«غاضبون بلا حدود» : أسرار الاختراقات والانشقاقات الداخلية
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
يستعرض هذا التحقيق، الأبعاد السياسية والاجتماعية لظهور كيان غاضبون بلا حدود في عام 2020، ويطرح تساؤلات حول أهدافه الحقيقية وولاءاته..
التغيير: كمبالا: تحقيق
منذ بروز كيان “غاضبون بلا حدود” في عام 2020، أثيرت تساؤلات عديدة حول أهدافه الحقيقية وولاءاته السياسية. فرغم تقديم نفسه كحركة ثورية مستقلة، إلا أن هناك اتهامات تلاحقه بالتورط في علاقات غامضة مع قوى سياسية وأمنية، واستخدامه كأداة اختراق داخل صفوف الثوار.
لم تتوقف الشبهات عند هذا الحد، بل طالت الكيان أيضًا اتهامات بممارسة العنف ضد قوى وأحزاب محسوبة على الثورة.
تزايدت الانشقاقات الداخلية عقب حرب منتصف أبريل 2023، مما زاد المشهد ضبابية، إذ تم فصل عدد من أعضائه، بينما انضم آخرون إلى الجيش وكتائب البراء بن مالك وحتى قوات الدعم السريع.
يطرح هذا التحقيق عدة تساؤلات حول حقيقة “غاضبون” وأهدافه المعلنة. هل تمثل مبادئ ثورة ديسمبر 2018، أم أن للكيان علاقات خفية مع قوى أخرى؟ كيف يرد قادة الكيان على هذه الاتهامات، وما قولهم عن علاقاتهم بالأجهزة الأمنية؟ وهل لا يزال “غاضبون” متمسكًا بالسلمية، أم أن انخراط بعض أعضائه في الصراع المسلح يعكس تحولًا جوهريًا في توجهه؟
خلفية التأسيس ودوافع الكيان
تأسس كيان “غاضبون بلا حدود” خلال الفترة الانتقالية عام 2020، بعد تراجع الحكومة الانتقالية عن تحقيق أهداف الثورة، لا سيما العدالة لضحايا الحراك. يقول سعد محمد عثمان، أحد أعضاء الكيان، إن “غاضبون” جاء كرد فعل على خيبة الأمل التي سادت بين الثوار نتيجة ابتعاد الحكومة عن تحقيق العدالة والمطالب التي قامت من أجلها الثورة.
تهدف الحركة إلى ترسيخ حكم تعددي يعترف بالتنوع، مع التركيز على إصلاح المنظومة العسكرية بتوحيد القوات المسلحة تحت قيادة وطنية مهنية، ومنع انتشار المليشيات المسلحة. كما يركز الكيان على بناء نظام قضائي مستقل يعيد ثقة الشعب في العدالة، ويؤكد ضرورة إصلاح الاقتصاد لتحقيق توزيع عادل للموارد والتنمية المستدامة. ويتبنى الكيان أيضًا نشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويرى في ضمان مجانية التعليم والصحة أساسًا للنهوض بالمجتمع. وتشمل أهداف “غاضبون” كذلك دمج أو تسريح المليشيات، وتشكيل لجنة قانونية لمتابعة الانتهاكات التي ارتكبت منذ عام 1989 وحتى الآن.
الاتهامات بممارسة العنف وفض الندوات
رغم الأهداف السلمية التي يعلنها الكيان، إلا أن بعض الاتهامات تلاحقه بممارسة العنف ضد القوى السياسية والأحزاب المحسوبة على الثورة. ويزعم بعض منتقديه أن له دورًا في فض الندوات التي نظمتها قوى الحرية والتغيير، بل وجر المتظاهرين إلى الاشتباك مع أجهزة الأمن.
لجان المقاومة، بما في ذلك “غاضبون”، تعرضت للاختراق من قبل جهات متعددة عقب تشكيل حكومة حمدوك.
فائز السليك
مستشار رئيس الوزراء السوداني السابق لشؤون الإعلام، فايز السليك، المحلل السياسي، يرى أن لجان المقاومة، بما في ذلك “غاضبون”، تعرضت للاختراق من قبل جهات متعددة عقب تشكيل حكومة حمدوك. ويشير السليك في مقابلته مع (التغيير) إلى أن هذه اللجان، التي بدأت كمجموعات ميدانية وخدمية، تحولت إلى كيانات سياسية بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، لتصبح جزءًا من الحراك الشعبي ضد الانقلاب.
وبحسب مستشار حمدوك السابق، فقد استغلت الاستخبارات حالة الإحباط بين الشباب نتيجة أخطاء الحكومة الانتقالية، ولجأت إلى “الابتزاز الثوري” من خلال الترويج للطهر السياسي، والنقاء الثوري في مسعى لاستغلال شعارات ثورة ديسمبر وتفريغها من مضمونها.وفقا لقوله.
ويشير إلى أن هذه الشعارات أثارت حماسة العديد من الشباب، وقادتهم إلى خدمة أجندات الاستخبارات والدعم السريع دون إدراك.
