#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآيات 7-10 من سورة الشمس: ” وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا . فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا . قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا . وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا”.
جاءت هذه الآيات في سياق تعداد بديع صنع الخالق لكل شيء بدقة تامة وكمال مطلق، ليرى العقل البشري كل ما في الكون يمثل قرآنا صامتا، فيعبر للمتأمل المرء فيه عن عظمة الخالق وقدراته، ومن رحمته أنه أنزل القرآن شاملا لكل شيء، ليمثل كونا ناطقا مبينا وشارحا لكل شيء، ليكون القرآن دالا وموضحا لهذا الكون بكل تفصيلاته.
عندما خلق الله آدم، على غير صورة سابقة، ومختلفا عن خلقيه السابقين: الملائكة والجن، أراد أكرامه وذريته بمعيشة طيبة ونعيم مقيم، ليس فيه معاناة ولا مشقة، فسوى النفس البشرية تركيبا في أحسن تقويم، هيئة وأداء، وسواها طبعا بالميل الى الاستقامة، فأوجد فيها بذرة الاستقامة بفطرة فطرها على محبة الخير والصلاح والطاعة، لكنه لم يردها أن تكون كالملائكة محكومة بهذه الفطرة مسيرة بموجبها، بل أراد لها أن تختار بإرادتها هذا الصلاح أو نقيضه، لذلك أوجد أيضا في النفس البشرية فطرة حب الذات، لأجل المحافظة على البقاء، التي تولد منها الطمع والاستئثار الذي يعاكس العطاء ونفع الآخرين، كما أوجد الشهوات والرغبات جاذبة ومغرية بالإنحراف عن الاستقامة والطاعة.
هذا معنى إلهام النفس بالفجور والتقوى معا.
منذ البدء، يعلم الله مسبقا ميل النفس البشرية للإنحراف بفعل المغريات، لكنه أراد بالثنائية التضادية أن يحس الإنسان بنفسه بهذه المنقصة، ليعلم مدى بعهده عن الكمال المطلق، لذلك كان الامتحان الأول لآدم بالشجرة المحرمة في الجنة، فقد أباح له كل ما فيها من أطايب، إلا ثمرة واحدة، ولما انست المغريات آدم أمر ربه فعصاه، ندم فاستغفر ربه فتاب عليه لأنه هو من قدر ذلك، وكان ذلك لكي يُحقق الله كلمته بأن يستخلف بني أدم في الأرض، بعد أن يعلموا بالتجربة الواقعية، الفرق الهائل بين معيشة الجنة ومعيشة الأرض، فيكون ذلك حافزا آخر لهم للصلاح لكي ينالوا الجنة.
هكذا نفهم لماذا جعل الله الإنسان مسيّرا في أمور ومخيّرا في أخرى، فما لا قدرة للإنسان على التحكم فيه أو تدبيره كان فيه مسيرا، كالولادة والموت والرزق والانتماء القومي والعرق واللون..، فكل هذه الأمور موكلة الى الله القيوم، لذلك لا يحاسب المرء عليها.
أما المخير فيها فهي القرارات التي يتخذها الفرد بإرادته، وهي تندرج تحت بابين لا ثالث لهما: الصلاح أو الانحراف، فكل ما وافق الضابطين الرئيسين التي أوجدهما الله، وهما الفطرة السليمة وتشريعات الدين، فهي أعمال صالحة، وكل ما خالفهما فهي أعمال طالحة.
وبناء على ما سبق فالله تعالى يبين عاقبة حسن الاختيار أو أساءته: “قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا . وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا”، فمن زكى نفسه بالاستجابة لفطرته السليمة، والتي تتطابق مع اتباع منهج الله والالتزام بما شرعه فيه، فقد أفلح وفاز الفوز العظيم وهو الحياة الأبدية الراضية في النعيم (الجنة)، أما من ظلم نفسه فخالف فطرة الصلاح ومارس الشرور، أو كذب بما أنزله الله وناصب منهجه ومن آمن به العداء، فقد اختار طريق الانحراف، وبالتالي حرم نفسه من رحمة الله (الجنة)، ولأنه اختار طريق الضلال عن أصرار وسوء نية، فقد استحق غضب الله وعقابه (جهنم).
ولما كان الله حرم الظلم على نفسه، فكيف على خلقه!؟.
لذلك سيحاسب الظالمين على ظلمهم لغيرهم وتعديهم على حدوده، واحقاقا للعدل سيقتص للمظلومين، ومن أشد ظلما ممن سلب الناس ديارهم وشردهم، ثم حاصرهم ودمر بيوتهم وقتل ابناءهم!؟.
