تشهد أفريقيا أحد أسرع معدلات النمو الاقتصادي على مستوى العالم، مدفوعة بالثروات الطبيعية وموقعها الجغرافي الإستراتيجي الذي يضعها على خارطة أهم المراكز المحورية للتجارة الدولية، وسلاسل الإنتاج والتوريد.
لكن القارة تواجه مجموعة من التحديات المرتبطة بتدني الاستثمارات المخصصة لتطوير البنية التحتية، والتي تعد بدورها ركنا أساسيا لدعم تلك السلاسل.

وتلعب خطوط السكك الحديدية في هذا الإطار دورا حاسما، بوصفها وسيلة أساسية لربط الدول بالموانئ، ومنها إلى الأسواق العالمية.
وتتنوع ثروات القارة بين المعادن الثمينة وثروات باطن الأرض عموما، وتمتلك قرابة 30% من إجمالي احتياطيات المعادن العالمية، ونحو 12% من احتياطات النفط العالمية و8% من احتياطيات الغاز الطبيعي، بحسب البنك الأفريقي للتنمية.
ثروات
كما تعد أفريقيا مصدرا رئيسيا لأهم المعادن المستخدمة في الصناعات الحديثة، أهمها الكوبالت إذ تملك قرابة 60% من الاحتياطي العالمي منه، و90% من احتياطي البلاتين، و40% من الذهب. كما تسهم بإنتاج حوالي 77% من الكوبالت و51% من المنغنيز، فضلا عن 46% من إنتاج الألماس و39% من إنتاج الكروم عالميا.
ويقدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم توجد في أفريقيا، وهو ما يؤهلها لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الغذاء، بشرط توفر الاستثمارات الزراعية المباشرة في إنتاج المحاصيل، وفي الصناعات الغذائية التحويلية.
ويضاف إليها ثروة سكانية يمكن أن تكون واعدة، ويعد النمو السكاني فيها الأسرع على مستوى العالم. وعام 2023، وصل عدد سكان القارة لنحو 1.4 مليار نسمة، ويتوقع أن يرتفع إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050.
ولا يمكن الحديث عن انتظام في سلاسل الإنتاج والتوريد بمعزل عن شبكات المواصلات القادرة على الربط بين مناطق الإنتاج ومنافذ التجارة في القارة الشاسعة. وبينما يتنافس الشرق والغرب على الثروات في أفريقيا، يسارع أيضا لإنشاء بنى تحتية تمكنه من الوصول لتلك الثروات وإيصالها للمصانع عالميا.
يعد ممر لوبيتو الشريان الأهم -الذي تموله الولايات المتحدة بشكل أساسي- من أهم خطوط سلاسل التوريد المستقبلية في القارة، إذ يُفترض به ربط ساحل أنغولا بدول مغلقة من بينها زامبيا والكونغو الديمقراطية، ويوصف بالممر الإستراتيجي بين مناطق إنتاج المعادن الثمينة.
ويؤكد الممثل الإقليمي للوكالة الأميركية للتنمية ويليام باترفيلد أن بلاده “تخصص جهودا عالية للاستثمار في إنجاح مشروع لوبيتو، مما يظهر التزاما واضحا بتطوير البنية التحتية في القارة. وتبعا، توسع الممر ليرتبط بتنزانيا عبر ممرات سكك حديدية إضافية لتحسين الاتصال في جنوب وشرق أفريقيا”.
ويهدف الممر إلى تعزيز النقل الفعال للمعادن والبضائع الثقيلة إلى الموانئ البحرية للتصدير، ويعد النحاس والكوبالت من أهم المعادن التي سينقلها. كما يعتبر من أسرع وأكثر خطوط النقل والتصدير كفاءة. ويتوقع أن يعزز الصادرات من منطقة حزام النحاس في زامبيا والكونغو إلى الأسواق العالمية.
ويرى الباحث في مركز أفريقيا بمعهد السلام الأميركي توم شيهي أن ممر لوبيتو يمثل “مقاربة غير معهودة في آليات عمل الولايات المتحدة في أفريقيا، التي بدأت بضخ استثمارات مباشرة في مشاريع البنية التحتية بدلا من مقارباتها التقليدية التي ركزت سابقا على مجالات أخرى من بينها الزراعة”.
جغرافيا التنافس
كما تبرز خطوط ربط ثنائية، من بينها خط سكة حديد ممباسا-نيروبي، ويعد جزءا من خطة لربط شرق أفريقيا بشبكة حديثة للنقل. يبلغ طولها نحو 480 كيلومترا، وتمثل أكبر مشروع بنية تحتية في كينيا. مما يتيح نقل المنتجات الزراعية والمعادن بين ميناء مومباسا والعاصمة نيروبي بكلفة أقل بنحو 40% مما كانت عليه قبل إتمام المشروع.

