لماذا فرضت واشنطن عقوبات على المسؤول السوداني ميرغني إدريس سليمان؟
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
فرضت الولايات المتحدة، الخميس، عقوبات على المسؤول السوداني ميرغني إدريس سليمان لقيادته جهود القوات المسلحة السودانية للحصول على أسلحة لاستخدامها في حربها المستمرة مع قوات الدعم السريع، وفق الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة الأميركية.
وقالت الوزارة إن سليمان كان في قلب صفقات الأسلحة التي غذت وحشية الحرب وحجمها، حيث شغل منصب المدير العام لنظام الصناعات الدفاعية (DIS)، الذراع الرئيسي لإنتاج وشراء الأسلحة في القوات المسلحة السودانية.
وسليمان هو رئيس الوحدة الخاضعة لعقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وهي ذراع القوات المسلحة السودانية المسؤولة بشكل أساسي عن شراء الأسلحة وإنتاجها.
وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تلك الوحدة في 1 يونيو 2023 لكونها مسؤولة عن، أو متواطئة في، أو شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر أو حاولت الانخراط في أعمال أو سياسات تهدد السلام أو الأمن أو الاستقرار في السودان.
وبدأ سليمان حياته المهنية في سلك الضباط في القوات المسلحة السودانية ، وتخرج جنبا إلى جنب مع قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان في الدفعة 31 من التخرج.
وخدم في جهاز المخابرات السوداني قبل تعيينه لقيادة الوحدة الأمنية. ومنذ تعيينه، عمل كوجه للمشتريات في القوات المسلحة السودانية ، حيث ترأس العديد من الوفود الرسمية إلى الموردين المحتملين.
واندلعت الحرب في السودان منتصف أبريل 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح الرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه السابق محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي.
وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف، وتسببت بأزمة إنسانية حادة ونزوح الملايين.
ويخوض الطرفان معارك عنيفة في ولاية الجزيرة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ أواخر العام الماضي.
ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب تشمل استهداف المدنيين والقصف العشوائي على مناطق مدنية وصولا إلى إعاقة وصول المساعدات الانسانية أو نهبها.
الحرة
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع: فراغ سياسي أم تراجع عسكري؟
لعل الأحداث الأخيرة في ملف الأزمة السودانية، والتصاعد الشرس في معارك الأيام الأخيرة، خاصة في منطقة شرق الجزيرة، مع تداعياتها العسكرية والسياسية، التي أحاطت بقوات الدعم السريع على الصعيد العسكري والسياسي في الداخل والخارج، ما لفت النظر لإعادة التفكير في المنطلقات السياسية والعسكرية لهذه القوات، التي تخوض حرباً ضروساً في الصراع الدائر في السودان منذ عام ونصف العام، من دون التوصل لحل عسكري أو سياسي، عدا عن الثمن الذي دفعه المدنيون، والانتهاكات الإنسانية الجسيمة بحقهم، لم تعد حرب السودان تضيف جديداً إلى ملفها الزمني؛ إلا المزيد من الانتهاكات من قصف للمدنيين والتنكيل الذي تجاوز قدرة الضمير الإنساني على الاحتمال.. تلك الأحداث التي وصفها مؤخراً الأمين للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش بالمروعة.
قوات الدعم السريع أحد طرفي معادلة الحرب، الذي خاض حرباً على طول البلاد في لحظة صراع سياسي، تفجرت معه كل صراعات الأزمة السودانية على أكثر من صعيد، سواء كان عسكريا أم سياسيا أم مناطقيا أم دوليا، الأمر الذي جعل منها الأزمة الأكثر تعقيداً والأشد فتكاً في تاريخ حروب البلاد المتصلة. وهذه الحرب الأخيرة هددت الوجود الكلي للدولة والبلاد، ولا يعرف ما إذا كان السودان سيبقى موجوداً على الخريطة السياسية وبحدوده الجيوسياسية الحالية.
