ما زال أهالي القتلى يرفضون أحكام السجن على ضالعين في قتل مئات المدنيين ودفنهم في مقابر جماعية في مدينة ترهونة جنوب شرقي العاصمة الليبية طرابلس، ويصفونها بـ "غير العادلة"، مطالبين بإنزال عقوبة الإعدام بالمرتكبين.

يقول محمد اللافي، والد مراد (30 عاما) الذي عثر عليه في إحدى المقابر الجماعية، محتضنا صورة ابنه بكثير من المرارة، إن مسلحي ميليشيا "الكانّي" اختطفوه عام 2019 في ترهونة، ليقتل ويخفى جثمانه في مقبرة جماعية، قبل أن يُتعرّف عليه مع العشرات مطلع عام 2022.

ويرى اللافي أن عقوبة الإعدام هي الحكم الوحيد الذي يمكن أن يخفّف حزن عائلته بعد فقدانها ابنا قتل بـ"دم بارد"، مضيفا أن ابنه كان شابا طموحا لم يتورط بصراعات سياسية أو ميليشيات، لكنه قتل بسبب انتمائه القَبَلي.

فعائلة اللافي تنتمي إلى قبيلة النعّاجي المعارضة لحكم "الكانّي"، وحددت هوية مراد عندما عثر عليه بعد تحليل الحمض النووي (DNA)، إذ لم يتبق منه إلا الرفات.

وأصدرت محكمة عسكرية في طرابلس في فبراير/شباط الماضي أحكاما بالسجن تراوحت من السجن مدة 6 سنوات إلى 10 أو 15 أو مدى الحياة، على قرابة 30 متهما بقتل مئات المدنيين الذين عثر عليهم في مقابر ترهونة الجماعية.

ويتوقع صدور أحكام جديدة بحق العشرات من المتهمين الآخرين خلال الأسابيع المقبلة، بحسب ما أفاد مصدر في وزارة العدل الليبية.

مطالب الضحايا

ويوضح عضو منظمة "أهالي ضحايا ترهونة" مصعب أبو كليش أن جميع ذوي ضحايا المقابر الجماعية غير راضين عن صدور أحكام السجن بحق المتهمين، "لأنهم بالأدلة مسؤولون مباشرة عن مقتل المئات من المدنيين".

ويقول أبو كليش إنه لدى ذوي الضحايا ثلاثة مطالب رئيسية، أولها التعرّف على بقية المفقودين، ثانيها ملاحقة المجرمين وإصدار أحكام مشددة بحقهم، وثالثها جبر ضرر ذوي الضحايا الذين تُركوا في مواجهة مصير التجاهل.

وعثر على أولى المقابر الجماعية بترهونة الواقعة على بعد 80 كيلومترا جنوب العاصمة طرابلس في يونيو/حزيران عام 2020 عقب مغادرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المنطقة بعد شنّها في عام 2019 هجوما لم يحقّق أهدافه في السيطرة على طرابلس.

مصير مجهول

وبلغ عدد الجثامين والرفات التي استخرجت من عشرات المقابر الجماعية في ترهونة 350، تم التعرّف على هوية 226 من أصحابها، بحسب حصيلة غير نهائية للهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين.

ويروي محمود المرغني أن عمه خالد خُطف منتصف عام 2019، ولم يعثر عليه أو على جثمانه بعد، مضيفا أنه تيتم بعده 3 أطفال، لا يستطيع إخبارهم عن مصير والدهم.


ويقول المرغني "لا شكّ أن عمي خالد قتل، نأمل العثور على جثمانه أو رفاته داخل المقابر الجماعية التي تتواصل أعمال البحث فيها".

وتفيد تقارير أن الانتهاكات وعمليات القتل بدأت منذ عام 2015 عندما سيطرت ميليشيا "الكاني" على ترهونة التي يقطنها قرابة 40 ألف شخص، وكان 6 أشقاء يقودون الميليشيا التي تألّفت من قرابة 5 آلاف مسلح، وقتل 3 من الأشقاء، وفرّ الآخرون.

بعد سقوط الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي عام 2011، انفجرت النزاعات بين بعض المناطق وغيرها، وظهرت ميليشيات تتنازع على السلطة في المدن، وكانت ميليشيا "الكانّي" مؤيدة في البداية لقوات طرابلس، قبل أن ينتقل ولاؤها إلى قوات حفتر الذي جعل من ترهونة قاعدة خلفية له في هجومه على طرابلس.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

بين الفطرة والتشريع.. كيف تحمي أحكام الإسلام النظام الأسري؟

وناقشت حلقة 2025/3/29 من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان" مع أستاذ التشريع الجنائي الإسلامي الدكتور محمد بوساق الحكمة الإلهية من تنظيم الأسرة ومواجهة التحديات المعاصرة التي تستهدف هذه المؤسسة الحيوية.

