سودانايل:
2025-04-26@10:56:31 GMT

في عمق الأزمة: كيف تبتكر القيادة مسارات التغيير؟!!

تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT

د. الهادي عبدالله أبوضفآئر

كان الشيخ ومريدوه يتجولون في غابة هادئة، حيث الطبيعة تنبض بالحكمة، والصمت يتيح المجال للتأمل في المعاني العميقة. كانوا يستمعون بشغف لحكمة الشيخ، يتعلمون من دروسه التي تمسّ الروح وتكشف لهم أسرار الحياة. وفجأة، تمزق السكون بزئير أسد خرج من بين الأشجار، مزمجراً ومقترباً بسرعة.

خفق قلب المريدين ورأوا الخطر يتجسد أمامهم. صرخوا مذعورين: “يا شيخ، الأسد قادم!”، كان رد الشيخ: “عليكم ب (يس). مع أن ألسنتهم تحركت بالذكر، لم يتراجع الأسد. يا شيخ الأسد قرّب، رد بنبرة يختلط فيها الصبر بالحكمة: “عليكم بالجري”. ومع اقتراب الأسد أكثر، قفز الشيخ بسرعة خاطفة إلى أعلى شجرة، مبتسماً وقال: “الآن، كل واحد ينقذ نفسه”. في تلك اللحظة الحاسمة، أدركوا درساً لن ينسوه أبداً. حينها فهموا أن مواجهة الواقع تتطلب أفعالاً سريعة ومدروسة، وأن الحكمة ليست مجرد أقوال أو شعارات، بل تتجسد في القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب. فالحياة، بتحدياتها المتسارعة وأخطارها غير المتوقعة، لا تترك مجالاً للإعتماد على التنظير فقط، بل تتطلب إدراكاً عميقاً يترجم إلى أفعال ملموسة. فالأسد لم يكن مجرد حيوان، بل كان رمزاً لكل التحديات التي تواجه الإنسان، والتي تحتاج إلى شجاعة وبصيرة، لا إلى أقوال تُقال دون فعل.

في غمرة التحديات العملية التي تواجه الأمم والمجتمعات، لا يكفي الاعتماد على الإيمان وحده. فالواقع يتطلب من الإنسان استخدام عقله، وتطبيق المعرفة العلمية، والاستفادة من مهارات التخطيط والتنظيم. فالأزمات الاقتصادية والحروب لا تُحل بالدعاء وحده، بل تحتاج إلى استراتيجيات دقيقة، وإلى عقول تجيد قراءة المواقف واستباق الأحداث. والتاريخ مليء بالدروس، وغزوة أحد خير مثال على ذلك. حين ترك الرماة مواقعهم طمعاً في الغنيمة، استغل خالد بن الوليد هذا الخطأ ليغير مجرى المعركة، رغم أن النبي عليه السلام كان بين المسلمين آنذاك. هنا يظهر لنا القرآن الكريم حاملاً رسالة واضحة: “ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوءًا يُجزَ به”. العبرة أن الأخطاء البشرية، وليست الإرادة الإلهية، هي التي تقود إلى الهزيمة، وأن الحلول تأتي من تصحيح المسار ومن التعلم من التجارب السابقة. إن الإيمان، رغم أهميته الكبرى في تهذيب النفوس وبناء المجتمعات، لا يمكن أن يكون بديلاً للعقل والمنطق. فالدين قد يوفر الأساس الأخلاقي الذي يُمكِّن المجتمعات من النهوض، لكنه لا يقدم حلولاً جاهزة للأزمات. الحلول الحقيقية تأتي من التخطيط المحكم، والابتكار المستمر، ومن القدرة على مواجهة التحديات بعقلية علمية ومنطقية. وفي النهاية، يظل التوازن بين العقل والروح هو الطريق الأمثل نحو مستقبل أفضل. فكما أن الإنسان مسكون بالدين، فهو أيضاً مخلوق عقلاني بطبيعته، يسعى إلى تحسين واقعه عبر الفهم والعمل الدؤوب.