وسيندم هؤلاء وكل من دعمهم أو أيدهم ولو بكلمة، وسيتشارك معهم في العقوبة المنافقون من بين المسلمين، الذين لم يتخلفوا عن نصرة اخوانهم في الدين وحسب، بل ظاهروا العدو عليهم ونعتوا المجاهـ.ـدين بالإرهـ.ـابيين.
إذا فهؤلاء الذين اختاروا العداء لمنهج الله ومحاربة متبعيه سيلقون غيا: “يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ” [الفرقان:27].
هذا مؤكد، لكن الأخطر هو ما سيصيب مسلمين يواطئون المنافقين ولو بكلمة، أو حتى يسكتون عن أفعالهم ولا يبرؤا منهم، فهؤلاء سيحشرون معهم، ولن تنفعهم عبادات ولا صلاح، لأنهم خالفوا تحذير ربهم: “وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ” [هود:113]. مقالات ذات صلة الأردن يسجل الموجة الباردة الأقوى منذ 21 عاما بالنسبة لشهر تشرين الأول 2024/10/24
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر يعزي المستشار ناصر معلا نائب رئيس مجلس الدولة في وفاة والده
تقدَّم الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، بخالص العزاء وصادق المواساة، إلى المستشار ناصر معلا، نائب رئيس مجلس الدولة، وأسرته في وفاة والده الحاج سيد حسن معلا..
ودعا شيخ الأزهر المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يرزق أهله وذويه الصبر والسلوان.. "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".
هل ارتداء الخمار واجب شرعاً؟دار الإفتاء تحدد شروطه ومواصفاته الشرعية
بعد فتوى «الهلالي».. هل الحجاب قاصر على الصلاة فقط؟ دار الإفتاء تحسم الجدل
اللهم افسح له في قبره مد بصره، وافرش قبره من فراش الجنة.. اللهم أعذه من عذاب القبر، وجفاف الأرض عن جنبيها.
اللهم املأ قبره بالرضا، والنور، والفسحة، والسرور.. اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم.
دعاء للميت مكتوب
اللهم احمه تحت الأرض، واستره يوم العرض، ولا تخزه يوم يبعثون «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم».
اللهم أمنه من فزع يوم القيامة، ومن هول يوم القيامة، واجعل نفسه آمنة مطمئنة، ولقنه حجته.. اللهم اجعله في بطن القبر مطمئناً، وعند قيام الأشهاد آمناً، وبجود رضوانك واثقاً، وإلى أعلى درجاتك سابقا.. اللهم اجعل عن يمينه نورًا، حتى تبعثه آمنًا مطمئناً في نور من نورك.
اللهم عامله بما أنت أهله، ولا تعامله بما هو أهله. اللهم اجزه عن الإحسان إحسانا، وعن الإساءة عفوا وغفرانا.
اللهم إن كان محسنا فزد من حسناته، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته. اللهم أدخله الجنة من غير مناقشة حساب، ولا سابقة عذاب.. اللهم آنسه في وحدته، وفي وحشته، وفي غربته. اللهم أنزله منزلا مباركا، وأنت خير المنزلين.
دعاء للميت بالجنةاللهم انظر إليه نظرة رضا، فإن من تنظر إليه نظرة رضا لا تعذبه أبدا.. اللهم أسكنه فسيح الجنان، واغفر له يا رحمن، وارحمه يا رحيم، وتجاوز عما تعلم يا عليم.
اللهم إنه كان مصل لك، فثبته على الصراط يوم تزل الأقدام.. اللهم إنه كان صائما لك، فأدخله الجنة من باب الريان… اللهم إنه كان لكتابك تاليا وسامعا، فشفع فيه القرآن، وارحمه من النيران، واجعله يا رحمن يرتقي في الجنة إلى آخر آية قرأها أو سمعها، وآخر حرف تلاه.
ومن أجمل دعاء للميت أن نقول اللهم ارزقه بكل حرف في القرآن حلاوة، وبكل كلمة كرامة، وبكل آية سعادة، وبكل سورة سلامة، وبكل جزء جزاء.. اللهم ارحمه فإنه كان مسلما، واغفر له فإنه كان مؤمنا، وأدخله الجنة فإنه كان بنبيك مصدقا، وسامحه فإنه كان لكتابك مرتلا.. اللهم ارحمنا إذا أتانا اليقين، وعرق منا الجبين، وكثر الأنين والحنين.
اللهم ارحمنا إذا يئس منا الطبيب، وبكى علينا الحبيب، وتخلى عنا القريب والغريب، وارتفع النشيج والنحيب.. اللهم ارحمنا إذا اشتدت الكربات، وتوالت الحسرات، وأطبقت الروعات، وفاضت العبرات، وتكشفت العورات، وتعطلت القوى والقدرات.