ناجون من حصار شمال غزة يروون للجزيرة نت شهادات مروعة
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
غزة– كجمرتين مشتعلتين تبدو عينا يوسف المصري، الذي لفظه الموت من بين فكيه حين فرّ من جنود الاحتلال الإسرائيلي بعد 5 أيامٍ من الاعتقال استخدموه فيها درعا بشريا.
تجوّلت الجزيرة نت بين الناجين من حصار شمال القطاع في مدرسة غزة الجديدة بحي النصر غربي مدينة غزة، التي وصل إليها المصري كأنه أفلت من شبحٍ يلاحقه بعد ساعات قضاها في الركض المتواصل، رغم إصابته في قدمه برصاصات أطلقتها عليه طائرة مسيرة.
يروي المصري للجزيرة نت، تفاصيل اعتقاله التي فضح وجهه وإنهاك جسده فداحتها، حيث كان نازحا في "مدرسة حمد" بجوار المستشفى الإندونيسي، لتحتجزه قوات الاحتلال بعد التحقيق معه معصوب العينين ومكبّل اليدين.
وكانت هذه القوات تدفع المصري دفعا نحو مدارس النازحين وتجبره على دخولها غرفة غرفة لتفقّد وجود مقاومين أو عتاد، "وبعد التأكد من خلو المدرسة من المقاومين والأسلحة كانوا يحرقونها كلها، حتى لا يعود الناس إليها" يقول المصري.
وبين مهمة وأخرى كانوا يعيدون عصب عينيه وتكبيل يديه، لكن أُذنيه كانتا مكشوفتين لتسمعا صرخات المئات من الفلسطينيين المعذّبين والمشبوحين تحت وطأة التحقيق الإسرائيلي.
قبيل الفرار ناداه الضابط الإسرائيلي، وسلمه مناشير (تهديدات ورقية) ليحملها إلى مستشفى كمال عدوان تطالب من فيه بالإخلاء، ليتمكن من الانخراط مع العشرات الذي أخلوا المستشفى بعد مدة والنجاح بالفرار معهم، لكن طائرة مُسيرة أطلقت النار عليه وأصابته في قدمه.
كان مع المصري مُتسع للخروج من المدرسة التي يأوي إليها قبل حصارها، لكنه برر عدم خروجه بقوله "نحن مدنيون ولا ملجأ لنا إن خرجنا، كما أن زوجتي كانت على مشارف وضع جنينها ولا تستطيع السير وحدها مع أطفالنا الخمسة".
توجهت الجزيرة نت لزوجته أم عمر التي وضعت طفلتها خلال الحصار في مدرسة كانت تنزح فيها. وتقول أم عمر "في فصل دراسي وعلى الأرض بعد أسبوع من الحصار قامت سيدة بمساعدتي على وضع طفلتي، لقد قمت بأصعب ميلاد يمكن أن يمرّ على امرأة في العالم".
اكتفت أم عمر بالإدلاء بهذه المعلومات، رافضة استحضار تفاصيل ولادتها والخوض فيها لأنها تحاول جاهدة نسيانها، كما تقول.
قضت أم عمر بداية نفاسها وهي تحت وطأة الحصار، لم تتلق الطعام ولا الشراب ولا الرعاية المناسبة، وتقول "بعد أسبوع من ولادتي خرجتُ مع أطفالي الخمسة وحدنا، وتركتُ زوجي في الحفرة التي خصصها الاحتلال للرجال، كان الجندي يصرخ كلما حاول أبناؤه الاقتراب للبحث بين الرجال عن والدهم، ويقول "ورا ورا" (أي ابتعدوا للخلف)!
جيش بلا أخلاق
"أشوف شعرك يا حلوة" قال الجندي لأم عبيدة، وهو يحاول مدّ يده لمقدمة شعرها المنسابة من تحت حجابها، لتشيح بوجهها وتصرخ، ويصرخُ زوجها المكبّل من أعمق نقطةٍ في قلبه، فيضرب الجندي ببسطاره قدمه المصابة بشظية قذيفة أطلقها جنود الاحتلال قبل هجومهم على المدرسة.
