هل تتجسس “اسرائيل” على كابلات الانترنت البحرية في لبنان؟
تاريخ النشر: 25th, October 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تشكّل الكابلات البحرية العمود الفقري للإنترنت العالمي، حيث تنقل غالبية البيانات الدولية تحت سطح المحيطات والبحار. هذه الكابلات هي الشرايين الحيوية التي تربط الدول بالعالم الرقمي، وتؤمّن تدفق المعلومات بسرعة عالية، ما يجعلها جزءًا أساسيًا من البنية التحتية للاتصالات. وهي عبارة عن ألياف ضوئية تمتد عبر قاع البحار والمحيطات لتربط القارات والدول ببعضها البعض.
هذه الكابلات البحرية تُستخدم لنقل إشارات الاتصالات الدولية بما في ذلك الإنترنت والمكالمات الهاتفية وبيانات الشبكات الخاصة بالشركات بسرعات عالية جدًا. وتتكون من عدة طبقات من الحماية تشمل العوازل والعواكس والمكونات الميكانيكية التي تحمي الألياف الضوئية الدقيقة في داخلها.
داخل هذه الكابلات، تحوّل المعلومات الرقمية (بيانات إنترنت، مكالمات هاتفية، بيانات فيديو) إلى نبضات ضوئية تمر عبر الألياف الضوئية بسرعات عالية. تُقسّم سعة الكابل إلى عدة قنوات تحمل أنواعًا مختلفة من البيانات في الوقت نفسه، ما يتيح نقل كميات هائلة من البيانات عبر مسافات طويلة من دون أن تتداخل مع بعضها البعض، وتشير التقديرات إلى أن 97 %من حركة الإنترنت العالمية ومليارات الدولارات من المعاملات المالية، تمر عبر كابلات الألياف الضوئية التي تقع في قاع البحار والمحيطات.
تشكّل الكابلات البحرية ركيزة أساسية لبنية الإنترنت العالمية والاتصالات الدولية، ويحتل لبنان مكانة مهمة في شبكة هذه الكابلات، وهو يرتبط بعدة شبكات عالمية تُسهّل عملية الاتصال بالعالم الخارجي، وهي تؤدي دورًا حاسمًا في تأمين الإنترنت والاتصالات الدولية للبلاد.. فلا بديل حاليًا عن الكوابل البحرية وفقًا لما يؤكّده المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كريدية، في حديثٍ لموقع “العهد” الإخباري، في أن: “الكابلين البحريين الموجودين يغطيّان استهلاك الشعب اللبناني، حتى في حال زادت الحزم الاستهلاكية”. والكابلان البحريان هما:
1. كابل قدموس: يربط لبنان بقبرص، وهو جزء من شبكة الاتصالات بين غرب آسيا وأوروبا وضع في الخدمة العام 1996 وطوله 230 كلم.
2. كابل قدموس 2: يربط لبنان بقبرص، طوله 250 كلم، تعهدت هيئة الاتصالات الوطنية القبرصية CYTA بناؤه وتمويله بقيمة 10 ملايين دولار، ووافقت عليه الحكومة اللبنانية منذ سنتين. ويتوقع المدير العام لهيئة “أوجيرو” عماد كريدية وضعه في الخدمة مطلع العام 2026، ويوضح أنه امتدادًا للكابل الأصلي قدموس، مشيرًا الى أن البعض يظنه ضمن الكابلات البحرية، ويبيّن أنَّه مجرد استبدال لكابل “قدموس”. ويتميز “قدموس 2” بتكنولوجيا حديثة وقدرة عالية على نقل البيانات، ما يجعله أكثر كفاءة وموثوقية، ويعدّ جزءًا حيويًا من بنية الاتصالات في لبنان.
إلى جانب كابلي “قدموس” و”قدموس2″ هنالك كابل I-ME-WE (India-Middle East-Western Europe) ، وهذا الكابل يربط الهند بأوروبا مرورًا بغرب آسيا. ويعدّ لبنان نقطة توقف رئيسي في هذا المسار، ويبلغ طول هذا المسار نحو 12 ألف كيلومتر وبدأ العمل به في العام 2011، وهو يغطي نحو 20% من حاجة لبنان.كما أن هنالك الكابل البحري Berytar الذي يصل لبنان بطرطوس في سوريا وطوله 134 كلم.
بالإضافة إلى أهميتها في تأمين الاتصال والإنترنت الدولي، تشكل الكابلات البحرية تهديدًا مباشرًا للأمن القومي بسبب قابليتها للتجسس والاختراق. فالكابلات البحرية التي تربط الدول ببعضها البعض تعد هدفًا سهلًا لأجهزة الاستخبارات الدولية، التي قد تقوم بعمليات تنصت وسرقة بيانات حساسة تمر عبر هذه الكابلات. تتضمن تلك البيانات اتصالات عسكرية، معلومات حكومية، ومعاملات مالية، ما يجعلها عرضة للاستغلال في الصراعات الجيوسياسية والتجارية. ومن الأمثلة على ذلك، أثيرت تساؤلات كبيرة حيال الكابل البحري “قدموس2” تصدرها النائب قبلان عن الغاية من إنشائه وقدرات “إسرائيل” وأجهزة الاستخبارات في التنصت عليه، خصوصًا أنه يشترك مع الكوابل “الإسرائيلية” في محطة الإنزال ذاتها. وهذا الموضوع أثارته جريدة “النهار”، في عددها بتاريخ 10 تموز 2024.
هذه الهواجس حيال أمان الكوابل البحرية التي تغذي لبنان من الخرق أو التنصت؛ يؤكدها كريدية في حديثه لـ”العهد” –برأيه – إنه مع التطور الكبير في التكنولوجيا اليوم، لا يوجد شيء محصن بشكل كامل”، فهو فيما يثني من جهة على الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية و”أوجيرو” لحماية الساحة اللبنانية وفقًا لقدراتهم المُتاحة، يلفت من جهة أخرى إلى أنَّه لدى الهيئة الإمكان والجهوزية الفنية والإطار القانوني، إلا أنَّ ما ينقص هو الاستثمار في عالم أمن المعلومات cyber securityمن برمجيات وتجهيزات، ترفع من مستوى التصدي، طالبًا من المعنيين إيلاء الأهمية اللازمة للأمن السيبراني.
بالإضافة إلى التهديدات الأمنية، يتهدد الكابلات البحرية التدمير أو التخريب في أثناء النزاعات المسلحة. فبالرغم من أن هذه الكابلات تُدفن عادةً تحت قاع البحار أو المحيطات لحمايتها من المخاطر، إلا أنها ما تزال غير محمية بالكامل من الهجمات المتعمدة. وتُعد هدفًا استراتيجيًا في الحروب؛ لأنّها تمثل أحد العناصر الحيوية للبنية التحتية للاتصالات، وتدميرها يمكن أن يؤدي إلى شلل تام في اتصالات الدول المتضررة. وهناك سوابق تاريخية لاستهداف الكابلات البحرية:
1. الحربان العالمية الأولى والثانية: قطعت القوات البحرية الكابلات لتعطيل الاتصالات بين الدول المتحاربة؛ حيث قامت بريطانيا بقطع كابلات التلغراف الألمانية.
2. حادثة كابل SEA-ME-WE 4 (2008): تسببت حادثة عرضية في قطع عدة كابلات بالبحر الأبيض المتوسط، ما أدى لتعطيل واسع النطاق للإنترنت.
3. في الحرب بين أوكرانيا وروسيا، أصبحت مسألة أمن الكابلات وخطوط الأنابيب تحت البحر في منطقة البلطيق مصدر قلق كبير، حيث تعرض كابل الألياف البصرية التابع لروسيا لأضرار جسيمة في أكتوبر 2023.
إزاء ذلك، وفي ظل التهديدات العسكرية والأمنية للكابلات البحرية وسهولة تنصت أجهزة الاستخبارات عليها، يطرح السؤال: لماذا لا يكون “الإنترنت الفضائي” هو الإنترنت المستقبلي في لبنان بديلًا عن الكابلات البحرية؟
مع أهمية الكابلات في الحياة اليومية، إلا أنها ليست محمية بالكامل من المخاطر، سواء أكانت طبيعية أم نتيجة لنزاعات مسلحة. لهذا السبب، تبقى مراقبة وحماية هذه الكابلات أمرًا حيويًا لضمان استمرار تدفق المعلومات والاتصالات بشكل آمن وسلس. وطبعًا لا يمكن إغفال الخيارات الأخرى المتاحة للدولة لتأمين الإنترنت، والتي لا بدّ من تفعيلها تأمينًا للإنترنت الفضائي عبر محطات جورة البلوط والعربانية وهي معطلة الآن أو عبر أنظمة الإنترنت الفضائي VSAT.
