البوابة نيوز:
2025-03-15@05:59:01 GMT

يفنى الجسد ويبقى الأثر

تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعشق المناسبات السعيدة، وأستمتع باختيار تفاصيل الهدايا، حتى أُدخل السعادة على قلب صاحبها وأعيش فرحتي برؤية ابتسامته وفرحته بها، تعبيرا عن حبي وامتناني، ومن يعرفني جيدا يعي تماما أن هذه طبيعتي منذ الصغر.

مرت سنوات ربما تكون طويلة أو قصيرة.. لا أعلم، أحيانا عقلي ينسى أو يرفض مراقبة الزمن، ولكني أتذكر جيدا أنني في مثل هذه الأيام كنت استعد لتحضير هدية بمناسبة عيد ميلاد زوجي، أتفنن في اختيارها تعبيرا عن تقديري له.

أتذكر جيدًا تلك التفاصيل الصغيرة التي ترافقني حتى اليوم، وأجد نفسي أبتسم أحيانا، حين أمر بالمصادفة أمام محال متخصصة بالمقاسات التي كنت أبحث عنها سابقا وأجدها بصعوبة، فأتذكر كم كنت أرهق نفسي للعثور عليها، والآن أصبحت تلك المحال منتشرة بكثرة بشكل غريب! لكن.. أين هو صاحب تلك الهداية التي كنت أبحث عنها بشغف؟ لقد تركنا ورحل!.

ودعنا زوجي وهو في ريعان شبابه، لم يكمل بعد عقده الثالث، عشنا سويا سنوات قليلة، لكنها كانت مليئة  بالتفاصيل، كنتُ أحلم مثله ببناء أسرة كبيرة، نرى أطفالنا يكبرون أمام أعيننا، ونكبر نحن أيضا، نشيب سويا، ونخوض معا أفراح الحياة وأحزانها، بشدها وجذبها.

لكن القدر لم يمهلنا وقتا كافيا لتحقيق تلك الأحلام الشابة، فقد خطفه الموت في نفس الشهر الذي وُلد فيه، وكأن الحياة أرادت أن تهديه بداية جديدة ولكنها هذه المرة أبدية، خالية من الألم، بعيدا عن صراعات العلاج القاسية، وتجرع "الكيماوي" أملا في الشفاء.

أتذكر تلك الليلة العصيبة ونحن نراقب جهاز التنفس الذي يعد أنفاسه، وفجأة انخفض مستوى الأكسجين، واضطررنا لاستدعاء الطبيب الذي قرر نقله فورا إلى العناية المركزة، شعرت حينها بأن الأرض انهارت من تحتي، وبكيت بحرقة وقلة حيلة، لكنه أشار بيده، وبكل ما تبقى له من قوة وقال لي: "أنا هبقى كويس"، ثم دخل في غيبوبة... ولم يستيقظ بعدها أبدا، ليعلن في صمت انتهاء رحلته معي!! وأنا التي كنت أنتظره يعود لبيته من جديد لنكمل الرحلة سويا.. ويبدو أنه كان يعلم أنه لن يعود ولكنه "هيبقى كويس" كما أكد لي.

بعد غيابه عن الحياة، كتبت له مرارا أن وجوده كان يمنع الكثير من الأشياء السيئة، فكان حائط سد منيع يحمينا من خيبات بعض البشر، ولكني أعي جيدا أن في باطن كل محنة منحة، نعم هي منحة من الله لي وله، الحياة علمتني أن لكل ابتلاء حكمة عند الله ووجودنا نحن البشر في حياة بعضنا البعض، ما هو إلا مجرد سبب لتفاصيل لا يعلمها غير المولى عز وجل.

تمضي الحياة، ويفنى الجسد، لكن الأثر يبقى.. فقد ترك زوجي بصمة طيبة في قلوب كل من عرفه، فمن عرفه لا يذكره إلا بالخير، وترك لي ابنا جميلا يشبهه كثيرا في الشكل والطباع، أحاول جاهدة أن يكون عملنا الصالح في هذه الدنيا.

