قضاء الكيزان النزيه ومدافع الدلاقين!!

د. مرتضى الغالي

بالنظر إلى شلة أصحاب القرار المتحكّمين في بلادنا وأشياعهم أبواق الضلال أنصار الحرب والموت.. يمكن القول إننا نعيش في السودان الآن في قمة (عصر التفاهة) مهما اختلف الناس حول تفسيرات حُكم (المديوكراسي) الذي ابتكر مصطلحه “ألان دونو” أستاذ الفلسفة في “جامعة كيبيك” الكندية.

.!

طبعا الشواهد ملء الكف واليدين..! من هستريا كباشي وانبساطه (أوي).. إلى خطرفات ياسر العطا حول (مصاريف إطلاق سراح سكان توتي).. إلى لقاءات كبار ضباط الجيش والتهليل والتكبير مع فتى يافع نصّبوه قائداً صورياً لكتائب البراء.. أخرجوه من الميدان على عجل بسبب إصابة في المفصل الثاني من الإصبع الخامس لقدمه اليسرى..!

ويشمل ذلك أفراح الصحفجية الكيزان (ومعهم صحفجيات ومغنيات أجارك الله) وبعض المثقفين أصحاب الفيونكات و(البابيون الفرنسي) وابتهاجهم بدوي الراجمات وقصف القرى والمدن وموت الناس في الفاشر وأبو حجار والجزيرة وتمبول.. وإلى معركة (شراء اللاعبين) وتبادل التسجيلات بين جيش البرهان وقوات الدعم السريع..!

هذا كله من علامات عصر التفاهة.. ولكن هذا جميعه ليس هدف حديثنا اليوم عمّا وصلنا إليه من حال تعيس.. ذلك أن حيّز اللامعقول قد اتسع بكلام أدلى به صحفي معروف له أتباع ومعجبون.. دعا فيه إلى محاكمة المدنيين لأنهم يشعلون الحروب… تصدّق..!

صحفي (ببنطلون وقميص) يناصر الحكم العسكري الشمولي صراحة.. ويغمض عينه عن الذين أشعلوا الحرب وهو موجود بينهم.. ويريد تزهيد الناس في الديمقراطية والحُكم المدني..!

إنه يبرئ عساكر الانقلابات والمليشيات والحركات بكل أنواعها من جريمة إشعال الحرب ويطالب بمحاكمة السياسيين المدنيين.. ويضيف بأن القضاء السوداني لا تشكيك في نزاهته.. وهو طبعاً يقصد القضاء الذي ورثه الانقلاب عن عصابة الإنقاذ..!

هذا كلام يدفع الإنسان إلى حالة من الرثاء لما يمكن أن يصل إليه بعض البشر.. فتعجب لما يمكن أن ينحدر إليه بعض من يعميهم الغرض من احترام عقول الناس.. فيصبح سلوى حياتهم تزييف الواقع واختلاق الوقائع والانغماس في مجاراة الباطل طمعاً أو مشايعة أو رغبة في منفعة أو رهبة من قول الحق أو تطلعاً لثروة أو شهرة أو موقع أو منصب يهوى به من منصة الإنسانية والبشرية إلى درك سحيق من المهانة و”الجنكبة” التي تقترب بصاحبها من البهيمية القرداتية..!

(خليناك من محاكمة المدنيين) ونمسك معك في حكاية أن القضاء السوداني الآن قضاء نزيه.. ولا شك في نزاهته.. يا راجل….؟!

هل هو القضاء الذي كان يقيم طوابير تجنيد كتائب الكيزان داخل أسوار القضائية وحيث يتحوّل القضاة ورئيسهم إلى مجندين في مليشيات الكيزان يلبسون الكاكي ويفردون أرجلهم (صفا وانتباه) أمام شاويش تعلمجي يطالبهم بالانبطاح في الأرض والانكراش والانكماش والصياح بالشعارات الاخونجية الكذوبة…؟!

أليس هو القضاء الذي يتكالب فيه قضاة الكيزان ومعهم رئيسهم على كراتين الدجاج الكويتي وغير الكويتي ويتنافسون على الرشاوي والإكراميات وحجوزات السيارات وقطع الأراضي..؟!

