أضحت موضوعة الإسلاموفوبيا اليوم مادة دسمة يخوض فيها الجميع ساسة وإعلاميون ومثقفون وكتاب وباحثون في علم الاجتماع وعلم النفس والقانون والتاريخ والحضارة والأديان فضلا عن مدوني الشبكة الاجتماعية التواصلية ومرتاديها.

وقد تحولت في السنوات الأخيرة إلى أداة سياسية لصناعة الرأي العام وتوظيفه في الحياة السياسية من قبل بعض الأحزاب والمنظمات في معظم المجتمعات الغربية.

والملفت اليوم هو تصاعد هذه الظاهرة وتوسعها وتكثف ممارساتها وتجلياتها تزامنا مع صعود الحركات السياسية اليمينية في أوروبا وأمريكا الشمالية، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية الأخيرة بالإضافة إلى تنامي الوجود الإسلامي في البلدان الغربية وبروزه كأحد المكونات الجديدة التي تلعب دورا مؤثرا في المعادلة السياسية في تلك المجتمعات. كما ساهمت الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وتحديدا في غزة طيلة العام الجاري وما حظيت به من تضامن إنساني عالمي في مناهضة صارخة لموقف الحكومات الغربية، في تفاقم الظاهرة واحتدام الجدل والنزاع حولها.

فهل الإسلاموفوبيا ظاهرة عرضية أم خطة استراتيجية وأداة جيو سياسية لإدارة الصراع التاريخي المزمن بين الإسلام والغرب؟ أي هل هي نتيجة طبيعية للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية ذات العلاقة بالإسلام والتفاعلات التي تنجم عن كل ذلك؟ أم هي مزيج بين الظاهرة العرضية والخطة الاستراتيجية، بناءً على السياق والظروف المحيطة بها؟.

السياق التاريخي للمفهوم

لئن كان مصطلح "الإسلاموفوبيا" بالمعنى المتداول في العالم الغربي اليوم يعتبر مصطلحا حديثا يعود  أساسا إلى بداية القرن الجديد الواحد والعشرين إثر انهيار المنظومة الاشتراكية (الخطر الأحمر) والغريم السابق لليبرالية الغربية وتزامنا مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 حيث تم ترشيح الإسلام وكل ما يمت اليه بصلة من مجموعات وأفكار  وثقافة وعقيدة الى اعتباره العدو الأول والجديد (الخطر الأخضر) للمنظومة والثقافة الغربية، إلا أن الإسلاموفوبيا (Islamophobia) كمفهوم بالمضمون الفكري الذي يختزنه، يعود إلى بدايات القرن العشرين حيث تم استخدامه من قبل مؤرخي الحقبة الاستعمارية  ليعبر عن كل سلوك أو تصرف يعكس حالة من الكراهية للإسلام أو "رُهاب الإسلام" أو الخوف المرضي من الإسلام. وقد تناول هذا الجانب الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن في مؤلفه "الإسلاموفوبيا: لماذا يخافون الإسلام؟" متوخيا منهج التحليل الفلسفي والثقافي لظاهرة الإسلاموفوبيا في السياق الغربي. ومركزا على كيفيات تشويه صورة الإسلام في الغرب وتأثيراتها على المسلمين.

هل الإسلاموفوبيا ظاهرة عرضية أم خطة استراتيجية وأداة جيو سياسية لإدارة الصراع التاريخي المزمن بين الإسلام والغرب؟ أي هل هي نتيجة طبيعية للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية ذات العلاقة بالإسلام والتفاعلات التي تنجم عن كل ذلك؟ أم هي مزيج بين الظاهرة العرضية والخطة الاستراتيجية، بناءً على السياق والظروف المحيطة بها؟.كما أن هناك من المؤرخين من يعيد المفهوم الى أبعد من كل ذلك، ليستدعي التاريخ الطويل من العلاقات المتوترة بين المسيحية والإسلام منذ العصور الوسطى ونشوب الحروب الصليبية الأولى التي غذّاها الخطاب البابوي المشحون بالعداء اللاهوتي القديم للدين والعقيدة الإسلامية في إطار الصراع التاريخي بين الحضارتين الإسلامية والغربية. بل هناك من يعتبر أن الجذور التاريخية للمفهوم تمتد إلى ما قبل الإسلام حيث كان العداء الغربي للشرق والثقافة الشرقية حتى المسيحية منها وسعي الغرب لاحتواء الشرق والهيمنة عليه ونهب ثرواته وتحويله الى تابع للمركزية الغربية، كما أشار إلى ذلك الدكتور محمد عمارة في كتابه "ظاهرة الاسلاموفوبيا: الجذور التاريخية والنهايات المنتظرة".

ويمكن إجمالا رصد ثلاث محطات تاريخية مرت بها هذه الظاهرة التي تقوم على العداء والكراهية والتحيز ضد الإسلام والمسلمين بشكل عام وهو ما يتجلى أكثر اليوم في التهميش الدولي لبلدان العالم الإسلامي ومنع نهضتهم وفي المعاناة المتفاقمة التي يعيشها الوجود الإسلامي في الغرب.