كما يوضح أن بعض هذه المجموعات شاركت في فض عدد من الندوات السياسية باستخدام العنف، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، ما يثير تساؤلات حول مصدر حصولهم على هذه الأدوات.
رد “غاضبون” على الاتهامات
يؤكد الكيان على لسان عضوه سعد محمد عثمان رفضه القاطع للاتهامات التي زعمت أنه يستخدم أدوات قمعية مثل الغاز المسيل للدموع لتفريق التجمعات أو الندوات السلمية.
ويوضح في حديثه (للتغيير) أن “غاضبون” يتبنى منهجًا سلميًا يتعارض تمامًا مع أي شكل من أشكال القمع أو تكميم الأفواه، بل يدعم حرية التعبير وحق المواطنين في التجمع السلمي والمطالبة بحقوقهم دون خوف أو تهديد. ويضيف: الكيان يرفض بشكل مبدئي اللجوء إلى وسائل القمع، ويؤكد حق المواطنين في تنظيم الفعاليات السلمية دون أي نوع من الترهيب.
وفيما يتعلق بالاتهامات حول تعاون “غاضبون” مع الأجهزة الأمنية، وصف عثمان هذه الادعاءات بأنها محاولات يائسة لتشويه مسار الكيان النضالي.
وشدد على أن “غاضبون” كيان مستقل بالكامل، لا تربطه أي صلة بالأجهزة الأمنية أو أي قوة سياسية أخرى، سواء كانت إسلامية أو غيرها. ويؤكد أن الكيان يقف فقط في صف الشعب، ويرفض أي محاولات لاختطاف الثورة، سواء كانت تحت غطاء ديني أو سياسي. ويرى قادة “غاضبون” أن الكيان الثوري ينتمي إلى روح ثورة ديسمبر، دون أي تبعية لأي حزب أو تيار.
من جانبه، يوضح محمد آدم، المعروف بتوباك، عضو “غاضبون” السابق، أن الأخير ينتهج السلمية في حراكه، ولا يستخدم العنف إلا في حدود الفعل المقاوم والدفاع عن النفس أثناء التظاهر باستخدام الأدوات السلمية المعروفة.
وشدد على أن الكيان، كبقية الأجسام الثورية، لا يستخدم أسلحة أو أعيرة نارية، وأن معظم حوادث العنف التي شهدتها المواكب كانت بسبب مندسين من الأجهزة الأمنية وعناصر النظام السابق، الذين يلجؤون إلى استخدام الغاز المسيل للدموع وأحيانًا الأعيرة النارية لجرّ المواكب إلى العنف.
ويشير توباك خلال إفادته (للتغيير) إلى أن لجان التأمين في الميدان تمكنت من ضبط العديد من هذه الحالات التي تهدف إلى تشويه الحراك السلمي.
ورغم الخلاف مع قوى الحرية والتغيير، يؤكد توباك أن “غاضبون” لم يلجأ يومًا إلى استخدام العنف أو تخريب الندوات كوسيلة للتعبير عن رفضه لنهجهم. بدلاً من ذلك، يعتمد على الوقفات الاحتجاجية والمواكب السلمية كوسيلة للتعبير عن موقفه. ويشدد على أن ما شهدته بعض الندوات من أعمال عنف كان نتيجة لتدخلات عناصر أمنية مندسة وعناصر من النظام البائد، تهدف إلى خلق فتنة بين قوى الثورة وتشويه الحراك الثوري.
الانشقاقات
بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل بين الجيش والدعم السريع، شهد كيان “غاضبون بلا حدود” انقسامًا حادًا حول الموقف من هذه الحرب. حيث انخرط بعض أعضاء “غاضبون” في القتال مع الإسلاميين، مثل كتيبة البراء بن مالك، من بينهم “حسام الصياد”. في حين اختار آخرون الانضمام إلى قوات الدعم السريع، ومنهم عضو الكيان السابق جابر ورنا جاد الرب.
وجهات النظر تباينت داخل الكيان، حيث اختار بعض الأعضاء الانضمام إلى الجيش، بينما رفض آخرون التخلي عن مبادئ ثورة ديسمبر والسلمية واعتبروا أن طرفي النزاع أعداء للثورة
توباك
يقول توباك إن التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد دفعت أعضاء الكيان إلى نقاشات مطولة بشأن كيفية التعامل مع النزاع. ويشير إلى أن وجهات النظر تباينت بشكل واضح، حيث اختار بعض الأعضاء الانضمام إلى القوات المسلحة، بينما رفض آخرون التخلي عن مبادئ ثورة ديسمبر والسلمية واعتبروا أن طرفي النزاع الحالي هما أعداء للثورة، وأن هذه الحرب ما هي إلا صنيعة عناصر النظام البائد تهدف إلى عرقلة الانتقال المدني الديمقراطي وتحطيم مكتسبات الثورة.
