينهم وإذا اختلفت أحولاهم نجد أن التشريع يعدل بينهم، وهي مبلغ العدل لأن الحكمة الإلهية تقتضي أن يأخذ كل إنسان حقه، لهذا وصفت دولة الإسلام عبر تاريخها بأنها دولة العدل، لأنها طبقت منهج الإسلام في العدل في كل أمر من أمورها، ولا يمكن أن تضبط العلاقات الاجتماعية بين الناس بدون إعلاء قيم العدل والمساواة كما وضعها الإسلام.
يُذكر أن ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض القضايا الفكرية التي تمس المجتمع، بهدف بيانها وتوضيح رأي الإسلام منها، للوقوف على الفهم الصحيح لهذه القضايا من وجهة نظر شرعية منضبطة.