في تلك المساحة الغامضة حيث يلتقي الإيمان بالعقل، يقف الإنسان على عتبة من النور والمعرفة. الدين، هو تلك البوصلة الروحية التي توجه نحو السمو والفضيلة والإخلاص. ويطلب من الإنسان أن يُستخدم العقل كأداة لفهم حكمة الخالق، وللتخطيط للحياة وفقاً لمنطق الكون وقوانينه. هنا يتجلى الحد الفاصل، بين ما يمليه الدين من قيم عليا، وما يُطلب من الإنسان فعله، عبر سبر أغوار الحياة إلى فهم أبعد، في توازن دقيق بين الروحانية والفكر. هذا الإطار، يعتبر العقل هو المرشد العملي، الذي يربط بين الأرض والسماء، وبين ما هو دنيوي وما هو أبدي. فالدين والعقل ليسا متعارضين، بل قوتان متكاملتان. العقل وسيلة لترجمة تعاليم الدين إلى خطوات عملية تُنظِّم حياة الفرد والمجتمع. ويساعد على فهم وتفسير النصوص الدينية وتطبيقها في سياقات الحياة اليومية، مع مراعاة الظروف والتحديات المختلفة. ويعمل على تجسيد تلك المبادئ في قرارات وسلوكيات عملية تحقق التوازن بين الروحانيات والحياة المادية. في هذا التوازن، يجد الإنسان راحة القلب واستنارة العقل، ويدرك أن الحياة ليست مجرد اختبار للإيمان، بل هي أيضاً دعوة لاستثمار العقل لتحقيق الخير والصلاح، كما أراد الخالق لها أن تكون.

الإيمان، بوصفه قوة محركة عميقة، يغذي القيم الأخلاقية والدوافع التي تدفع الإنسان نحو العمل والإبداع. ولكنه ليس المصدر الوحيد للحلول العملية في مواجهة التحديات الاقتصادية والعلمية. فالحلول تأتي من خلال توظيف القدرات البشرية في التحليل والابتكار، ومن استخدام الموارد المتاحة بذكاء وحكمة. هنا يتجلى التكامل بين الروح والعقل، حيث يدرك الإنسان إمكاناته ويوجهها لخدمة البشرية، فيحقق التوازن بين القيم الإيمانية والإنجاز العملي. ان الفرق الجوهري يكمن في نوع التدين الذي يختاره الإنسان. فإما أن يكون تديناً ضيق الفهم، يؤدي إلى الجمود والتخلف عندما يستخدم كذريعة للهروب من المسؤولية أو الابتعاد عن العلم. هذا النهج يركز على العزلة، ويرفض التفاعل مع المجتمع، ويعارض التفكير النقدي والعلوم الحديثة، معتبراً أن كل ما هو جديد أو مختلف عن النصوص التقليدية مرفوض. في هذا الإطار، تصبح الطقوس والمظاهر الشكلية للدين هي الهدف النهائي، متجاهلين روح الدين ومقاصده العميقة. والنتيجة تكون جموداً اجتماعياً واقتصادياً، حيث لا يشجع الأفراد على المشاركة في تطوير مجتمعاتهم أو تحسين ظروفهم المادية. في المقابل، هناك نوع من التدين أكثر انفتاحاً، يدعو إلى العمل الجاد، والتفكير النقدي، والابتكار المستمر. هذا الفهم المنفتح لا يعارض التقدم، بل يعززه ويغذيه بالقيم الأخلاقية التي تضمن أن يكون التقدم في خدمة الإنسانية جمعاء. هنا يصبح الإيمان محفزاً للإبداع، وليس قيداً عليه.

