لا يخفي الإسرائيليون إحباطهم، وهم يحيون ثلاثين عاما على توقيع اتفاق السلام مع الأردن في مثل هذه ‏الأيام من عام 1994، حيث لا زالت العلاقات باردة، و80% من الجمهور الأردني يعارض التطبيع مع دولة ‏الاحتلال، بالتزامن مع بعض التصريحات السياسية العدوانية من الجانبين، لاسيما وزير الخارجية أيمن الصفدي الذي ‏ما انفك مؤخرا عن مهاجمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووصفه بالخطر.



تال شنايدر مراسلة الشؤون الفلسطينية لموقع زمان إسرائيل، أكدت أنه "بعد ثلاثين عاما على توقيع ذلك ‏الاتفاق، فلا زال الواقع الأردني يقابل أي حديث عن التطبيع مع إسرائيل بالغضب والقسوة والنقد، بل يخرج الجمهور ‏الأردني في مظاهرات عاصفة ضدها، ويطالب بإلغاء اتفاقيات المياه والغاز معها، ويتفاعل بغضب عندما يشارك ‏سلاحه الجوي في صدّ الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية".‏

وأضافت في تقرير ترجمته "عربي21" أن "الوضع لا يقتصر على الشارع الأردني، فالإسرائيليون أنفسهم لم ‏يعودوا يتعاطفون مع الأردن، وغالبًا ما يهاجم سياستهم المملكة، وفي السنوات الأخيرة، مع تزايد القوة السياسية ‏للمستوطنين، هناك دعوات متزايدة لتغيير العلاقة معها بشكل جذري، رغم أن اتفاق السلام مع الأردن ركيزة استراتيجية ‏حاسمة في وضعية دولة الاحتلال في المنطقة، فضلا عما يشكله من دفاع فعال عن أطول الحدود المقدرة بـ 310 كم، ‏وحاجزاً ضد الغزوات المسلحة من الشرق". ‏

وأشارت أنه "رغم أن الاحتلال لديه نقطة ضعف استراتيجية من خلف الجبل في وادي الأردن، إلا أن ‏تصرفات قوات الأمن الأردنية تجعل من الممكن تجنب نشر قوات متعددة على طول الحدود، رغم الهجمات المسلحة ‏الأخيرة في الشهور الماضية الحالة الأولى، لكن بالمقارنة مع ما يحدث على حدود لبنان وسوريا وغزة، فإن هذا حدث ‏غير عادي تحاول عمان إخفاء تعاونها مع تل أبيب لعدم تكرارها، لكن الموقف العام تجاه العدوان الجاري على غزة ‏تغير بشكل كبير مع مرور الوقت، حتى أن جنازة منفذ عملية المعبر الحدودي في سبتمبر، شارك فيها شخصيات ‏بارزة". ‏

الأصول الأمنية

وأوضحت أنه "نظراً للحساسية بين الجانبين، يمتنع كبار الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الإسرائيلية عن ‏مناقشة أوضاع العلاقات مع الأردن علناً، ومع ذلك، هناك توافق على أن اتفاق السلام معه، حتى عندما يقف على ‏ركبتيه، يظل أحد أهم الأصول الأمنية الاستراتيجية للاحتلال، رغم أنه لا تزال العلاقات بين الشعبين باردة إلى حد ‏المنعدمة، ولا وجود للسياحة الإسرائيلية إلى العقبة ومنطقة وادي الرام في الوقت الحالي، ولم تحدث سياحة أردنية إلى ‏القدس والمسجد الأقصى على الإطلاق". ‏




وأكدت أنه "اعتبارًا من عام 2022، بلغت التجارة المتبادلة بين إسرائيل والأردن 136 مليون دولار سنويًا، ‏منها 89 مليون دولار واردات من الأردن، و47 مليون دولار صادرات من إسرائيل، ومن بين البضائع المصدرة يمكن ‏العثور على قطع الغيار والمعدات الميكانيكية والمنتجات البلاستيكية والمواد الكيميائية، فيما يستورد الاحتلال من ‏المملكة المنتجات الزراعية وزيت الزيتون والأقمشة والملابس والمفروشات، كما يقوم الاحتلال بتزويد الأردن بكمية ‏سنوية قدرها 50 مليون متر مكعب، تمت زيادتها إلى 100 مليون متر مكعب في عام 2021".‏

وأذكرت أن "اتفاقية الغاز بينهما لعام 2016، تعتمد على شراء الغاز الطبيعي من حقل ليفياثان لمدة 15 ‏عاما بمبلغ إجمالي قدره 10 مليارات دولار، وتم الربط مع الأردن عبر خط أنابيب تم إنشاؤه بالتعاون مع شركة ‏الكهرباء فيه، حيث يوفر الغاز معظم استهلاك المملكة من الكهرباء، ورغم ما يمكن وصفه بـ"التبعية الاقتصادية"، لكن ‏هناك دعوات كثيرة في الأردن لإلغاء الاتفاقية، رغبة بعدم الاعتماد على الاحتلال اقتصاديا، فيما تزايدت في السنوات ‏الأخيرة دعوات في الرأي العام الأردني للضغط على الحكومة لتقليص العلاقات مع الاحتلال قدر الإمكان".‏

ونقلت عن فروختر رونين خبير العلاقات الإسرائيلية الأردنية، أنه "في حين كانت علاقة الأردن معادية تجاه ‏إسرائيل حتى قبل الحرب على غزة، لكنها اشتدت بعد اندلاعها، وزادت الانتقادات العلنية تجاهها، لكن مشاركة الأردن ‏في عمليات اعتراض الصواريخ الإيرانية توضح أهمية اتفاق السلام مع الأردن باعتباره رصيدا استراتيجيا للاحتلال، ‏مما يفسر حاجته لتحالفات إقليمية، ورغم زيادة الحديث الإسرائيلي عن عدم الاستقرار السياسي في الأردن بسبب ارتفاع ‏نسبة الفلسطينيين، لكنه يواصل الحفاظ على الاستقرار لمدة 103 عاما".‏

معارضة التطبيع

وأضاف أن "الأردن عرف دائمًا كيفية الإبحار في محيط من الدول المعادية، لكن العلاقة الحالية بين ‏إسرائيل والأردن تُظهر الفرق بين السلام والتطبيع، حيث لا يوجد تطبيع لأن القضية الفلسطينية مركزية للغاية بالنسبة ‏لهما، حتى في السنوات التي تلت التوقيع، وبعد توقيع السلام، لم نرى سائحاً أردنياً واحداً في إسرائيل، أتذكر أكاديميا ‏أردنياً جاء لإسرائيل لتدريس دورة في التسعينيات، وبعد عودته مباشرة للأردن، تم فصله من وظيفته، كما أن 80% ‏من الجمهور هناك يعارضون التطبيع مع إسرائيل". ‏

وأشارت الكاتبة أنه "في أوساط اليمين الإسرائيلي، كثيراً ما يتردد ادعاء بأن "الأردن هو فلسطين"، وهناك ‏دعوات لإقامة دولة فلسطينية على أراضي الأردن، بل مقترحات لإقامة دولة فلسطينية على أراضي الأردن، ونقل ‏الفلسطينيين هناك، مما يزيد من مخاوف المملكة، مما شكل حافزًا لها للتوقيع على اتفاقية السلام، لإلغاء "الخيار ‏الأردني"، لكن التحركات اليهودية في المسجد الأقصى، واضطهاد الفلسطينيين، تزيد من توتر العلاقة بين الملك عبد ‏الله ورئيس الوزراء نتنياهو".‏

وأكدت أنه "منذ اندلاع الحرب الحالية، أصبحت المظاهرات في الأردن ضد الاحتلال أكثر حدة وعنفا، في ‏ضوء أنه لا يوجد أفق لحل القضية الفلسطينية، لكن المدهش أنه رغم كل هذا العداء، فلا يزال هناك تنسيق بين ‏المؤسسات الأمنية على جانبي الحدود، لأنه من المخيف التفكير كيف كان يمكن أن تبدو الأمور هذا العام لو لم ‏يتحقق السلام مع الأردن، صحيح أنه ليس سلامًا دافئًا، لكنه بالتأكيد أفضل من أي ساحة أخرى، مع العلم أن هذا ‏التعاون الأمني يعتبر "سامّاً" بالنسبة للنظام الأردني، حيث يتلقى الكثير من الانتقادات الداخلية، لكنه يدرك أن إيران ‏تحاول زعزعة استقراره من الداخل، من خلال تهريب الأسلحة والمخدرات وإدخال العناصر المسلحة لأراضيه، لكن ‏الحديث عن انتقادات داخلية في نظام ملكي، يمكنه إسكاتهم إن أراد". ‏

مشاريع معطلة

وأوضحت أن "اتفاقية السلام حملت الكثير من الوعود، ومن بين المشاريع المقترحة إنشاء مطار مشترك في ‏العقبة وإيلات، بمبادرة من رئيس الوزراء إسحاق رابين والملك حسين، وتضمنت الخطة إنشاء مركز طيران تجاري ‏يخدمهما، لكن مباشرة بعد التوقيع ظهرت مشاكل وبيروقراطية على الجانب الإسرائيلي، وتم تأجيل المشروع على مر ‏السنين، كما لم يتم تنفيذ العديد من المشاريع المشتركة بينهما، بما فيها القناة البحرية وشبكة سكك حديدية مشتركة، ‏وضخ المياه للبحر الميت لرفع منسوبه، وبناء محطة تحلية في العقبة لتزويد المنطقة بأكملها بالمياه، لكن تم تجميد ‏العديد من هذه المشاريع، أو التخلي عنها بالكامل".‏

أوفير وينتر، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أكد أن "العلاقات بين ‏إسرائيل والأردن في العقدين الأخيرين كانت بعيدة كل البعد عن رؤية مهندسي السلام، فلا تزال القضية الفلسطينية ‏موضع خلاف رئيسي، مما يسبب الاحتكاك بينهما، وفي ظل الحكومة الحالية، هناك خوف أردني أكبر مما كان عليه ‏في الماضي، كما يتابع الأردن بقلق التآكل المستمر للوضع الراهن في المسجد الأقصى، ويرى أن رفض الاحتلال ‏خلق أفق سياسي تجاه الفلسطينيين يشكل تهديدًا محتملًا مستمرًا لاستقراره".‏



وأضاف أن "كل ما يحدث في غزة والضفة والقدس، يُنظر إليه في الأردن بأنه تهديد لأمنه القومي، ويرتبط ‏هذا بأدواره التاريخية، وحقيقة أن نصف سكانه من أصل فلسطيني، وقسماً كبيراً من جمهوره يدعم الإخوان المسلمين، ‏أي يدعم حماس، ولذلك يكتفي بإجراءات أكثر اعتدالاً لاسترضاء الرأي العام، والتوافق معه، والتضامن مع غزة، كإعادة ‏سفيره من تل أبيب للتشاور، وتعليق "مشروع الازدهار" (المياه مقابل الكهرباء)، وسماع خطاب عدائي من وزير ‏الخارجية، الذي يتهم الاحتلال بانتظام بارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو من الملكة الأردنية، ومشاركة الملك عبد الله ‏شخصياً في إسقاط المساعدات الإنسانية إلى غزة من مروحية أردنية". ‏

وأشارت أن "الأردن يتمتع بمساعدات أميركية سنوية تبلغ 1.45 مليار دولار، وتشتري 100 مليون متر ‏مكعب من المياه من إسرائيل، وكذلك الغاز مسؤول عن 80% من استهلاكه الاقتصادي، كما ساعد باعتراض ‏الطائرات المسيرة رغم التهديدات الإيرانية، وهي خطوة تطلبت شجاعة كبيرة. وكان يمكن أن تنزلق العلاقات بين ‏الأردن وإيران إلى الصراع، لكن يبدو أنها بدأت تعود تدريجياً لمسارها منذ ذلك الحين، رغم تحذير الملك عبد الله قبل ‏عقدين من "الهلال الشيعي"، ويبدو أن الخوف بدأ يتحقق، والتهديد يطرق بابه".‏

تكشف هذه القراءات الإسرائيلية المعمقة لمستقبل اتفاق السلام مع الأردن، أنه رغم ما تصفع بالسلام البارد ‏معه، والوعود الاقتصادية غير المحققة، فإن الاحتلال لديه الكثير ليخسره إذا انهار اتفاق السلام مع الأردن بالكامل، ‏وهي مسألة يبدو الأخير مطالب بدراستها جيدا لتحقيق مصالحه الأمنية الأساسية، قبل أي شأن آخر.‏

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة عربية التطبيع الاحتلال غزة الاردن غزة الاحتلال تطبيع طوفان الاقصي المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الأردن

إقرأ أيضاً:

مفاوض إسرائيلي: نتانياهو أضاع فرصتين لتأمين وقف إطلاق النار

قال المفاوض الإسرائيلي السابق العميد أورين سيتر، إن إسرائيل أضاعت فرصتين العام الماضي لتأمين وقف إطلاق النار في غزة وتسريع إطلاق سراح الرهائن، وذلك بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

وأوضح سيتر، الذي استقال من فريق التفاوض الإسرائيلي في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد أن عمل في فريق المفاوضين من أجل التوصل إلى اتفاق:  "في رأيي، أضعنا فرصتين لتوقيع اتفاق أولهما في مارس (أذار)، وثانيهما في يوليو (تموز) من العام الماضي.

وأكد في تصريحات بثتها القناة 12  الإسرائيلية أمس السبت: قائلاً "لم نفعل كل ما في وسعنا لإعادتهم في أسرع وقت ممكن"، في مواجهة مزاعم متكررة من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

وعندما سُئل عما إذا كان قد فوجئ بحالة الرهائن الهزيلة والضعيفة إيلي شرابي وأور ليفي وأوهاد بن عامي عندما تم إطلاق سراحهم من الأسر الأسبوع الماضي، قال سيتر إن هناك فرقًا بين معرفة أن الرهائن كانوا محتجزين في ظروف صعبة ثم "مشاهدة ذلك بعينيك".

لكنه قال إن "القادة الإسرائيليين كانوا يعرفون أن الرهائن كانوا محتجزين في ظروف صعبة للغاية، وكان أعضاء مجلس الوزراء على دراية بأن الرهائن كانوا محتجزين بالسلاسل، ومتضورين جوعاً، ومُصابين بأذى جسدياً ونفسياً"..

وكشف سيتر أن ضغوط عملية خان يونس في دييسمبر (كانون الأول) في 2023 بدت في البداية ناجحة، وقالت حماس وقتها إنها منفتحة على مناقشة صفقة رهائن متعددة المراحل واتفاقية وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، قال إنه في تلك المرحلة، كانت قضية ما يسمى بممر نتساريم - الذي انسحبت منه إسرائيل الأسبوع الماضي لأول مرة منذ الأيام الأولى للحرب - حاسمة بالنسبة لحماس، وكانت حماس تطالب بانسحاب إسرائيلي كامل من الطريق الذي يقسم القطاع جنوب مدينة غزة.

وبحلول الوقت الذي أقنع فيه المفاوضون الإسرائيليون المؤسسة الدفاعية والقيادة السياسية بعدم وجود طريقة أخرى لتأمين الصفقة سوى الانسحاب من ممر نتساريم، وكان ذلك في فبراير (شباط) 2024، وكان تأثير عملية خان يونس قد بدأ في التلاشي واتخذت حماس موقفاً متشدداً، وأغلقت نافذة الفرصة التي كان من الممكن أن تؤدي إلى اتفاق وقف إطلاق نار مطول، على غرار الاتفاق الحالي، قبل عام كامل تقريباً.

وعندما سُئل عما إذا كان يعتقد أن الجدل حول طريق الحدود بين غزة ومصر نابع من اعتبارات سياسية، قال سيتر إنه "لا يعتقد أن ممر فيلادلفيا مهم للغاية لدرجة أنه من الصواب تفويت فرصة بسببه. لكن أشخاصاً آخرين ... فكروا بشكل مختلف".

Former negotiator says Israel missed two chances for #Gaza truce https://t.co/l5o7lmDt5I

— Ahram Online (@ahramonline) February 15, 2025

وقال إنه في النهاية، أغلقت نافذة الفرصة للتوصل إلى اتفاق مرة أخرى بسبب الخلافات حول مستقبل طريق رئيسي في غزة.

مقالات مشابهة

  • مفاوض إسرائيلي: نتانياهو أضاع فرصتين لتأمين وقف إطلاق النار
  • الوسطاء يكثّفون الضغوط على إسرائيل لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة
  • قيادية بـ مستقبل وطن: استضافة مصر للقمة العربية الطارئة فرصة ثمينة لتحقيق السلام
  • لا أعداء دائمين.. ما مستقبل العلاقات بين سوريا وروسيا بعد سقوط الأسد؟
  • "حماس": حصلنا على ضمانات بإلزام إسرائيل ببنود اتفاق الهدنة
  • الصفدي يؤكد رفض الأردن لتهجير الفلسطينيين ودول عربية تبحث خطة لإعادة إعمار غزة
  • وزيرا خارجية الأردن وفرنسا يؤكدان رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم
  • استطلاع يظهر تشاؤم الإسرائيليين من إتمام الصفقة وتراجع بشعبية الليكود
  • جنرال إسرائيلي: إسرائيل فشلت في حرب غزة
  • حماس تؤكد التزامها باتفاق غزة وتفاؤل إسرائيلي باستمراره