أما التدخل الدولي والإقليمي، فقد كشف قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو عن التدخلات العسكرية المباشرة من جانب مصر، وهو أمر مستجد في الإعلان عنه بشكل سافر، ما يُفسر في المواقف السياسية بتصعيد المواجهة مع كل الأطراف، وتفريغ الضغط العسكري أو السياسي. والشاهد أن التدخل الدولي لم يكن غائباً عن أجندة فرقاء الأزمة السودانية، في إدارة الصراع وتوجيهه.
قوات الدعم السريع لم تكن تنظيماً سياسياً فاعلاً في الحياة السياسية السودانية، بل كانت ذراعاً عسكرية لمنظومة سياسية تنفذ بها أجندتها، التي تتطلب القوة والحماية والحصانة ضد العدالة، وإذا كانت القوة العسكرية مرادفا للسياسية، أو نفوذها في دول العالم الثالث مثل السودان، فقد وجدت قوات الدعم السريع نفسها في خضم المعترك السياسي، الذي لم تكن مستعدة له من حيث طبيعة تكوينها، بل دفعت الأحداث وربما الأقدار هذه القوات إلى دائرة النفوذ السياسي في أعقاب ثورة ديسمبر 2019، التي أطاحت بالنظام الذي كونها، ووجدت نفسها في مواجهة صراعات سياسية، بين مكونات عسكرية ومدنية وسياسية، تمثل الطيف السياسي السوداني المجبول على الاختلاف السياسي. وقد ذهبت قوات الدعم السريع وقائدها إلى البحث عن دور يتجاوز مهامها التأسيسية، وهي حراسة النظام القائم وقتها، إلى منصة سياسية تفرض ما تفرضه المؤسسة العسكرية وتقاليدها الموروثة في مناوأة الاتجاهات المدنية والديمقراطية في الحكم. وفي الوقت نفسه تقترب من المكونات المدنية التي تشابه في تقاليدها طبيعة الدعم السريع، خاصة المكونات القبلية، هذا الافتقار إلى الخبرة السياسية ـ كما أقر قائد القوات في خطابه الأخير المثيرـ جعلها عرضة للتلاعب والمناورات السياسية من قبل القوة السياسية المحترفة تاريخيا في المناورة والتدليس السياسي، ولأسباب عدة لم يكن صعود هذه القوات إلى المشهد السياسي مرغوباً فيه لأسباب جهوية، وبعض من موانع السياسات السودانية الموروثة في الحكم والهيمنة وهو أمر ما لبثت هذه القوات تردده. ولأن مثل هذه التكوينات العسكرية المستقلة بمقدرات توازي قوات الدولة الأمنية الرسمية، لا يمكن أن ترتكن إلى دورها في حراسة النظم العسكرية وهي ترى تهافت التنظيمات السياسية المدنية نحوها، والإشادة بدورها ودعوتها صراحة إلى الاستيلاء على دفة الحكم في البلاد، وهو مسلك كثيراً ما اتخذته الأحزاب السياسية المدنية للانقلاب على السلطة. ولكن هذا الاتجاه التعبوي التحشيدي، ما كان أن ينجز دون برامج سياسية، تجعل من قوات الدعم السريع جسماً سياسياً قابلاً للحوار، أو التحالف إلا تحت أسنة القوة الغاشمة. ونتجت عن ذلك منظومة عسكرية مهابة الجانب ومرغوب في دورها، صداً لتحقيق مسار ديمقراطي للقوى المدنية، مثلما حاولت التنظيمات السياسية استغلال هذه القوى لصالح توجهاتها السياسية. ومن هنا غابت السياسة، أو العقل السياسي عن هذه القوات التي تخوض حرباً جرّت معها مكونات اجتماعية تنتسب إليها، في أكبر ظاهرة استقطاب جهوي. وما ينسب من انتهاكات إلى قوات الدعم السريع، ربما يشير إلى غياب أخلاقيات التدريب السياسي والعقيدة العسكرية المنضبطة، في ظل الفوضى التي أحدثتها الحرب في بنية المجتمع السوداني. فالطرفان مسؤولان عن ارتكاب فظائع ضد المدنيين، فما خلقته الحرب من تمييز على الهوية، أوقع كثيرا من الأبرياء المدنيين في دائرة الشك والاتهام من قبل الطرفين. ووصل الأمر إلى تسليح جماعات قبلية (مدنية) وتحويلها بالتالي إلى مقاتلين، بما يتنافى وبنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المدنيين، وإن تكن حرب السودان أبعد عن مراعاة الاتفاقيات وبنودها.