ـ المحطة التاريخية الأولى تعود إلى الفترة الممتدة من بداية العصور الوسطى (ما بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر) إلى حدود ما يعرف بعصر النهضة الذي ساد في أوروبا (من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر): شهد الشق الأول من هذه الفترة اندلاع الحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي (1095 ـ 1291) التي مثّلت ما يمكن عدّه الوجه المادي العسكري للإسلاموفوبيا وهو ما يعكس أشدّ درجات العداوة للإسلام باعتباره الدين الزاحف من الشرق أمام تراجع الكنيسة وهزيمتها في العديد من مراكزها التاريخية.

أما الشق الثاني أي عصر النهضة يمكن اعتباره الوجه الفكري الثقافي للاسلاموفوبيا من خلال الحملات والكتابات الاستشراقية المكثفة التي ليست في حقيقة الامر سوى استمرارا للحملات الصليبية الأولى، وزادت من تأجيج الكراهية والعداء الغربي المسيحي للإسلام والمسلمين بالرغم من الاهتمام الملحوظ والدقيق لبعض الكتابات التي تعمقت في دراسة الإسلام وما يزخر به من ثروة فكرية وفقهية آنذاك استفاد منها الفكر الغربي لاحقا. إلا أن الكثير من الكتابات الأوروبية ظلت معادية ومليئة بالأحكام المسبقة، حيث كان يُنظر إلى الإسلام على أنه تهديد للغرب ونسف للديانة المسيحية.

ـ المحطة الثانية تشمل مرحلة الاستعمار الأوروبي لمعظم دول العالم الإسلامي ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث زادت ظاهرة الإسلاموفوبيا بسبب التوسع الأوروبي في البلدان الإسلامية. واتسمت هذه المرحلة ببسط الهيمنة والنفوذ للقوى الاستعمارية على الصعيدين السياسي والثقافي، وتم تشويه الإسلام وتصويره كدين رجعي مناهض للتقدم ومعيق للتنوير، وهو ما يبرر الفكرة الاستعمارية ذاتها. كما تم استغلال التصورات السلبية عن المسلمين لتعزيز أهداف الاستعمار، حيث تم تصويرهم بأنهم "غير قادرين" على حكم أنفسهم، مما يتطلب تدخل القوى الغربية.

ـ المحطة الثالثة وتمتد من تاريخ ما بعد الاستعمار المباشر إلى يومنا هذا: وقد شهدت هذه الفترة مباشرة مع انتهاء الاستعمار موجات متتالية من هجرة المسلمين إلى أوروبا وأمريكا الشمالية مما عزّز الوجود الإسلامي في الغرب وفرض الاحتكاك المباشر معه معادلة جديدة تحتاج إلى تكيف مع الواقع حيث انتقل المسلمون المقيمون في تلك البلدان من صفة مهاجرين إلى صفة مواطنين وإن كانوا لا يزالون مواطنين من درجة ثانية من حيث التمتع بحقوقهم الاقتصادية والسياسية في أغلب الدول الغربية. وفي العقود الأخيرة، زاد انتشار الإسلاموفوبيا خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. التي ساهمت في تكريس الصور النمطية السلبية تجاه المسلمين، وربط الإسلام بالإرهاب في معظم وسائل الإعلام الغربية. كما تزايدت كذلك الإسلاموفوبيا بسبب الأحداث السياسية في العالم الإسلامي، مثل الحروب في الشرق الأوسط وتصاعد التيارات المتطرفة، مما جعل الإسلام والمسلمين في مرمى العداء في بعض الدول الغربية. في هذا السياق يرصد سعيد شحاتة في كتابه "الإسلاموفوبيا والعولمة" انتشار الإسلاموفوبيا في اطار العولمة وتأثير العلاقات الدولية على تصاعد هذه الظاهرة، وانعكاساتها على الوجود الإسلامي في الغرب.

التجليات أو الأحداث البارزة

يمكن القول إن ازدهار ظاهرة الإسلاموفوبيا المعاصرة انطلق مع أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة التي شكلت صدمة كبرى للعالم بأسره وتم توظيفها إعلاميا على أكبر نطاق وتوجيه سهام الاتهام ليس إلى من قام بتنفيذها ـ وهو أمر لم يعد اليوم لغزا ولا طلسما ـ  وإنما إلى الإسلام برمته وإلى المسلمين أجمعين. وشكلت بالتالي شحنة جديدة لتغذية الإسلاموفوبيا وتأجيج منسوب الحقد والكراهية ووصمه بكل النعوت الوحشية والبربرية وما إلى ذلك. ولم تفوت الولايات المتحدة الأمريكية هذه الفرصة الذهبية لإعلان الحرب على الإسلام وتنفيذ هجمات لا تقل بشاعة عما جرى في تلك الاحداث وأبيد الملايين من شعوب المنطقة سواء كان في أفغانستان أو العراق تحت عنوان مقاومة الإرهاب وملاحقة جماعاته التي بينت الأحداث اللاحقة تورط الاستخبارات الدولية والأمريكية تحديدا اختراقها لتلك الجماعات بل وضلوعها في تكوينها منذ البداية وتوجيهها ضمن أجندة لا يمكن إلا أن تندرج في خانة تغذية الإسلاموفوبيا وملاحقة الإسلام.

