استلمنا جداولَ الحِصص وكان نصابُنا الأسبوعي ٢٠ حصة . كنّا ثلاثةَ سودانيين في قسمِ اللغة الإنجليزية والذي كانَ يضُمُّ سبعةً من المصريين وثامنُهم المَدعو رئيسُ القِسم . إتَّضحَ لنا بعد عامٍ ونصفِ العام من التدريس في هذه الغابةِ المصرية أنَّ رئيسَ القسم كان يحملُ شهادةَ البكالوريوس في اللغة الألمانية ولا علاقةَ له باللغة الانجليزية.

ولقد ظهرَ ذلك وانكشفَ لنا إثرَ شِجارٍ مع أحدِ الزُّملاءِ المصريين بسببِ فقدانِ ورقةِ أحدِ الطلاب أثناءَ تصحيح المادة بعد امتحانِ الفترة الأولى من عامِنا الثاني معهم . أبلغَني الأستاذ المُتَّهم بتضييعِ الورقة - وكان قريباً منَّا - بحقيقةِ السَّيّد رئيسِ القِسم وعرضَ عليّ صورةً من شهادة " الرَّيس" كما كانوا يُطلقونَ عليه ، وكانتْ "ليسانس" في اللغة الألمانية ! أي والله العَظيم . والعجبُ العُجاب أنَّه يُديرُ هذا المنصَب - رئيس قسم اللغة الانجليزية - منذُ خمسةٍ وعشرين عاماً . كانتْ الفصولُ ممتلئةً بالطُّلاب ويتراوحُ الفصلُ بين ال ٣٥و٤٠ طالباً. وطبعاً تكونُ المعاناةُ في ضبطِ الفصول أكيدةً طالما أنَّ الأغلبية من الجِنسية المصرية. ظننتُ أنَّ الفوضى ضاربةٌ بأطنَابها في كلِّ الفصول . كان استخدامُ العصا مسموحاً به ولكنَّه متعبٌ على أيَّة حال مع هؤلاء القومِ من سُلالة " رقَّصني يا جَدَع " !
صارَ رئيسُ القِسم يعامُلني بطريقةٍ خاصةٍ عندما عَلِم أنّني أحملُ ماجستيراً في اللغة مصحوباً بخبرةٍ طويلةٍ ، ليس احتراماً ولا خوفاً وإنّما تنكيلاً في السِّر لم أستَبِنه إلا بعد فواتِ الأوان . اكتشفتُ Oh , too late , أن المَدعُو رئيسَ القسم قد عيَّن في كل فصلٍ أدَرِّسُه طالباً يقومُ باثارةِ الفوضى والشَّغب حتى أنشِغلَ عن التدريس وأستجيبَ للاستفزازات بالضَّربِ والطَّرد ( ولا أقولُ إلا الحَقَّ ) ، وفعلاً كنتُ أضربُ وأطرُد المشاغبين خارجَ الفصل ، وقد نجحتُ في ضبطِ معظمِ الفصول إلا أنَّ ذلك أتعَبني ولفتَ انتباهَ الإدارة وصاروا يُرسلونَ إليّ تنبيهاتٍ بين الفينةِ والأخرى .
زِدْ على ذلك ما تسمعُ وترَى أثناءَ فسحةِ الفَطُور وأنتَ واحدٌ من المُشرفين على السَّاحةِ الفَسِيحة . طلابٌ يركُضونَ وآخرون يأكُلونَ ويلعَبونَ ويلعَنونَ بعضَهم بعضاً بأقذعِ العبارات ولا رادعَ يردَعُهُم إذ كانت الأعدادُ كبيرةٌ والنفوسُ صغيرةٌ والتربيةُ فقيرةٌ . قال أحدُ الأساتِذة مِن نفسِ الفَصِيل :" الشقق ضيقة وهم مقفولين فَلازِم يفَضفَضوا هنا !!! سيبُوهم ياخدُوا راحتهم" ولك أنْ تُكرَّر العِبارة أعلاه باللهجةٍ المصرية حتى تُدرك ما كنَّا فيه من المهازِل ووجعِ القلب وفقعِ المَرارة !!!أما أيامُ الامتحانات فكانتْ تَتَنزَّلُ فيها الشياطينُ فتاخذَ مُعظمَ الذِّمم من رؤساءِ الأقسام وتضعُها على سطحِ الطابق الثالث ولا تَردَّها إلا بعد انقضاءِ جلستي الامتحانات يومياً . يأمرُ رئيسُ القسم في يوم امتحان مادته أستاذَ فُلان ليصعدَ الى الصَّف التاسع Grade 9 ليُساعدَ أستاذ سمير في المُراقبة ، والمساعدةُ مفهومةٌ ضِمناً بأنها للطلاب . فيقوم فلان طائعاً ويصعدُ السَّلالمَ ثم يقومُ باللاّزم في الصف المُحدَّد ! ولقد رأيتُ بأُمِّ عينَي السيد رئيس القسم - تَبَعْنا - يقومُ بالاملاء على ابنِ وكيلِ المدرسة عندما خلا المسرحُ من جميع المُمتَحَنين ولم يبقَ إلا ذلك الطالب . وكذلك رئيس قسم الرياضيات يلعبُ نفسَ الدَّور مع ابن مدير المدرسة في قاعةٍ أخرى ! والله على ما أقولُ شَهِيد . فكيفَ - بالله عليكم - يُمكنكَ العملَ في بيئةٍ كهذه وانتَ تعملُ عملاً شريفاً تربوياً يرفعُ الجَاهِل ويسمو بالوَضِيع !!! فإن كان المُعلِّم وضيعاً ذليلاً لا تَهمُّه إلا المادةُ و "أكلُ العَيش" فعلى الدُّنيا السَّلام وما دمتَ تعملُ وسطَ غابةٍ من الغِشِّ والتَّدليس وأصحابِ الذِّممِ المَثقُوبةِ ، فلا بُدَّ أنْ تُصِيبكَ منهم مَعرَّة إنْ لم تنجُ بِجِلدِك .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

