لا شك أن مبدأ الحق والواجب ، أو الحق مقابل الواجب ، أحد أهم المبادئ العادلة التى تسهم فى إصلاح المجتمع ، فهناك الحقوق والواجبات المتبادلة بين الآباء والأبناء ، وبين الأزواج ، وبين الجيران ، وبين الأصدقاء ، وبين الشركاء ، وبين المواطن والدولة ، وبين العمال وأرباب العمل، وبين المعلم والمتعلم .
وقد أشارت بعض النصوص القرآنية والنبوية إلى هذه التبادلية ، وإلى ضرورة الوفاء بالحقوق والواجبات معا ، حيث يقول الحق سبحانه فى العلاقات بين الزوجين: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة : 228) ، ويقول سبحانه فى الحديث القدسى : ” ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ “(رواه البخاري) ،
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (رضى الله عنه) قَالَ: ” كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلاَّ مُؤَخِّرَة الرَّحْلِ فَقَالَ: يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ .
وعن سيدنا على ( رضى الله عنه ) أنه قال فى خطبة له خطبها بصفين: أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَعَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لِى عَلَيْكُمْ حَقًّا بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ، وَ لَكُمْ عَلَيَّ مِنَ اَلْحَقِّ مِثْلُ اَلَّذِى لِى عَلَيْكُمْ، وَاَلْحَقُّ أَوْسَعُ اَلْأَشْيَاءِ فِى اَلتَّوَاصُفِ وَأَضْيَقُهَا فِى اَلتَّنَاصُفِ، لاَ يَجْرِى لِأَحَدٍ إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ ، وَ لاَ يَجْرِى عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ .
ورأى بعض الناس رجلا مسنًّا يزرع نخلة لا ينتظر أن يجنى شيئًا من ثمارها فى حياته ، فقيل له : وهل تنتظر أن تدرك جنى شيئ من ثمارها ؟ فقال الرجل : زرع من قبلنا فحصدنا ، ونحن نزرع ليحصد من بعدنا ، ” افعل ما شئت كما تدين تدان” .
والقاعدة : أن من أخذ الأجر حاسبه الله على العمل ، وأن العقد شريعة المتعاقدين ، وقد أمرنا رب العزة بالوفاء بالعقود ، فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ” (المائدة : 1) ، وحذرنا سبحانه من خيانة الأمانات فى العمل أو فى غيره ، فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ” (الأنفال : 27) ، وحثنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) على إتقان العمل ، فقال : ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ” (مسند أبى يعلى ) .
فما أحوجنا إلى ترسيخ مبدأ الحق مقابل الواجب فى كل مجالات حياتنا وعلاقاتنا ، وبخاصة فى مجال العمل ، إذ لا يمكن للحياة ولا العلاقات أن تستقيم من جانب واحد، فيكون أحد الشقين معتدلا والآخر مائلا ، إنما تستقيم الأمور باستواء الجانبين معا ، والوفاء بالحقوق والواجبات معا ، نؤدى الذى علينا حتى يبارك الله (عز وجل) فى الذى لنا .
الأستاذ بجامعة الأزهر
عضو مجمع البحوث الإسلامية
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الله عز وجل الحــق و الـواجــب أ د محمد مختار جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية ی ا م ع اذ
إقرأ أيضاً:
تقال عند الشدائد.. حكم قول حسبي الله ونعم الوكيل
قالت دار الإفتاء المصرية إن الله سبحانه وتعالى قال أن جملة "حسبنا الله ونعم الوكيل" تردد عند الشدائد، وهي من أقوال المؤمنين المتمسكين بالله والناشدين لنصر الله، وَبَيَّنَ أن من يتمسك بهذه الكلمة فهو من الناجين بفضل الله ونعمته.
حكم قول حسبنا الله ونعم الوكيل
ويقول الحق تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: 173-174].
بَيَّنَ الحق تبارك وتعالى في هاتين الآيتين أن كلمة "حسبنا الله ونعم الوكيل" تقال عند الشدائد، وهي من أقوال المؤمنين المتمسكين بالله والناشدين لنصر الله، وَبَيَّنَ أن من يتمسك بهذه الكلمة فهو من الناجين بفضل الله ونعمته.
دعاء يقال عند التعرض للظلم
اللهم يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: 173-174].
الظلم
حسبي الله ونعم الوكيل فيمن أذاني اللهم بحق جاهك وجلالك وعزتك وعظمتك التي يهتز لها الكون اسألك بعزتك التي يهتز لها العرش ومن حوله اللهم انصرني على من ظلمني اللهم أنك لا ترضى الظلم لعبادتك اللهم أنك وعدتنا ألا ترد للمظلوم فأنت العدل والعدل قد سميت به نفسك اللهم انصرني على من ظلمني.
يا رب انصر الحق واقر العدل وجرعهم من نفس كأس الظلم الذي جرعونا منه اللهم اخذلهم خذلانًا مبينًا.
اللهمّ إنّ الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك فسبحانك أنت مدركه أينما سلك، وقادر عليه أينما لجأ، فمعاذ المظلوم بك، وتوكّل المقهور عليك، اللهم إنى استغيث بك بعدما خذلني كل مغيث من البشر، واستصرخك إذا قعد عنى كل نصير من عبادك، وأطرق بابك بعد ما أغلقت الأبواب المرجوة، اللهم إنك تعلم ما حلّ بي قبل أن أشكوه إليك، فلك الحمد سميعًا بصيرًا لطيفًا قديرًا.
دعاء التعرض للظلم
يا رب أسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه إجابة دعوتي، فخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر، وأفجئه في غفلته، مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، واخذله يا خاذل الفئات الباغية.