أليس هو القضاء الذي قام رئيسه بتعديل قانون الأراضي لحماية حيازات وعقار موكله..؟

أليس هو القضاء الذي كان يتاجر في منازل وعقارات الإخوة الهنود والأرمن الذين تطاردهم سلطة الإنقاذ..؟!

أليس هو القضاء الذي استحدث في كل ولاية رئيساً لقضاتها يملك حق إلغاء أي أحكام أو فرض أخرى لحماية فساد الكيزان واستثماراتهم..!

أليس هو القضاء المهزلة الذي عجز حتى بعد الثورة عن محاكمة جريمة الانقلاب الواضحة التي اعترف بها الانقلابيون، بينما ظل بعض المحامين الأراجوزات يتلاعبون بالقضاة لأكثر من عام.. ثم تملك الخوف أحدهم فاعتذر عن مواصلة المحاكمة بحجة ارتفاع ضغط الدم..!

أليس هم القضاة الذين يصدرون الأحكام الآن ووفقا للتعليمات التي تصل إليهم من جماعة الانقلاب.. فيطلقون سراح المجرمين ويوافقون على اعتقال وتعذيب وقتل الأبرياء من خصوم الإنقاذ والانقلاب..؟!

أليس هو القضاء الذي أعاد المنهوبات إلى لصوص الإنقاذ بعد الانقلاب وأقر لهم بكل ما سرقوه من أموال الدولة..!

أليس هو القضاء الذي أدخل إلى سلكه الأمنجية والبلطجية بعد طرد كل القضاة الشرفاء وكل من تبدو عليه نزعة من المهنية وسلامة الضمير.. حتى أصبحت القضائية (بؤرة إنقاذية فاسدة).. مثلها مثل جميع مؤسسات الدولة التي لوّثوها وخنقوها بالتمكين..!

كلام هذا الرجل عن نزاهة قضاء الإنقاذ وقضاة الانقلاب يذكّرنا بمفارقة ذكية أوردها احد أنصار ثورة ديسمبر؛ قال إنه سأل أحد المواطنين عن عمله فقال إنه يعمل في (هيئة الكهرباء).. ثم سأله عن اسمه فرد عليه: (النور ضو البيت)..! هنا ضحك السائل فاستنكر الرجل وقال له: لماذا تضحك..؟! رد عليه: اسمك هذا ذكّرني بأحد الكيزان سألته عن اسمه فقال: اسمي (شريف الأمين).. يا راجل.. الله لا كسّبكم..!

murtadamore@yahoo.com

الوسومالانقلاب السودان القضاء الكيزان المليشيات بورتسودان د. مرتضى الغالي شمس الدين كباشي ياسر العطا

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الانقلاب السودان القضاء الكيزان المليشيات بورتسودان د مرتضى الغالي شمس الدين كباشي ياسر العطا

إقرأ أيضاً:

الغرب والموقف من الانقلاب العسكري في الغابون

لقد مر عام على سقوط نظام الرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا الذي حكمت عائلته البلاد لـ56 عامًا، وذلك على يد الجنرال برايس كلوتير أوليغي نغيما ومجموعته العسكرية في 30 أغسطس/ آب 2023 – اليوم نفسه الذي أُعْلِن فيه عن فوز علي بونغو في الانتخابات التي أُجْرِيَت في 26 أغسطس/ آب 2023.

وفي أقل من أسبوع من الانقلاب العسكري أدى الجنرال نغيما اليمين الدستورية كرئيس انتقالي للغابون، وقال إن الجيش استولى على السلطة دون إراقة دماء؛ بهدف تحسين الظروف المعيشية للغابونيين الذين ظلوا فقراء خلال عقود من حكم أسرة بونغو أونديمبا. وأشار نغيما إلى أنه يريد ضمان عودة النظام إلى البلاد قبل تسليم السلطة للمدنيين. وقد اقترح في الأيام الأخيرة إصلاحات تشمل اعتماد دستور جديد وقوانين انتخابية وجنائية جديدة.

على أن توقيت حدوث الانقلاب في الغابون والحفاوة التي يحظى بها الجنرال نغيما في الغرب يثيران تساؤلات حول أسباب تخلي المؤسسة العسكرية الغابونية الآن عن أسرة بونغو بعد عقود من حمايتها والعمل معها، وخاصة أن معظم مبررات الانقلاب التي ذكرها الجيش الغابوني كانت موجودة إبان رئاسيات عامي 2009 و2016.