عندما نكتشف أن الواقع الذي نسير فيه والنهج الذي نعتمده قد أصبح غير فعال، تظهر الحاجة إلى التحلي بالشجاعة والمرونة لتغيير المسار. وليس في التمسك الأعمى بالمواقف والآراء القديمة، بل في القدرة على التكيف مع الحقائق الجديدة التي تفرض نفسها، وعلى استيعاب المعطيات التي تفتح آفاقاً نحو نتائج إيجابية. فالتمسك بأفكار جامدة قد يقود إلى تعثر لا مبرر له، في حين أن الانفتاح على الظروف المتغيرة، والاستماع إلى الآراء المختلفة، وتحليل الوضع بعقلانية، هو الطريق الأجدر للوصول إلى حلول أفضل. تغيير المسار، في اللحظة التي تستدعي ذلك، لا يعني أبداً التخلي عن المبادئ أو الضعف أمام التحديات. على العكس، إنه فعل من أفعال الحكمة، يهدف إلى تجنب الضرر على كل المستويات، ويسمح بالتقدم نحو الأهداف بنجاح أكبر. فالاعتراف بالأخطاء أو القصور ليس دليلاً على الفشل، بل هو بداية تصحيح المسار، وهو ما يستدعي تقييماً صادقاً وموضوعياً للأوضاع، بعيداً عن التحيزات الشخصية أو الأوهام المسبقة. إن المرونة في التفكير هي التي تُمكّن الإنسان من التكيف مع التغيرات، وتفتح الباب أمام البحث عن حلول أكثر فعالية. الانفتاح على الآراء والأفكار الجديدة، حتى لو جاءت من خارج إطار اعتقاداتنا الراسخة، يعزز من قدرتنا على إيجاد حلول من زوايا مختلفة، ويوسع دائرة رؤيتنا للواقع.
في كثير من الأحيان، تأتي الحلول من منظور غير تقليدي، ومن خلال التفاعل مع وجهات نظر متنوعة.

