«ذى نيشين»: إبادة مستمرة.. كيف تسهم الأسلحة الأمريكية فى محو عائلات فلسطينية بأكملها؟
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين حتى العدوان الأخير على قطاع غزة، كان دور الولايات المتحدة واضحًا فى تقديم الدعم الكامل لإسرائيل على الأصعدة كافة، بما فيها الدبلوماسى والعسكري، وهو ما تَكَشَّف بشكل فج لا يمكن إغفاله فى الحرب التى لم تضع أوزارها منذ أكثر من عام، ما أظهر تورطًا مباشرًا وصريحًا لأمريكا فى مآسٍ لا حصر لها.
حيث تروى أنقاض القرى والمخيمات المدمرة والدماء المتناثرة والجثث المتحللة لعائلات مُحِيَت بأكملها تفاصيل أكثر إيلاما من حصرها فى سطور أو لقطات مصورة.
وفى هذا السياق؛ أعد الكاتب جيمس بامفورد تقريرًا فى مجلة "ذى نيشين" روى فيه عن الحوادث المأساوية التى وقعت فى غزة، حيث استُخدمت أسلحة أمريكية الصنع فى هجمات أدت إلى مقتل عائلات بأكملها.
يستعرض التقرير قصة عائلة فلسطينية حاولت الفرار من القصف الإسرائيلى فى منطقة تل الهوى، حيث تعرضت للهجوم رغم محاولاتها الاحتماء فى محطة وقود.
استشهد أفراد العائلة بعد هجوم كثيف من دبابة إسرائيلية، وسجلت الأدلة إطلاق عشرات الطلقات خلال ثوانٍ قليلة.
وعلى الرغم من محاولة الهلال الأحمر الفلسطينى إرسال سيارة إسعاف، تأخر التدخل بسبب قيود فرضها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تفاقم المأساة.
التحقيقات أشارت إلى أن قوات الاحتلال كانت قادرة على رؤية وجود الأطفال داخل السيارة، مما يثير تساؤلات حول نية الهجوم.
بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، تم العثور على جثث أفراد العائلة وقد تحللت، فى حادثة توثق حجم العنف الذى تعرضت له غزة باستخدام أسلحة ثقيلة.
كان العنصر الأساسى فى الأحداث هو نوع الذخيرة المستخدم فى الهجمات، حيث عُثر على شظية مدفعية بعيار ١٢٠ ملم، وهى مصممة أصلًا لتدمير الدبابات، وليس لمهاجمة سيارات الإسعاف.
الرقم التسلسلى والعلامات المميزة لهذه الذخيرة أشارت إلى منشأها، وهو مصنع الذخيرة الكبير فى ولاية أيوا، فى منطقة ميدلتاون، حيث تُديره شركة مقاولات دفاعية تدعى «أمريكان أوردينانس»، التى تعتبر فرعًا لشركة دفاعية أكبر تدعى «داى آند زيمرمان».
هذا المصنع، الذى يمتد على مساحة شاسعة، هو واحد من العديد من المنشآت التى تساهم فى تسليح إسرائيل.
ورغم وجود أدلة توضح تورط هذه الشركات فى تزويد إسرائيل بالأسلحة، لم تتعرض لأى تداعيات قانونية فى الولايات المتحدة، وهذا يأتى برغم أن سياسة نقل الأسلحة للإدارة الأمريكية تهدف إلى ضمان استخدامها وفقًا للمعايير الدولية.
كما يُفترض أن قانون ليهى يمنع تقديم أى دعم لوحدات عسكرية أجنبية ضالعة فى انتهاكات حقوقية.
تقرير صادر عن جامعة براون، وبالتحديد من معهد واتسون، أوضح حجم الأموال التى أنفقتها الولايات المتحدة على المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ بدء النزاع فى أكتوبر ٢٠٢٣.
بلغ الإنفاق ما لا يقل عن ٢٢.٧٦ مليار دولار من أموال دافعى الضرائب، مما يشمل معدات حيوية مثل قطع الغيار الخاصة بالدبابات والقنابل ذات القدرة التدميرية العالية التى استُخدمت فى مهاجمة المنازل والمخيمات. هذا التمويل يشمل أيضا قذائف مضادة للدبابات وجرافات قُدمت لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
وفى الربع الأول من عام ٢٠٢٤، صادقت الإدارة الأمريكية على ما يزيد عن ١٠٠ صفقة تسليح لصالح إسرائيل، أى ما يعادل صفقة كل يوم ونصف تقريبًا، وهو ما يعنى استمرار الدعم لصناعة الأسلحة الأمريكية، مثل مصنع «ماكاليستر» فى أوكلاهوما، المتخصص فى إنتاج القنابل الكبرى.