يتجول الجنود بين السيدات المحتجزات في ساحة المدرسة ويقذفونهن بألفاظ نابية ويتشمتون بهن "مش بدكم حماس؟ خلي حماس تنقذكم!"، صرخت إحداهن بصوت أعلى من أصواتهم "لا إله إلا الله"، فاقترب منها أحدهم وقال "اخرسي بلاش أقتلك!".
تروي أم عبيدة هذه الشهادات للجزيرة نت، وعيناها تجوسان في الفراغ كأنها تصف مشهدا من فيلم رعب لن تتعافى منه كما تقول، "صارت طفلتي تبكي تريد ماء، طلبت من الجندي ماء وقد كان معهم كميات كبيرة منه، ليجيبني متهكّما: بعد يومين سأعطيكِ!".
كان الخروج من المدرسة بمثابة ولادة جديدة للسيدة النفساء ولزوجها المصاب الذي سار متكئا على كتفها وباليد الأخرى تحمل طفلتها وحقائبهم، وهما يسيران مشيا على الأقدام لأنهما لا يملكان مالا يدفعونه لركوب مواصلات تُقلّهم لوسَط المدينة.
جلست أم عبيدة في ممر تحت درج المدرسة، وهو المكان الذي وجدته فارغا فيها خاليا من النازحين، وفي حِجرها تحمل ابنتها التي تعاني من سوء التغذية والتي وصل وزنها إلى 7 كيلوغرامات، رغم أن عمرها يتجاوز العام.
وتقول "هربنا من الموت ولم نكن نفكر إلا بالنجاة منه، وحين وصلنا أدركنا أننا سنموت جوعا"، وتتابع "وصلنا صفر اليدين لا نملك شيئا، استلفت من الناس حولي فرشةً لثلاثتنا ومن شقيقتي حليبا وحفاضات".
قهرٌ مركب!
في الغرفة المجاورة ثمة مأتم، رجالٌ جلسوا على بابها صامتين، وفي الداخل نساء ينتحبن. استأذنت مراسلة الجزيرة نت بالدخول، حيث بدا أن السيدة المعنيّة بالتعازي هي تلك التي تلتف السيدات حولها، متشحةً بالسواد، يؤكد انتفاخ عينيها وشحوب وجهها أنها صاحبة المصاب.
لقد كان مصابا أكبر من فقد واحد، إنها قذيفة فتكت بأرواح 3 من أبنائها، فتاة وشابين.
بصوتٍ مرتجف، تروي أم محمود للجزيرة نت ما حدث معها وهي تحاول ابتلاع حزنها ودمعها، وتقول "نادت الطائرة المسيرة "الكواد كابتر" على من في مدرسة أبو راشد تمهلهم ساعة واحدة للإخلاء"، وتتابع "قمنا بتحضير حقائبنا وهممنا بالخروج، حتى وصلتُ إلى الساحة مع زوجي وأولادي الستة، حتى انهالت القذائف على ساحة المدرسة لتفتك بـ3 من أبنائي!".
قصة من جُمل قليلة، لم يكن هذا هو السطر الأخير فيها، تكمل أم محمود "التفتَ إليّ زوجي وقال لي خذي باقي الأولاد واخرجي. كصاعقة نزل علي الأمر.. كيف تطلبُ مني أن أسير وأترك أشلاء قلبي ممزقة على الأرض!".