وقد حققت هذه القوات على مدى أشهر الحرب على مدى عام ونصف العام انتصارات عسكرية، في حرب تشدد على القول إنها فوجئت بها، وبالتالي فرضت عليها من طرف الحركة الإسلامية التي تهيمن على الجيش. وأيا تكن مزاعمها فقد استطاعت أن تسيطر على ولايات تمتد حدودها على طول البلاد بما فيها العاصمة الخرطوم. ثم ماذا بعد هذه الانتصارات العسكرية في المناطق التي وقعت تحت هيمنتها، لم يكن بطبيعة الواقع إنزال برامج سياسية قابلة للتطبيق أو الشعارات، التي اختطفتها وحاربت مسمياتها الفضفاضة من التهميش، إلى استعادة الديمقراطية وغيرها من شعارات ظلت فاعلة في الخطاب السياسي لحركات الهامش السياسي السوداني على مدى عقود. وبعد قفل باب التفاوض في جنيف كآخر محطة تفاوض في المحطات العديدة بين الطرفين، يبقى التصعيد العسكري الخيار الوحيد الذي يسعى كل من الطرفين على المضي فيه إلى آخر نقطة حرب الكل ضد الكل.
اجتمعت عوامل عدة سياسية وعسكرية، تصب ضد قوات الدعم السريع من تحركات عسكرية من قبل الجيش والتحشيد القبلي والمناطقي ضد هويتها الإثنية، وحالة الانشقاقات الأخيرة في قياداتها العسكرية، انشقاق قائدها في ولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل وبعض من المستشارين على المستوى السياسي، قلل الدعم من أهميتها. وجميع هذه المؤثرات تضيق من فرصة تأسيس وجود شرعي لقوات الدعم السريع خارج الولايات الغربية، في ما يسمى بالحواضن الاجتماعية في ولايتي كردفان ودارفور، ما يؤشر إلى حالة انفصال قائمة بحقائق الواقع والاستحواذ، ولكن السيطرة العسكرية وحدها لا تحقق شرعية سياسية تحوز اتفاقا جماعيا، وعلى الرغم من أن هذه القوات أوجدت بنتائج الحرب سندا شعبيا في المناطق والولايات التي تنتمي إليها، إلا أن تمدد هذه التأثير الشعبي يتقلص كلما تباعدت مسافات سيطرة المناطق، ما يعني عمليا تراجعا عسكريا وتقطعا لرقعة مجالها الحيوي، حيث تفرض سيطرتها العسكرية. فإذا كان الحديث عن تهيئة سياسية تستعد لها قوات الدعم السريع، وهي بالمفهوم السياسي المحلي حوار وطني أو مبادرة سلام، وما إليه من محاولات استباق أو المحافظة على الأقل على الحد الأدنى من شكل الدولة والوطن، وإن وسائل التغيير السياسية التي لم تعد تتناسب مع المكونات السياسية التقليدية من أحزاب وكيانات طائفية ومهنية وجهوية فاعلة وهامشية، تخضع لها منظومة سياسية اجتماعية مؤثرة على خريطة السياسة السودانية قابلة للعمل في سودان ما بعد الحرب، وأيا يكن دور هذه القوات في الماضي فقد أكسبتها الحرب وجوداً واقعيا أيا تكن كلفة هذا الوجود.
كاتب سوداني
القدس العربي اللندنية
nassyid@gmail.com