في هذا السياق تتالت الاحداث التي تستهدف الوجود الإسلامي في الغرب والتضييق عليه ومحاصرة رموزه مثل سن قانون حظر الرموز الدينية في فرنسا عام 2004 والذي شمل الحجاب الإسلامي ودشّنت مرحلة جديدة من الاحداث الإرهابية على غرار الهجمات على النساء المحجبات في فرنسا عام 2013 والهجوم ضد الصحيفة الساخرة من نبي الإسلام عليه الصلاة و السلام "شارلي هيبدو" في باريس عام 2015،  واحداث القتل في كيبك بكندا عام 2017 وحرق المركز الإسلامي في تكساس بأمريكا وهجوم لندن في نفس العام واحداث المسجدين في نيوزلندا 2019 واحداث المانيا عام 2020 والنرويج عام 2022 وغيرها.

وقد لعب الإعلام إلى جانب التحريض دورًا مهمًا في تضخيم الاحداث التي تساعد على تغذية ظاهرة الإسلاموفوبيا، والصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين بشكل متكرر كمصدر للتهديد. ويعتبر الكاتب الفلسطيني ادوارد سعيد من الأوائل الذين درسوا هذا الدور في كتابه "تغطية الإسلام" ( Covering Islam ) حيث قدم تحليلاً عميقاً لكيفية تغطية الإعلام الغربي للإسلام، وهو جهد ضروري ومهم لفهم جذور الإسلاموفوبيا في الخطاب الغربي. كما ساهم صعود الحركات السياسية اليمينية في أوروبا وأمريكا الشمالية، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية، في زيادة الإسلاموفوبيا، حيث أصبحت الهجرة والمجتمعات الإسلامية هدفًا للخطاب السياسي الشعبوي لتلك التيارات.

العرضي والاستراتيجي من الظاهرة

يلحظ الراصد لتطور ظاهرة الإسلاموفوبيا المعاصرة جمعها بين الطابع العرضي الذي قد يبدو أحيانا والخط الاستراتيجي على المدى الطويل الذي لا تخطئه العين البصيرة الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى ترسيخ كراهية الإسلام في عقول الناس وعدم تفويت أي فرصة تتاح أو أي حادث عرضي لتجذير ذلك وإعادة تدويره بهدف صناعة رأي عام متحيز ضد الإسلام والمسلمين ومتوتر إزاء الحظوة المتزايدة التي يلقاها لدى الجمهور الغربي ولا سيما الشبابي منه وتنامي الإقبال عليه كدين جاذب للأفكار والارواح أمام التراجع الملحوظ للفكر الكنسي وانغلاق الفكر التلمودي.

إن ازدهار ظاهرة الإسلاموفوبيا المعاصرة انطلق مع أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة التي شكلت صدمة كبرى للعالم بأسره وتم توظيفها إعلاميا على أكبر نطاق وتوجيه سهام الاتهام ليس إلى من قام بتنفيذها ـ وهو أمر لم يعد اليوم لغزا ولا طلسما ـ وإنما إلى الإسلام برمته وإلى المسلمين أجمعين.قد تبدو أحداث العنف المنسوبة حقا أو باطلا لبعض المسلمين سببا عارضا لتزايد الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية وهي أحداث موسمية طارئة تبدو وكأنها نتيجة طبيعية للأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية كتلك التي نجمت اثر صدور كتاب "الآيات الشيطانية" عام 1988 الذي تطاول فيه كاتبه البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي على نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، أو الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول في الدانمارك عام 2005 أو في فرنسا عام 2015. قد تكون كل تلك الأحداث وغيرها ظاهرة عرضية نتجت كردود أفعال عن سلسة الاستفزازات والإساءات المتكررة عمدا ضد الإسلام ورموزه، ولكن ذلك لا يمكن أن يحجب الخيط الناظم للملاحقة الإعلامية والفكرية والثقافية التي تنتهجها القوى اليمينية المتطرفة الرافضة للوجود الإسلامي والمتحفزة ضد مقبولية الإسلام في النخب والأوساط الاجتماعية الغربية. فالإسلاموفوبيا بهذه الصورة ليست رُهاب الإسلام أو الخوف من الإسلام كما يروج البعض من المحللين للظاهرة وانما هو التخويف من الإسلام وزرع بذور الكراهية ضده ضمن خطة استراتيجية محكمة لم تنقطع حلقاتها منذ عهد الاستشراق الأول وما أورثته الحروب الصليبية في العصور الوسطى من حقد دفين. فلم تعد هذه الخطة مخفية أو تدار حلقاتها في الظلام ولكنها أضحت مكشوفة للعيان وأمام مرأى الجميع. ويكفي التوقف عند التصريحات المثيرة لرؤساء دول غربية كبرى كالرئيس الفرنسي ماكرون وسلفه ساركوزي والرئيس الأمريكي السابق ترمب التي أثارت ضجة إعلامية دولية للتدليل على هذه الحقيقة.

