24 أكتوبر، 2024
بغداد/المسلة: كتب رياض الفرطوسي
عندما تقلك رحلة بعد منتصف الليل إلى البلاد،
تلك البلاد التي أسعدتنا عندما كنا أطفالًا،
حيث الطبيعة النقية، والحب، وأجواء اللطافة والمروءة.
انتقلنا من التاريخ المفتوح والثقافة الحرة،
ومن التحية والبراءة والضمير والصبر وحكايات آخر الليل المفعمة بالتشويق والمواقف،
إلى تاريخ آخر مغلق بالكوابيس، ومفارز الأمن، والذل، والسجون، والمشانق،
إلى أن فقدت البلاد شاعريتها، وتحولت إلى عمارات ومجمعات سكنية إسمنتية.
ولكي لا تبقى ترقص في دوامة ومتاهة الماضي والذكريات،
وتنسى الحرية، والثروة، والعدالة، والمصير،
تسلح بالحنين وجذوته المشتعلة في كلمات الصباح:
“نسم علينا الهوى من مفرق الوادي
يا هوى، دخل الهوى خذني على بلادي”.
لكن قبل أن تستنشق هواء البلاد،
جهز نفسك لأن تكون شخصًا آخر.
لست بحاجة إلى أن تتحدث بصوت هادئ،
أو أن تدفع بنفسك نحو الصمت.
فكر أن تكون غير ما أنت عليه،
ولا ترهق نفسك بالأسئلة،
لأنك ستجلس وحيدًا،
محاطًا بكل الفضوليين،
هناك من يدس أنفه،
أو يدس أذنه أو عينه،
ويتجسس على حضورك وغيابك.
ستجد نفسك في كل لحظة أمام مسرح
من المتربصين والمدعين،
والمقنعين والغادرين والأفاقين والوشاة.
مع كل لحظة تمر،
ستصبح ضحكتك أكثر ذبولًا،
حيث تخرج كل صباح
بلا وجه ثقيل،
لأنك تتركه على وسادة أحلامك الضائعة.
أربعون عامًا تبعثرت في شوارع البلاد النائية،
تسحل خلفك سنواتك الثقيلة مثل معطف قديم،
في غرفتك المحاطة بالحرس،
وهم يخطفون منك الكلمات،
ويسألونك عن قهوتك المُرَّة،
وعن لون حذائك أو ربطة عنقك،
أو عن بياض جبهتك،
أو عن أحلامك التي لا تنام.
في صحراء أحلامك الواسعة،
تنبت ألف نافذة،
كل منها تطل على عين،
بحجم الخراب والخسارات، والماضي، والأمل،
وزحمة الطرقات، ورائحة الماء الآسن،
ورعشة القلب بلا أحد ينتظرك في آخر النهار.
وأنت تعود إلى البلاد،
لا زهرة تنبت بين مشابك أصابعك الخضر،
ولا صداقة تولد،
ولا وردة تغني في جداول الصباح!
وأنت تعود إلى البلاد،
تذكر أنك بحاجة لأن تتعلم أشياء كثيرة:
البكاء، الصبر، الانتظار، الوجع.
سيتكرر هذا الأمر كثيرًا،
وسيلتفت أحدهم قائلاً:
إنها المصادفات أو الأقدار، فلِمَ التشاؤم؟
مع اختلاف النظر،
ماذا عليك أن تفعل
لكي لا تقع في فخ المتسولين على الطرقات،
أو أن تصطدم بوجوه معفرة بالتراب والخيبات
من عمال محبطين في زوايا مسطر ساحة الطيران وسواها،
أو باعة البسطات الذين يفترشون الأمل على أرصفة التيه؟
من ينقذنا من كل هذا؟
من ينقذنا من أنفسنا،
في واقع يعيش على مفاهيم غابرة ومستهلكة؟
كل ما تبقى حفنة من قيم تقاوم في محيط الابتذال والتفاهة،
كما لو أننا نعيش الزمن نفسه،
ونستنسخ تجاربنا.
يقينًا سيتغير كل ذلك،
حينما نتغير نحن.
كل محاولاتنا قائمة من أجل أن نغير صورة الوطن،
الذي نحبه.
عملنا وحلمنا أن نعيش فيه ليكون حضنًا آمنًا، وعادلاً،
وصديقًا كريمًا ووفياً.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: إلى البلاد
إقرأ أيضاً:
اعملها على نفسك.. وكيل التعليم بالغربية يفتح تحقيقًا في واقعة اعتداء على طالب.. القصة الكاملة
أصدر ناصر حسن وكيل وزارة التربية والتعليم بالغربية اليوم توجيهاته العاجلة إلي مدير الشئون القانونية بفتح باب التحقيق العاجل مع مدرس لاعتدائه علي أحد الطلاب لفظيا ومعنويا داخل أحدي المدارس التعليمية بنطاق إدارة غرب المحلة التعليمية .
وكيل التعليم يحقق في واقعة اعتداء الطالب
كما وجه وكيل وزارة التربية والتعليم بإعداد مذكرة كاملة للتحقيق وإحالتها للجهات المختصة بالتحقيق بالنيابة الإدارية لاتخاذ شئونها حيال الواقعة .
في المقابل أصدرت النيابة الإدارية بالمحلة الكبري قرار عاجلا خلال 24 ساعة الأخيرة باستبعاد مدرس “بالحصة” من العمل بالتربية والتعليم نهائيا واستبعاد مدير مدرسة ومشرف الدور عقب واقعة التعدي بالضرب المبرح على أحد طلاب الصف الرابع الابتدائي وإصابته بكدمات متفرقة بالجسد بعد أن اكتشف عدم تنفيذ الواجب وطلبه الذهاب للحمام.
وتعود أحداث الواقعة حينما رصدت غرفة العمليات والطوارئ بمديرية التربية والتعليم بطنطا تفاصيل شهدتها مدرسة صلاح سالم الابتدائية بالمحلة الكبري، حيث قام ولي أمر طالب بتقديم شكوي للنيابة الإدارية ضد مدرس رياضيات “بالحصة” لقيامة بالتعدي علي نجله بالضرب والسب بسبب طلب نجلة الذهاب للحمام.
قرار عاجل من النيابة الإداريةوأفادت التفاصيل الكاملة بشكوي ولي أمر الطالب أن المدرس قام بغلق باب الفصل بالديسك وقام بالتعدي بالضرب على نجله بسبب طلب الذهاب للحمام قائلا له ” اعملها علي نفسك .. دا أنا هكسر عضمك .. دا أنت أشكالك متسواش جنيه دلوقتي” وعندما قام نجلي بالصراخ والاستغاثة سمعت به عدد من المدرسات بالمدرسة وحاولوا فتح الفصل وإخراج الطالب .
وتابع ولي أمر الطالب المعتدي عليه أن المدرس تسبب في إصابة نجله بحالة نفسية سيئة بعد التعدي عليه بهذه الصورة وسط زملائه.