مصالح الغرب في الغابون

تقع الغابون في وسط أفريقيا، وتحتل موقعا إستراتيجيًا في خليج غينيا ممتلكةً واجهة بحرية على المحيط الأطلسي. وتحدها الكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو، كما تُعَدّ واحدة من أكبر منتجي النفط في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي عضو في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، مع تمثيل النفط الخام والمكرر 80 في المائة من صادراتها وبلوغ احتياطياتها المؤكدة من النفط 2 مليار برميل.

ومن الموارد الإستراتيجية الأخرى التي تتمتع بها الغابون: المنغنيز وخام الحديد والذهب وعناصر الأرض النادرة الأخرى. ويركز قطاع التعدين في البلاد على استغلال المنغنيز (الذي يستخدم في صناعة الصلب والبطاريات)، وخاصة أن البلاد ثاني أكبر منتج لخام المنغنيز عالي الجودة في العالم (بعد جنوب أفريقيا). ولذلك كان قطاع التعدين في الغابون مهمًا لتأمين مستقبلها الاقتصادي وجهودها لتنويع مصادر الدخل في ظلّ انخفاض الطلب على صادراتها النفطية.

وتتركّز جلّ المصالح الغربية في الغابون في قطاعَي النفط والتعدين. وتعدّ فرنسا والولايات المتحدة الأميركية من الدول الغربية التي لها حضور قوي في البلاد. وتشمل الصادرات الأميركية إلى الغابون الآلات والمنتجات الزراعية والمركبات والأجهزة البصرية والطبية، وأبدت واشنطن منذ انقلاب أغسطس/ آب 2023 اهتمامها بتأمين سلاسل توريد المعادن الحرجة في البلاد، وتأمين النفوذ في موانئها لتحقيق الإستراتيجيات الأميركية في المحيط الأطلسي، وذلك عبر تعاونات أمنية واستثمارات كثيرة أشارت إليها واشنطن في بيانها بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024، خلال زيارة قائد الانقلاب الجنرال نغيما إلى الولايات المتحدة.

وقد كان للاستعمار الفرنسي للغابون دور كبير في العلاقات والمصالح الفرنسية في البلاد؛ إذ لم تكن الغابون مجرد حليف تقليدي لباريس، بل احتلت أسرة بونغو مكانة إستراتيجية في السياسة الفرنسية تجاه أفريقيا.

ويوجد في الغابون مجتمع كبير من الفرنسيين المتجنّسين في البلاد. وتستضيف الغابون أيضًا عناصر عسكرية فرنسية (يقدّر عددهم بـ 350 جنديًا) تتمركز في البلاد منذ الاستقلال في عام 1960.

وتتمتع الشركات الفرنسية في الغابون بمصالح اقتصادية أكبر بكثير من أي دولة أجنبية أخرى، وتوجد نحو 80 شركة فرنسية مسجلة في البلاد، إلى جانب العشرات من الشركات الصغيرة والتجار والمطاعم والمحامين وشركات التأمين وشركات الخدمات المالية.

وما يؤشر على العلاقات الغابونية الفرنسية، أن الغابون في عام 2022 أكبر وجهة للصادرات الفرنسية بين الدول الست الأعضاء في الجماعة الاقتصادية والنقدية لوسط أفريقيا (التي تضم أيضًا الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية).

وكشفت تقارير عن بيع الشركات الفرنسية في الغابون ما قيمته 585 مليون دولار من المنتجات الزراعية والغذائية والسلع الرأسمالية والكهربائية والإلكترونية، ومعدات تكنولوجيا المعلومات ومنتجات صيدلانية وغيرها.

هذا إلى جانب الشركات الفرنسية الكبرى في الغابون، مثل شركة كوميلوج التابعة لمجموعة التعدين الفرنسية إيراميت، والتي تستخرج من مناجم مواندا (أكبر مناجم المنغنيز في العالم) 90 في المئة من المنغنيز بالغابون. وهناك شركة سيتراج (التابعة لإيراميت)، التي تدير ترانسغابونيس – خط السكة الحديدية الوحيد في الغابون.