من حسن حظ الوجود الإسلامي في الغرب أن هذه التصريحات والمواقف النشاز لا تعبر إلا عن جزء من المجتمع الغربي المشحون عبر وسائل الاعلام ودورها التضليلي ضد الإسلام والمسلمين وأن هناك جزءا آخر معتبرا لا يحمل مشاعر الإسلاموفوبيا ويقف موقفا موضوعيا بعيدا عن التحيز والكراهية. ولا أدل على ذلك من التحركات التضامنية المشرفة التي قام بها طلاب الجامعات الغربية مساندة لغزة التي تتعرض لأكبر إبادة جماعية في التاريخ الحديث على يد الصهيونية العالمية.

كشفت هذه الأحداث الكبرى عن الوجه الحقيقي لظاهرة الإسلاموفوبيا حيث كونها تنم عن خطة استراتيجية للأحزاب اليمينية الصاعدة تستخدم كأداة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية محددة، وخصوصًا في الحملات الانتخابية، حيث تستغل تلك الأحزاب والحركات السياسية الإسلاموفوبيا لكسب دعم الناخبين عبر تصوير الإسلام على أنه تهديد للأمن القومي أو للهوية الوطنية مما يساعد في تعزيز القاعدة الشعبية لهذه الأحزاب.

كما أن بعض الدراسات تشير إلى وجود صناعة قائمة حول الإسلاموفوبيا، حيث توجد مؤسسات إعلامية ومنظمات تنشر عن عمد معلومات مضللة أو مشوهة حول الإسلام لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية. وهذا يشمل تمويل بعض مراكز الأبحاث والمنظمات التي تتبنى خطابًا معاديًا للإسلام وتروج لسياسات تمييزية. وتستخدم الإسلاموفوبيا كذلك كأداة استراتيجية في السياسات الخارجية لبعض الدول، حيث يُوظف الخوف من الإسلام لتبرير التدخل العسكري أو السيطرة الاقتصادية على دول إسلامية وهو ما يمكن من خلاله من تبرير الحروب أو التدخلات العسكرية ضد تلك الدول ذات الأغلبية المسلمة على أساس محاربة "التطرف" أو "الإرهاب"، مما يعزز أجندات استراتيجية معينة.

خاتمة

يحيلنا الربط بين العرضي والاستراتيجي في فهم ظاهرة الإسلاموفوبيا وتطورها التاريخي إلى بعض الخلاصات والاستنتاجات المهمة:

ـ أولها أن الإسلاموفوبيا باعتبارها مسارا وخطة استراتيجية يشتغل عليها أصحابها منذ زمن بعيد ليست بمعزل عن مقولة صدام الحضارات التي طرحها الأمريكي صامويل هنتغتون في نظرته لإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد هذا النظام الذي أصبح مطلبا لا مفر منه لإنقاذ العالم والبشرية من براثن الليبرالية الجديدة الأكثر توحشا في التاريخ. فالعلاقة بين الظاهرة والمقولة علاقة جدلية مترابطة يخدم كل منهما الاخر. فالاستثمار في الإسلاموفوبيا يفضي الى اسعاف نظرية صدام الحضارات خصوصا وأن صاحبها بوّأ الإسلام والحضارة الإسلامية مكانة الصدارة في هذا الصدام المنتظر. كما أن تحقق التنبؤ بصدام الحضارات يحتاج إلى أدوات لتهيئة المناخات التي تمهد لهذا الصدام، ولا شك أن الإسلاموفوبيا هي احدى تلك الأدوات.

ـ الثاني العلاقة بين العرضي والاستراتيجي هي أيضا علاقة جدلية يصب كل منهما في رصيد الآخر، حيث أن الاحداث العارضة والطارئة التي تفرزها التوترات الإقليمية والدولية وتقود الى سلوكيات عدائية ضد الإسلام والمسلمين تخدم الاهداف الاستراتيجية للاسلاموفوبيا التي تراهن على الفعل التراكمي. كما أن تلك الأهداف الاستراتيجية لا يمكن تحقيقها مرة واحدة وإنما من خلال توظيف الاحداث والظواهر العرضية من أجل بناء نسق استراتيجي يعزز المسار ويخدم الخطة على المديين المتوسط والطويل.

ـ الثالث يتعلق بمستقبل هذه الظاهرة في ظل الصراع الدولي الدائر على قيادة النظام الدولي الجديد والذي دشن مرحلته الأولى بالتعددية القطبية مع بروز مجموعة البريكس وتوسعها إلى البريكس+ لتضم دولا من العالم الإسلامي كإيران ومصر والسعودية والإمارات، وهو ما يعكس نزوعا ضمنيا من هذه الدول إلى تنويع علاقاتها الخارجية وعدم الارتهان إلى المنظومة الغربية التقليدية التي تعتبر الوعاء الثقافي والحضاري للإسلاموفوبيا. 

