سواليف:
2025-03-05@19:36:18 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآيات 7-10 من سورة الشمس: ” وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا . فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا . قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا . وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا”.
جاءت هذه الآيات في سياق تعداد بديع صنع الخالق لكل شيء بدقة تامة وكمال مطلق، ليرى العقل البشري كل ما في الكون يمثل قرآنا صامتا، فيعبر للمتأمل المرء فيه عن عظمة الخالق وقدراته، ومن رحمته أنه أنزل القرآن شاملا لكل شيء، ليمثل كونا ناطقا مبينا وشارحا لكل شيء، ليكون القرآن دالا وموضحا لهذا الكون بكل تفصيلاته.


عندما خلق الله آدم، على غير صورة سابقة، ومختلفا عن خلقيه السابقين: الملائكة والجن، أراد أكرامه وذريته بمعيشة طيبة ونعيم مقيم، ليس فيه معاناة ولا مشقة، فسوى النفس البشرية تركيبا في أحسن تقويم، هيئة وأداء، وسواها طبعا بالميل الى الاستقامة، فأوجد فيها بذرة الاستقامة بفطرة فطرها على محبة الخير والصلاح والطاعة، لكنه لم يردها أن تكون كالملائكة محكومة بهذه الفطرة مسيرة بموجبها، بل أراد لها أن تختار بإرادتها هذا الصلاح أو نقيضه، لذلك أوجد أيضا في النفس البشرية فطرة حب الذات، لأجل المحافظة على البقاء، التي تولد منها الطمع والاستئثار الذي يعاكس العطاء ونفع الآخرين، كما أوجد الشهوات والرغبات جاذبة ومغرية بالإنحراف عن الاستقامة والطاعة.
هذا معنى إلهام النفس بالفجور والتقوى معا.
منذ البدء، يعلم الله مسبقا ميل النفس البشرية للإنحراف بفعل المغريات، لكنه أراد بالثنائية التضادية أن يحس الإنسان بنفسه بهذه المنقصة، ليعلم مدى بعهده عن الكمال المطلق، لذلك كان الامتحان الأول لآدم بالشجرة المحرمة في الجنة، فقد أباح له كل ما فيها من أطايب، إلا ثمرة واحدة، ولما انست المغريات آدم أمر ربه فعصاه، ندم فاستغفر ربه فتاب عليه لأنه هو من قدر ذلك، وكان ذلك لكي يُحقق الله كلمته بأن يستخلف بني أدم في الأرض، بعد أن يعلموا بالتجربة الواقعية، الفرق الهائل بين معيشة الجنة ومعيشة الأرض، فيكون ذلك حافزا آخر لهم للصلاح لكي ينالوا الجنة.
هكذا نفهم لماذا جعل الله الإنسان مسيّرا في أمور ومخيّرا في أخرى، فما لا قدرة للإنسان على التحكم فيه أو تدبيره كان فيه مسيرا، كالولادة والموت والرزق والانتماء القومي والعرق واللون..، فكل هذه الأمور موكلة الى الله القيوم، لذلك لا يحاسب المرء عليها.
أما المخير فيها فهي القرارات التي يتخذها الفرد بإرادته، وهي تندرج تحت بابين لا ثالث لهما: الصلاح أو الانحراف، فكل ما وافق الضابطين الرئيسين التي أوجدهما الله، وهما الفطرة السليمة وتشريعات الدين، فهي أعمال صالحة، وكل ما خالفهما فهي أعمال طالحة.
وبناء على ما سبق فالله تعالى يبين عاقبة حسن الاختيار أو أساءته: “قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا . وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا”، فمن زكى نفسه بالاستجابة لفطرته السليمة، والتي تتطابق مع اتباع منهج الله والالتزام بما شرعه فيه، فقد أفلح وفاز الفوز العظيم وهو الحياة الأبدية الراضية في النعيم (الجنة)، أما من ظلم نفسه فخالف فطرة الصلاح ومارس الشرور، أو كذب بما أنزله الله وناصب منهجه ومن آمن به العداء، فقد اختار طريق الانحراف، وبالتالي حرم نفسه من رحمة الله (الجنة)، ولأنه اختار طريق الضلال عن أصرار وسوء نية، فقد استحق غضب الله وعقابه (جهنم).
ولما كان الله حرم الظلم على نفسه، فكيف على خلقه!؟.
لذلك سيحاسب الظالمين على ظلمهم لغيرهم وتعديهم على حدوده، واحقاقا للعدل سيقتص للمظلومين، ومن أشد ظلما ممن سلب الناس ديارهم وشردهم، ثم حاصرهم ودمر بيوتهم وقتل ابناءهم!؟.
وسيندم هؤلاء وكل من دعمهم أو أيدهم ولو بكلمة، وسيتشارك معهم في العقوبة المنافقون من بين المسلمين، الذين لم يتخلفوا عن نصرة اخوانهم في الدين وحسب، بل ظاهروا العدو عليهم ونعتوا المجاهـ.ـدين بالإرهـ.ـابيين.
إذا فهؤلاء الذين اختاروا العداء لمنهج الله ومحاربة متبعيه سيلقون غيا: “يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ” [الفرقان:27].
هذا مؤكد، لكن الأخطر هو ما سيصيب مسلمين يواطئون المنافقين ولو بكلمة، أو حتى يسكتون عن أفعالهم ولا يبرؤا منهم، فهؤلاء سيحشرون معهم، ولن تنفعهم عبادات ولا صلاح، لأنهم خالفوا تحذير ربهم: “وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ” [هود:113].