قذيفة أخرى وصرخ زوجها باكيا "أقول لك اخرجي الآن" دفعتاها للرضوخ، لفّ الرجل جثمان ابنته بسجادة وحملها مع جثامين ولديه على عربة تجرها الحيوانات حتى تمكن من الوصول إلى مستشفى كمال عدوان، وبينما كان يواريهم الثرى سلكت الزوجة طريق نزوحها على قدمين رخوتين بجسد يجره من نجا من أبنائها جرا، وقلبٍ مثخنٍ دُفن لتوه معهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات للجزیرة نت أم عمر
إقرأ أيضاً:
«طابا».. شهادات جديدة عن «أيقونة سيناء» قبل التحرير وبعده
المحافظ يتحدث عن مشروعات ترسم خريطة التنمية.. وأنفاق قناة السويس مفاتيح الاستراتيجية
- مواطنون ونواب وخبراء سياحة يعرضون رؤيتهم للواقع والمأمول لتعزيز الحضور الاستراتيجي
- الطرق الحديثة شرايين تربط أرض الفيروز بالدلتا ووادي النيل وتمهد لفرص استثمارية متنوعة
بجوار قلعة صلاح الدين بمدينة «طابا»، حيث تبدو على الشاطئ الآخر من الخليج مدينتا: العقبة الأردنية، وإيلات «أم الرشراش»، التي احتلتها إسرائيل في العاشر من مارس عام 1949، قال لي الشيخ سليمان أبو حميد، من أهالي جنوب سيناء: «الاحتلال الإسرائيلي لطابا وسيناء بعد 5 يونيو 1967 لم يكن عاديًا. كان مخططًا استراتيجيًا لتغيير الطابع الاجتماعي والسكاني»، روى لـ«الأسبوع» أن «إسرائيل فرضت سيطرة محكمة على طابا باعتبارها نقطة ارتكاز استراتيجية، حتى تمنح قواتها ميزة مراقبة الملاحة في البحر الأحمر».
كنا نقف على جزيرة «فرعون» الجرانيتية على الجانب المصري من خليج العقبة، المقامة عليها قلعة صلاح الدين. أدركت لحظتها أهمية موقع طابا، التي تُطل على ثلاث دول: فلسطين، الأردن، والسعودية، ولماذا أسس صلاح الدين قلعته عام 1171م، كمركز دفاعي متقدم للتصدي للهجمات الصليبية، وحماية طريق الحج المصري عبر سيناء، وتحصينها بمنشآت عسكرية، وورش أسلحة، وتوفير الخدمات اللازمة لقواته المقاتلة.
يقول سليمان أبو حميد: «قبل عودة طابا لمصر، أقامت إسرائيل نقاط مراقبة عسكرية على المرتفعات المحيطة بالمدينة: مراكز رادار ومحطات استطلاع لتعزيز السيطرة الأمنية على الملاحة في خليج العقبة»، وعن حيلها لاحتواء القبائل البدوية، قال: «اتبع الاحتلال سياسة مدروسة لاستمالة البدو، كتقديم المساعدات المادية والتسهيلات التجارية. حاولت إسرائيل تثبيت وجودها في المدن عسكريًا عبر تشجيع السياحة الإسرائيلية حتى تصبح طابا وجهة إسرائيلية خالصة».
يكمل حصيلة المعلومات التي انتقلت من الشيوخ للشباب: «تزامن ذلك مع التلاعب بحدود وخرائط المنطقة وتغيير بعض علاماتها ومعالمها التاريخية، مع تحركات فاشلة لتجنيد عناصر بدوية، والتنكيل بمن يرفضون التعاون: هدم الخيام، منع الرعي، وتقييد حركة التنقل»، قبل أن يقول لي ساخرًا: «قبيل لجوء مصر للتحكيم الدولي، الذي انتصر لمصر في نهاية الأمر، زعمت إسرائيل أن مدينة طابا تابعة لها منذ 1906، رغم أن الاعتراف الدولي بإسرائيل ككيان حدث في عام 1948»!
الانتقال شرقًاقبل ساعات قليلة من حديثي مع سليمان أبو حميد، كنت قد انتقلت من إفريقيا غربًا إلى آسيا شرقًا في أقل من 10 دقائق، عبر أحد الأنفاق الجديدة المارة تحت قناة السويس (اثنان في بورسعيد، ونفقان في الإسماعيلية، وخامس موازٍ لنفق الشهيد أحمد حمدي)، كجزء من مكتسبات التنمية الشاملة بعد 30 يونيو 2013. تمتد الأنفاق بطول 5820 مترًا، على عمق يتراوح بين 53 و70 مترًا تحت المجرى الملاحي للقناة، يستوعب النفق الواحد 2000 سيارة في الساعة، بمعدل عبور 40 ألف سيارة يوميًا في النفق الواحد.
