ثمناً للكلمة.. صحفيات سودانيات يواجهن تهديدات بالملاحقة والقتل
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
يستعرض التقرير قصص صحفيات سودانيات، تعرضن لتهديدات رقمية -بعضها تحول لانتهاكات مباشرة- معظمها يأتي رداً على قصص قمن بتغطيتها بهدف إسكاتهن.
فدوى الخزرجي، صحفية وناشطة حقوقية سودانية، تقول إنها تلقت ذات يوم اتصالاً دولياً؛ سألها المتحدث حينها عن مكان إقامتها، من دون أن ينتظر جواباً منها. لا تزال تهديداته تثير مخاوفها؛ بعد أن تعهد بالوصول إليها، وفق روايتها.
جاء الاتصال بعد أن نشرت الخزرجي تحقيقاً استقصائياً يوثق حوادث الاغتصاب التي تتعرض لها الفتيات والنساء في دارفور، كان هذا بعد مرور أربعة أشهر على الحرب التي اندلعت بالسودان، في الـ 15 من أبريل 2023.
ورغم التهديد الذي تلقته، واصلت فدوى الخزرجي تغطيتها للحرب في السودان؛ فتعرضت لمزيد من التهديدات.
في صباح السبت 15 أبريل 2023، بدأت الاشتباكات في العاصمة الخرطوم، بين القوات المسلحة بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ « حميدتي ». وخلال اليوم الأول من الحرب، قُتل ستة وخمسون شخصاً على الأقل، وفقاً للجنة أطباء السودان المركزية، قبل أن تمتد لاحقاً لأقاليم الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان وجنوب كردفان وإقليم دارفور، وكل من ولاية النيل الأزرق والقضارف، والجزيرة وغيرها وفقا لتقارير منشورة.
ومنذ اندلاع الحرب، حرصت فدوى الخزرجي على تغطية القصص الإنسانية، وإيصال الحقيقة كما هي؛ الأمر الذي جعلها عرضة لمواجهة مزيد من التهديدات والتنمر أيضاً. قامت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور للخزرجي، مصحوبة بتعليقات مسيئة في الـ 22 من فبراير 2024، بعد نشرها تقريراً عن تدهور الأوضاع كافة في ولاية جنوب كردفان، التي شهدت حصاراً من القوات المسلحة والدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان.
شملت تغطيتها كتابة تقرير عن رجل دفعه الجوع لمقايضة ابنته، البالغة خمسة عشر عاماً، مقابل حصة من الدقيق.
تؤكد الصحفية السودانية فدوى الخزرجي أن ما مرت به ليس جديداً عليها؛ فسبق أن تعرضت لمحاولة اختطاف؛ كما تلقت تهديدات خطيرة حتى قبل اندلاع الحرب، وفق قولها. تضيف الخزرجي: « لا يريدون لانتهاكاتهم أن تصل ».
تتشابه تفاصيل ما عاشته فدوى الخزرجي مع مآسٍ تعرضت لها الصحفية سمر سليمان. فبعد دخول الهدنة الأولى بين أطراف النزاع في السودان (18 أبريل 2023) حيز التنفيذ، غادرت سليمان الخرطوم متجهة إلى ولاية كسلا، التي تبعد أكثر من 480 كيلومتراً عن العاصمة. كتبت من هناك عدة تقارير عن الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة السودانية أثناء الحرب، بالإضافة إلى اشتراكها في تقديم المساعدات الإنسانية للفارين من النزاع، بمراكز الإيواء في الولاية.
تلقت سليمان تهديدات عبر تطبيق ماسنجر، من بينها -وفقا لروايتها- تهديد من وزير سابق، بالإضافة إلى مطالبتها بنشر أخبار عبر صفحتها على فيسبوك، مقابل عرض مادي. وعندما رفضت العرض، تلقت تهديدات بالوصول إليها.
قوائم سوداءتقول الصحفية سمر سليمان إن التهديدات شكلت مصدر قلق لها ولأسرتها: « كانت عائلتي تخشى خروجي من المنزل، وكنت لا أغادر منزلي إلا برفقة أختي أو صديقتي ».
