كيف يعيد أردوغان تعريف الميثاق الوطني في ظل التهديدات الإقليمية؟
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
أنقرة- تصاعدت التحذيرات التركية بشأن حماية وحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، في ظل تفاقم التوترات الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان.
ووجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحذيرا صريحا، مشيرا إلى أن "أي محاولة من جانب إسرائيل لاحتلال الأراضي السورية تشكل تهديدا مباشرا لأمن تركيا، التي تربطها حدود شائكة وغير هادئة بالفعل مع الأراضي السورية".
وفي كلمة ألقاها خلال ملتقى المخاتير في إسطنبول، السبت الماضي، شدد أردوغان على أن بلاده "لن تتهاون في الدفاع عن مصالحها الإقليمية". وحذر إسرائيل -بشدة- من مغبة المساس بأي أراض تقع ضمن حدود "الميثاق الوطني"، الذي يعطيها حق المشاركة في تقرير مصير مناطق خارج حدودها الجغرافية كالموصل وكركوك بالعراق وحلب ومناطق باليونان وبلغاريا.
الميثاق الوطنيالميثاق الوطني هو الوثيقة التي رسمت الحدود الجغرافية والسياسية للأراضي التي بقيت في يد الأتراك بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى. واعتُمد بالإجماع في آخر جلسة للبرلمان العثماني المنعقد في إسطنبول بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 1920، قبل أن يعلَن رسميا للشعب في 17 فبراير/شباط من العام نفسه.
ويُعد بمثابة "المانيفستو" (البيان الرسمي) السياسي لتركيا في مفاوضات السلام التي أعقبت الحرب، حيث حدد الشروط الأساسية التي قبلتها أنقرة لإنهاء هذه الحرب. وجاء اعتماده بعد جهود مكثفة من أعضاء البرلمان، خاصة المنتمين لجمعية الدفاع عن الحقوق، وبإشراف مباشر من مصطفى كمال أتاتورك، الذي أعد هذه الوثيقة في جلسة سرية.
في البداية، عُرف البيان باسم "بيان العهد الوطني"، ليتحول فيما بعد إلى "الميثاق الوطني". وبموجبه، تم رسم الحدود التي يعيش فيها الأتراك العثمانيون رغم عدم دقتها الكاملة، وشملت مناطق مثل قبرص، وولاية الموصل ودير الزور وكارس وأردهان وباتوم وتراقيا الغربية وجزر الـ12.
ومن قرارات الميثاق الوطني:
تقرير مصير الأراضي التي تقطنها أغلبية عربية وقت توقيع هدنة مودروس (1918) من خلال استفتاء شعبي. الأراضي غير المحتلة خلال هدنة مودروس التي تسكنها أغلبية تركية تُعد جزءا من الوطن القومي للأمة التركية ولا يمكن التنازل عنها. تحديد مستقبل مناطق كارس وأردهان وباطوم عبر استفتاء شعبي. تحديد مصير تراقيا الغربية بناء على تصويت سكانها. ضمان أمن إسطنبول وبحر مرمرة، مع الحفاظ على حرية النقل والتجارة في مضيقي البوسفور والدردنيل بالتعاون مع الدول ذات المصالح. صون حقوق الأقليات بشرط أن تحافظ الدول المجاورة على حقوق الأقليات المسلمة. لتحقيق التطور في جميع المجالات، يجب أن تكون تركيا دولة مستقلة وحرة، مع إلغاء جميع القيود السياسية والتشريعية والمالية. نهج استباقييرى الباحث السياسي محمد يوجا أن تحذيرات الرئيس التركي لإسرائيل، وغيرها من الأطراف، بشأن عدم الاقتراب أو تشكيل تهديد لأنقرة على امتداد حدود الميثاق الوطني، تحمل دلالات إستراتيجية عميقة.
ومن أبرز هذه الدلالات، بحسب يوجا، أن تركيا لن تكتفي بالمراقبة السلبية إلى أن يصل الخطر إلى داخل أراضيها، بل ستتبنى موقفا استباقيا يتمثل في التصدي لأي تهديد في المناطق المحيطة بها، مما يعكس تحولا في نهجها الدفاعي إلى سياسات أكثر فعالية.
وأوضح للجزيرة نت أن لدى أردوغان قناعة راسخة بأن أراضي الميثاق الوطني، رغم أنها ليست تحت السيادة التركية حاليا، ستظل مسؤولية قومية لتركيا بحكم الروابط الجغرافية والدينية والتاريخية التي تجمعها بها.
وبرأيه، فإن هذه التصريحات قد تكون دلالة واضحة على استعداد أنقرة لاتخاذ إجراءات عسكرية إذا لزم الأمر، للتصدي لأي خطر قد يشكله توسع إسرائيلي أو أي تهديد آخر، في إطار حماية أمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية في المنطقة.