ويسهم مشروع سكة حديد تنزانيا-زامبيا في تعزيز التجارة البينية والإقليمية وزيادة الصادرات الزراعية والمعدنية. أما مشروع سكة حديد جيبوتي-إثيوبيا فيسهم بشكل أساسي في ربط إثيوبيا الدولة الحبيسة بميناء جيبوتي، وبخفض تكاليف النقل ويزيد من قدرة أديس أبابا على الوصول إلى الأسواق العالمية.

هذا المشهد الثري من المعادن النادرة وتشابك خطوط النقل، يكشف عن منافسة تشتد بين الولايات المتحدة والصين في أفريقيا، وتتركز على محاولات السيطرة للإمساك بخيوط سلاسل التوريد الحيوية المتعلقة بالمعادن الثمينة، خاصة الكوبالت والليثيوم والنحاس، والتي تعد عماد الصناعات التقنية الحديثة.
ووضعت بكين موطئ قدم قويا في القارة من خلال مبادرة الحزام والطريق واستثمرت بشكل موسع في مشاريع البنية التحتية من طرق وسكك حديد وموانئ، وشركات تعدين في عدد من الدول الأفريقية لضمان الوصول إلى الموارد المعدنية الحيوية. مكنتها هذه الهيمنة من الحفاظ على يد عليا في سلسلة التوريد العالمية، وخاصة في قطاعي الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
ويصف الباحث في معهد العلاقات الدولية في براغ أندريه هوركي هلوشان حضور الصين في أفريقيا بأنه مساهمة -وإن بدرجات متفاوتة- في دعم الميزانيات العامة الكاملة لشركائها الأفارقة، عبر تعميق الاعتماد الاقتصادي لتلك الدول على ثرواتها من المعادن والخامات المختارة في أماكن أخرى.
وأوضح أن بكين تمكنت من تحقيق ذلك عبر الاستخراج وبناء سلاسل إنتاج وتوريد قيمة ومعقدة في قطاع التعدين التي تحتاجها الصناعات الحديثة، وأنها تدعم أيضا الانتقال نحو استخدام الطاقة المستدامة على المستوى العالمي.
تحديات
هذه الإستراتيجية الصينية في القارة -بحسب الباحث هلوشان- دفعت واشنطن إلى تغيير خطابها وسياستها في أفريقيا من خلال تعزيز أولوياتها بدلا من الانشغال باتخاذ خطوات للرد المضاد على بكين. فسعت إلى تحدي الهيمنة الصينية بالاستثمار إستراتيجيا في تطوير البنية التحتية والشراكات بهدف الوصول إلى المعادن الحيوية.
ويعد ممر لوبيتو المثال الأكثر صراحة لهذه الإستراتيجية، الذي يهدف إلى توسيع النفوذ الغربي على سلاسل التوريد هذه والحد من اعتماد أفريقيا على الصين.
ورغم الثراء، تعاني أفريقيا من نقص الاستثمار في البنية التحتية حيث يقدر البنك الدولي أن مجمل استثمارات القارة في البنية التحتية لا تتعدى 3.5% من إجمالي الناتج المحلي.
ويؤدي نقص التمويل إلى إضعاف كفاءة سلاسل التوريد ويرفع تكاليف النقل، وبالتالي يخفض من قدرة القارة على المنافسة في الأسواق العالمية، ويقول البنك إن هناك حاجة لرفع هذه الاستثمارات بنحو 7.1% من الناتج المحلي سنويا.
فضعف كفاءة شبكات الطرق الداخلية يؤدي إلى زيادة تعقيدات الربط بين مرافق الإنتاج وموانئ التصدير، وبالتالي تراجع التجارة البينية. وتظهر دراسة نشرتها جامعة براندنبورغ أن التجارة البينية الأفريقية تمثل فقط 16% من إجمالي التجارة في القارة.

المصدر : الجزيرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الأسواق العالمیة البنیة التحتیة سلاسل التورید فی أفریقیا فی القارة

إقرأ أيضاً:

وزير الطيران: نعمل لتحسين تجربة المسافرين وتطوير البنية التحتية للمطارات

نظمت وزارة الطيران المدني جولة تفقدية لمحرري شؤون الطيران المدني بمطار القاهرة الدولي، أحد أهم المطارات المحورية بقارة أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط للوقوف على أهم مشروعات التطوير والتحديث التي يشهدها المطار فى الفترة الحالية، بما يسهم في تدعيم مكانة مصر كمركز إقليمي لحركة الطيران وخدمات السفر.

ويأتى ذلك تماشيًا مع رؤية الدولة لتعزيز دور قطاع الطيران المدني في دعم الاقتصاد الوطني وتنشيط السياحة، وفي إطار متابعة الجهود التنموية التي تتبناها وزارة الطيران المدني وفقًا لاستراتيجيتها الطموحة نحو التطوير والتحديث لمختلف المناطق الخدمية لكافة المنشآت بالمطارات المصرية لتعزيز جودة الخدمات المقدمة للمسافرين، وتحسين تجربة سفرهم.

وبدأت جولة الصحفيين بمبنى الركاب رقم (2) بمطار القاهرة الدولي، حيث تم زيارة استراحة «أهلين» الخاصة بالشركة المصرية لخدمات الطيران EAS وهي تعد أحدث الإضافات إلى مرافق المطار، والتى تم تجهيزها وفقًا لأحدث المعايير العالمية لتلبية احتياجات المسافرين، مع مساحات جلوس واسعة وخدمات تكنولوجية متطورة تضمن تجربة سفر أكثر راحة ورفاهية.

فندق مبنى ركاب رقم (2)

وشملت الجولة أيضًا زيارة لفندق مبنى ركاب رقم (2)، الذي يقدم خدمات إقامة عالية الجودة لخدمة ركاب الترانزيت والمسافرين لفترات قصيرة؛ حيث تم تجهيز الفندق بغرف متنوعة وفقًا لأعلى المعايير العالمية، مع خدمات فندقية متكاملة تضمن راحة النزلاء، كما تم استعراض أعمال تجديد دورات المياه داخل المبنى، والتي تمت وفق أحدث التصميمات العالمية، مع التركيز على مراعاة المعايير الدولية لجودة الخدمات.

توسعة منطقة السفر الدولي

ثم أعقبها التوجه إلى مبنى الركاب رقم (3)، حيث تم استعراض التوسعات والتحديثات التي يشهدها المبنى، والتي شملت توسعة منطقة السفر الدولي، وزيادة مساحات الاستراحات والمطاعم، وتضم مرافق وخدمات تُلبي احتياجات جميع المسافرين، بما في ذلك الغرف المخصصة للمدخنين وأماكن للنوم وخدمات تكنولوجية متطورة، بالإضافة إلى رفع كفاءة دورات المياه وفقًا لأحدث المواصفات العالمية، بما يتماشى مع معايير Skytrax وتحالف Star Alliance.

وخلال الجولة، تفقد الوفد الإعلامي مجموعة من هذه الاستراحات الفاخرة المُصممة لتوفير تجربة سفر مريحة وأكثر رفاهية، ومن أبرزها «Lounge E» وتقدم خدمات متميزة تشمل مناطق استقبال مريحة ومرافق مجهزة بأحدث التقنيات.

وتفقد محررو شئون الطيران أحدث استراحات مصر للطيران بمبنى الركاب رقم 2 وتسمى استراحة «الميسان» في فنجر F والمخصصة لخدمة ركاب درجة رجال الأعمال، والتي تتميز بتقديم أعلى مستويات الضيافة، حيث كان في استقبالهم الطيار أحمد عادل رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران، ونائبه الطيار شريف خليل والطيار محمد عليان رئيس شركة مصر للطيران للخطوط الجوية، وسهير عبد الله رئيس شركة مصر للطيران للخدمات الجوية، والطيار حافظ الشيتي نائب رئيس شركة مصر للطيران للخطوط الجوية، هذا بالإضافة إلى استراحة الجناح أحدث مشروعات التطوير بالمطار لتقديم خدمات متكاملة مُصممة لتلبية احتياجات المسافرين والمجهزة بأحدث المرافق والنظم التكنولوجية.

وشملت الجولة أيضًا زيارة فندق شركة مصر للطيران للخدمات الجوية، الذي يقدم خدمات إقامة مريحة وعالية الجودة لركاب الترانزيت والمسافرين لفترات قصيرة، إذ يضم 13 غرفة فندقية متكاملة مجهزة وفقًا لأفضل المعايير الفندقية العالمية، لضمان تقديم خدمة متميزة لركاب الترانزيت.

ثم تلاها زيارة منطقة استراحات الترانزيت والكبسولات، التي تم تجهيزها بأحدث المرافق لخدمه المسافرين العابرين والتى توفر خيارات متعددة للاسترخاء أو النوم خلال فترات الانتظار الطويلة، مع توفير كل وسائل الراحة والتقنيات الحديثة.

واختتمت الجولة بزيارة المنطقة الجمركية الجديدة، حيث تم استعراض التوسعة التي تهدف إلى تسهيل وتسريع إجراءات التخليص الجمركي، كما تم تجهيز المنطقة بأحدث التقنيات والأنظمة الرقمية المتطورة، لضمان سرعة الإجراءات، بما يعزز من كفاءة العمليات التشغيلية ويقلل فترات الانتظار.

وفي هذا السياق، أشار الدكتور سامح الحفني وزير الطيران المدني، إلى أن أعمال التطوير والتحديث الجارية في مطار القاهرة الدولي تأتي في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز مكانة المطار كمحور إقليمي لحركة الطيران، بما يسهم في دعم الاقتصاد المصري وتنشيط حركة السياحة، مؤكدًا أن تحسين تجربة المسافرين وتطوير البنية التحتية وتزويدها بأحدث النظم التكنولوجية يأتي في مقدمة الاعتبارات لضمان تقديم خدمات متميزة وذات جودة عالية تلبي المعايير الدولية بما ينعكس إيجابًا على حركة السفر والسياحة ويعزز من قدراتنا لمواكبة النمو المتزايد في حركة النقل الجوي.

كما أضاف وزير الطيران المدني أن التوسعات الجديدة والتحديثات التي يشهدها مطار القاهرة الدولي؛ لا سيما تلك التي تمت بمباني الركاب والاستراحات تتماشى مع خطة التطوير التي مضت بها الوزارة خطوات سريعة وثابتة في ضوء أهداف التنمية الشاملة لخلق تجربة سفر سلسة وعالية المستوى بما يساهم في تعزيز قدرة قطاع الطيران المدني المصري على المنافسة إقليميًا ودوليًا.

مقالات مشابهة

  • نصر عبده: الرئيس السيسي حريص على التكامل الاقتصادي الأفريقي.. فيديو
  • الإمارات تبحث التعاون مع جنوب أفريقيا في البنية التحتية المستدامة
  • الصين تفرض قيودًا على تصدير المعادن الحيوية … تداعيات عالمية محتملة
  • الكهرباء: سيمنز ركيزتنا في تحديث البنية التحتية
  • الكهرباء العراقية: سيمنز ركيزتنا في تحديث البنية التحتية
  • وزير الطيران: نعمل لتحسين تجربة المسافرين وتطوير البنية التحتية للمطارات
  • محافظ قنا يبحث مع وفدحيّنا استكمال دراسات البنية التحتية
  • محافظ قنا يبحث مع وفد «حيّنا» استكمال دراسات البنية التحتية وتعزيز التنمية المستدامة
  • «القابضة» تؤسس منصة للاستثمار والتطوير في البنية التحتية
  • الحكيم للسيسي: الشركات المصرية أثبتت جدارتها بمشاريع البنية التحتية في العراق