خلال مدة تنفيذ أنفاق قناة السويس (من عام 2016 إلى 2019)، تم الحفر والبناء والتشطيب، مع تزويدها بأنظمة التشغيل الخاصة بالكهرباء، والاتصالات، ومكافحة الحرائق، وتأمين العابرين، وذلك بأيادٍ مصرية (2500 عامل ومهندس مصري) وخبرة عالمية، لتيسير حركة النقل من وإلى سيناء على النحو الذي بدا خلال زيارتنا لطابا التي تحتفل بالذكرى الـ36 لعودتها لمصر. واللافت أن المدة التي أمضيتها في المدينة كانت حوالي 36 ساعة فقط، قبل العودة للقاهرة.
عن المرويات القبلية حول الاحتلال الإسرائيلي لطابا، يقول سليمان أبو حميد: «عسكريًا، كان أقل صخبًا من باقي سيناء، لكنه كان أكثر خبثًا، عبر التغلغل الاقتصادي والسياحي. استهدفت قوات الاحتلال تثبيت وجودها عبر بناء شبكة طرق، ومرافق سياحية، ومهبط طائرات، مع تمركز وحدات عسكرية في نقاط مرتفعة، ودوريات مستمرة على طول الساحل، ورغم محاولة دمج المنطقة ضمن نفوذها، فإنها لم تقم بإنشاء مستوطنات دائمة فيها».
سألته عن وضع المدينة خلال حرب العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر 1973 - فقال: «عرفنا أنها كانت منطقة خلفية للجيش الإسرائيلي، لم تشهد معارك مباشرة، لكنها استخدمت كموقع إمداد ودعم لوجستي. بعد الحرب وتوقيع اتفاق فض الاشتباك في السبعينيات، كانت إسرائيل تحاول خلق واقع جديد يجعل الانسحاب منها صعبًا». سألت المواطن السيناوي، علي جمعة، عن كيفية الحفاظ على الهوية في ظل المؤامرة الإسرائيلية، فقال: «نحن مصريون، والوطن غالٍ، وسنحافظ عليه حتى لو كان الطرف المعادي أمريكا».
عودة الحقيتذكر علي جمعة حكايات شيوخ القبائل: «في بداية الاحتلال بعد يونيو 1967، جمعوا كل البدو داخل مناطق معزولة بسلك شائك، أشبه بعملية فرز أمني. كل من يشتبهون في تعاونه مع الحكومة المصرية كان يُعتقل. كانت الاعتقالات تتراوح بين عامين وأكثر. كانت أغلبية أهالي سيناء تعيش في الوديان، وتتمركز قوات الاحتلال بمناطق عسكرية مغلقة. كانوا يأتون بمعونات — دقيق، زيت، سمن، وسكر — لكن أهلنا من البدو كانوا فاهمين الأهداف الحقيقية. كبارنا ومشايخنا عبروا عنا في مؤتمر الحسنة في أكتوبر 1968».
تابع: «كان هدف إسرائيل تدويل سيناء، قبل صدمة جولدا مائير وموشيه ديان، عندما أعلن ممثلو القبائل أن سيناء ليست ملك البدو، بل ملك الدولة المصرية، وإذا أرادوا التفاوض حولها، فعليهم أن يراجعوا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في القاهرة»، موضحًا أنه «بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر عام 1973، تغير أسلوبها ولهجتها مع القبائل. حاولوا مد الجسور أكثر، لكن في السنوات اللاحقة — التي سبقت التفاوض — بدأ وجودهم يقل كثيرًا كنوع من الشعور المبكر بأن مصر ستحسم معركة التفاوض القانوني وتستعيد طابا».