سرعان ما أصبحت سليمان مستهدفة على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وصفها البعض بالخلايا النائمة؛ واتهموها بالانتماء لقوات الدعم السريع والعمل سراً لصالحهم.
إضافة إلى ذلك، وُضعت أسماء صحفيين وصحفيات ضمن قوائم وُصفت بـ « الخزي والعار »؛ وهي قوائم سوداء يُتهم فيها ناشطون وصحفيون وسياسيون بالانتماء لقوات الدعم السريع. تقول الصحفية سارة تاج السر إن اسمها ورد ضمن هذه القوائم إلى جانب آخرين. مضيفة أنها واجهت، وعدد من زملائها، انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي بعد مقابلتها مبعوثاً أميركياً، وتحديداً بعد نشر الأخير صورة تجمعه بالصحفيين على صفحته الرسمية.
ووفقاً لتقرير نقابة الصحفيين، ظهرت قوائم مجهولة المصدر، تضم أسماء صحفيين وصحفيات، متهمَين بالعمل لصالح أحد طرفي النزاع. وأشارت النقابة إلى خطورة هذه القوائم، التي تجعل مَن يرد اسمه أو اسمها عرضة للتصفية الجسدية، حال انتهاء القتال.
مَن يحمي الصحفيين؟خلال العام الأول للحرب، رصدت نقابة الصحفيين في السودان 393 حالة انتهاك ضد صحفيين وصحفيات؛ شملت القتل والاختفاء القسري والاعتقال وإطلاق النار والاحتجاز والاعتداء بالضرب ونهب الممتلكات الشخصية والمنع من السفر، والاعتداء على المنازل، بالإضافة إلى التهديدات.
ووفقاً للنقابة، بلغ عدد التهديدات المباشرة أو التي جاءت عبر اتصال هاتفي أو رسائل نصية ثلاثة وأربعين تهديداً، من بينها خمسة عشر تهديداً على الأقل لصحفيات.
تقول سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل، إن الانتهاك الأول الذي يتعرض له الصحفيون والصحفيات هو إجبارهم على إخفاء هويتهم الصحفية عن طرفي النزاع؛ لأن « الصحفي مجرم في نظر الطرفين ».
وتوضح فضل أن النقابة تقوم بتوثيق ورصد الانتهاكات، وإصدار البيانات وإيصال التقارير إلى جهات حقوقية وعالمية، بالإضافة لدورها في تقديم العون لتلك الحالات؛ مشيرة إلى صعوبة اتخاذ إجراءات قانونية بسبب ظروف الحرب.
في أبريل 2024، تقدمت سمر سليمان بشكوى للنيابة المختصة التي سجلت سبعة بلاغات؛ بعد تلقي الصحفية عدة تهديدات، وتعرضها لحملة إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحركت وحدات الاستخبارات العسكرية بكسلا للقبض عليها من خلال تعميم يحمل صورتها. حينها أظهرت نقابة الصحفيين دعمها للصحفية من خلال بيان أصدرته، وزخت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات تضامنية معها.
من جهة أخرى، أشارت الصحفية فدوى الخزرجي إلى أن النقابة سجلت ما تعرضت له، غير أنها لم تتمكن من تقديم شيء ملموس. ولا تلقي الخزرجي باللوم على النقابة، فهي « جسم صحفي مكون من صحفيين معرضين للانتهاكات ذاتها، التي يتعرض لها الصحفيون »، وفق تعبيرها.
توقف التغطيةعام 2023، ذكر بحث أجرته منظمة النساء في الصحافة، وموقع ريتش (reach)، وشاركت فيه 403 صحفيات وعاملات في مجال الإعلام؛ أن نحو نصف المشاركات روّجن لعملهن بشكل أقل عبر الإنترنت بسبب التهديدات الرقمية. في حين أن نحو ثلث المشاركات قلن إنّ التهديدات بالإيذاء عبر الإنترنت دفعتهن للتفكير جدياً في الانسحاب من العمل في مجال الإعلام.