وفي مجال النفط الغابوني تعمل شركة توتال إنرجيز منذ عام 1928، حيث تدير الشركة سبعة مواقع لاستخراج النفط في الغابون وعشرات من محطات الوقود، واستثمرت في عام 2022 في قطاع الغابات. وهناك شركة موريل آند بروم التي تنشط في استكشاف وإنتاج الهيدروكربونات، وشركة بيرينكو النفطية ومقرها في لندن وباريس.

وباعتبار العلاقات الاستثنائية بين أسرة بونغو وباريس والنخبة السياسية الفرنسية والتي ساهمت في كثرة الاستثمارات الفرنسية في قطاعات رئيسية في الغابون؛ فإن تراجع الدعم الفرنسي للرئيس علي بونغو، قد يكون نتيجة الأزمة السياسية التي سبّبها مرضه في عام 2018، والذي أثّر سلبًا في قدرته على ممارسة مهام سلطته، حيث اعتمد في حكمه على أفراد عائلته المقربين، وفشلت محاولة انقلاب في يناير/ كانون الثاني من عام 2019 أثناء فترة تعافيه في الخارج.

ويضاف إلى ما سبق أن تلك الفترة (أي عامي 2018 و2019) شهدت تزايد نسبة الغابونيين المستائين من حكومة الرئيس بونغو، مما أفقدها زخمها في الوقت الذي تحدث سلسلة من الانقلابات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بدءًا من مالي (في عامي 2020 و2021)، مرورًا بتشاد (في عام 2021)، وغينيا (في عام 2021)، وبوركينا فاسو (في انقلابين عام 2022)، والنيجر (في عام 2023)، والتي ألهمت الجنرال برايس نغيما بإمكانية تنفيذه انقلابًا ناجحًا في الغابون، وأعطته لمحة عن احتمال قبول تحرّكه من قبل المواطنين المستائين من بونغو، وذلك بدعم من الغرب الذي فقد معظم نفوذه في غرب أفريقيا والساحل ويرى في سيطرة شخص داخل القصر على مفاصل السلطة خطوةً استباقية وتأمينًا لمصالحه في المنطقة.

الغرب وانقلاب الغابون

لم يكن الجنرال نغيما دخيلًا على السياسة الغابونية أو وجهًا جديدًا في الصراع على السلطة في البلاد؛ إذ هو ابن عم الرئيس المخلوع علي بونغو، ومقرّب من الرئيس الراحل عمر بونغو (والد الرئيس المخلوع عليّ)، حيث شغل منصب حارسه الشخصي من عام 2005 حتى وفاته في إسبانيا عام 2009.

وأُبْعِد – أي الجنرال نغيما – من السلطة بعد انتخاب علي بونغو خليفة لوالده، ليعمل لمدة 10 سنوات كملحق عسكري في سفارتي الغابون في المغرب والسنغال. وعاد مرة أخرى إلى الواجهة السياسية الغابونية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018 ليحلّ محل فريدريك بونغو – الأخ غير الشقيق للرئيس علي بونغو، كرئيس استخبارات الحرس الجمهوري (وحدة عسكرية نخبوية)، وتمت ترقيته في أبريل/ نيسان 2019 إلى رتبة العميد.

ومما خاضه الجنرال نغيما من الصراعات مع الأسرة الحاكمة التوتر الذي وقع بينه وبين السيدة الأولى (سيلفيا بونغو أونديمبا زوجة الرئيس علي بونغو) الحاكمة ووريث الرئاسة المتوقع.

وعلى الخلفية السابقة تأتي الاستجابات الغربية تجاه سيطرة الجنرال نغيما على الحكم بطريقة غير دستورية؛ إذ إن ردود أفعال الغرب لم تكن تقليدية في مجملها، مقارنة باستجاباتها لمعظم الانقلابات العسكرية الأخيرة في الساحل وغرب أفريقيا، ومواقفها من جيوش قادة تلك الانقلابات.

ففي حين أن بياني المملكة المتحدة وكندا أدانا الاستيلاء العسكري غير الدستوري على السلطة في الغابون، ودعوَا إلى إعادة الحكومة الدستورية والحكم الديمقراطي بقيادة مدنية؛ فقد كان الموقف الأميركي مختلفًا. إذ لم تنتقد واشنطن الجيش الغابوني بلهجة قوية كما كانت معتادة في تصريحاتها القوية تجاه الدول الأخرى. بل استغرق من واشنطن وصف ما حدث في الغابون بانقلاب عسكري (وتعليق معظم مساعداتها إلى البلاد) شهرًا ونصف الشهر.