ـ الرابع يتعلق بمستقبل الوجود الإسلامي في الغرب في ظل تصاعد الإسلاموفوبيا على يد الأحزاب اليمينية المتطرفة التي ما فتئت تكتسح الركح في معظم البلدان الغربية وبالخصوص الأوروبية منها حيث تستخدم هذه الأحزاب الإسلاموفوبيا كأداة سياسية للصعود الى الحكم من جهة وتمرير سياسات تمييزية أكثر ضد الوجود الإسلامي عندما تكون في الحكم من جهة أخرى بما في ذلك ممارسة المزيد من المضايقات على المساجد والمراكز والمؤسسات الإسلامية واستهداف الرموز الدينية وفرض المزيد من القيود على الهجرة.

لكن من يدري فالشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده. ربما يدفع تصاعد الإسلاموفوبيا بشكل غير مسبوق إلى ردة فعل غير محسوبة من قبل الشعوب والمجتمعات الغربية التي بدأ جزء هام منها يستفيق على وقع طوفان الأقصى.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الرأي الغربية العلاقات المسلمون علاقات الغرب مسلمون رأي أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ضد الإسلام والمسلمین ظاهرة الإسلاموفوبیا الولایات المتحدة الإسلاموفوبیا فی العالم الإسلامی خطة استراتیجیة هذه الظاهرة من الإسلام کما أن وهو ما

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: الإسلام وضع أسس الوحدة وجعلها أصلًا من أصول الدين

أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الإسلام وضع أسس الوحدة بين المسلمين وجعلها أصلًا من أصول الدين ومقصدًا من مقاصده العليا.

وأوضح أن الفتوى تمثل وسيلة راشدة لترسيخ هذه الوحدة الجامعة من خلال الخطاب الوسطي الذي يجمع ولا يفرق ويعلي من قيم الرحمة والتعايش والتعاون بين أبناء الأمة.

وقال إن الدين الإسلامي حين نظر إلى المسلمين نظر إليهم كأمة واحدة لا كجماعات متفرقة، فجعل كلمة التوحيد أصلًا يجمعهم، ووحد صلاتهم وصومهم وحجهم في مواعيد ومظاهر تعكس معاني التآلف والاصطفاف الإيماني. 

دعاء للأم بالصحة والعافية.. ردّده يحفظها الله من كل مكروه وسوءدعاء بعد صلاة الليل مفاتيح الجنان .. أدركه بـ 6 كلمات مُستجابة

وأضاف أن قوة الأمة تكمن في وحدتها وتماسكها، وأن مظاهر العبادة من صلاة وصوم وزكاة وحج تؤكد أن الإسلام قد صاغ مشروعًا متكاملًا لبناء أمة واحدة قادرة على أن تشهد على الناس جميعًا وأن الوحدة هي سر البقاء والعزة، وأن الخلاف والفرقة لا يثمران إلا الضعف والهوان، وقد جاءت النصوص القرآنية لتؤكد ضرورة الاعتصام بحبل الله ونبذ التنازع الذي يؤدي إلى الفشل وضياع القوة، مستشهدًا بقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا)، وبقوله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

كما أشار فضيلته إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التقاتل والاختلاف، وشبه المؤمنين في توادهم وتعاطفهم بالجسد الواحد الذي يتألم كله إذا اشتكى منه عضو، مستشهدًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

جاء ذلك خلال كلمة فضيلته في الندوة المدنية العالمية عقيدة أهل السنة والجماعة تحت عنوان «دور مؤسسات الفتوى في توحيد الأمة».

وأوضح مفتي الجمهورية، أن الوحدة الإسلامية تمثل القلب النابض للأمة، وهي الحارس الأمين الذي يصونها من المتربصين والماكرين، وأن دعوتنا إلى الوحدة لا تعني أبدًا الانغلاق عن الآخرين، بل هي خطوة نحو تحقيق الوحدة الإنسانية الجامعة القائمة على البر والعدل والتعاون، وأكد أن على الأمة الإسلامية أن تعي أن وحدتها وتماسكها هما الطريق إلى الحفاظ على تراث الإنسانية وخدمة السلام العالمي.

وأشار إلى أن الوحدة الإسلامية التي دعا إليها الإسلام تتسق مع السنن الكونية والحضارية التي تحكم بقاء الأمم وازدهارها، وأن التفريط في هذه الوحدة هو تفريط في وجود الأمة ومكانتها وشدد فضيلته على أن هذه الوحدة تجعل كلمة المسلمين مسموعة في العالم ومؤثرة في القرارات الدولية.