مقالات ذات صلة الأردن يسجل الموجة الباردة الأقوى منذ 21 عاما بالنسبة لشهر تشرين الأول 2024/10/24

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

الصيام، كما هو معلوم، ليس امتناعًا عن الطعام والشراب فقط، إنما هو تهذيب للنفس وتقريب لها إلى الله سبحانه وتعالى، فكيف يمكن للمسلم، من خلال الصيام، أن يحقق المقصد الروحي والأخلاقي؟

فريضة الصيام اختصها الله تبارك وتعالى بفضائل ولطائف، وأودع فيها من الأسرار والحكم ما لا يوجد في غيرها، ولذلك قال: «الصوم لي وأنا أجزي به»، وقد بين ربنا تبارك وتعالى عظيم منزلة الصيام حينما قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، واختصّه بأفضل الشهور وأعظم المناسبات، وهو الشهر الذي حصل فيه أعظم حدث في تاريخ البعثة المحمدية والرسالة الخاتمة، وهو إنزال القرآن الكريم، ولذلك، لما عرّف به، قال: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ».

فكيفما نظرنا إلى شهر الصيام وإلى هذه الفريضة، فإننا سنجد أنها تورث العبد تزكية لا تحققها له أي وسيلة أخرى؛ لأن الصيام عبادة تَزكية، فهو كفّ وامتناع وإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، أما سائر الشعائر التعبدية، فهي أعمال وأفعال تُؤدَّى، فقد تكون أعمالًا بدنيةً، أو ماليةً، أو بدنيةً وماليةً معًا، وهكذا تتفاوت هذه العبادات في تزكية نفس المكلَّف والارتقاء بطبعه وتهذيبه، وسموّه ليكون من عباد الله الصالحين.

أما الصيام، فلأنه عبادة تركية، يحمل معنى الكفّ والامتناع، فإن رياضة النفس فيه أبلغ، إذ يمنع الإنسان نفسه عما هو في أصله مباح، في هذا الوقت المحدد، لا لشيء إلا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه»، فالمكلَّف يفعل ذلك ابتغاء رضوان الله تبارك وتعالى، إيمانًا وطاعةً وانقيادًا، واحتسابًا للأجر منه جل وعلا وحده.