 

m.omeralshrif114@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الماركات العالمية.. اللغة الصامتة

 

مريم الشكيلية

 

لم يعد هناك من لا يعرف ما هي الماركات العالمية التي تضعها الشركات على منتجاتها، ومسمياتها، وأشهرها فقد أصبح اليوم العالم قرية صغيرة، ولكن في هذه السطور أردت أن أتحدث إلى تلك العقول التي أصبحت مهووس بهذه العلامات التجارية.

وفي الحقيقة فإن الناس اليوم يتنافس من أجل اقتناء منتجات الشركات الحاملة لهذه العلامات التجارية والبعض يتباهى بها. ليس الأثرياء فقط يتوافدون نحو هذه الماركات العالمية فحسب وإنما اليوم حتى أصحاب الدخل المحدود والمتوسط يجاهدون في اقتناء منتجات هذه العلامات الفاخرة كما يطلق عليها.

وهذا ليس بأمر صادم في ظل هذا الانفتاح الكبير وظهور برامج التواصل الاجتماعي وأجهزة الهواتف الذكية، والإعلانات اليومية، ومشاهدة محركين هذه البرامج بما يعرف إنهم صناع محتوى أو مشاهير السوشال ميديا أضف إلى ذلك أصحاب الطبقة المخملية، ومشاهير الفن والإعلام وغيرهم كل هؤلاء اليوم أصبحت حياتهم وتفاصيل يومياتهم على شاشات الهواتف ويعرضون مشترياتهم ومقتنياتهم بشكل مباشر أو غير مباشر مما يجعل مشاهديهم يحذون حذوهم، ويقلدونهم بما استطاعوا إليه سبيلا هكذا أصبحت لهذه الماركات حضور دائم في الساحة فالأثرياء يتعاملون معها كأنها شيء عادي اعتادوا عليها ليس في إظهارها أقصد وإنما في اقتنائها فهم لا يمكن لهم أن يقتنوا بأقل منها وكأنهم يخشون من اتهامهم بقله مالهم والفقراء أو أصحاب الطبقة الوسطى يرون في هذه الماركات أحلام يجب تحقيقها أو السعي إلى تحقيقها وأيضاً حتى يرون لغيرهم إنهم في استطاعتهم اقتناء هذه العلامات التجارية الباهظة الثمن وإنني أقول البعض وليس الكل..

إن هذه الماركات التجارية ليست إلا علامة وضعتها الشركات لتمرير منتجاتها بأسعار تفوق حتى قيمتها الصناعية ليقتنيها الأثرياء، ويصدقها الفقراء، وأنا هنا أطلق عليها مسمى ماركات عالمية لعقول فارغة فليس معقول أن أشتري منتج بأسعار خيالية فقط لمجرد وضع عليها مسمى ماركة في هذه الحالة أنا لا أشتري المنتج وإنما أشتري علامة تجارية، وتذهب هذه الأموال إلى شركات تتضاعف ثرواتها من هكذا فعل في المقابل إنني أستطيع أن أشتري منتج معقول السعر لأنني في نهاية المطاف سوف يأتي اليوم ويتلف هذا المنتج أو هذه السلعة وسوف اضطر إلى شراء غيرها وهكذا.

إن تهافت البعض إلى هذه الماركات التجارية الباهظة في منظورهم واعتقادهم إن من خلالها يخاطبون المحيطين بهم ومجتمعهم إنهم يملكون قدرا كبيرا من المال والثراء ولكن بلغة صامته.

وفي ظل الحديث اليوم عن رسوم جمركية فرضها الرئيس الأمريكي على العالم ومن بينها (الصين) أخذت شركات صينية مصنعة تخرج عن صمتها بالحديث بأن الشركات التي تضع لمنتجاتها العلامات التجارية الشهيرة والباهظة هي في الحقيقة تصنع في مصانع في الصين.

إن كان هذا صحيحاً أم لا ليس هذا المهم هو يجب لعقولنا أن تنفض عنها غبار التفاهات هذه التي تسيطر عليها علامة تجارية لتجعل منها كما يظن صاحبها أنه من طبقة مخملية وهمية لنوقف هذا التهافت نحو شركات تضاعف أموالها من جيوبنا.

مقالات مشابهة

  • الماركات العالمية.. اللغة الصامتة
  • صادي يهنئ نجم بن عكنون على الصعود إلى القسم المحترف الأول
  • نجم بن عكنون يحقق الصعود إلى القسم المحترف الأول
  • «خافت من الفضيحة».. حقيقة استغاثة شخص بتعدي آخرين على زوجته
  • انطلاق امتحانات النقل الثانوي والقراءات بمعاهد مطروح الأزهرية وسط متابعة دقيقة من قيادات المنطقة
  • جامعة الإمام عبدالرحمن تكشف عن تقنيتين مبتكرتين للطاقة الشمسية
  • ضبط عامل دليفري متهم بالتحرش بسيدة أجنبية بالتجمع
  • القبض على عامل ديلفرى تحرش بفتاة أجنبية في التجمع
  • طعنة غدر في دمياط.. ضبط متهم اعتدى على والد أحد المواطنين بسلاح أبيض
  • الداخلية تكشف حقيقة تعدى شخص على والده بسلاح أبيض