ويضيف توباك “كثوار سلميين من عمق ثورة ديسمبر، لا يمكن أن نتخلى عن مبادئنا وسلميتنا ونستبدلها بالعنف. وبسبب وعينا بحقيقة هذه الحرب وسردياتها المنافية للواقع، اخترنا البقاء على نهج الثورة، ورفضنا الاصطفاف إلى جانب من تلطخت أيديهم بدماء رفاقنا أو عناصر النظام البائد. ورغم محاولات التخوين، نؤمن بأن المبادئ لا تتجزأ، لذا أعلنا رفضنا الصريح لهذه الحرب ودعمنا لكل الجهود السلمية الساعية لوقفها”.
خاتمة
تتعدد الأصوات داخل كيان “غاضبون بلا حدود” حول كيفية التعامل مع الأوضاع المتأزمة في السودان. بينما يسعى البعض للحفاظ على السلمية والتمسك بمبادئ الثورة، يختار آخرون الانخراط في القتال، مما يزيد من تعقيد المشهد. يبقى السؤال حول مصير الكيان ومساهمته المستقبلية في تحقيق أهداف الثورة السودانية مع استمرار الانقسامات والتحديات المحيطة به.
الوسومحرب الجيش والدعم السريع كيان غاضبون بلا حدودالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: حرب الجيش والدعم السريع كيان غاضبون بلا حدود غاضبون بلا حدود ثورة دیسمبر هذه الحرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
العنف يهدد بحرب إقليمية في الكونغو الديمقراطية
أحمد شعبان (كينشاسا، القاهرة)
أخبار ذات صلةحذر خبراء في الشأن الأفريقي والإرهاب الدولي، من اندلاع حرب إقليمية في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد تصاعد الاشتباكات بين الجيش وحركة «إم 23» المسلحة، كما حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من تفاقم الأزمة الإنسانية، مع عدم القدرة على الوصول إلى النازحين وتوفير المساعدات للمحتاجين. وكشفت الأمم المتحدة عن أن أعمال العنف في شرق الكونغو دفعت نحو 42 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، إلى اللجوء إلى بوروندي خلال أسبوعين، وتتوقع وصول 58 ألف شخص خلال ثلاثة أشهر.
وأوضح الباحث في شؤون التنظيمات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، أن أغلب الجماعات المسلحة في أفريقيا قوية وتلقى دعماً خارجياً، فضلاً عن أن الدولة المركزية في أغلب العواصم تبدو ضعيفة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في مواجهة التنظيمات الإرهابية، والكونغو الديمقراطية إحدى هذه الدول.
وأشار أديب في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن الجماعات المتمردة موجودة منذ فترة طويلة ما أدى إلى عدم استقرار سياسي في كثير من دول القارة السمراء، وبالتالي فإن حركة «إم 23» المسلحة تظل تقاتل في الكونغو نتيجة ضعف الدولة أمام الجماعة المدعومة من دول أخرى في الجوار.
وحذر من خطورة بعض الجماعات المسلحة في الكونغو والتي أخذت صبغة دينية متطرفة، وهي في الأصل ميليشيات عسكرية تنتمي لتنظيم «القاعدة» أو «داعش» أو غيرها من التنظيمات الإرهابية المحلية والإقليمية داخل القارة الأفريقية وتقاتل هذه الدول.
ويرى أديب أن الاتحاد الأفريقي والمؤسسات في القارة السمراء تتحمل مسؤولية دعم الدول المركزية ومنها الكونغو، وتتحمل جزءاً من ضعف هذه الدول في مواجهة التنظيمات المتطرفة، خاصة أنها لم تبحث عن طرق وحلول مؤثرة في المواجهة العسكرية والفكرية مع هذه الجماعات. وتتنافس أكثر من 100 جماعة مسلحة للسيطرة على المنطقة الشرقية الغنية بالمعادن في الكونغو الديمقراطية خلال الصراع المستمر منذ عقود، والذي أسفر عن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
من جهته، أوضح نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير الدكتور صلاح حليمة، أن المشكلة الرئيسة في الكونغو تكمن في أن حركة «إم 23» الجناح المسلح لإثنية التوتسي، وهناك صراع على الثروة والسلطة خاصة في منطقة «غوما» التي استولت عليها الحركة المتمردة.
ولفت السفير حليمة في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى وجود حركة إثنية أخرى في الكونغو من «الهوتو»، وهي جماعة متطرفة تدخل في إطار الصراع الأيديولوجي، وتميل لتأييد الحكومة، وفي نفس الوقت لها رؤية تتعلق بشكل وطبيعة النظام السياسي للكونغو، وبالتالي فإن الصراع ليس حرباً داخلية فقط، إنما هناك أدوار إقليمية داعمة لحركة التمرد من جانب دول أخرى.
وذكر أن هناك محاولات كثيرة لإنهاء الصراع في الكونغو من جانب كينيا وتانزانيا، والتجمعات الإقليمية مثل «مجموعة شرق أفريقيا»، ومجموعة «تنمية الجنوب الأفريقي السدك»، لكن لم تنجح، كما أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة أو القوات الشرطية لم تستطع أن تسيطر أو تحول دون إنقاذ الموقف.