بقلم: كمال فتاح حيدر ..

تحركت مخالب المطامع البريطانية صوب العراق منذ زمن بعيد، ثم تمددت واستطالت قبيل اندلاع الحرب العالمية الاولى. كان تواجدهم الخفي متغلغلا في ثغور الجزيرة العربية وبواديها، وفي البنادر والمرافئ الخليجية البعيدة. فتسللوا من هناك بخطوات محسوبة حتى بسطوا نفوذهم من رأس مسندم (مضيق هرمز) الى كاظمة (في الكويت التي كان اسمها القرين)، ومنها الى مقتربات الأحواز والبصرة، وكان لهم نفوذ كبير في منطقة مسجدي سليمان (اقليم خوزستان) للاستحواذ على الثروات النفطية.

.
بيد ان عيونهم كانت على العراق، لكنهم اصطدموا بتماسك الشيعة والسنّة، الذين كانوا يتجاهلون خصوماتهم وعداواتهم كلما داهمهم خطر خارجي، ويتوحدون أمام من يعدّونه غازياً محتلاً. وهذا ما حصل يوم زار القائد العسكري البريطاني جيرارد إفيلين ليتشمان (Gerard Evelyn Leachman) المرجع الديني الشيرازي في النجف قبيل اندلاع ثورة العشرين، وحاول كسب وده وإغراءه بسحب مفاتيح المراقد المقدسة من السنة في سامراء وإعطاءها للشيعة، لكنه جوبه برفض الشيرازي، فعاد (ليتشمان) ليحرّض الشيخ (ضاري)، قائلا له: كيف تطيعون فتاوى الشيرازي وهو من كبار أئمة الشيعة ؟. فقال له الضاري: (الشيرازي مرجعنا أيضاً). .
وظلت بريطانيا، ومعها الولايات المتحدة، تحسب الف حساب لتلاحم الشيعة والسنة واصطفافهم في مواجهة الأخطار الخارجية، لكن القوى الظلامية فكرت بعد عام 2003 بتفتيت وحدة الشعب العراقي عن طريق زرع الخلايا الارهابية، فاستعانوا ببعض المشايخ المتأسلفين في تأجيج الفتنة الطائفية، وإصدار فتاوى تحث على (الجهاد) في العراق وسوريا. ثم جاءوا بالمرتزقة وشذاذ الآفاق من كل حدب وصوب. فتوسع نفوذ الدواعش (الفواحش). وكان تنظيم (فاحش) من اشد المطالبين بتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: (سنية وشيعية وكردية) مع احتمال ثلم اجزاء من خارطة العراق الى تركيا والأردن، تماما على السياق الذي نجحت فيه القوى الغربية في تفكيك يوغسلافيا وتفكيك الاتحاد السوفيتي، وتفكيك تشيكوسلوفاكيا. .
وهكذا سارت الولايات المتحدة في تنفيذ برنامج نشر الأرهاب من جهة، ونشر الفساد من جهة اخرى. فاختلطت مشاريع إذكاء الطائفية بمشاريع الفوضى وتهريب النفط بمشاريع الاتجار بالممنوعات، وتداخلت مع مشاريع الانتخابات المبنية على الأسس العشائرية والقومية والمذهبية، ما ادى الى استبعاد اصحاب المواهب والمهارات العلمية العالية، فاصبحت الطرق سالكة لفتح دكاكين المحاصصة المتعطشة لتحقيق المغانم والمكاسب المادية على حساب المصلحة الوطنية العامة. .
في البداية كانت فلول النهب والثراء تتحرك على استحياء بخطوات خجولة مرتعشة مترددة. لكنها تسارعت فيما بعد بقفزات علنية جريئة متلاحقة، لا تعبء بما ستؤول اليه الأمور، حتى صارت سرقة المال العام شطارة ومهارة وتجارة، فعادت إلى الأذهان اسباب ومسببات سقوط الإمبراطورية العثمانية، التي انهارت بتفشي الفساد وضعف الجيش الانكشاري. فما بالك بدولة هشة مثل العراق، لا تمتلك مقومات الثبات في مواجهة بلدوزرات التقسيم والتجزئة ؟. وهكذا تكاملت لدينا عوامل التقسيم (سياسيا واجتماعيا ونفسيا ولوجستيا)، وتزامنت تلك العوامل مع تصاعد وتيرة الإرباك والقلق في عموم منطقة الشرق الأوسط. ولم ينبس المتنفذون ببنت شفة عندما سمعوا خطاب (ابو يائير)، وهو يتوعد بالزحف نحو لبنان وسوريا والعراق، ويطلق تحدياته المستهترة بمفردات يتطاول فيها على الذات الإلهية. بقوله: (سوف ندحرهم حتى لو كان الله معهم). . .
ختاماً: يا رب . . احفظ بيتنا العراق
ما ضاق يوماً حوله الخناق
إلا رأيت مارداً من نومه استفاق
فضجّ حتى تستفيق السبعة الطباق
من هول ما دماءه تراق

د. كمال فتاح حيدر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

غارة إسرائيلية على معبر جوسية القاع بين لبنان وسوريا

استهدفت غارة إسرائيلية معبر جوسية القاع بين لبنان وسوريا، بحسب ما أعلن وزير الأشغال علي حمية، مضيفا في حديث للجزيرة: "الاستهداف الإسرائيلي للمعبر جاء ضمن الأراضي السورية".
    كذلك، أفادت وكالة الأنباء السورية "سانا" بأن "عدوانا إسرائيليا جديدا استهدف اليوم السبت معبر جوسية بمنطقة القصير في ريف حمص".

وأكد مدير معبر جوسية دباح المشعل أن العدوان الإسرائيلي على المعبر تسبب بأضرار مادية. 

مقالات مشابهة

  • شراكات متعثرة بين العراق وتركيا وسوريا في ملفات السيادة والإرهاب
  • الخارجية التركية: تهريب السلاح بين العراق وسوريا يجب إيقافه.. الحرب النووية “ليست مزحة”
  • غارة إسرائيلية على معبر جوسية القاع بين لبنان وسوريا
  • طلب غريب من معجب لـ أصالة.. والفنانة تهدده بزوجها | تفاصيل بالفيديو
  • العراق: اتخذنا كافة خطوات مواجهة تهديدات إسرائيل
  • غضب واسع في باكستان بعد مقتل عشرات الشيعة بهجوم على قافلة حافلات (شاهد)
  • حماس تدعو للحشد في الأقصى وإحباط مخططات التهويد بالقدس
  • إنهاء مخططات الأحوزة العمرانية في 4 مراكز بالإسماعيلية عقب تحديثها
  • ميتروفيتش يوافق على “يوم طاعة الابنة”.. وابنته تهدده بالكعك!
  • تحييد 34 إرهابيًا في عمليات تركية بشمال العراق وسوريا