مقاطعة الانتخابات الأمريكية لحين وقف إطلاق النار في غزة
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
في قلب ولاية ميتشيغان، الولاية التي لعبت منذ فترة طويلة دورا حاسما في تحديد نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نشعر بهزة سياسية عميقة تحدث هناك. تغمر المظاهرات الشوارع، مع ارتفاع الأصوات ضد الإبادة الجماعية في غزة ولبنان واللافتات التي تدعو إلى إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين.
في انتخابات عام 2020، كان يُنظر إلى الأمريكيين العرب والمسلمين كمساهمين حاسمين في فوز جو بايدن في الولايات المتأرجحة الرئيسية، حيث ساعدت أصواتهم، كجزء من تحالف أوسع من الأقليات، في تأمين فوز ضيق في ولايات مثل ميتشيغان وبنسلفانيا وجورجيا. ولكن انتخابات 2024 تتجه إلى أن تكون قصة مختلفة، فهذه المرة يشير الناخبون العرب والمسلمين إلى أنهم قد لا يكونون على استعداد لدعم حزب سياسي يشعرون أنه تجاهل مخاوفهم، وخاصة فيما يتصل بالعنف الإسرائيلي غير المسبوق تاريخيا في غزة ولبنان. وفي ولايات مثل ميتشيغان، حيث يشكل العرب والمسلمون نسبة كبيرة من السكان، فإن احتمالات العواقب الانتخابية عميقة.
آثار هذا التحول تتجاوز انتخابات 2024. إذا نجح الأمريكيون العرب والمسلمون في مقاطعة الانتخابات أو تحويل أصواتهم إلى مرشحين من أطراف ثالثة، فقد يشير ذلك إلى بداية إعادة تنظيم أوسع في السياسة الأمريكية
ويتمثل جوهر هذا التحول في الشعور المتزايد بالخيانة، فقد كان الأمريكيون العرب والمسلمون، الذين ترجع جذور العديد منهم إلى بلدان متأثرة بالسياسة الخارجية الأمريكية، حساسين لفترة طويلة لتصرفات الإدارات الأمريكية في الشرق الأوسط. وعلى مدى عقود من الزمان، كانت هذه المجتمعات تراقب الحكومات الأمريكية المتعاقبة وهي تقدم الدعم غير المشروط لإسرائيل، حتى مع تسبب جرائمها في غزة والضفة الغربية في مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين. وبالنسبة للعديد من الأمريكيين العرب والمسلمين، فإن هذه ليست مجرد مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية، بل إنها أزمة أخلاقية ووجودية تضرب في قلب هوياتهم وأسرهم وإيمانهم.
تأتي انتخابات 2024 في وقت وصل فيه الوضع في غزة إلى نقطة تحول خطيرة، لقد خلفت الغارات الجوية المتواصلة والحصار والدمار عددا لا يحصى من القتلى المدنيين الفلسطينيين، وكثير منهم من النساء والأطفال. لا تقتصر صور الدمار على تقارير إخبارية بعيدة للأمريكيين العرب والمسلمين؛ بل إنها شخصية نظرا للروابط التي تربط هذه المجتمعات بأسر وعائلات في غزة ولبنان والشرق الأوسط. لقد ترك دعم إدارة بايدن الثابت لإسرائيل، وتوفير المساعدات العسكرية والغطاء الدبلوماسي، العديد من أفراد هذا المجتمع يشعرون بالغربة وخيبة الأمل.
أدى هذا الشعور بالخيانة إلى دعوات لمقاطعة انتخابات 2024. في ميتشيغان وعبر ولايات أخرى ذات أعداد كبيرة من السكان العرب والمسلمين، ينظم الناشطون مظاهرات واسعة النطاق وحملات سياسية للضغط على إدارة بايدن لتغيير موقفها من الحرب على غزة. المطلب واضح وهو أنه بدون وقف إطلاق النار في غزة، وبدون تحول ذي مغزى في السياسة الأمريكية، لن يشاركوا في الانتخابات. بالنسبة للحزب الديمقراطي الذي يعتمد على دعم المجتمعات الأقلية للفوز بالانتخابات المتقاربة، فهذا تهديد لا يمكن تجاهله.