تتفق خلاصات البحث مع نتائج دراسة أجرتها منظمة اليونسكو، والمركز الدولي للصحفيين نُشرت عام 2021، عن « الاتجاهات العالمية للعنف المرتكب ضد الصحفيات عبر الإنترنت »، بمشاركة نحو 900 صحفية. وأظهرت الدراسة أن العنف الرقمي يؤثر في عمل الصحفيات وإنتاجيتهن. وأكدت 38 بالمئة، من الصحفيات المستطلعة آراؤهن، أنهن يُقللن من ظهورهن على مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة التهديدات الرقمية. من جهة أخرى، تدفع التهديدات أربعة بالمئة من العينة المُستطلعة إلى ترك عملهن.
ظروف الحرب بطبيعة الحال أوقفت عمل العديد من المؤسسات الإعلامية في السودان، لكن ما تعرضت له بعض الصحفيات من حملات تشويه للسمعة أو تهديدات؛ دفعت بعضهن للتوقف أحياناً عن الكتابة.
التعرض للتهديدات لم يكن جديداً على المصورة الصحفية إنعام أحمداي؛ فتقول إن منزلها تعرض للهجوم من قوات الدعم السريع ست مرات؛ واجهت فيها عنفاً لفظياً ومحاولات إيذاء جسدي، كما طال الأذى إخوتها وأقاربها الذكور أيضاً؛ وذلك بسبب توثيقها بالصور عدة انتهاكات قامت بها أطراف النزاع المسلح في السودان.
وبحسب أحمداي، فإنها ما زالت تتلقى تهديدات عبر اتصالات من أرقام مجهولة، أغلبها تأتي من دول مجاورة؛ فتبادر بحظرها أو تكتفي بعدم الرد عليها.
تمكنت كل من الصحفيتين سمر سليمان وفدوى الخزرجي من مغادرة السودان، وتبحثان عن سبل لمواصلة عملهما الصحفي.
في تاريخ الرابع من يوليو 2024، خضعت إنعام أحمداي للتحقيق بعد خروجها في مهمة صحفية لتغطية أوضاع النازحين من سنار وسنجة. تقول أحمداي إن الاستخبارات العسكرية مسحت كل الصور والتسجيلات التي حصلت عليها، ومن ثَم أُطلق سراحها، ولم تعد للعمل بعدها.
أنجز هذا التقرير بدعم من أريج
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: على مواقع التواصل الاجتماعی الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
حماس من منتدى الجزيرة: لن نخرج من غزة ثمنا لإعادة الإعمار
الدوحة- أعلن القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أسامة حمدان، أن حماس لن تتنازل عن غزة ولن تخرج منها تحت أي تفاهمات، ولن تقدم أي تنازلات ثمنا لإعادة الإعمار.
وفي سياقات الثوابت الفلسطينية القائمة على فكرة المقاومة لأجل الأرض والتحرير، والتمسك بالنضال في مواجهة الاحتلال الإسرائيل، قال أسامة حمدان خلال جلسة "الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة"، ضمن فعاليات منتدى الجزيرة في نسخته الـ16 "نحن انتصرنا ولم نهزم، ولن ندفع ثمن الهزيمة التي مني بها الاحتلال تحت أي ظرف".
وفي ظل ما يُحاك من خطط عربية أميركية دولية لإنهاء الحرب في القطاع المحاصر، يؤكد الرجل أن المُقاوم في غزة، الذي ضحى بنفسه لأجل أرضه، وخسر نصف عائلته أو كلها، لن يقبل أن تكون حماس خارج المشروع الفلسطيني تحت أي ضغط أو تنفيذ لأي مخطط.
وقال حمدان للحاضرين "اسمعوني جيدا لأنهي هذا النقاش، إن أي أحد يحل محل الاحتلال في غزة، أو أي مدينة في فلسطين، سنتعامل معه بالمقاومة فقط كما نتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أمر منهي وغير قابل للنقاش".