الانترنت الفضائي
اما بالنسبة لـ “الانترنت الفضائي” فهو غير قابل للاستثمار بالشكل الذي يحتاج إليه المجتمع اللبناني. فبحسب كريدية إن: “اللجوء إلى الأقمار الصناعية ليس حلًا جذريًا لتغطية احتياجات البلد”.. على أساس: “أن قدرة النقل عبر الأقمار الصناعية لا تلبي حجم الاستهلاك، فهناك سعةً معيّنةً لا يمكن تجاوزها عبر الأقمار الصناعية، كحال “ستار لينك”، التي لا يتجاوز مدى تغطيتها أكثر من 15 ألف مشترك، ولبنان يستقدم 1.2 تيرا عبر الكوابل البحرية، بينما الحد الأقصى عبر الأقمار الصناعية هي 5 جيغا، يعني أقل من 0.01 بالمئة من متطلبات لبنان في استهلاك “الداتا”، هذا فضلًا عن الرأي الأمني بالإنترنت الفضائي والتكلفة العالية، خصوًصا وأنَّ مصروف الفرد اللبناني 128 جيغا بالشهر.
أما الإنترنت عبر VSAT (Very Small Aperture Terminal) هو نوع من الاتصالات عبر الأقمار الصناعية يستخدم أجهزة استقبال وإرسال صغيرة لنقل البيانات.. يُستخدم VSAT لتوفير الاتصال بالإنترنت في المناطق النائية أو الريفية التي تفتقر إلى البنية التحتية التقليدية لشبكات الإنترنت مثل الكابلات الأرضية أو الألياف الضوئية.
هنا يشير كريدية إلى أن تشغيل محطّتي “العربانية” و”جورة البلوط” للأنترنت الفضائي VSAT، محصور بخطة الطوارئ المتعلقة بالدولة.. ففي حال حصول أي طارئ، يؤكد كريدية استعداد وجهوزية “أوجيرو”، بالتنسيق مع خلية الأزمة لتنظيم عملية الاتصال والتواصل على صعيد الدولة، ما يمكّن مؤسسات الدولة والمصرف المركزي والمستشفيات والأجهزة الأمنية والدفاع المدني من المحافظة على اتّصالها بالأنترنت إذا لسبب ما تضرّرت الكوابل البحرية، ويشير إلى أنَّ هذا الأمر ليس متاحًا للعموم، فالأولوية الأولى لمن يدير هذه الأزمة أن يواصل عمله.
في الختام، يخلص كريدية إلى تحديد مشكلة الإنترنت في لبنان بارتباطه بكوابل بحرية فقط، فيؤكد حاجة لبنان لثلاث موارد للتغذية بالإنترنت، سواء برية أم بحرية لتفادي الأزمات.
كما يعدّ أن الحلّ الأجدر يكون إما بكابل بحري ثالث أو عبر ربط لبنان بالكوابل الأرضية، ما يعني ربط لبنان بأوروبا عن طريق تركيا أو الخليج. إلا أنَّ كريدية يستدرك بأن الخطّين يمران حكمًا بسورية، ما يعني صعوبة تحقيق ذلك بظل قانون العقوبات الأميركي المسمى “قيصر” على سوريا، ما لم يكن ثمة قرار حكومي جريء، علمًا أن هنالك كابل بحري Berytar يصل لبنان بطرطوس في سوريا وطوله 134 كلم، لكنّه معطّل بسبب تلك العقوبات.
—————————————————
– موقع العهد الاخباري / علي أبو الحسن
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: عبر الأقمار الصناعیة الکابلات البحریة الألیاف الضوئیة هذه الکابلات الکابلات ا ل الکابلات البحریة ا فی لبنان إلى أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
في طرابلس.. مجهولون يسرقون كابلات الكهرباء
تعرضت منطقة خان الخياطين في طرابلس لسرقة كابلات الكهرباء للمرة الثانية خلال أسبوع، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المحلات التجارية، بحسب ما افادت مندوبة "لبنان 24".
وقد ناشد الاهالي السلطات المعنية اتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الحوادث المتكررة من خلال تعزيز الأمن وملاحقة المتورطين.
كما طالب اصحاب المحلات التجارية شركة الكهرباء بالإسراع في إصلاح الأضرار لتخفيف الأعباء عن التجار.