خطبتا الجمعة بالحرمين: منهج الشريعة قائم على الاعتدال والتوسط والرحمة والتيسير
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
ألقى الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله –عز وجل- قائلاً: اتقوا الله تسعدوا، وتوسطوا في الأمور تفلحوا، واعتصموا بوصية الله في كتابه، الهادية إلى جنانه ورضوانه.
وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام بأن الاعتدال والتوازن سمة ظاهرة في الكون، قال سبحانه: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾، ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾، حيث أثنى الله تعالى عليها في كتابه فقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾، فهي وسط في كل الأمور، الدينية والدنيوية، فلا غلو ولا تقصير، ولا إفراط ولا تفريط، وما من شعيرة من شعائر الدين إلا وهي موصوفة بالاعتدال والوسطية.
وأكد فضيلته أن التوازن في الحياة، والتوفيق بين الحقوق والواجبات، من أهم المهمات، فيكون المرء مُتَّزِنًا فِي عباداته ومعاملاته، لا يطغى عليه أمر على حساب غيره، ولا يقدم المهم على الأهم، ولا المفضول على الفاضل، وهو المنهج الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه الكرام، فالاعتدال هو الاعتصام بحبل الله المتين، والسير على صراطه المستقيم.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إذا أدى العبد حق ربه، انتظمت حياته، وأعانه الله على أداء باقي حقوقه، ومن ذلك حق نفسه عليه من متطلَّباتها الروحيَّة، وحاجاتها الجسدية، والشريعة إنما جاءت باليسر والسَّماحة، والمسايرة للفطرة.
وأردف الدكتور المعيقلي يقول: جعل اللهُ تعالى النبيَّ صلى الله عليه وسلم القدوةَ في تطبيق المنهج الوسطي القويم، وكان صلى الله عليه وسلم يحرص على التيسير، ويحث أصحابه عليه، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وخير الأعمال أدومُها وإن قلَّ، والمنبتّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى، وكان عليه الصلاة والسلام يتخول أصحابه بالموعظة في الأيَّام كراهة السَّآمة عليْهم؛ لأنَّ السَّآمة والملل يُفْضِيان إلى النُّفور والضَّجر، والقلوب تمل كما تمل الأبدان.
وبين أن المؤمن وسط في طلبه للدنيا، لا يغالي في طلبها وتحصيلها، ولا ينقطع عن بذل أسباب الرزق الحلال، والعيش الهني فيها، والتمتع بما أباح الله له، من غير إسراف ولا مخيلة.
وأكد الدكتور ماهر المعيقلي أن منهج الشريعة قائم على أصول كلية، وقواعد عامة، توجه الناس إلى الاعتدال والتوسط، والرحمة واليسر، والقصد والرفق، والرعاية للمصالح الدينية والدنيوية، والروحية والبدنية، مما يدعو الناس إلى تجنب الزيغ والضلال، والتهاون والانحلال، والإفراط والتفريط، في جميع أمور الحياة.
وأشار إلى أن تنظيم الوقت، وترتيب الأولويات والمهمات، هو المعين بعد توفيق الله، على تحمل المسؤولية، ففي الصحيحين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ”، -وذكر منهم-: “والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ، وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ”. ورعاية الرجل لأهله تكون بكل ما يصلح دينهم ودنياهم، وما يحقق لهم النجاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة.
* وفي المسجد النبوي الشريف أوصى الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان المسلمين بتقوى الله وطاعته، واتباع ما أوصى به وأمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر.
وأوضح الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان في خطبة الجمعة اليوم أن الصلاة أعظم فريضة افترضها الله بعد التوحيد، فهي عمود الإسلام، والركن الثاني من أركانه العظام، إذ قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، كما جاء في الحديث الذي رواه ابن عمر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ، وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ” متفق عليه.
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن الصلاة أول ما يحاسب عليه العبدُ يوم القيامة، فإن صلُحت فقد أفلح ونجح ورجح عمله، وإن فسدت فقد خاب وخسر وضاع عمله، مستشهدًا بما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: “إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لملائكته وهو أعلم: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ”. رواه الترمذي.
كما بين فضل الصلاة ومكانتها بين العبادات، وفي ميزان حساب العبد يوم القيامة، مذكراً بأن الله تبارك وتعالى فرض على المسلمين خَمس صلوات في اليوم والليلة، وحدد لها أوقاتاً معينة، فقال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، أي واجبة في أوقات معلومة ومحددة، لا يجوز تأخيرها عن ذلك إلا لعذر شرعي.
وذكر أن الله جلّ وعلا حذّر من تضييع وقت الصلاة بالتفريط والتهاون بها، واللهو والتغافل عنها، والتشاغل بغيرها، بوصفها عمود الدين، وأوجب الواجبات، وأعظم العبادات، وأزكى القربات، مذكراً بأنه من الواجب على الوالدين ومن مسؤولياتهم تربية الأبناء وحثّ الأهل على المحافظة على الصلاة في وقتها، وأمرهم بها، ومراقبتهم وحضّهم عليها، إذ قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}، أي يغفلوا عنها حتى يذهب زمانها، ويفوت وقتها.