يؤكد علي جمعة أنه «بالوثائق الرسمية، واصطفاف بدو سيناء، والجهود العسكرية والدبلوماسية فشل الاحتلال. حقُّنا عاد في 29 سبتمبر عام 1988، بصدور حكم هيئة التحكيم الدولية لصالح مصر، ورفع العلم عليها في 19 مارس 1989. لا تفريط في شبر من أرضنا إلى يوم الدين. التعاون الكبير مع الجيش والشرطة خلال الحرب على الإرهاب يعبر عن هذه الروح. نحن نزرع هذا في أولادنا وأحفادنا. نطالب بالتوسع في توفير فرص العمل في سيناء بعيدًا عن الحراسة والوظائف الحكومية، من خلال المشروعات الصناعية والزراعية والسياحية».
تعكس الثقة التي تحدث بها، علي جمعة، شعورًا عامًا في طابا، التي حرصت على تفقدها، حتى المنفذ البري بين مصر والأراضي المحتلة. خلال الجولة، تبدت اليقظة الأمنية كعنوان كبير لرؤية الدولة في التعامل مع المناطق الحدودية. لا مكان للتهاون أو الاسترخاء في بسط مظلة الأمن والاستقرار، ليس فقط في نطاق المقاصد السياحية، بل عبر التوسع في التنمية الشاملة كما في أرض الفيروز، عبر خطط البيوت والقرى والتجمعات البدوية، ومحطات التحلية، ومد خط السكة الحديد.
أجواء عامةتجربة سهام سعيد، خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، من قبيلة المزينة، كاشفة في التعامل مع أزمة الانتقال من محافظة جنوب سيناء للقاهرة. تقول لـ«الأسبوع»: «درست في سيناء حتى مرحلة الثانوية العامة قبل الالتحاق بجامعة القاهرة. في البدايات، كانت العادات والتقاليد القبلية تمثلان حاجزًا نسبيًا. كانت أسرتي لديها بعض التحفظ على الدراسة في مكان بعيد.كان لدي تصميم على النجاح بمجموع يؤهلني للكلية في القاهرة. كنت راغبة في معرفة عالم جديد، أجواؤه، وماذا يحدث فيه؟ البداية كانت بالنسبة لي كأنها العالم الآخر».
تقول سهام: «أقنعت الوالد بأهمية الدراسة في القاهرة. في النهاية وافق. لاحقًا، ومن بين 1000 متقدم لمنحة مقدمة من الجامعة البريطانية، كنتُ ضمن 50 فائزًا. حصلت على ليسانس حقوق، كما حصلت على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية»، توضح أن «مصر تتحرك للأمام خلال السنوات الأخيرة. كانت هناك أزمات، لكنها تتحول تباعًا إلى حلول، على صعيد النقل وباقي الخدمات، وتنويع المشروعات لجذب شرائح أكبر من المحافظات، والنهضة السياحية وغيرها ستشجع الناس على القدوم لطابا وسيناء».
تمثل طابا نقطة استراتيجية في مشروع الربط بين البحر المتوسط وخليج العقبة عبر خط سكة حديد العريش - طابا، الذي يستهدف ربط ميناء العريش على البحر المتوسط بميناء طابا على خليج العقبة. سيمتد الخط عبر منطقة الصناعات الثقيلة في وسط سيناء، ما يعزز حركة التجارة والصناعة والتعدين في المنطقة. إنشاء هذا الممر اللوجيستي سيسهم في تسهيل نقل البضائع من مناطق الإنتاج إلى الموانئ البحرية، ويجعل طابا مركزًا رئيسيًا في حركة التجارة الإقليمية.
سيكون ميناء طابا البحري الجديد نقطة النهاية لخط السكة الحديد القادم من العريش، ما يخلق شبكة نقل متكاملة بين النقل البحري والبري. هذا التكامل سيتيح نقل البضائع والركاب بسهولة، ويعزز من كفاءة حركة التجارة، ليضع طابا في قلب شبكة النقل الإقليمي والدولي، أما خط سكة حديد الفردان - بئر العبد، فيشكل خطوة محورية في ربط سيناء بالمحافظات المصرية.