ويتضح الموقف الأميركي أيضًا في ترحيب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالجنرال نغيما في بداية أكتوبر/ تشرين الأول 2024 باعتباره بطلًا للديمقراطية. والتقى به أنتوني بلينكين وزير الخارجية الأميركي، حيث اتفق الجانبان على اتخاذ خطوات ملموسة لتعميق العلاقات الثنائية على أساس الأولويات المشتركة، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والأمن البحري والحدودي، والحفاظ على البيئة والتعاون الأمني.

وفي تلك الزيارة استضافت غرفة التجارة الأميركية نغيما لحضور مائدة مستديرة للأعمال والتوقيع الرسمي على ست مذكرات تفاهم بين الشركات الأميركية والحكومة الغابونية، إلى جانب الكشف عن دليل الاستثمار لغرفة التجارة الأميركية الذي يسلط الضوء على الفرص التجارية في الغابون، والإصلاحات الجارية في البلاد لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

وفي نفس المنوال الأميركي سارت فرنسا والاتحاد الأوروبي، إذ في حين أنهما – أي فرنسا والاتحاد الأوروبي – طالبا بلهجة شديدة إعادة الرؤساء المخلوعين في انقلابات النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، إلا أنهما لم يفعلا ذلك في حالة الغابون. وكان أقصى درجات التصريحات من فرنسا بعد حدوث انقلاب الغابون ما قالته إليزابيث بورن رئيسة الوزراء الفرنسية إن فرنسا تراقب الوضع بأقصى قدر من الاهتمام.

وفي أواخر مايو الماضي (2024)، أي بعد سبعة أشهر فقط من الانقلاب الغابوني، قام الجنرال نغيما بزيارة رسمية إلى فرنسا، حيث اجتمع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه. وانعقد أيضًا أثناء الزيارة المنتدى الاقتصادي الفرنسي الغابوني الأول في باريس، والذي أسفر عن توقيع عدة اتفاقيات بقيمة تزيد عن 739 مليار فرنك أفريقي (أكثر من 1.100 مليار يورو)، إضافة إلى الكشف عن وثيقة الكتاب الأبيض لمنتدى الأعمال الغابوني الفرنسي التي توضح الفرص التجارية للشركات الفرنسية في الغابون.

استجابات الغرب المتناقضة: معايير مزدوجة؟

إن ما سبق عن المواقف الغربية يقوّي الشعور بازدواجية المعايير، حيث أصبح الكثيرون يشيرون إليها كدليل على نفاق الغرب في تعامله مع القيم التي يدّعيها عندما يرتبط الأمر بمصالحه، وأن الدافع الأساسي للغرب بشأن انقلاب الغابون لا يتعلق بالقضايا الديمقراطية والإنسانية، ولكن بالخوف من أن تتولى السلطة حكومة جديدة غير موالية للغرب، مما يؤثر على مصالحه الاقتصادية والعسكرية في البلاد.

فمن جانب، يُلاحظ دور المصالح الإستراتيجية في موقفي فرنسا والولايات المتحدة الأميركية من خلال انقلابي تشاد والنيجر الأخيرين. ففي حالة تشاد رأى جان إيف لودريان وزير الخارجية الفرنسي، أن استيلاء الجيش على السلطة في تشاد ضروري لدواعٍ أمنية.

والمعلوم أن فرنسا تولي لتشاد مكانة إستراتيجية لكون نجامينا مركز القيادة المركزي لعملياتها المختلفة في غرب أفريقيا والساحل. وفي حالة النيجر واجه الدبلوماسيون الأميركيون صعوبة في وصف الإطاحة بالرئيس محمد بازوم بأنها انقلاب، وذلك لما تلعبه النيجر من دور إستراتيجي للأنشطة العسكرية الأميركية في الساحل، ولحقيقة أن البلاد كانت تستضيف قاعدة عسكرية أميركية.