abudafair@hotmail,com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

وزير الدفاع معزياً بالبابا فرنسيس: من لبنان أرض الإيمان نحيي ذكراك المقدسة

قدّم وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى التعازي إلى السفير البابوي المونسنيور باولو بورجيا بوفاة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، في السفارة البابوية في حريصا، معبّرًا عن حزنه العميق لرحيل "شخصية عالمية كرّست حياتها لخدمة السلام والعدالة".
ودوّن منسى كلمة في سجل التعازي باللغة الفرنسية جاء فيها: "إلى قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، إن رحيلك ترك فراغًا كبيرًا في قلوب المؤمنين وجميع الذين وجدوا في شخصك صوت السلام والعدالة والرجاء. من لبنان، أرض الإيمان والشهادة والتعدد نحيي ذكراك المقدسة. تقبل، أيها الأب الأقدس، أصدق مشاعر الامتنان من شعب لطالما كنت مصدر إلهام له". مواضيع ذات صلة ميشال عون معزيا بالبابا فرنسيس: يبقى عزاؤنا ورجاؤنا في الرب المنتصر على الموت Lebanon 24 ميشال عون معزيا بالبابا فرنسيس: يبقى عزاؤنا ورجاؤنا في الرب المنتصر على الموت 25/04/2025 20:53:33 25/04/2025 20:53:33 Lebanon 24 Lebanon 24 باسيل عزّى بالبابا فرنسيس: نفتقده مدافعًا عن لبنان ومناضلًا من أجل العدالة والسلام بين الشعوب Lebanon 24 باسيل عزّى بالبابا فرنسيس: نفتقده مدافعًا عن لبنان ومناضلًا من أجل العدالة والسلام بين الشعوب 25/04/2025 20:53:33 25/04/2025 20:53:33 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الدفاع يتصل بقائد الجيش معزياً Lebanon 24 وزير الدفاع يتصل بقائد الجيش معزياً 25/04/2025 20:53:33 25/04/2025 20:53:33 Lebanon 24 Lebanon 24 شيخ العقل عزّى بالبابا فرنسيس: رمزيّة عالميّة للسلام والحوار بين الأديان Lebanon 24 شيخ العقل عزّى بالبابا فرنسيس: رمزيّة عالميّة للسلام والحوار بين الأديان 25/04/2025 20:53:33 25/04/2025 20:53:33 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً في الشمال... أحد أخطر المطلوبين بقبضة الأمن (صورة) Lebanon 24 في الشمال... أحد أخطر المطلوبين بقبضة الأمن (صورة) 13:42 | 2025-04-25 25/04/2025 01:42:07 Lebanon 24 Lebanon 24 بشكل مفاجئ.. هذا ما فعله وزير الاتصالات Lebanon 24 بشكل مفاجئ.. هذا ما فعله وزير الاتصالات 13:34 | 2025-04-25 25/04/2025 01:34:59 Lebanon 24 Lebanon 24 تعرّض لحادث سير... وفاة لاعب كرة قدم لبناني (صورة) Lebanon 24 تعرّض لحادث سير... وفاة لاعب كرة قدم لبناني (صورة) 13:34 | 2025-04-25 25/04/2025 01:34:27 Lebanon 24 Lebanon 24 بسلاح حربي... انتحر في منزله في أنطلياس! Lebanon 24 بسلاح حربي... انتحر في منزله في أنطلياس! 13:15 | 2025-04-25 25/04/2025 01:15:46 Lebanon 24 Lebanon 24 ماذا نعرف عن "سلاح الجو اللبناني"؟ إليكم حقائق بارزة Lebanon 24 ماذا نعرف عن "سلاح الجو اللبناني"؟ إليكم حقائق بارزة 13:00 | 2025-04-25 25/04/2025 01:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة سياح مصدومون في لبنان Lebanon 24 سياح مصدومون في لبنان 14:53 | 2025-04-24 24/04/2025 02:53:37 Lebanon 24 Lebanon 24 وفاة حفيدة الرئيس فرنجية Lebanon 24 وفاة حفيدة الرئيس فرنجية 10:38 | 2025-04-25 25/04/2025 10:38:18 Lebanon 24 Lebanon 24 لكل هذه الأسباب مجتمعة أنا عائد Lebanon 24 لكل هذه الأسباب مجتمعة أنا عائد 09:01 | 2025-04-25 25/04/2025 09:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الإشكال تجدّد... إلقاء قنبلة واندلاع حريق في برجا (فيديو) Lebanon 24 الإشكال تجدّد... إلقاء قنبلة واندلاع حريق في برجا (فيديو) 14:29 | 2025-04-24 24/04/2025 02:29:24 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد إغلاق عيادة التجميل الخاصة بها في مصر... أول ظهور لابنة أصالة (فيديو) Lebanon 24 بعد إغلاق عيادة التجميل الخاصة بها في مصر... أول ظهور لابنة أصالة (فيديو) 23:00 | 2025-04-24 24/04/2025 11:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 13:42 | 2025-04-25 في الشمال... أحد أخطر المطلوبين بقبضة الأمن (صورة) 13:34 | 2025-04-25 بشكل مفاجئ.. هذا ما فعله وزير الاتصالات 13:34 | 2025-04-25 تعرّض لحادث سير... وفاة لاعب كرة قدم لبناني (صورة) 13:15 | 2025-04-25 بسلاح حربي... انتحر في منزله في أنطلياس! 13:00 | 2025-04-25 ماذا نعرف عن "سلاح الجو اللبناني"؟ إليكم حقائق بارزة 12:56 | 2025-04-25 من لبنان إلى سوريا.. نازحون يغادرون بإشراف الجيش! فيديو أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو) Lebanon 24 أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو) 23:56 | 2025-04-23 25/04/2025 20:53:33 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم 09:23 | 2025-04-21 25/04/2025 20:53:33 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 25/04/2025 20:53:33 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • اشتباكات عنيفة في حبان شبوة على خلفية ثأر قبلي
  • الدكتور أيمن أبو عمر: الوطن نعمة تستوجب الشكر.. وحبه نابع من الإيمان
  • وزير الدفاع معزياً بالبابا فرنسيس: من لبنان أرض الإيمان نحيي ذكراك المقدسة
  • أمير القصيم يُنوّه بدعم القيادة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 ورسم مستقبل وفق مرتكزات التنمية وتنويع الاقتصاد وتمكين الإنسان
  • خطيب المسجد الحرام: القوة الحقيقة في الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: حين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران وتنحرف القاطرة عن القضبان.. والإفلاس الحقيقي إتيان المرء يوم القيامة متلبسًا بظلم الناس
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • مشاكل شائعة في الفك تسبب صداع
  • صدمات الطفولة.. كيف تترك بصمتها في العقل والجسم؟
  • موقف عمومي