ولكن أسباب هذا التحول تتجاوز العنف المباشر في غزة. فلسنوات، شعر الأمريكيون العرب والمسلمون بأن مخاوفهم -سواء كانت متعلقة بالحريات المدنية أو التمييز أو السياسة الخارجية- قد تم تهميشها من قِبَل الحزبين السياسيين الرئيسين. وفي حين أيدوا بايدن بأغلبية ساحقة في عام 2020، على أمل العودة إلى الحياة الطبيعية بعد الانقسام الذي شهدته سنوات ترامب، يشعر كثيرون الآن بأنّ ما يحدث في غزة والشرق الأوسط هو عبارة عن خيانة لأصواتهم، ويزعمون أن إدارة بايدن فشلت في الوفاء بوعودها، وخاصة في مجال السياسة الخارجية. والواقع أن الحرب في غزة عملت ببساطة على بلورة هذه الإحباطات.
كان الأمريكيون العرب والمسلمون تاريخيا كتلة تصويتية صغيرة، ولكنها مهمة. وفي حين يمثلون أقلية من الناخبين الإجماليين، فإن نفوذهم يتضخم في الولايات المتأرجحة، حيث يمكن حتى للتحول الطفيف في نسبة الإقبال على التصويت أن يقرر نتيجة الانتخابات. وميتشيغان مثال رئيس على ذلك. ففي عام 2020، فاز بايدن بولاية ميتشيغان بأكثر من 150 ألف صوت، وفي ولاية يقدر عدد سكانها من العرب والمسلمين بأكثر من 500 ألف نسمة، لعبت أصواتهم دورا حاسما. وفي عام 2024، قد تؤدي المقاطعة الجماعية من جانب الناخبين العرب والمسلمين إلى ترجيح الميزان لصالح الجمهوريين، وهو السيناريو الذي يثير قلق الاستراتيجيين الديمقراطيين بشدة.
إن ما يجعل هذه اللحظة ذات أهمية خاصة هو النضج السياسي المتزايد للمجتمع العربي والمسلم الأمريكي. لسنوات، كان هذا المجتمع مجزأ سياسيا، حيث تدعم الفصائل المختلفة أحزابا مختلفة على أساس القضايا المحلية أو التفضيلات الشخصية. لكن الحرب في غزة وحّدت العديد من الأمريكيين العرب والمسلمين حول قضية واحدة هي السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد أعطى هذا التوحيد المجتمع قوة سياسية جديدة، وهم على استعداد متزايد لاستخدامها. لم يعد الأمريكيون العرب والمسلمون راضين عن أن يُنظر إليهم على أنهم كتلة تصويتية ديمقراطية موثوقة، بل يشيرون إلى استعدادهم لحجب دعمهم ما لم يتم تلبية مطالبهم.
إن آثار هذا التحول تتجاوز انتخابات 2024. إذا نجح الأمريكيون العرب والمسلمون في مقاطعة الانتخابات أو تحويل أصواتهم إلى مرشحين من أطراف ثالثة، فقد يشير ذلك إلى بداية إعادة تنظيم أوسع في السياسة الأمريكية. لعقود من الزمان، شكلت المجتمعات الأقلية، بما في ذلك الأمريكيون من أصل أفريقي واللاتينيين والأمريكيين الآسيويين، بالنسبة للحزب الديمقراطي، فإن التحدي واضح. إذا كانوا يأملون في الاحتفاظ بدعم الأمريكيين العرب والمسلمين، فيجب عليهم أن يثبتوا أنهم على استعداد للاستماع إلى مخاوفهم واتخاذ إجراءات ذات مغزى. وقد يعني هذا الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، أو إعادة النظر في المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، أو الانخراط في دبلوماسية أكثر مباشرة مع القادة الفلسطينيينالعمود الفقري للائتلاف الانتخابي للحزب الديمقراطي. ولكن إذا تمكن الأمريكيون العرب والمسلمين من التعبئة حول مخاوفهم المشتركة والاستفادة من أصواتهم للمطالبة بالتغيير، فقد يلهم ذلك مجموعات مهمشة أخرى للقيام بنفس الشيء. وهذا من شأنه أن يمثل تحولا زلزاليا في السياسة الأمريكية، مما يجبر كلا الحزبين الرئيسيين على التعامل مع مخاوف الأقليات بجدية أكبر.