وتتضح النقطة السابقة بشكل أكبر في أن الجنرال نغيما زعيم الانقلاب الغابوني دُعِيَ إلى واشنطن بعد إطاحته غير الدستورية بالحكومة المدنية، بينما لم يُدْعَ زعماء بوركينا فاسو، ومالي، وغينيا، والسودان إلى قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا لعام 2022؛ بدعوى أن هذه الدول تشهد تغييرات غير دستورية في الحكومة.

وفي المنوال نفسه، رحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجنرال نغيما في القمة الفرنكوفونية التاسعة عشرة في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وهي القمة التي حضرها زعماء بارزون من أفريقيا، بينما لم يُدْعَ إليها زعماء مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر رغم كون هذه الدول فرنكوفونية.

وقد رفضت السلطات الفرنسية اتهامها بالمعايير المزدوجة، قائلة إن موقفها المختلف من انقلاب الغابون كان نتيجة امتثال الجنرال نغيما للجدول الزمني للانتقال إلى حكومة مدنية، وأنه تعهّد بإجراء انتخابات حرة وشفافة وذات مصداقية، رغم أن الجنرال لم يحدد إلى اليوم مدة الفترة الانتقالية.

من جانب آخر؛ كان لموارد الغابون دور في التكالب الدولي عليها، وخاصة بين الصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وذلك لأن وقوع الغابون في قلب أفريقيا واستقرارها النسبي يجعلانها موقعًا مثاليًا للقوى الدولية التي تسعى وراء التحكم العسكري في المحيط الأطلسي، وبوابة مثالية لشركات تلك القوى للدخول إلى السوق الإقليمية الأفريقية التي تضم أكثر من 250 مليون مستهلك، رغم أن الغابون دولة ذات عدد سكان صغير (2.4 مليون نسمة فقط).

بل في سياق التنافسات الجيوسياسية والجيواقتصادية بين الغرب والصين في خليج غينيا؛ تعزّز الغابون في السنوات القليلة الماضية علاقاتها مع الصين، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 4.55 مليارات دولار في عام 2022. ورست سفن البحرية الصينية في الغابون في زيارات ودية في عامي 2018 و2023، وهناك تقارير من وسائل إعلام أميركية حول مساعٍ أميركية لمواجهة خطط الصين لإنشاء قاعدة عسكرية في الغابون.

وكل هذا يفسر سبب الدعم القوي من الغرب للجيش الغابوني؛ لأن وقوف الغرب ضد الانقلاب وقادته سيدفع القادة العسكريين الغابونيين للميل نحو الصين وروسيا، مما سيعطي الصين اليد العليا ويترك الغرب بلا بصمات إستراتيجية كبيرة في وسط أفريقيا وخليج غينيا.

وأخيرًا؛ تشير التحركات والتطورات في الغابون منذ انقلاب 2023 إلى أن قيادة الجنرال نغيما قد لا تكون مختلفة عن سابقتها. كما أن استعداد فرنسا والولايات المتحدة لقبول انقلاب القصر الذي نفّذه نغيما يُفضي إلى مجموعة من التساؤلات حول ما إذا كان الجنرال لن يترشّح للمنصب الرئاسي، وهو يقود انتقالًا إلى الحكم المدني، أو ما إذا كان سيصبح العضو التالي في عشيرة بونغو لحكم البلاد لسنوات أو عقود قادمة، وخاصة أن هناك انقسامًا بين النخبة السياسية في البلاد، بينما تأثير أحزاب المعارضة ضعيف، حيث كان الهدف الرئيسي لمعظم المعارضين السياسيين في الانتخابات على مدى السنوات الماضية، هو إزاحة الرئيس علي بونغو من السلطة، وهو ما تحقّق عبر الانقلاب العسكري.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • «قضاء أبوظبي» تحصد المركز الأول في جائزة بريطانية
  • الغرب والموقف من الانقلاب العسكري في الغابون
  • "قضاء أبوظبي" تحصد المركز الأول في جائزة تجربة المتعاملين الدولية
  • حرب الكيزان – مليشيات الكيزان: المشهد الختامي لنهاية الحركة الإسلامية في السودان 
  • مرشح على كوكب آخر: هكذا يتحرّك انتخابيا
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • خطة «المارد الأحمر» فى الميركاتو الشتوي.. التعاقد مع جناح ومهاجم ومدافع
  • الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1535 عسكريا أوكرانيا خلال 24 ساعة
  • معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه العسكر
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار