طارق فخري
نُقل أخيراً أن السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون، أجرت مجموعة من اللقاءات مع قوى سياسية لبنانية بغية التفكير في مرحلة ما بعد حزب الله، والتخطيط للمرحلة السياسية الجديدة التي سيكون الحزب مغيباً عنها.
تُعبر مقاربة السفيرة عن الرؤية الأميركية إلى أن حزب الله بات ضعيفاً على أثر اغتيال أمينه العام، وتتالي الضربات الموجعة على بنيته العسكرية والأمنية، كما تنطلق من القناعة بنجاعة إستراتيجية الاستنزاف الإسرائيلية التي طُبقت في غزة، وتطبق الآن في لبنان.
خوض المعركة بمنطق الاستنزاف الطويل، وتحمّل الأكلاف البشرية والاقتصادية والاجتماعية المحتملة، هو الحل الذي نظّر له عدد من مراكز الدراسات الأميركية والإسرائيلية للإجابة عن المعضلة الأبرز المرتبطة بمواجهة حلقات محور المقاومة في إطار الصراع اللاتماثلي القائم، فضلاً عن احتواء جبهة المقاومة عبر الاستفراد بأطرافها وصولاً إلى الرأس وهو إيران.
صحيح أن الجهد الحربي المكثف في قطاع غزة على مدار سنة لم يفضِ إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية الكبرى التي خاضت إسرائيل الحرب من أجلها، إلا أن القراءة الأميركية الإسرائيلية لمآلات المشهد الميداني تفيد بنجاح الخطط في تهشيم جسم حماس بنسبة كبيرة، وهو الأمر الذي ستحاول الآلة العسكرية الإسرائيلية تكراره في لبنان. ترافق ذلك مساعٍ مباشرة وناعمة لإحداث شرخ بين المقاومة وعمقها الجماهيري، سواء عبر الإرهاب المتمثل باستهداف المدنيين وتدمير الممتلكات أو عبر تكثيف زخم من السيولة الإعلامية والمعلوماتية للضغط على العقل الجمعي وإضعاف المناعة النفسية لبيئة المقاومة.
بيد أنه، في المقابل، ورغم الضربات الموجعة التي تلقاها الحزب، فهناك مجموعة من المؤشرات التي تدعم فرضية تماسكه وقدرته على إعادة إنتاج منظومة القيادة والتحكم، وهي:
– الأداء الميداني الكفؤ والممنهج لتشكيلاته القتالية، ما يعني أن الحزب استطاع سريعاً ردم فجوة القيادة لديه، والتكيف مع تطورات المعركة. فإلى الآن ما زال الجيش الإسرائيلي يناور على الحافة الأمامية للحدود من دون أن يحقق أي توغل فعلي في العمق.
– من الواضح أن المقاومة استعادت زمام المبادرة في الميدان؛ فصواريخها باتت تتوزع على قوس ناري أكثر عمقاً وزخماً، ما تسبب في إلحاق الأذى في الأصول المادية العسكرية والمدنية، وأفقد المستوطنين أي ضمانة أمنية للمكوث في منطقة الشمال.
– الاستدراك الجزئي للثغرة الأمنية البنيوية، وخلق ديناميات تواصل وتنسيق أقل خطورة وانكشافاً، يدلل على ذلك الفشل في استهداف بعض قيادات المستوى العسكري إلى الآن، والتي يعدها الإسرائيلي مسؤولة عن إدارة الدفة العسكرية حالياً.
المقاومة في لبنان تجاوزت الحالة التنظيمية أو الحزبية، وتحولت إلى مجتمع متجذر، يملك كل مقومات البقاء والاستمرار في مواجهة التحديات
-ثنائية الخطاب والميدان، أو تناسق الرؤية السياسية مع الأداء العسكري، الذي تجلى في خطاب نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، وما تلاه من ترجمة ميدانية مباشرة تؤكد تماسك الجسم القيادي للحزب.
-الشرعية الصلبة التي تسبغها الحاضنة الاجتماعية على الفعل المقاوم، حتى في خضم دفعها للأثمان الباهظة نتيجة لتمسكها بهذا الخيار، إن لناحية التضحية بالأنفس والمصالح الاقتصادية أو ما تتكبده من عناء النزوح واللااستقرار الاجتماعي. وذلك رغم استهدافها بشتى أنواع القوة، بغية التفكيك بينها وبين المقاومة.
حقق الجيش الإسرائيلي جملة من الإنجازات التكتيكية في كل من غزة ولبنان، بعضها لم يكن يتوقع أن ينجزها بهذه الفعالية والسرعة، خصوصاً على الجبهة اللبنانية، إلا أن ذلك لا يعد انتصاراً إذا لم يستتبع بدخول بري ناجح، قادر على تثبيت المعادلات وتكريسها في الجغرافيا وعلى أرض الواقع؛ فالتفوق الجوي لا يحسم معركة أو حرباً.