المصنع يشغل مساحة واسعة تتعدى ٧٠ ميلًا مربعًا، وهى أكبر من مساحة العاصمة الأمريكية. ومن ضمن إنتاجه قنابل ضخمة تُعرف بوزنها الثقيل، تصل إلى ٢٠٠٠ رطل، وهى من إنتاج شركة «جنرال ديناميكس».
بعد بدء العمليات العسكرية فى أكتوبر ٢٠٢٣، أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية ما يزيد عن ١٤ ألف قنبلة من هذا النوع لاستخدامها فى مناطق سكانية مكتظة مثل غزة.
القنبلة المعروفة باسم «MK-٨٤» تعتبر واحدة من أكثر الأسلحة فتكًا، بفضل قوتها التدميرية الكبيرة، حيث إن وزنها يعادل أربعة أضعاف أكبر القنابل التى استخدمتها الولايات المتحدة فى مناطق مثل سوريا والعراق ضد تنظيم داعش الإرهابي.
فى عام ٢٠١٤، ألقت قوات الاحتلال الإسرائيلى أكثر من ٥٠٠ قنبلة من طراز «MK-٨٤»، مع تخصيص حوالى ٤٠٪ من هذه الضربات لمناطق مأهولة بالسكان كانت قد صنفتها إسرائيل كمناطق «آمنة».
وخلال الأسابيع الستة الأولى من الصراع الأخير، استُخدمت القنابل التى تزن ٢٠٠٠ رطل أكثر من ٢٠٠ مرة.
ووفقًا لتقرير أعدته الأمم المتحدة، فإن الذخائر الأمريكية الثقيلة سقطت على مبانٍ سكنية ومدارس وأسواق ومخيمات للاجئين فى مناسبات متعددة، مما أدى إلى سقوط ٢١٨ قتيلًا على الأقل.
وترجح الأمم المتحدة أن تكون حصيلة الضحايا أعلى بكثير مما تم تسجيله.
منظمات حقوقية رصدت هجومًا على مخيم جباليا المكتظ بالسكان، نُفذ باستخدام نوع مُعدل من هذه القنابل المعروفة باسم «GBU-٣١».
تحقيق أجرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أكد أن الهجوم لم يكن له مبرر عسكرى واضح، لكن هذا لم يمنع استمرار استخدام هذه الأسلحة فى الهجمات.
لأكثر من عام، تُواصل القنابل الأمريكية التسبب فى مآسٍ، إذ سقطت أسلحة تحمل شعار «صنع فى الولايات المتحدة» على المدنيين فى غزة، مخلفةً عشرات الآلاف من القتلى، بينهم أكثر من ٤٢،٠٠٠ شخص ومئات الآلاف من المصابين.
هذا الاستخدام المكثف للأسلحة، الذى تسبب فى تدمير واسع، يُلقى الضوء على تورط واشنطن فى هذه الأحداث المأساوية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائيلي الولايات المتحدة غزة فلسطين أکثر من
إقرأ أيضاً:
المفقودون في عداد الشهداء.. عائلات غزة تتوشح بالسواد
على مدار نحو 15 شهرا من حرب الإبادة الإسرائيلية، صمَد الشاب رامي سرور في جباليا، شمال قطاع غزة، ولم تخط قدماه خارج المخيم، وفي كل مرة تطلب منه، عائلته النازحة قسرا في جنوب القطاع، النزوح؛ يجيب "لست أنا من يرفع يديه ويحمل راية بيضاء في وجه الاحتلال".
ولأن مشهد الهجوم الإسرائيلي الثالث على مخيم جباليا، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان مثل أهوال يوم القيامة، كما وصفه شهود عيان، سأل رامي النجاة، فأرغمته الحرب يوم الـ29 من ديسمبر/كانون الأول الماضي على محاولة الخروج متسللا من المخيم، رفقة شبان آخرين.
في ذلك التاريخ، انقطع الاتصال بين رامي وعائلته، وبينما كانت غزة تعيش منخفضا جويا وأمطارا غزيرة، بدا والده ماجد يتخيل السيناريو الأسوأ وأن "ابنه ينزف حتى الموت في الطريق مصابا غارقا بالدم والماء ولا يجد نجدة".
يتوشح الأب بالسواد، ويميل برأسه يمينا ويسارا ويقول للجزيرة نت "قعدنا تقريبا 22 يوما نستنى (ننتظر) إعلان وقف إطلاق النار عشان نطمئن، وندعو الله أن يكون بخير أو أسيرا لدى الاحتلال في أحسن الأحوال".