بالنسبة للحزب الديمقراطي، فإن التحدي واضح. إذا كانوا يأملون في الاحتفاظ بدعم الأمريكيين العرب والمسلمين، فيجب عليهم أن يثبتوا أنهم على استعداد للاستماع إلى مخاوفهم واتخاذ إجراءات ذات مغزى. وقد يعني هذا الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، أو إعادة النظر في المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، أو الانخراط في دبلوماسية أكثر مباشرة مع القادة الفلسطينيين. لكن الوقت ينفد فمع كل يوم يستمر فيه العنف في غزة، ينمو الغضب والإحباط داخل المجتمع العربي والإسلامي. إذا لم تتحرك إدارة بايدن قريبا، فإنها تخاطر بخسارة ليس فقط دعم الناخبين العرب والمسلمين، ولكن أيضا مكانتها الأخلاقية في قضايا حقوق الإنسان والعدالة.
تتجه انتخابات عام 2024 إلى أن تكون واحدة من أكثر الانتخابات أهمية في الذاكرة الحديثة، ليس فقط لمستقبل الولايات المتحدة ولكن لمستقبل الديمقراطية الأمريكية. إن المعارضة المتزايدة بين الناخبين العرب والمسلمين تعكس استياء أوسع نطاقا من نظام سياسي يتجاهل في كثير من الأحيان أصوات المجتمعات المهمشة، ولكنها أيضا تذكير بأن هذه المجتمعات تتمتع بالقوة، وهي مستعدة لاستخدامها. وسواء من خلال المقاطعات أو الاحتجاجات أو التنظيم السياسي، يطالب الأمريكيون العرب والمسلمون بأن تُسمَع أصواتهم. وفي انتخابات متقاربة النتائج، قد تكون مطالبهم العامل الحاسم.
وفي النهاية، فإن السؤال ليس ما إذا كان الأمريكيون العرب والمسلمون سيصوتون في انتخابات 2024، بل ما إذا كان الحزب الديمقراطي سيعطيهم سببا للقيام بذلك.
x.com/fatimaaljubour
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات غزة الديمقراطيين امريكا غزة انتخابات المسلمين الديمقراطيين مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تفاعلي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمریکیین العرب والمسلمین وقف إطلاق النار فی غزة فی السیاسة الأمریکیة للحزب الدیمقراطی السیاسة الخارجیة انتخابات 2024 على استعداد إدارة بایدن هذا التحول إذا کان
إقرأ أيضاً:
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـتهدئة التوترات بين تركيا وقسد بسوريا
(CNN)-- أكدت الولايات المتحدة أنها تتحدث مع تركيا وقوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) لتهدئة التوترات بينهما، وأضافت أن وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه بينهما في مدينة منبج بسوريا تم تمديده حتى نهاية الأسبوع.
وتتكون قوات "سوريا الديمقراطية" من مقاتلين أكراد من مجموعة تُعرف باسم "وحدات حماية الشعب"، والتي تعتبر منظمة "إرهابية" من قبل تركيا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في مؤتمر صحفي، الثلاثاء: "نتطلع إلى أن نرى وقف إطلاق النار ممتدًا قدر الإمكان في المستقبل"، وأضاف: "نواصل العمل على محاولة تهدئة الوضع في شمال شرق سوريا، ومنع اندلاع المزيد من الصراع".
ويأتي تمديد وقف إطلاق النار في الوقت الذي تراقب فيه الولايات المتحدة توغلا تركياً محتملا في كوباني، وتتحدث مع أنقرة و"قسد" حول تهدئة الوضع.
وتابع ميلر: "نحن نتفهم المخاوف المشروعة للغاية التي تشعر بها تركيا بشأن وجود مقاتلين أجانب داخل سوريا، ولذا فإننا نتحدث معهم بشأن هذه المخاوف ونحاول إيجاد طريق للمضي قدما".