من جهة أخرى، انتقد الرئيس التركي المعارضة لاعتبارها التحذيرات من الخطط التوسعية الإسرائيلية "مبالغة"، رغم تقديم الوثائق والأدلة التي تثبت صحتها.
جاء ذلك بعد تصريحات رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أوزغور أوزال -في كلمة أمام كتلته البرلمانية- التي وصف فيها الحديث عن نية إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مهاجمة تركيا بأنه "غير منطقي على الإطلاق". وطالب الحكومة بالكشف عن أي معلومات تتعلق بتهديدات حقيقية تواجه البلاد، مما دفعها للاستجابة بعقد جلسة مغلقة في البرلمان الأسبوع الماضي، يُحتفظ بسرية مضمونها لمدة 10 سنوات.
وخلال الجلسة، استعرض وزيرا الخارجية هاكان فيدان والدفاع يشار غولر تطورات العدوان الإسرائيلي وتوسيع الهجمات من غزة إلى مناطق أخرى، بالإضافة إلى المخاطر المحتملة التي قد تواجه تركيا.
تحركات داخليةمن جانبه، حذر دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية والحليف الرئيسي للرئيس أردوغان، من أن "الفوضى في الدول المجاورة قد تمتد إلى حدودنا، ومن المرجح أن تتعرض تركيا لتحرشات إسرائيلية في المستقبل القريب".
أثار بهجلي موجة من الجدل بعد مبادرات غير متوقعة قادها في البرلمان التركي، بدأت بمصافحة أعضاء حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب، المتهم بصلاته مع حزب العمال الكردستاني.
وفي حين يرى مراقبون، أن هذه الخطوات تحمل فوائد داخلية مثل تسريع إعادة صياغة الدستور وضمان ترشح أردوغان لولاية جديدة، يُعتقد أنها قد تخدم مصالح خارجية، من بينها تسهيل التوسع التركي في شمال سوريا عبر تفاهمات مع الأكراد مقابل تنازلات من الحكومة التركية.
وأشار بهجلي، الثلاثاء الماضي، إلى إمكانية السماح لزعيم العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان، بالتحدث أمام البرلمان التركي. وطرح احتمال إطلاق سراحه في حال إعلانه تفكيك الجماعة المسلحة، مما زاد من حدة الجدل حول مستقبل الحوار مع الأكراد في البلاد.
وفي أعقاب تصريحات بهجلي، قالت تولاي حاتم أغولاري، الزعيمة المشاركة للحزب الديمقراطي، في خطاب ألقته أمام نواب الحزب، "إنهم مستعدون للقيام بدورهم من أجل تحقيق سلام مشرف".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المیثاق الوطنی
إقرأ أيضاً:
هل يعيد ترامب تشكيل العالم أم سيخضع لوقائعه؟
يعود ترامب إلى البيت الأبيض في لحظة تاريخية مفصلية، فليست أمريكا وحدها من يصارع من أجل الاحتفاظ بدور عالمي بات مهددا إلى حد بعيد، بل العالم بمجمله بات يقف على عتبة احتمالات مفتوحة على أكثر من اتجاه. فقد أدى مزيج من تراجع أمريكا وصعود فواعل إقليمية ودولية إلى بروز ديناميكيات خطرة وفي مسارح متعددة؛ ربما يستهلك تفكيكها وإخراج العالم من دائرة الخطر طاقة إدارة ترامب القادمة، وقد تأخذه هذه السياقات في طريقها ولن يجد أفضل من التساوق معها طريقا لمواجهة التحديات والتغلب عليها.
قد يكون من المبكر إعداد تصوّر للسياسات التي ستتبعها إدارة ترامب القادمة في إدارة شؤون العالم والتعامل مع القضايا المتفجرة أو التي في طريقها للتفجّر، لكن سيخضع الأمر غالبا إلى إعادة تقييم مرحلة إدارة بايدن، التي ستكون معيارا ومقياسا للكثير من السياسات التي سيتبعها ترامب، ولا سيما وأن الخبرة تؤكد أن ترامب لا يفضل التحولات الكبيرة في السياسات لاعتقاده أن تكاليفها ستكون باهظة وستفرض عليه أنماط استجابة لم يضعها في حساباته السياسية والاقتصادية.
يعود إلى البيت الأبيض في ظل مشهد جيوسياسي عالمي معقد يكاد يختلف إلى حد بعيد عن المرحلة التي حكم بها في السابق، بعد انفجار الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط وزيادة قوة خصوم واشنطن في العالم
المؤكد أن ترامب يعود إلى البيت الأبيض في ظل مشهد جيوسياسي عالمي معقد يكاد يختلف إلى حد بعيد عن المرحلة التي حكم بها في السابق، بعد انفجار الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط وزيادة قوة خصوم واشنطن في العالم. ورغم أن الدور الأساسي لإدارة هذه الشؤون سيبقى من مهمة المؤسسات (الدولة العميقة/ البنتاغون والاستخبارات والخارجية)، إلا أن ذلك لا ينفي أنه سيكون هناك تأثير في التفاصيل، من نوع وضع محدّدات على حجم الانخراط الأمريكي في قضية ما، مثل الحرب الأوكرانية، وتفضيل مقاربات معينة عن أخرى، رغم أن التجارب تفيد بأنه سيميل بهذا الخصوص إلى تبني الأمر الواقع ويراعي مسألة التكاليف التي تترتب على استعادة التوازنات ومقدرة أمريكا على تحقيق ذلك.
وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ورغم اعتقاد نتنياهو أن ترامب سيكون مؤيدا لحرب حاسمة وطويلة المدى بالنظر لموقفه من إيران وهيمنتها في المنطقة، إلا أن تفضيلات ترامب قد تذهب باتجاهات أخرى، وقد يذهب إلى تبني مقاربات من شأنها إنتاج ديناميكيات مختلفة تريحه من الانشغال الكلي في منطقة لم يعد يرى فيها مصلحة كبيرة لأمريكا.
السؤال الآن: كيف سيتكيف ترامب مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة؟ ليس صحيحا القول أنه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما اتباع مسارات الإدارات السابقة في معالجة الأزمات عبر إدارتها وعدم الانخراط بها بشكل مباشر؛ كطريق للانسحاب التدريجي من مشاكل العالم الخارجية والتفرغ للشأن الداخلي، أو أنه سيذهب باتجاه تشغيل جميع النقاط الساخنة على طول خطوط الصدع في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط؛ في تحد علني لمواجهة القوى المنافسة للسيطرة الأمريكية العالمية. فمن واقع تجربة حكمه السابق، يميل ترامب إلى عقد الصفقات ولا يأخذ في الاعتبار قضايا من نوع حقوق الإنسان والحريات، فحسابات ترامب السياسية تتطابق إلى حد كبير مع حساباته الاقتصادية؛ التكاليف والجدوى. ترامب يعرف حدود قوة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن تفضيلاته السياسية تركز على الداخل وكيفية استعادة أمريكا قوتها الاقتصادية والتكنولوجية على المستوى العالمي، وهو الحقل الذي يراه القاطرة الأساسية لمواصلة التأثير الأمريكي على المستوى العالمي.
ترامب الحالي سيكون مختلفا عن ترامب السابق بدرجة كبيرة، والمرجح تراجع المزاجية والتسرع في بناء سياساته، وهذا قد يفتح الباب أمام تفاعلات أكثر جدية بينه وبين الطاقم الذي سيختاره للإدارة، وقد ينتج عن ذلك التخفيف إلى حد بعيد من ما جرى تسميته بـ"الترامبية"، أي السياسات التي اصطبغت إلى حد بعيد بسياساته النزقة والمستعجلة والعاطفية
لكن بالمقابل، يعمل ترامب في بيئة لن تدعه يخطط بأريحية، وستفرض عليه نموذجا للمنافسة يضطره إلى إعادة ضبط أجزاء كثيرة من استراتيجيته لتتواءم مع هذا الواقع المعقد، ذلك أن هذه التحديات لم تنشأ بسبب معارضة الفواعل الدولية والإقليمية للسياسات الأمريكية وحسب، بل نتيجة احتياجاتها ومتطلباتها ورؤاها لمستقبل أدوارها وحجم تأثيرها العالمي، والأهم من ذلك، تقديرها لقوتها وقوة أمريكا، ومن ثم فإنها قد لا تتأثر بصفقات ومساومات ترامب كثيرا. فروسيا على سبيل المثال لن تتراجع عن احتلالها لأجزاء كبيرة من أوكرانيا، مهما وصل مستوى العلاقات بين ترامب وبوتين، دون الحصول على مكاسب جيوسياسية مهمة في أوروبا، كما أن الصين لن تتراجع عن سعيها لاستعادة تايوان حتى مع احتمالية حصول تحولات إيجابية في سياسة ترامب تجاهها.
المؤكد أن ترامب الحالي سيكون مختلفا عن ترامب السابق بدرجة كبيرة، والمرجح تراجع المزاجية والتسرع في بناء سياساته، وهذا قد يفتح الباب أمام تفاعلات أكثر جدية بينه وبين الطاقم الذي سيختاره للإدارة، وقد ينتج عن ذلك التخفيف إلى حد بعيد من ما جرى تسميته بـ"الترامبية"، أي السياسات التي اصطبغت إلى حد بعيد بسياساته النزقة والمستعجلة والعاطفية. فالواقع الجيوسياسي العالمي الجديد لم يعد يحتمل مثل هذه السياسات، والمرجح أن الجيوسياسة ستفرض على ترامب التكيف مع واقعها ومخرجاتها، لا أن يشكّل ترامب العالم وفقا لرؤيته وتطلعاته.
x.com/ghazidahman1