اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"يقولون: "أرض مصر أرضٌ مباركة وهي أم البلاد" فهل هذا صحيح؟

لترد دار الإفتاء موضحة: أن قول الناس: "أرض مصر أرض مباركةٌ وهي أم البلاد" قولٌ صحيحٌ؛ فهذا من كلام نبي الله نوح عليه السلام، وقد ورد في الأثر، وتناقله عددٌ كبيرٌ من علماء الأمة ومؤرخيها.

وهذا ما أيَّده الواقع على مر العصور والأزمان.

سميت مصر بـ"أم البلاد و غوث العباد"؛ فبهذا سماها نبي الله نوحٌ عليه السلام؛ فقد أخرج ابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" (ص: 27، ط. مكتبة الثقافة الدينية) بسندٍ حسن عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن نوحًا عليه السلام قال لابنه حينما أجاب دعوته: [اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم، وقوهم عليها] اهـ. وهذا الأثر ذكره جماعة من العلماء في كتبهم، واحتجوا به على فضائل مصر، ومنهم: الحافظ الكندي (355) في "فضائل مصر المحروسة"، والمؤرخ العلامة البكري (487) في "المسالك والممالك "(2/ 566، ط. دار الغرب الإسلامي)، وصاحب (ق 6) "الاستبصار في عجائب الأمصار" (ص: 65، ط. دار الشئون الثقافية)، والحافظ جمال الدين بن حديدة (783) في "المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي" (2/ 148، ط. عالم الكتب)، والمؤرخ العلامة ابن تغري بردي (874) في "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" (1/ 30، ط. وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب)، والحافظ السيوطي في "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة" (1/ 34، ط. دار إحياء الكتب العربية)، والعلامة المقريزي (845) في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/ 40-51، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة النويري (733) في "نهاية الأرب في فنون الأدب" (1/ 347، ط. دار الكتب والوثائق القومية). 

ومصر هي البلد الوحيد الثابت تسميته بهذا الاسم، وذلك كما سمى الله تعالى مكة المشرفة بــ أم القرى، وهذا الاسم له دلالة المركزية والصدارة بين بقية البلاد، وله أيضًا دلالة الخير الوفير الذي يخص الله به أرض مصر مما لا يوجد في غيرها، ويحتاج الخلق إليه؛ فيفيض على جميع البلاد؛ كما هو الشأن الذي يُثبته التاريخ دومًا في مصر؛ قال العلامة الألوسي في "روح المعاني" (13/ 14، ط. دار الكتب العلمية): [قد يقال لبلد: هي أم البلاد باعتبار احتياج أهالي البلاد إليها] اهـ. وقد ذكرها بهذا اللقب سعيد بن أبي هلال، ونقل ذلك عنه العلماء والمؤرخون؛ كالحافظَيْن الكندي (355) في "فضائل مصر المحروسة"، والسيوطي في "حسن المحاضرة" (1/ 21)؛ [فقد ذكرا عن سعيد بن أبي هلال أنه قال: اسم مصر في الكتب السالفة أم البلاد، وذكر أنها مصورة في كتب الأوائل وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها] اهـ.

كما ذكرها بذلك الأديب علي بن ظافر الأزدي (613) في "بدائع البدائه" (ص 180)، والمؤرخ الرحالة ابن بطوطة (779) في "تحفة النظار" (1/ 201، ط. أكاديمية المملكة المغربية)، والمؤرخ الغزي (1351) في "نهر الذهب في تاريخ حلب" (1/ 123، ط. دار القلم)، وقال المرتضى الزبيدي في "تاج العروس" (14/ 126، ط. دار الهداية): [قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: مصر أخصب بلاد الله، وسماها الله تعالى بمصر وهي هذه دون غيرها، ومن أسمائها أم البلاد، والأرض المباركة، وغوث العباد، وأم خنور، وتفسيره: النعمة الكثيرة، وذلك لما فيها من الخيرات التي لا توجد في غيرها، وساكنها لا يخلو من خير يدر عليه فيها، فكأنها البقرة الحلوب النافعة] اهـ.

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فيما حكاه العلامة المؤرخ ابن زولاق في "فضائل مصر وأخبارها" (ص: 10)، والعلامة الشهاب النويري في "نهاية الأرب" (1/ 347، ط. دار الكتب المصرية)، والعلامة المؤرخ المقريزي في "المواعظ والاعتبار" (1/ 50، ط. دار الكتب العلمية)، والعلامة ابن ظهيرة في "الفضائل الباهرة" (ص: 78)، والحافظ السيوطي في "حسن المحاضرة" (1/ 20، ط. دار إحياء الكتب العربية)، والمؤرخ ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" (1/ 30، ط. دار الكتب المصرية)-.

ولمَّا خلق الله عز وجل آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك. فكان آدم عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والبركة والرأفة] اهـ.

قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن المدبر المصري الكاتب [ت270هـ]: [مصر اختيار نوح عليه السلام لولده، واختيار الحكماء لأنفسهم، واختيار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لأنفس الصحابة.. واختيار عمرو بن العاص رضي الله عنه لنفسه.. واختيار الخلفاء لمن يقوم منهم، وكذلك الملوك والسلاطين إلى وقتنا هذا، وقد صارت دار الملك وبيضة الإسلام] اهـ. نقلًا عن القاضي ابن ظهيرة في "الفضائل الباهرة في مصر والقاهرة" (ص: 82).