يمتد الخط من الفردان، بالقرب من الإسماعيلية، حتى بئر العبد في شمال سيناء، بطول يقارب 100 كم. بدأ التشغيل التجريبي في أكتوبر 2024، ليكون بذلك أول تشغيل لقطار في سيناء منذ 51 عامًا. يأتي هذا المشروع ضمن خطة شاملة لربط مناطق الإنتاج في سيناء بالموانئ البحرية، ما يسهم في تسهيل نقل البضائع والركاب، ويعزز النشاط الاقتصادي في المنطقة.
طابا والمالديفحسني مخلوف (مدير فندق Taba Sands) يقول: «طابا منطقة بكر، مليئة بالمقومات الطبيعية والسياحية، مناخها المشمس وندرة الأمطار، ما يجعلها وجهة مثالية للسياح. المناظر الخلابة، والشواطئ المطلة على أربع دول، والمحميات الفريدة، إلى جانب قلعة صلاح الدين الواقعة في منتصف البحر، كلها عوامل جذب قوية. تحتاج فقط إلى مزيد من الترويج والتسويق. جهود الدولة في تطوير البنية التحتية، وتحديث المطار، وتطوير الطرق والمشروعات الصناعية، ستجعل طابا مركزًا رئيسيًا للسياحة والاستثمار في المستقبل القريب».
يضيف: «الشعاب المرجانية في طابا قد تكون الأجمل عالميًا، تكثر الدلافين قرب شواطئها، إلى جانب بحيرة الفيورد الطبيعية التي تحيط بها الجبال الملونة. تتفوق طابا على المالديف بأجوائها وأسعارها مقارنة بالمالديف المرتفعة، كما تتميز طابا بكونها مدينة متكاملة تضم مزارات سياحية ومراكز تسوق، ما يجعلها وجهة تجمع بين الراحة، الاستكشاف، والترفيه. يمكن تنظيم برامج سياحية متكاملة تجمع بين الاستجمام في منتجعات طابا، وشرم الشيخ، ودهب، إلى جانب رحلات ثقافية إلى القاهرة لاستكشاف المتحف الكبير والأهرامات».
يؤكد أن «الفترة التي أعقبت سقوط الطائرة الروسية في 31 أكتوبر 2015 كانت من أكثر الفترات تقلبًا، ثم توالت الأزمات: جائحة كورونا، حرب أوكرانيا، حرب غزة، وسبقها تحديات الإرهاب، حيث كان الطريق الوحيد المؤدي إلى طابا من الاتجاه الأوسط شبه مغلق، ما أدى إلى تراجع الاستثمارات الفعلية من المستثمرين، وتحمل الدولة عبئًا كبيرًا. لكن رغم ذلك، تم إنجاز العديد من المشروعات المهمة لاحقًا، كتطوير الطرق والبنية التحتية، خاصة في ازدواج طريق النفق حتى نخل وطابا، وفقًا لأعلى المعايير، مع تجهيز مخرات للسيول».
وجهة عالميةيؤكد، خالد أحمد، المدير الإقليمي والمدير العام لفندق مارينا شرم -الحائز على جائزة أفضل مدير فندق في مصر لعام 2021- لـ«الأسبوع» أن جمال جنوب سيناء يجعلها أحد أهم الوجهات السياحية في الشرق الأوسط والعالم، في ضوء شواطئها المشمسة، وطبيعتها الخلابة على مدار العام، لا سيما طابا وشرم الشيخ ودهب ونويبع ورأس سدر، التي تتميز بتنوع أنشطتها السياحية، وبرامجها المتكاملة، والمواقع التاريخية والدينية الفريدة مثل سانت كاترين ومشروع التجلي الأعظم، لتحويلها إلى وجهة روحية وسياحية عالمية.
تطرّق، خالد أحمد، إلى أهمية الحفاظ على التراث الثقافي والديني، وتقديم خدمات سياحية مستدامة، فضلًا عن تعزيز مكانة جنوب سيناء كوجهة رئيسية للسياحة البيئية والثقافية لجذب المزيد من السياح والمستثمرين، ضمن استراتيجية مصر 2030، حيث يوفر القطاع السياحي آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة التي يستفيد منها السكان المحليون. كما أن القطاع أحد أهم المصادر للعملة الأجنبية، وسط حرص من المحافظ على معرفة آراء ومقترحات المستثمرين ووضع حلول للتحديات التي تواجههم.