ولفت إلى أن قضية فلسطين تبقى أبرز دليل على ازدواجية المواقف الدولية تجاه قضايا المسلمين، وهي القضية التي تمثل ميزان الحق والعدل في ضمير الإنسانية، مثمنًا مواقف الدول العربية والإسلامية المخلصة، وفي مقدمتها مصر وماليزيا، في دعم القضية الفلسطينية وصون حقوق أبنائها

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن تحقيق الوحدة الإسلامية يتطلب خمسة مسارات رئيسة، هي التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية، ووقف توظيف الخلافات التاريخية، والالتفاف حول الأصول المشتركة الجامعة، وتقبل الاختلافات الفقهية بروح علمية راشدة، ونبذ التطرف والغلو والتمسك بالقيادات الدينية والسياسية الرشيدة، محذرًا من الانشغال بالخلافات المذهبية التي استغلها المتربصون لإضعاف الأمة وتمزيق صفها وأوضح فضيلته أن الانتماء الوطني لا يتعارض مع الانتماء الإسلامي بل يتكامل معه في خدمة الإنسان وبناء الأوطان، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)، ومؤكدًا أن حب الوطن غريزة فطرية أقرها الإسلام وجعلها جزءًا من الإيمان والولاء الصادق للأمة والدين.

وأوضح فضيلته أن الفتوى تمثل ركيزة أساسية في بناء الوعي وضبط السلوك الشرعي، ومعناها الاصطلاحي هو تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه، وهي مهمة جليلة لا يقدر عليها إلا من جمع بين العلم والتقوى، فمن تصدى لها دون علم فقد تجرأ على الله ورسوله وأسهم في تفريق الأمة وإضعاف وحدتها.

وذكر أن الله تعالى تولى منصب الإفتاء بنفسه كما قال سبحانه: ﴿ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن﴾، وجعل الإفتاء من وظائف النبوة لقوله تعالى: ﴿وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون﴾، وأن الفتوى كانت ولا تزال من أبرز وسائل البيان والدعوة إلى الله تعالى، إذ يقوم المفتي بدور الداعية والمرشد والمصلح الاجتماعي، يوجه المستفتي إلى طريق الهداية والصواب، ويعالج القضايا الفردية والأسرية والمجتمعية بالحكمة والبصيرة، ويزيل الشبهات المتعلقة بالإسلام بالحجة والبرهان.

وأكد فضيلته أن الفتوى تعد صمام أمان يحمي الأمة من الانحراف والتطرف، ويحصن وعيها من الأفكار الهدامة، وتتكامل مع الجهود التربوية والإعلامية والقانونية في ترسيخ الأمن الفكري وبناء الإنسان، كما تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز الانتماء الوطني وترسيخ الهوية الجامعة وإعلاء قيم المواطنة والتسامح والتعايش وقبول التنوع، وتجمع بين العقل والنقل في منظومة فكرية متكاملة تسهم في النهضة الحضارية ودعم الإبداع والابتكار والفن الهادف الذي يعزز القيم الأخلاقية والإنسانية.

وأوضح أن الفتوى تظل الحارس الأمين على فكر الأمة ووحدتها، تحميها من الفتن والاضطرابات وتمنع تمزق الصف وتفرق الكلمة، وتثبت المجتمع أمام حملات التشكيك والتشويه التي تستهدف ثوابته وهويته.

وبيّن فضيلته أن مؤسسات الفتوى الرسمية تواجه اليوم تحديات جسيمة مادية ورقمية تهدد وحدتها ورسالتها، من أبرزها تصدر غير المتخصصين للفتيا، ممن تجرؤوا على القول في دين الله بغير علم، دون تأهيل علمي أو انتساب إلى المؤسسات الراسخة، فصاروا خطرًا على وعي الأمة، وهؤلاء داخلون في الوعيد النبوي في قوله ﷺ (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)، وقوله ﷺ (من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه).

وأكد أن السلف الصالح كانوا يدركون خطورة هذا المقام، فقد قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله ﷺ فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا) وقال ابن مسعود رضي الله عنه: من أفتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون، مبينًا أن علماء الأمة كانوا يرون الفتوى مقامًا عظيمًا لا يتصدر له إلا من جمع بين العلم والفهم والورع والبصيرة بالواقع واستشهد فضيلته بقصة صاحب الشجة الذي أُفتي بغير علم فاغتسل فمات، فقال النبي ﷺ: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال).

وقال إن هذه الحادثة تجسد خطورة القول على الله بغير علم وأوضح أن هؤلاء المتصدرين بغير علم أضروا بالإسلام أكثر مما نفعوا، واتخذ أعداء الدين من فتاواهم المشوهة وسيلة لتشويه صورته عالميًا، داعيًا إلى التصدي لهم ونشر الوعي الصحيح الذي يحصن الناس من الانسياق خلف هذه الأصوات المتطفلة.

ونبّه فضيلة مفتي الجمهورية، إلى فوضى الفتاوى في الفضاء الافتراضي التي تصدر من غير ذي صفة، مخالفة لمقاصد الشريعة، فأصبحت سببًا للطعن في الإسلام وتشويه صورته، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على انتشارها حتى صار كل من يملك صفحة إلكترونية يظن نفسه أهلًا للإفتاء، مما انعكس سلبًا على الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي، مؤكدًا أن تسميتها "فتاوى" من باب المجاراة فقط، لأنها في حقيقتها دعوات إلى الإفساد في الأرض.