وكشفت الحلقة عن جوانب من الإعجاز التشريعي في الإسلام، خاصة في قضايا الأسرة والميراث والعدة والنسب.

وافتتح بوساق حديثه ببيان الحكمة الإلهية من خلق البشر ضمن منظومة أسرية متكاملة، وقال "الله سبحانه، أعظم من خلق الله هو آدم -عليه السلام- وذريته، وجعل ذلك من أجله سبحانه وتعالى ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا".

وأوضح أن الله أفاض على بني آدم من النعم ما لا حصر لها، فقد جعلهم أزواجا، وجعل لهم بنين وحفدة، وجعل القرابة -صلة القربى- من نعمه عليهم بعد نعمة الإيمان، مؤكدا أن الله جعل هذه الصلات من أجل تمتين وربط الناس ربطا يقينيا بربهم، وهذه "القرابة هي نعمة وحفظ وكرامة لهم".

وبيّن بوساق أن "الإنسان هو مدار تحقيق مقاصد الشريعة كلها"، فمن حيث مقصد الدين فإن الإنسان هو الذي جعله الله سبحانه وتعالى ليعبده ولا يشرك به شيئا، ومن حيث مصلحة النسل فقد جعل سبب النسل واستمراره وعدم انقراضه في نعمة الزواج.

الإعجاز التشريعي

وتناول بوساق شبهة تقييد حرية المرأة من خلال نظام العدة للأرامل والمطلقات، وكشف عن جوانب من الإعجاز التشريعي في هذا النظام، مشددا على أهمية الانتباه والالتفات إلى الإعجاز التشريعي "لأن الناس انصرفوا كثيرا إلى الإعجاز العلمي، وهم على حق، وذلك فيه خير وبركة، وفيه نعمة للدعوة الإسلامية، ولكن الإعجاز التشريعي أعظم من الإعجاز العلمي".

إعلان

وكشف عن اكتشاف علمي حديث يؤكد حكمة العدة الشرعية، إذ أثبتت الأبحاث العلمية أن "بصمة الرجل مع المرأة تنتهي في 3 أشهر، يعني 30% منها في الشهر الأول، و30% في الشهر الثاني، و30% في الشهر الثالث".

وأشار إلى بحث أجري في بعض أحياء المسلمين، فوجد أن "المسلمة ما عندها إلا بصمة واحدة، في حين في المجتمعات غير المسلمة وُجدت للمرأة بصمتان وثلاث وأكثر"، مما يدل على وجود علاقات غير شرعية".

وأكد أن هذه الاكتشافات العلمية تثبت حكمة التشريع الإسلامي، وقال "هذه كلها بعلم الله سبحانه وتعالى، ومن أحسن من الله حكما".

واستعرض بوساق الإعجاز التشريعي في نظام المواريث الإسلامي، وكيف استطاع في 10 أسطر فقط أن يجمع كل أحكام الميراث بعدل وإنصاف "في حين أن قوانين الميراث في الدول الغربية تستغرق مجلدات".

واستشهد بقصة روبرت غولدن مستشار الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، والذي كان متخصصا في القانون وخريج جامعة هارفارد، وكيف أنه أسلم بعد دراسته آيات المواريث في الإسلام.

وقال "لما قدّمت له آيات الميراث التي تبدأ بقوله تعالى ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ بقي عدة أيام، ثم رجع وقال: كيف هذا؟ كيف يجمع كل علاقات النسب ومن عمود النسب من أعلاه إلى أسفله ومن أجنحته، وكل هذا يجمعه في هذه الكلمات القليلة ويعطي بالإنصاف كل ذي حق حقه؟".

وأضاف بوساق أن غولدن قال "هذا لا يمكن أن يقدر عليه إلا من خلق الإنسان ومن خلق عمود النسب ومن خلق الأجنحة"، وأسلم بسبب هذا الإعجاز التشريعي.

شبهة إبطال التبني

وتطرق بوساق إلى شبهة إبطال التبني في الإسلام، موضحا أن الإسلام لا يمنع كفالة الأيتام ورعايتهم، بل يمنع ادعاء النسب لغير الأب البيولوجي، خاصة بعد اكتشاف البصمة الوراثية التي تثبت نسب الأبناء بشكل قاطع.

وقال "البصمة الوراثية تبين أن لكل ولد بصمة وأنه من صلب رجل بعينه، ويمكن معرفته بعد اكتشاف هذه البصمة الوراثية، فكيف يبقى لنا أن نستمر في هذه الجاهلية؟!".

إعلان

وأضاف "الولد لأبيه، وهذه ليست مجرد دعوة، يعني مجرد كلام، هذا له أصل وأنه من والده، ويمكن معرفته بالتحاليل".

وأكد أن الإسلام لا يمنع "رعاية الطفولة، سواء كانت للذين ليس لهم أب معروف، لا يمنع من كفالتهم ورعايتهم وحمايتهم، ويعني أن يعيشوا وسط المسلمين كإخوة في الإسلام".

وحذر بوساق من تحديات معاصرة تستهدف الأسرة المسلمة، منها:

العزوف عن الإنجاب:
أشار إلى أن الأعداء يعملون على "إشغال الناس بالشهوات، وترك مقاصد شرعهم"، مما يؤدي إلى "العزوف عن الإنجاب وعن تربية الأطفال". الإجهاض:
وصف الإجهاض بأنه "معارضة ومخالفة لأمر الله ولخلق الله"، وقال إنه في العصر الحديث أصبح الأمر "أشد، صارت الأجنة والأطفال -ذكورا وإناثا- يرمون في سلال المهملات، مخلوق بروح ويرمى". المثلية وتغيير الجنس:
وصف هذه الظواهر بأنها مخالفة للفطرة التي فطر الله الناس عليها، وقال إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من زوجين ذكرا وأنثى "فكيف تستقيم المثلية أو تغيير الجنس"، واعتبر تشريع بعض الدول الغربية مثل كندا قوانين تسمح باختيار أكثر من جنس بأنه عبث ومخالفة للفطرة.

وأكد أن هذه الممارسات تؤدي إلى انقراض الأسرة وانقراض البشرية وتدمير "المقاصد التي أراد الله بها تكريم بني آدم"، داعيا للعودة إلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وختم أستاذ التشريع حديثه بالدعوة إلى الالتزام بالفطرة والوسطية في التعامل مع قضايا الأسرة، وقال "بدلا من أن تدعو إلى الدين ادعُ إلى الفطرة، يعني عدم مخالفة الفطرة لأنها هي الخط الأخير للخروج من الإنسانية إلى الحيوانية".

وأكد أن المرأة في الإسلام "يجب وضعها في الموضع الوسطي الذي وضعتها إياه شريعة الله سبحانه وتعالى بلا إفراط ولا تفريط".

وحذر من طرفي الإفراط والتفريط "المرأة مظلومة من طرفين: طرف الصيحات الحيوانية الفاجرة من أجل إخراج المرأة عن كل أدب وعن كل مصالحها وإغرائها بما يتلفها ويؤلمها، وكذلك النظر إلى المرأة بنظرة فوقية وحرمانها من الميراث".

إعلان

وأشار إلى أن "الله سبحانه وتعالى في تشريعه راعى ما هو أنفع وأفيد للإنسان"، وأن الشريعة الإسلامية هي التي تحقق التوازن والعدل في المجتمع وتحفظ كرامة الإنسان وتصون الأسرة من التفكك والانهيار.

الصادق البديري30/3/2025

مقالات مشابهة

  • تظاهرة حاشدة في روما تطالب بوقف “الإبادة الجماعية” في قطاع غزة
  • القبض على عصابة سرقة أبواب المقابر ببنى سويف
  • السيسي وأردوغان يتفقان على العمل معا لإنهاء “الإبادة الجماعية” في غزة
  • ضبط 16هاربا من تنفيذ أحكام وحائزي أسلحة في حملة أمنية بالفيوم
  • بين الفطرة والتشريع.. كيف تحمي أحكام الإسلام النظام الأسري؟
  • الإفراج عن النائب حسن جاب الله بعد أكثر من عامين على اعتقاله
  • وفد من ترهونة يُؤكد دعمه لخطوات الرئاسي في مشروع المصالحة
  • 30 عضوا بالكونغرس يطالبون بكشف أسباب احتجاز طالبة تركية
  • آلاف المغاربة يطالبون بإنقاذ غزة وإدخال مساعدات للفلسطينيين
  • عبدالمجيد: حكومة الإستقرار والقوات المسلحة يسيطرون على 95% من ليبيا.. وحكومة الدبيبة لا تسيطر حتى على طرابلس بالكامل