كيف رد القيادي في حماس أسامة حمدان على خطة ترمب لتهجير أهل غزة؟#منتدى_الجزيرة16 pic.twitter.com/hv3JjZv3US
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 15, 2025
إعلانتفاهمات فلسطينية
أراد القيادي في حركة حماس أن يقفل الباب أمام أي اتهامات قد توجه للحركة بعد انتهاء الحرب، ليقول إن المقاومة ترغب بكل إمكانياتها في إعادة إعمار غزة، وهي مستعدة للتفاهم حتى مع السلطة الفلسطينية في إطار البيت الفلسطيني الفلسطيني، مبينا أن اليوم التالي للحرب في القطاع سيكون فلسطينيا فلسطينيّا فقط.
واعتبر حمدان أن حماس تدرك تماما أن تحدي إعادة الإعمار سيتمحور حول الضغط على المقاومة كوسيلة لتقديم التنازلات، وكثمن وغطاء للهزيمة التي أصابت الاحتلال الإسرائيلي.
وأشار القيادي إلى أن 7 أكتوبر/تشرين الأول، عززت في نفوس الشعب الفلسطيني أن إسرائيل يمكن أن تهزم بأبسط الأساليب والتجهيزات، وهذا ما شهده العالم عندما سحق المقاومون الجيش الإسرائيلي في غلاف غزة، ودمروا أسطورتهم في أقل من 4 ساعات.
وفي تحليله لنتائج الحرب التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة على مدار أكثر من 15 شهرا، أوضح حمدان أن ما حصده الاحتلال هو فشل ذريع في القضاء على المقاومة، وفشل أكبر في هزيمة الشعب الفلسطيني، وفشل استخباراتي وعسكري عراه أمام الدول العظمى التي لا تؤمن إلا بلغة القوة.
لتُهزم بذلك إسرائيل عسكريا وأخلاقيا، وتضع نفسها أمام انهيار داخلي قادم لا محالة، بحسب قوله.
هذا الانهيار الداخلي وصفه حمدان بالسرطان الذي سيأكل الكيان، ويحلله، ويقوده لتفكك داخلي، عنوانه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، الذي أوصل للجميع في دولة الاحتلال أن إسرائيل لا يمكن أن تصمد في وجه المقاومة لولا الدعم الأميركي والغربي بكل أشكال الأسلحة المتطورة والطائرات النفاثة والمعلومات الاستخباراتية.
وعن خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير الشعب الفلسطيني خارج أرضه، بين حمدان أن الهدف من إعلان خطط التهجير هو تغطية الفشل العسكري والاستخباراتي الذي منيت به واشنطن وتل أبيب بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفشل اتفاقية أبراهام التي كان يراد بها رسم مشهد جيوسياسي جديد في المنطقة.
الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي لم يكن بعيدا عن رؤية حمدان، خاصة بشأن خطط تهجير الشعب الفلسطيني، ويؤكد أن صمود الفلسطينيين على أرضهم أفشل كثيرا من المخططات في المنطقة، ولعل أهمها مشروع التنمية (الهند- أميركا)، الذي يسعى الرئيس الأميركي إلى تطبيقه بعقلية المقاول والاستثماري الساعي وراء الربح الكبير والإنجاز السريع.
إعلانوأوضح الدكتور مكي أن مشاريع ترامب لن تُطبق على أرض الواقع في المنطقة بوجود حماس، ولن تُنفذ فعليا ما دام هناك مقاوم واحد على أرض فلسطين.
وأشار -في السياق ذاته- إلى أن ترامب يحاول وضع حماس وكل فصائل المقاومة الفلسطينية في مواجهة علنية ومباشرة مع العرب، ليصل إلى نتيجة واحدة وهي إبعاد حماس ليس عن الحكم فقط، وإنما عن غزة وفلسطين كلها.
وعن سوريا وسقوط نظام بشار الأسد المخلوع، ذهب أسامة حمدان للقول إن دمشق ستكون خلال الفترة القادمة عنصرا فاعلا في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من سبب:
أولها، أن الجولان السوري ما زال محتلا. والثاني، أن الاحتلال بعنجهية احتل أرضا جديدة في سوريا، وهو لن يخرج منها إلا بالمقاومة، ولن يعيدها إلى أهلها إلا بالمقاومة.وبذلك، فإن النتيجة الحتمية، على حد قوله، أن تكون دمشق مقاومة لهذا الاحتلال بكل الأساليب الممكنة.