وخلال الكلمة أشار فضيلة المفتي إلى أن مما يزيد الأمر خطورة في عصرنا الحاضر سرعة انتشار الفتاوى المضللة وتداولها دون رقيب أو وازع مما يزعزع الثقة في المرجعيات الدينية الرسمية ويثير البلبلة في نفوس العامة خاصة في القضايا المعقدة التي تحتاج إلى تأصيل علمي ونظر دقيق مؤكدًا أن المؤسسات الدينية مطالبة اليوم بتكثيف جهودها في مراقبة المشهد الإفتائي وتعزيز حضورها في الفضاء الرقمي وتأهيل الكوادر القادرة على التفاعل مع المستجدات ومخاطبة العقول بلغتها المعاصرة مع الالتزام بالمنهج الرشيد الذي يجمع بين الأصالة والتجديد.

وأوضح أن ما نراه من بعض الفتاوى الشاذة المتعلقة بمسائل المرأة والتي تنكر عليها حقوقها الفطرية والأسرية والمجتمعية وتمتنع عن ذكر أسمائها بزعم أن ذلك عيب أو باب من أبواب الفتنة إنما هو لون من ألوان الانحراف الفكري البعيد عن هدي الإسلام وسماحته مبينًا أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى في أوائل البعثة صفية بنت عبد المطلب وفاطمة بنت محمد رضي الله عنهما داعيًا إياهما إلى معرفة الله والإيمان به وحده وأنه لم يُعرف عن أحد من الفقهاء أنه قال إن اسم المرأة عورة أو صوتها عور.

واعتبر أن هذه النماذج ليست إلا أمثلة على فتاوى شاذة أوقعت الناس في الحيرة والاضطراب وشوهت صورة الإسلام وأضرت بثقة الشباب في دينهم ودعت بعضهم إلى الإلحاد والانحراف الفكري، داعيًا إلى تكاتف الجهود في مواجهتها والحد من آثارها المدمرة على الوعي العام.

وذكر فضيلته أن جماعات العنف والتطرف حاولت النفاذ إلى قلوب الناس عبر الفتوى الدينية فأنشأت مواقع وصفحات تحمل أسماء براقة وأصدرت كتابات تتضمن محتويات إفتائية باطلة في قضايا فكرية ومجتمعية بالغة الخطورة تتعلق بتكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم بدعوى الردة لأدنى سبب حتى تطورت هذه الفتاوى إلى إباحة الحرق وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث وتقديم ذلك كله على أنه من الإسلام وهو منه براء، ما أدى إلى تشويه صورة الدين وإثارة الفتن وزعزعة الاستقرار المجتمعي والدولي.

وأوضح أن من أبرز مظاهر الخلل كذلك انتشار مسلكي التساهل والتشدد في الفتوى بين بعض المتصدرين للإفتاء حيث نجد من يتساهل في التكييف الشرعي بما يخالف مقاصد الشريعة الكلية ومن يتشدد بلا فقه فيضيق على الناس وينفرهم من الدين وقد نهى العلماء عن هذين الطرفين لما فيهما من إخلال بوظيفة الإفتاء وانحراف عن مقصوده الأصيل في التيسير والرحمة بالناس مستشهدًا بقول الإمام النووي رحمه الله: يحرم التساهل في الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه، مشيرًا إلى أن الدين في جوهره يسر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

وبيَّن فضيلته أن ضعف التأهيل العلمي والروحي لدى بعض المتصدرين للفتيا يعد من أخطر أسباب الانحراف في الإفتاء لأن المفتي لا بد أن يجمع بين العلم الراسخ والتقوى والبصيرة بالواقع ومقاصد الشريعة وأن غياب المرجعية المؤسسية الموحدة للإفتاء في كثير من المجتمعات أتاح الفرصة للفوضى الإفتائية والفكرية أن تستشري وأضعف الثقة في المؤسسات الرسمية مما يستدعي إعادة الاعتبار لها وتعزيز دورها في قيادة الوعي الديني وبناء خطاب شرعي رشيد يجمع بين الأصالة والتجديد.

وأكد أن المنهجية الصحيحة لصناعة الفتوى الرشيدة تقتضي معالجة القضايا بمنهج قرآني منضبط ينطلق من النصوص المحكمة ويستأنس باجتهادات العلماء قديمًا وحديثًا لتحقيق التوازن بين المصالح والمفاسد دون تقديس للأقوال أو جمود على الاجتهادات القديمة مع ضرورة التجديد في ضوء فهم عميق للواقع المعاصر.