وحينما يوجّه قصده إلى الله تبارك وتعالى، فإنه يتمكن بفريضة الصيام من أن يأخذ بهذه النفس إلى ما فيه رضا الله تبارك وتعالى، بعيدًا عن أهوائه وشهواته ورغباته، وبعيدًا عن زخارف الحياة الدنيا وما يمكن أن يصرفه عن طاعة الله تبارك وتعالى، ليثبت أنه قادر على أن يأخذ بها إلى الصراط المستقيم، وأن يترك عادات ألفها، وجملةً من المباحات التي كان يظن أنه لا يستطيع أن يتخلى عنها، فيسمو فوق ذلك كله، فيمسك نفسه عن شهواتها، ويمسك بصره ولسانه ويده عن كل ما يسخط الله تبارك وتعالى.

هذا من حيث ماهية الصيام، أما من حيث الظرف الزمني، فإنه سبيلٌ آخر تحقق للصائم ما لا يخفى من التزكية والتهذيب والرياضة للنفس، ذلك أن شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة، وهو الشهر الذي أنزل الله تبارك وتعالى فيه القرآن، وهذا أعظم حادثة، إلى درجة أنه لما عرّفنا بشهر الصيام، لم يُعرّف إلا بهذا الوصف، فقال: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ».

ولذلك، فإن الصائم يحيا بالقرآن الكريم؛ لأن المسلم في حقيقته إنما روحه القرآن الكريم، والقرآن روح هذه الحياة، ولذلك، فإن اجتهاد المسلم في الحياة مع القرآن وبالقرآن، حفظًا وتلاوةً وتدبرًا وسماعًا، يزداد في شهر رمضان، ومن لم يزده رمضان إقبالًا على القرآن، فإنه محروم، إذ لا تتحقق له معاني الصيام من التزكية والتهذيب وتقوى الله تبارك وتعالى.

ومعايشته لكتاب الله تبارك وتعالى في رمضان، ليلًا وأطراف النهار، تورثه مزيدًا من القرب من ربه جل وعلا، وتنعش نفسه، وتجدّد له إيمانه، وتوقظ فيه مراقبته لله تبارك وتعالى، فيتَبَصّر بحقائق هذه الحياة والمنقلب الذي سيؤول إليه، وتبيّن له حقوق الله تبارك وتعالى عليه، ثم حقوق نفسه، ثم حقوق الناس عليه بمختلف مراتبهم.

أما أثر ذلك على نفسه، أي الآثار المعنوية، فهو صقل لهذه النفس، وإزالة للشوائب التي تراكمت طيلة العام، فإذا به في رمضان، حينما يقف في محرابه قيامًا لليل أو تلاوةً لكتاب الله عز وجل في أي ساعة من ليل أو نهار، يزيل عن نفسه هذا الغبار المتراكم، ويصفي قلبه ونفسه، ويشرح صدره لهدايات القرآن، فيعيش في نور القرآن، ويعيش مع القرآن وبالقرآن لفظًا ومعنى، ليستمدّ منه ما يعينه في حياته كلها، ليراجع به ماضيه، وليتهيّأ به لمستقبله وقادم أيامه.

قد تكون لدى الإنسان وعورة في الأخلاق، سواء كان رجلًا أو امرأةً، ويتصرف معها تصرفًا نفعيًا، لكن إذا جاء شهر رمضان، وجد نفسه مضطرًا إلى اعتبارها أخلاقًا مطلقةً، ويتعبد بها لله سبحانه وتعالى، فهل يمكن أن يكون هذا نوعًا من المراجعة لمسالك الأخلاق؟ خاصة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «الإثم ما حاك في الصدر، وكرهت أن يطلع عليه الناس»؟

إن لم يكن رمضان محققًا لهذا المعنى الجليل الذي تسألون عنه، فمتى يمكن لهذا العبد أن يصحح تصوره عن الأخلاق؟ ذلك أن الأخلاق في هذا الدين الحنيف ليست من الفواضل، وليست مما يمكن أن يجعله المسلم -كما يقال- في هامش حياته، بل هي منهج حياة، والأخلاق هي جوهر العبادات التي يؤديها المسلم لربه تبارك وتعالى، فيروض نفسه على الخلق الحسن، ويبتعد عن الفحش وعن مقابلة السيئة بمثلها، ليذكر نفسه ويذكر غيره، إن سابه أو شاتمه أو قاتله، بقوله: «إني صائم».