وقال رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -: “مُرُوا أبناءكم بالصلاة لسبِعِ سنينَ، واضْربوهم عليها لعشر سنين، وفرقُوا بينهم فِيِ المضاجع”. رواه أبو داود.
تابع قائلاً: إن المحافظة على الصلاة أفضل معين على تربية النفوس وتزكيتها، فبها يستنير القلب، ويتطهر الفؤاد، ويزداد الإيمان والتقوى، وهي أفضل واعظ وزاجر عن المعاصي، كما أن المحافظة على الصلاة من أعظم أسباب الفلاح، وأهم موجبات الأمن من الخوف والفزع، وأعظم أسباب الأجر والثواب.
مذكرًا أن الصلاة هي وصية النبي – صلى الله عليه وسلم – التي حضّ عليها وهو في سكرات الموت يودع الدنيا، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: “الصَّلَاةَ الصلاة وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، الصَّلَاةَ الصلاة وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”.
واختتم فضيلته الخطبة داعيًا الله عزّ وجل أن يعزْ الإسلام والمسلمين، وينصر عباده الموحدين، وأن يجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، وأن يكون لأهلنا في فلسطين وليًا ونصيرًا، ومُعزًا ومُجيرًا، وأن يكشف عنهم الضرّ، ويرفع عنهم البلاء، ويحفظ لهم الأعراض والدماء، وأن يشفي مرضاهم، ويجبر كسرهم، ويتقبل موتاهم، وينصرهم على الظلمة المعتدين المحتلين، إنه سميع مجيب.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم ى الله ع
إقرأ أيضاً:
كيفية قضاء صلاة الفجر الفائتة كثيرا وحكم أدائها قبل الشروق.. الإفتاء ترد
قال الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الشخص الذي فاتته صلاة الفجر لمرات عديدة يمكنه قضاءها بشكل تدريجي، وذلك بتخصيص صلاة فجر إضافية مع كل صلاة فجر يومية.
فإذا كان قد فاتته صلاة الفجر لمدة طويلة، كأن تكون 60 يومًا مثلاً، يمكنه قضاء ما عليه من الصلوات الفائتة عبر أداء فجرين يوميًا، أي صلاة فجره الحالية وصلاة فجر فائتة، وهذا يجعله يتمكن من إتمام القضاء بعد مرور فترة معينة، مما يساعده على تدارك ما فاته دون ضغط كبير.
هل كثرة التثاؤب يؤثر في صحة الصلاة وما هو العلاج؟.. الإفتاء تجيب مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الشتوي .. دارالإفتاء تكشف عنهاحكم صلاة الفجر قبل الشروق
وفيما يخص أداء صلاة الفجر قبل الشروق بدقائق، قال الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن أداء صلاة الفجر في هذا التوقيت جائز وتُعتبر الصلاة قد أُديت في وقتها المحدد، أي تُعتبر "حاضرة".
ونصح شلبي المسلمين بأداء صلاة الفجر فور استيقاظهم، فإذا صلاها الشخص قبل شروق الشمس تعتبر في وقتها الطبيعي، أما إذا صلاها بعد الشروق فتعد حينها قضاءً وتسمى "صلاة الصبح" وليس "الفجر".
وأضاف أنه بحسب الشريعة يبدأ وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق ويمتد حتى طلوع الشمس، اعتمادًا على الحديث النبوي الشريف عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس» (رواه مسلم).
شروط صحة الصلاة
وعلى جانب آخر، أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن من شروط صحة الصلاة أن تُؤدى في وقتها المحدد شرعًا، مُستشهدًا بقوله تعالى في كتابه الكريم: «إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا» (النساء:103). وقد قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتوضيح مواقيت الصلاة في أحاديثه ببيان واضح ودقيق.
ففي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أورد النبي صلى الله عليه وسلم مواقيت الصلاة، مشيرًا إلى أن وقت صلاة الصبح يبدأ من طلوع الفجر وينتهي بطلوع الشمس.
وتابع المركز أن الإمام ابن رشد -رحمه الله- أكد هذا الفهم قائلاً: "واتفقوا أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الصادق وآخره طلوع الشمس، باستثناء ما ورد عن ابن القاسم وبعض الشافعية الذين يرون أن آخر الوقت هو الإسفار".
وأوضح أن الإسفار في صلاة الفجر يعني ظهور النور وبدء وضوح الأشياء، حيث يُطلق عليه هذا الاسم لأنه يكشف الأشياء بعد الظلمة.
وأضاف المركز أيضًا أن وقت صلاة الفجر يمتد من ظهور الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، وذلك استنادًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدركَ من الصبحِ ركعةً قبلَ أن تطلُعَ الشمسُ، فقد أدركَ الصبحَ» (رواه البخاري).