لا أنكر شعوري في بعض الأحيان بالضجر، إذ أبحث عنه بأحلامي أملا في أن أجده بجانبي، نتشارك القرارات معًا بشأن ابننا، لكن لا أجد له أثرًا، ويغمرني الحزن واليأس كلما عجزت عن تعويض ابني عن غياب والده!، ماذا أفعل وهو دائما يسألني باستمرار عن نبره صوت أبيه؟! وعن أشيائه الخاصة؟ يمتلكني الحزن بقوة حين أدرك أني لا أملك سوى ذكريات وحكايات طيبة عنه أرويها له، وأحاول أن أنسج من تلك الحكايات مشاعر يعيش بها كما أعيش أنا.
ولا أنكر أيضا فخري بنفسي فقد صنعت لي ولابني جزءا كبيرا من الرضا حتى تستمر وتمضي الحياة إلى أن يقضي الله بنا أمرا مفعولا، اصنعوا أثرا طيبا في هذه الحياة، فالأجساد راحلة، لكن ما يبقى هو  الخير الذي زرعتموه في قلوب أحبابكم.. ما يبقى هي الحكايات والذكريات الطيبة، كلنا راحلون.. وختاما، سلاما على روحك الطاهرة... إلى أن نلتقي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: شيرين بكر التفاصيل الصغيرة العناية المركزة الكيماوي

إقرأ أيضاً:

جدل حركة الحياة والتاريخ

 

 

مع كل لحظة ألم تنشأ لحظة مقاومة، ومع كل حالة قهرية تنشأ حالة وجودية تظل في حالة تكوّن وتشكّل إلى أن تبلغ ذروتها الوجودية، فقانون الفيزياء الذي يحكم مسار الطبيعة هو ذاته، فالأفعال لها أفعال مضادة وهي بالضرورة تصب في بوتقة التدافع بين الأنا والآخر خوف الفساد في الأرض والتضخم.
لذلك فكل مسارات التاريخ وسياقاته كانت دالة على أن وجود الآخر أو التالي كان يرتبط سببياً بالأول أو السابق.
فالأمويون مثلاً كانوا سبباً في وجود العباسيين من خلال الحالات القهرية التي خلقوها فصنعت روح المقاومة للفناء القهري وهكذا دواليك في كل الحركات الاجتماعية السياسية في التاريخ، وصولاً إلى العصر الحديث الذي شهدنا فيه بزوغ القومية من تحت نيران الاستعمار وبزوغ الاشتراكية من تحت قبعات الاستغلال والغبن، بيد أن الذي يمتاز به العصر الحديث عن العصور التي سبقته هو تطور البعد الثقافي من الشخصنة والفردانية إلى الشعار.
فالقوميون التفوا حول شعار «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة» والإخوان المسلمون حول شعارهم «الله غايتنا .. والرسول قدوتنا.. والقرآن منهجنا.. والجهاد سبيلنا.. والموت في سبيل الله أسمى أمانينا.. »والاشتراكيون التفوا حول شعارهم «حرية، اشتراكية، عدالة اجتماعية»، وما يؤخذ على تلك الشعارات أنها تظل ثابتة وثباتها يجعلها في قائمة المقدس عند أتباع الحركة الاجتماعية أو السياسية ولذلك تعجز كل حركة اجتماعية أو سياسية عن التطور وتعجز عن التفاعل مع الشروط الموضوعية للتحول والانتقال والتغيير وهو الأمر الذي يمكننا قراءته تحت سماء ومناخات الربيع العربي ،وفي اليمن على وجه الخصوص، فالحركة القومية تمترست حول رموزها التاريخيين وعجزت عن مقاومة الحالات القهرية التي واجهتها وعجزت عن التحديث والتجدد في بنيتها العامة فكيف لها أن تحدث انتقالاً هي عاجزة عن تحقيقه لذاتها، وكذلك الحركة الاشتراكية التي تقف على أطلال الأمجاد القديمة دون أن تبدع واقعاً جديداً يتوافق مع لحظتها التاريخية المعاصرة ويتفاعل مع قيم العصر البديلة، أما حركة الاخوان فقد كانت تخلق أسئلة العصر الحضارية دون أن تتمكن من الإجابة عليها وحين تشعر بالعجز تعود إلى نقاط مضيئة في التاريخ لتبرير عجزها أو تتمترس وراء التأويلات، ولذلك فهي لا تملك مشروعاً نهضوياً أو حضارياً ومن لا يملك مشروعاً لا يمكن للجماهير أن تعول عليه في إحداث التغيير والانتقال.