فهو يبتعد عن كل أنواع الفحش والبذاءة، وكما يبتعد في المقابل عن الخنا وما يسخط الله تبارك وتعالى من السفاهة ولهو الحديث، كل ذلك يتحقق له إن كان صائمًا حقًّا، ولا يعدل رمضان شيء في تزكية أخلاقه وصفاء نفسه، لكن هذا لا يعني أن ذلك يحصل له دون عناء منه؛ لأن هذه النفس قد تجتمع فيها نوازع الشر، ويمكن أن تستبدّ بها الشهوات، وقد يغلبه حب السيطرة والأثرة والانتصار للنفس، وما يوسوس به إليه الشيطان من عدم قبول الضيم، فإذا به يخوض مع الخائضين في بذاءة القول، وفي الإغلاظ على الآخرين في غير موجب شرعي أو الإساءة إليهم.

فهذه مداخل للشيطان يفسد بها عليه أخلاقه، فعلى الصائم أن يكون مراقبًا لنفسه، مراقبًا للسانه، مراقبًا لجوارحه، آخذًا بجوارح نفسه إلى ما يرضي الله تبارك وتعالى من القول الحسن، والخلق الجميل، والأدب الرفيع.

وأنا هنا أذكر إخواني من أهل عُمان؛ نظرًا لأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قلدهم شهادة عظيمة، حينما أرسل أحد أصحابه إلى حي من أحياء العرب فسبّوه وشتموه، فرجع إليه، فقال له عليه الصلاة والسلام: «لو أن أهل عُمان أتيت، ما سبّوك وما ضربوك»، هذا تاج توّجنا به رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيجب علينا أن نحافظ عليه، وأن نزداد خُلقًا وأدبًا، وأن نحسن أخلاقنا، وأن نرتقي بها، وأن ننتبه لما يمكن أن يؤثر على قيمنا وأخلاقنا وآدابنا الحسنة الجميلة من مؤثرات معاصرة.

وأن نغرس هذه الأخلاق والآداب والقيم لدى ناشئتنا، نعلمهم إياها، ونعرفهم بها، وأن نكون لهم قدوة فيها، وأن ننبههم عليها حينما يخطئون، وأن نريهم هذه الأخلاق والقيم في واقع حياتنا، هذا كله يسهل علينا في رمضان؛ لأن شهر الصيام فيه كسر لكل الشهوات.

وحينما يصفي المرء نيته وقصده لله تبارك وتعالى، فإذا ارتاضت هذه النفس على الأخلاق الجميلة الحميدة، وعلى الآداب الطيبة والقيم الرفيعة، فإنه يسهل عليها بعد ذلك أن تكون على خُلق قويم وآداب رفيعة في كل أحوالها، فرمضان وهذا المعنى الذي ذكرتموه هو مدرسة عالية ورفيعة للأخلاق والقيم والآداب الإسلامية السامية.

مقالات مشابهة

  • هارون : الصوم أفضل وسيلة للإرتقاء بين درجات النفس ومستوياتها
  • رمضان شهر فتح أبواب الجنان
  • مجدي أبوزيد يكتب.. رمضان فرصة الجميع لإصلاح النفس والتغيير
  • المحاضرات الرمضانية.. تزكية النفس ومواجهة التحديات الخارجية
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
  • دعاء للميت في رمضان.. 5 كلمات تجعل رمضانه أجمل في الجنة
  • «إسلامية دبي» تنظم دورة «ختمة وتأملات قرآنية» خلال رمضان
  • شخصيات إسلامية.. سمع النبي قراءته في الجنة حارثة بن النعمان الأنصاري
  • هل حديث طواف الملائكة في الأرض بحثًا عن مجالس الذكر صحيح؟.. أحمد عمر هاشم يرد
  • المحاضرات الرمضانية .. نحو تزكية النفس ومواجهة التحديات الخارجية