في جنوب سيناء توجد مجموعة كبيرة من المنشآت الفندقية المجهزة، حيث تحتضن طابا 28 منشأة فندقية بإجمالي 6137 غرفة، وتتصدر شرم الشيخ القائمة بـ 188 منشأة فندقية، وفي رأس سدر يوجد 27 منشأة فندقية تضم إجمالًا 1716 غرفة، وسانت كاترين 12 منشأة فندقية بإجمالي 718 غرفة، أما في طور سيناء، فتوجد 9 منشآت فندقية توفر 771 غرفة، وفي نويبع يوجد 14 منشأة فندقية تضم 1619 غرفة.
احتفاء شعبيفي صباح اليوم التالي، وعلم مصر يرفرف عاليًا، قال لي البرلماني، سليمان عطيوي سليمان، النائب عن دائرة طابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ، بفخر: «طابا، أغلى بقعة على أرض مصر. استعادة مصر لها عيد خاص جدًا. الجديد أن الذكرى الـ36 لاستعادة طابا مختلفة عن سابقاتها في ظل اتساع نطاق التنمية الشاملة، التي لا تتوقف عند كونها وجهة سياحية رئيسية في جنوب سيناء».
واحتفلت مدينة طابا رسميًا وشعبيًا بمناسبة الذكرى الـ36 لتحريرها وعودتها إلى أحضان الوطن، حيث رفع اللواء خالد مبارك، محافظ جنوب سيناء، علم مصر بساحة العلم في مدينة طابا، في مشهد يعكس عظمة الإنجاز الوطني الذي تحقق عبر مسار دبلوماسي وقانوني تاريخي. حضر المراسم اللواء محمد عناني، مدير أمن جنوب سيناء، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، إلى جانب القيادات التنفيذية والشعبية، في احتفال وطني يؤكد على الثوابت الراسخة لمصر في الحفاظ على كل شبر من أراضيها.
انطلقت مراسم الاحتفال بإشعال الشعلة الوطنية، وعزف كورال الأطفال الأغاني الوطنية، في أجواء مفعمة بالفخر والانتماء. وشارك في الفعاليات أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، إلى جانب عدد من رجال الأعمال، ومديري الأوقاف والتموين، ومشايخ وعواقل محافظة جنوب سيناء، الذين أكدوا جميعًا على أهمية هذا اليوم في التاريخ المصري. وفي إطار الاحتفال، تم افتتاح سوق اليوم الواحد بمدينة طابا، الذي ضم مجموعة متنوعة من السلع الغذائية واحتياجات شهر رمضان والخضروات والفاكهة بأسعار مخفضة.
سألت البرلماني، حميد سليمان موسى، النائب عن دائرة الطور ورأس سدر وأبو زنيمة وأبو رديس عن الجديد في التنمية، فقال: «هناك طفرة شاملة في كل المجالات سياحيًا وخدميًا. لدينا كل مقومات الحياة الأساسية. لدينا جميع أنواع السياحة، فضلًا عن الأنشطة الزراعية. أقول للمصريين في كل المحافظات: تعالوا إلى سيناء.. أهلا بكم جميعًا. لنشارك جميعًا في جهود التعمير والتنمية».
في خطوة طموحة لتحويل طابا، ومحافظة جنوب سيناء عمومًا إلى نموذج عالمي للتنمية، أكد اللواء مهندس دكتور خالد مبارك، محافظ الإقليم لـ«الأسبوع» أن خطة التنمية المستدامة بالمحافظة تعتمد على رؤية شاملة تغطي الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، البيئية، الإدارية والتشريعية، وفقًا للخطة، التي صدّق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 24 سبتمبر الماضي، بهدف تعزيز مكانة المحافظة على خريطة السياحة العالمية، مع استغلال الميزات الطبيعية والاقتصادية لكل منطقة في المحافظة.