ف”الاخوان “كحركة اجتماعية وسياسية منظمة مالت إلى تحريض الفقراء وإثارة عاطفتهم الدينية على الحرب ضد الفقر والجوع.. وعملت على تنظيم المظاهرات التي تنادي بالتغيير وبتحويل الأوضاع القائمة عن مجراها الذي هي عليه في واقعها خلال عام 2011م في ظل مناخات الربيع العربي وفي الأوطان التي حدثت فيها موجة الربيع العربي «تونس، مصر، ليبيا، اليمن» لم تكن على إدراك تام بطبيعة الفروق والاختلافات في حركات المقاومة الإيجابية ضد المجتمع في وضعه القائم، ولذلك خاب ظن المجتمع بها لأنها لم تحقق الدور الذي توقعه المجتمع منها وقد وقع خطابها في التناقض وبالتالي فقد فقدت تأثيرها من خلال اختلال المنظور الوظيفي، فرجل الدين في تصورات المجتمع، رجل فاضل عادل خيّر يقوم بواجبه في الدور الذي وجد ذاته فيه، ويجسد في العادة الدور الذي يتوقعه المجتمع منه، ولم يكن في مقدور التصورات الذهنية الوظيفية أن تتخيله خارج مستلزمات دوره الاجتماعي مبرراً ومتناقضاً في مواقفه وفتاواه، ومثل ذلك الاختلال الوظيفي كان سبباً مباشراً في ظهور “حركة انصار الله “ وهو ظهور قاومته حركة الإخوان والحركة السلفية بالنار والدم ولم تزل في أكثر من مكان من اليمن، فمقاومة الإخوان والسلفية لأنصار الله ليست عقائدية كما يبدو في ظاهرها ولكنها مقاومة وجودية، فشعور الفناء خوف ظهور الآخر هو من يقاوم وهو من يقاتل وليس البعد العقائدي الذي ينص على الاعتناء بتكامل إيمان الذات ولا يرى في الآخر ضرراً عليها إذا اكتمل إيمانها كما ينص القرآن على ذلك في الآية (105) من سورة المائدة، فالصراع في اليمن كان صراعاً وجوديا له طابعه السياسي الصرف، إذ أن التعايش بين المذاهب في اليمن ظل بعداً ثقافياً متأصلاً ولم يشهد صراعاً دامياً طوال مراحل التاريخ المختلفة، وتكاد أن تكون كل المذاهب في اليمن متناغمة – وبعض تلك المذاهب وصل إلى الحكم – والمآسي الدامية في التاريخ كانت بدوافع سياسية ولم تكن بمبررات مذهبية قط، حتى “مطرفية “ الإمام عبدالله بن حمزة فقد كان الدافع السياسي حاضراً فيها لكونه جاء السلطة من باب الاحتساب ولم يدع لنفسه لعدم اكتمال الشروط الهادوية فيه، فالمبرر كان سياسياً وجودياً أكثر منه مذهبياً أو عقائدياً، وقد أنكر فعله جل علماء عصره ومذهبه.
ولذلك كانت الزيدية – وفق الكثير من المعطيات التاريخية – تتعايش مع الآخر المختلف ولا تحاول طمس وجوده، وهو أمر كان ممتداً في مواقف انصار الله وفي خطابهم ، لذلك فالقوى الاستخبارية العالمية حاولت أن تستغل الفراغات وتتحرك فيها، فكان العدوان تعبيرا عن صراع وجودي بين اليمن والسعودية وفي معناه العميق تعبير عن حركة استعمارية جديدة تجتاح الوطن العربي تحت عباءة الأعراب، فالغرب ينفق الكثير على الدراسات وهو يحاول توظيف المعرفة لخدمة أجنداته، وغاياته من كل ذلك التحكم بمصادر الطاقة والغداء لتحقيق ثنائية الهيمنة والخضوع على الشعوب والحكومات .

مقالات مشابهة

  • معهد أمريكي يُحذّر من الأثر البيئي لحملة الحوثيين ضد الشحن بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • السوداني يعلن قتل الإرهابي عبد الله مكي الذي يشغل منصب والي العراق وسوريا
  • كارثة بيئية وصحية تهدد الحياة في غزة جراء تجمع المياه العادمة
  • احذر.. عقوبة وضع إعلانات أو دهانات على الآثار أو تشويهها
  • قلب تيتانيوم يُبقي رجلًا على قيد الحياة 100 يوم
  • جدل حركة الحياة والتاريخ
  • وزير الكهرباء المهندس عمر شقروق لـ سانا: ستؤدي هذه المساهمة إلى توليد 400 ميغاواط إضافية من الكهرباء، ما يؤدي إلى تحسين التغذية الكهربائية وزيادتها بمعدل ساعتين إلى 4 ساعات يومياً، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الحياة اليومية للمواطنين ودعم القطاعات الحيو
  • العاشر من رمضان.. النصر الذي هزم المستحيل
  • جرائم طائفية وتدوينات عن التمثيل بالجثث: "تمزق الجسد السوري"
  • ترامب يعلن حربا تجارية على الأصدقاء والأعداء سويا.. نخبرك القصة كاملة