أسهم الزهو، الناجم عن النجاحات الإسرائيلية المتسارعة والمتتالية في توجيه الضربات التكتيكية إلى حزب الله، في تحفيز الرؤى الطموحة المختزنة في العقل الإسرائيلي وإحيائها، فانبرى نتنياهو للحديث عن إعادة تشكيل الخارطة السياسية للشرق الأوسط، وإضعاف محور المقاومة، مع أنه إلى الآن لم يستطع أن يحقق أياً من أهدافه المعلنة في غزة. إذاً، ما يقوم به نتنياهو فعلياً هو السعي نحو تحقيق مجموعة من الإنجازات التكتيكية الوازنة على مستوى جبهات المقاومة، ليعمد إلى تسويقها كانتصار للكيان في المنطقة، وتحولاً في معادلات القوة السائدة. ولذا، نجده ينتقل من جبهة إلى أخرى، مستفيداً من الفراغ والضعف السياسي في الإدارة الأميركية، ومستثمراً اللحظة الانتخابية في واشنطن عبر اللعب على تناقضاتها.
بيد أن المأزق الإستراتيجي الكبير الذي تعاني منه السياسة الإسرائيلية هو الافتقار إلى القدرة على تحويل فائض القوة إلى نفوذ إستراتيجي، أي ترجمة الإنجاز التكتيكي إلى أهداف سياسية إستراتيجية. هذا بالتحديد ما حذر منه عدد من الدراسات الأمنية والإستراتيجية وأخذ حيزاً واسعاً من النقاشات الداخلية الإسرائيلية، كما خلصت إليه مجموعة من مؤتمرات الأمن القومي الإسرائيلي وفي مقدمتها مؤتمر هرتسيليا في عام 2020.
خلاصة القول: من السابق لأوانه استباق نتائج المعركة الدائرة والبناء على سقوط حزب الله سياسياً أو عسكرياً، خصوصاً أن المقاومة في لبنان تجاوزت الحالة التنظيمية أو الحزبية، وتحولت إلى مجتمع متجذر، يملك كل مقومات البقاء والاستمرار في مواجهة التحديات، مدفوعاً بشحنة عاطفية وشعورية هائلة بعد اغتيال القائد الذي عبر به كل المحن والصعوبات على مدى ما يقارب الأربعين عاماً، ولذا إنه من الخطأ إجراء مقارنة بين اللحظة السياسية الراهنة وما حصل في اجتياح عام 1982، بل الأقرب إلى الصواب استجلاء المشتركات بين اليوم وحرب تموز 2006، عندما أراد المشروع الأميركي الإسرائيلي أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، فكانت النتيجة معاكسة تماماً، وتحوّل حزب الله إلى لاعب إقليمي بارز. فعلياً، ما زالت الحرب في بداياتها، وبين البداية حتى النهاية ميدان ورجال.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: مجموعة من فی لبنان حزب الله
إقرأ أيضاً:
حسن فضل الله: نرفض الضغط الإسرائيلي وسنستمر في الدفاع عن لبنان
يمانيون../
أكد النائب عن كتلة “حزب الله” في البرلمان اللبناني، حسن فضل الله اليوم الأربعاء، أن تهديدات وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت باغتيال الأمين العام الجديد لحزب الله نعيم قاسم لن تثني المقاومة عن مواصلة دربها.
وقال فضل الله، وهو نائب عن حزب الله، خلال مؤتمر صحفي: إن تهديدات الوزير لن تثني نعيم قاسم عن الاستمرار في مسيرة المقاومة حتى النصر.. مُشدداً على أن “الرد سيكون مزيداً من التمسك بحقهم المشروع في الدفاع عن لبنان، وهذه التهديدات لا تنفع مع المقاومة وقادتها ولن تدفعهم للتراجع.
وأضاف: إن الهدف الأبعد للعدوان الصهيوني هو تدمير حزب الله وفرض معادلة جديدة في المنطقة.
وأوضح أن العدو الصهيوني يحاول منذ أيام التقدم نحو بلدة الخيام، حيث يتصدى له المقاومون بقوة وثبات، محبطين جميع محاولات التسلل، بينما توجه المقاومة من جنوب الليطاني صواريخها نحو تجمعات العدو خلف الحدود.
وكان غالانت قال أمس الثلاثاء، معلقا على إعلان حزب الله انتخاب نعيم قاسم أمينا عاما له خلفا لحسن نصر الله: إن ما جرى “تعيين مؤقت ولن يدوم طويلا”، في إشارة إلى السعي لاغتياله.