تأتي هذه المشاركة في إطار التعاون العلمي والتواصل الحضاري الذي ترسخه دار الإفتاء المصرية مع المؤسسات الدينية والفكرية في مختلف دول العالم، انطلاقًا من دورها الرائد في نشر الفكر الوسطي وتبادل الخبرات في مجال الإفتاء وصناعة المفتي الرشيد، حيث تعمل الدار على نقل تجربتها المتكاملة في تطوير المنظومة الإفتائية وبناء الوعي الديني المستنير القائم على الفهم العميق للنصوص الشرعية واستيعاب متغيرات العصر، بما يعزز من حضور الإسلام في ساحات الحوار الإنساني ويُسهم في ترسيخ قيم الرحمة والعقلانية والتعايش، ويجعل من الفتوى رسالة حضارية تسهم في تحقيق الاستقرار الفكري والمجتمعي بين الشعوب، وفي إطار السعي إلى توحيد كلمة المسلمين في مجال الفتوى وتنسيق الجهود بين هيئاتها المختلفة، تم تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لتكون المظلة الجامعة التي تحتضن هيئات الإفتاء في الدول الإسلامية ولدى الجاليات المسلمة حول العالم، انطلاقًا من إيمانها بأن الفتوى الصحيحة تمثل إحدى الركائز الرئيسة في توحيد الأمة وبناء الفرد والمجتمع والدولة على أسس من الوعي والاستقرار والفاعلية بين الأمم.

وتسعى الأمانة العامة إلى تحقيق منظومة متكاملة من الأهداف والمقاصد السامية، في مقدمتها دعم السلم الوطني والعالمي من خلال مواجهة الفكر المتشدد ومحاربة الفتاوى المنحرفة ونشر قيم الوسطية والاعتدال، إلى جانب إعداد وتأهيل القيادات الدينية القادرة على تجسيد قيم التعايش المشترك والانفتاح على الثقافات الإنسانية بروح من الفهم العميق والتوازن الدقيق.

كما تعمل الأمانة على تبادل الخبرات العلمية والعملية والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء، وتقديم الاستشارات العلمية والشرعية التي تسهم في تطوير الأداء الإفتائي ورفع كفاءته، فضلًا عن بناء شراكات علمية ومؤسسية تعزز المنهج الوسطي في بلادها بوصفه خط الدفاع الأول عن صحيح الدين، والمشاركة في تجديد الخطاب الديني عبر تقديم النماذج الواقعية في التجديد والتطوير وترسيخ المفاهيم البناءة التي تُسهم في تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام ومواجهة الفكر المتطرف الذي يسعى إلى تشويه رسالته السمحة.

وتمضي الأمانة العامة في عملها لتحقيق التكامل بين دور وهيئات الإفتاء وتقريب وجهات النظر بينها عبر التشاور العلمي والتنسيق المؤسسي، ودعم العلماء أصحاب المنهج الوسطي المعتدل، وتعزيز التقريب بين المذاهب الإسلامية المعتبرة بما يرسخ روح الوحدة بين أبناء الأمة كما تولي الأمانة اهتمامًا كبيرًا بإعداد الكوادر الإفتائية وتنمية مهاراتها الميدانية والبحثية، والتصدي لكل صور الفوضى والتساهل أو التشدد في الفتوى حماية لقدسية هذا المقام الجليل، إلى جانب نشر القيم الحضارية للإفتاء في العالم والمشاركة في صياغة فلسفة البناء الإنساني القائم على العدل والرحمة والعلم والعمل.

وفي ختام الكلمة، أكد فضيلة المفتي أن الفتوى ليست مجرد بيان حكم شرعي في مسألة جزئية، بل هي رسالة سامية تسهم في بناء الوعي وترسيخ الاستقرار وتوحيد صف الأمة على منهج الوسطية والاعتدال، وأن دار الإفتاء المصرية بما تمتلكه من خبرات علمية ورؤية واعية ماضية بإذن الله تعالى في أداء رسالتها العالمية ترسيخًا لمنهج الاعتدال ودعمًا لجهود السلم والتعايش، وإيمانًا منها بأن الإسلام دين رحمة وعدل وعلم وعمل، وأن التعاون بين المؤسسات الدينية والمجتمعية في العالم هو السبيل لتحقيق وحدة الأمة الإسلامية وجمعها على كلمة سواء.

طباعة شارك مفتي الجمهورية نظير عياد الوحدة الإسلامية دور مؤسسات الفتوى في توحيد الأمة

مقالات مشابهة

  • الإغلاق الحكومي بأميركا يدخل أسبوعه الرابع والتداعيات تصل ألمانيا
  • الشّيخ القاسمي: قيم الديمقراطيّة في بريطانيا ومبادئها موجودة في المنظومة الإسلاميّة
  • مفتي الجمهورية: الإسلام وضع أسس الوحدة وجعلها من أصول الدين
  • فضل بر الأم.. وكيف يكون البر في الإسلام؟
  • مفتي الجمهورية: الإسلام وضع أسس الوحدة وجعلها أصلًا من أصول الدين
  • حكم القرض جبرًا لخاطر الناس في الإسلام
  • انطلاق مؤتمر علاج جذور الأسنان لدول آسيا والمحيط الهادي بالقاهرة 3 ديسمبر
  • الإفتاء: البر والإحسان إلى الوالدين لا يسقط بإساءة أحدهما للآخر
  • الحكومة الإسبانية تطلق دليلًا لمواجهة الإسلاموفوبيا وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول المسلمين
  • من الإخوان إلى داعش.. الإسلام السياسي في خدمة الغرب