وبناءً على ما سبق: فأرض مصر أرض مباركةٌ وهي أم البلاد؛ فبهذا سماها نبي الله نوحٌ عليه السلام، وتناقل هذه التسمية عددٌ كبيرٌ من علماء الأمة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: هل مصر أم البلاد دار الإفتاء نبی الله نوح علیه السلام دار الکتب أم البلاد أرض مصر

إقرأ أيضاً:

حكم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد.. الإفتاء تجيب

أجابت دار الإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من احد المتابعين جاء مضمونه كالتالي "ما حكم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد؟ فأنا أتقنت حفظ كتاب الله تعالى، وأملك مركزًا لتحفيظ القرآن الكريم، وممَّا سلكته من طرق التحفيظ للأطفال أن أقوم بتحديد بعض الآيات لهم بحيث يردّدونها في جماعة بصوت واحد؛ إذ هو أبعث للهمَّة وأدعى للحفظ، كما أنني أنوي تجويد هذه الطريقة على نمط قراءة مشاهير القراء، ولكن نهاني أحد أصدقائي عن ذلك بدعوى أنَّه بدعة؛ فما حكم ما أقوم به؟".

قالت الإفتاء يجوز الاجتماع على قراءة القرآن الكريم بصوتٍ واحدٍ؛ إذ استحباب الاجتماع على تلاوة القرآن الكريم ومدارسته جاء عامًّا، فيبقى على عمومه الشامل لشتى صور الاجتماع على التلاوة والمدارسة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أخرجه مسلم.

فضل تعلم القرآن وتعليمه

وعن فضل تعلم القرآن وتعليمه، قالت الإفتاء: حثَّ الشرع الشريف على تعلم القرآن وتعليمه، وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم متعلمَ القرآن ومعلِّمَه خيرَ الأمة، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» أخرجه البخاري.

قال الإمام ابن بطال في "شرح البخاري" (10/ 265، ط. مكتبة الرشد): [حديث عثمان يدل على أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها؛ لأنه لما كان مَن تعلَّم القرآن أو علَّمه أفضلَ الناس وخيرَهم دل ذلك على ما قلناه؛ لأنه إنما وجبت له الخيريةُ والفضلُ مِن أجل القرآن، وكان له فضلُ التعليم جاريًا ما دام كلُّ مَن علَّمه تاليًا] اهـ.

مذهب الإمام مالك في حكم قراءة القرآن جماعة

روي عن الإمام مالك كراهتها؛ قال العلامة الخرشي في "شرح مختصر خليل" (1/ 352، ط. دار الفكر): [وكره مالك اجتماع القراء يقرؤون في سورة واحدة، وقال: لم يكن مَن عمل الناس، ورآها بدعة] اهـ.

وإنَّما قال الإمام مالك بالكراهة لضبط بعض الطرق غير المشروعة في القراءة؛ كأن يصاحب تلك القراءة لتحسين الأصوات محاولة زيادة بعضهم في صوته بما يُخرِج القراءة عن ضوابط التجويد، ينظر: "البيان والتحصيل" لابن رشد الجد (1/ 298، ط. دار الغرب الإسلامي)، أو لتَلبُّس بعض من يمارسها بالمباراة في الحفظ والمباهاة في التقدم فيه، كما في "المنتقى" لأبي الوليد الباجي .

الأدلة على مشروعية قراءة القرآن جماعة

جاء في ذلك من فعل الصحابة رضوان الله عليهم أنَّ أبا الدرداء رضي الله عنه كان يدرس القرآن معه نفر يقرؤون جميعًا. ينظر: "التبيان" للنووي ص: 102.

قال سويد بن عبد العزيز: كان أبو الدرداء إذا صلَّى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه؛ فكان يجعلهم عشرة عشرة وعلى كلِّ عشرة عرِّيفًا، ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك، وكان ابن عامر عريفًا على عشرة، كذا قال سويد، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر.

وعن مسلم بن مِشْكَمٍ قال: قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندي القرآن، فعددتهم ألفًا وستمائة ونيفًا، وكان لكلِّ عشرةٍ منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء يكون عليهم قائمًا، وإذا أحكم الرجل منهم تحوَّل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه. ينظر: "معرفة القراء الكبار" للذهبي.

وممَّا يُستدَل به على الجواز أيضًا: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أخرجه مسلم.

مقالات مشابهة

  • العدل والمساواة السودانية وتجمع تحرير السودان ترفضان تقسيم البلاد وإثارة الكراهية
  • برنامج يومي حرص عليه النبي واوصانا به فما هو؟.. علي جمعة يوضح
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • اليابان تهدي ألسن عين شمس مجموعة من الكتب القيمة
  • الإفتاء تكشف عن صيغة دعاء الاستفتاح في الصلاة
  • حكم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد.. الإفتاء تجيب
  • الكتب الورقية والكتب الرقمية.. مستقبل متشابك
  • «الإفتاء» توضح حكم رد السلام بالإشارة أثناء الصلاة
  • لبنى عبدالعزيز تنعى حسن يوسف: كان غالي عليا جدا.. ألف رحمة عليه
  • حكم مسح الوجه باليدين عقب الدعاء في الصلاة