وأشار إلى أنه في طابا - نويبع، يشمل التطوير إنشاء مناطق لوجستية تدعم حركة التجارة الدولية، اعتمادًا على الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر. أما في شرم الشيخ - دهب، فالتركيز على تطوير السياحة البيئية، الثقافية، الترفيهية، والرياضية. وفي أبو زنيمة - أبو رديس، هناك اهتمام بالتنمية الصناعية والتعدينية، وفي الطور - سانت كاترين، يتم توجيه الجهود لاستثمار المكانة الدينية والتراثية للمنطقة، وفي رأس سدر، فالتوجه الأساسي دعم التنمية الزراعية، خاصة الزراعات المحمية، لتحقيق اكتفاء ذاتي وتوفير فرص عمل.
أوضح المحافظ أن خطة التنمية الصناعية تستهدف جعل جنوب سيناء مركزًا للصناعات الاستراتيجية في مصر، ليس فقط عبر بناء المصانع وتوسيع خطوط الإنتاج، بل تمتد إلى ترسيخ مكانة المحافظة على الخريطة الاقتصادية، وجذب الأيدي العاملة، مما يسهم في إعادة توزيع الكثافة السكانية، وخفض معدلات البطالة، ورفع مستوى الدخل، مستفيدة من قرب المحافظة من الموانئ وأسواق الاستهلاك الرئيسية، علمًا بأن جنوب سيناء المورد الأول للثروة المعدنية في مصر.
وعن مستقبل القطاع الزراعي في محافظة جنوب سيناء التي تصل مساحتها الإجمالية إلى 30 ألف كم²، أشار المحافظ إلى أن الأراضي القابلة للزراعة تصل لـ365 ألف فدان، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الأفدنة التي تنمو بها النباتات الطبية والعطرية والمراعي، ويعتمد الري على الآبار الجوفية ومياه الأمطار المحجوزة، مما أتاح استصلاح 36 ألف فدان، لتصبح ركيزة للتنمية الزراعية، توفر إنتاجًا متنوعًا، وتخلق تجمعات زراعية جديدة، وتساهم في توفير فرص عمل ودعم الاقتصاد المحلي.
وعن تطوير البنية التحتية، كشف المحافظ عن تنفيذ حوالي 25 مشروعًا كهربائيًا خلال السنوات الأخيرة، كما تستهدف المحافظة تنفيذ 14 مشروعًا جديدًا لتحسين البنية التحتية. وبهذه الرؤية المتكاملة، تسعى جنوب سيناء إلى تحقيق طفرة تنموية شاملة، تعزز من مكانتها كمركز عالمي للسياحة والاقتصاد، وتوفر فرصًا واعدة للنمو والاستثمار، ما يجعلها نموذجًا للتنمية المستدامة على المستوى الإقليمي والدولي.
بعد 36 عامًا على تحريرها، تواصل طابا كتابة فصل جديد في تاريخها، ليس فقط كرمز للتحرير، بل كنقطة انطلاق نحو مستقبل اقتصادي وسياحي مزدهر، فمع ما تحمله من أهمية استراتيجية وجمال طبيعي خلاب، أصبحت طابا وجهة مفضلة للاستثمار والتنمية، مستفيدة من موقعها الفريد على رأس خليج العقبة. واليوم، إذ تحاول استعادة مكانتها على الخريطة السياحية والاقتصادية، فإنها تؤكد أن روح الصمود والانتصار لا تزال حية، وأن المستقبل يحمل في طياته مزيدًا من الفرص والتقدم.
اقرأ أيضاً«سيناء بين الحرب والسلام».. ندوة تثقيفية بفنون تطبيقية حلوان بمناسبة ذكرى العاشر من رمضان
حزب مستقبل وطن يستكمل توزيع كراتين رمضان ضمن مبادرة الخير في مدينة دهب بجنوب سيناء
«أحد أبطال أكتوبر»: أبناء سيناء لهم دور كبير في تحقيق نصر العاشر من رمضان «فيديو»