مع صباح الـ19 يناير/كانون الثاني الجاري -أي الساعة الأولى من وقف إطلاق النار- "تلقينا اتصالا من مجهول، يخبرنا أنه وجد هذا الهاتف في جيب جثة على الأرض في مخيم جباليا"، يكمل ماجد قصته بعيون تملؤها الدموع "يا الله قديش كان مشتاق يشوف أولاده ويلتقي بزوجته ونشوفه ونحضنه (..) هو كان السند".
إعلانماجد الأربعيني، لم يضعفه اعتقاله من قبل جيش الاحتلال في الأشهر الأولى من الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والإفراج عنه في ديسمبر/كانون الأول 2023 وتركه شبه عارٍ بلا هوية ولا ماء عند معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع، لكن "استشهاد رامي كسر ظهري".
مفقودون وأجساد تبخرتقصة رامي، تسلط الضوء على مأساة عشرات المفقودين في غزة، الذين لم يُعثر على جثامينهم أو تحللت أجسادهم بفعل شدة القصف الإسرائيلي وحصار شمال غزة تحت النار وخروج المنشآت الصحية عن الخدمة واستهداف طواقم الدفاع المدني، ما قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وقال جهاز الدفاع المدني بغزة إن فرقه تبحث عن جثامين أكثر من 10 آلاف شهيد لا تزال أجسادهم تحت الأنقاض حتى الآن.
كما ذكر الدفاع المدني أن عدد الشهداء الذين تبخرت أجسادهم ولم يَجد لهم أثرا بسبب القصف الإسرائيلي بلغ 2842 شهيدا، وذلك بعد 471 يوما من المجازر الإسرائيلية في القطاع، التي خلّفت أكثر من 155 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وبعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم الأحد الماضي، بدأ فلسطينيون ممن عادوا إلى ما تبقى من منازلهم ومناطق سكنهم في محافظات شمال وجنوب القطاع، بانتشال جثامين ذويهم من تحت أنقاض المنازل المدمرة ومن الشوارع والطرقات، وشرع آخرون بالبحث عن قبور أفراد من عائلاتهم كانوا قد دفنوا في مقابر عشوائية وبالشوارع خلال حرب الإبادة.
وتعج منصات التواصل الاجتماعي بأخبار الشهداء والمفقودين، بعد تمكن ذويهم من الوصول إلى المناطق التي كان يفرض فيها الاحتلال طوقا أمنيا مشددا ويستهدف كل من يتحرك داخلها في شمال أو جنوب القطاع.
الصحفي يحيى سالم، كتب، في الليلة التي سبقت بدء وقف إطلاق النار، عبر صفحته أن الاتفاق "هو بداية رحلة البحث وإخراج أكثر من 40 شهيدا من عائلتنا ما زالوا تحت الأنقاض منذ ديسمبر/كانون الأول 2023".
إعلان زفاف الشهداءبينما زفّ الصحفي أحمد أبو الطرابيش خبر استشهاد شقيقه واثنين من أبناء عمومته في مخيم جباليا، بعد العثور على جثثهم بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
https://www.facebook.com/share/p/12EPkvrceNg/
فيما قال خليل عاشور، عبر صفحته في فيسبوك، "مع دخول الهدنة حيز التنفيذ، فُجعنا اليوم بخبر استشهاد قمرين آخرين من أقمار العائلة، عمي الشهيد عماد عاشور وابن عمي الشاب الشهيد أحمد عاشور".
أما الناشط أحمد حسام فكانت له قصة أخرى، حين وجد قبرين داخل غرفة مع إشارة تركها من دفنهما تشير لهويتهما.
وكتب ملخص المشهد الذي لاقى تفاعلا عبر منصات التواصل الاجتماعي "على هذا الحال وجدت قبور أبطال معركة الفالوجا (شمال غزة) مهند ياسر موسى وموسى كباجة، بعد أن أثخنوا في العدو وقد دفنهم إخوانهم وواصلوا القتال، ولا معلومات عمن بقي من بعدهم".
وأكمل أن "مهند، هو الشهيد رقم خمسة لوالده ياسر موسى أحد أعضاء المكتب السياسي السابق لحركة حماس، بعد أن سبقه أشقاؤه الأربعة في أماكن قتال مختلفة".
ورغم مأساة المفقودين، رأى سكان قطاع غزة، دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فرصة لالتقاط أنفاسهم وحقن سيل الدماء وكتم أصوات القصف والتدمير بعد 15 شهرا من حرب إبادة جماعية ارتكبتها إسرائيل بدعم أميركي.