حي التفاح بغزة.. تاريخ من الصمود ضد الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
حي يقع شرق مدينة غزة، وشمال تلة غزة القديمة، ويمتد على مساحة 2843 دونما (الدونم يعادل ألف كيلومتر مربع)، ويعود سبب تسميته إلى فترة الدولة العثمانية، حيث كانت تكثر زراعة أشجار التفاح التي تميز المنطقة بزهورها الجميلة ورائحتها العطرة.
شهد حي التفاح صمودا طويلا أمام موجات الاحتلال، إذ تعرض لهجمات عدة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، أبرزها في أعوام 1993 و2004 و2014 و2024.
يقع حي التفاح شرق مدينة غزة، شمال تلة غزة القديمة، وتبلغ مساحته 2843 دونما، وينقسم إلى جزء شرقي وآخر غربي، ويفصل بينهما شارع صلاح الدين، أحد الشوارع الرئيسية في قطاع غزة.
سبب تسميتهسمي الحي بهذا الاسم نظرا لكثرة زراعة أشجار التفاح به في الفترة العثمانية، إذ كانت تسحر أعين زائريها بزهرها الثلجي اللون، ورائحتها الزكية، وقد أطلق عليه قديما اسم "حكر التفاح"، نسبة إلى نُزل كان موجودا فيه يحمل الاسم نفسه.
سكان حي التفاحبلغ عدد سكان حي التفاح حتى عام 2015 حوالي 37 ألف نسمة، ومن بين العائلات التي تقطن الحي آل حسين وآل مرزوق وآل بستان وآل الريس وآل حمادة وعائلة البكر وآل الشوا وآل غزال وغيرهم.
تاريخ الصمودتشير الآثار القديمة الموجودة في حي التفاح إلى وجود بشري منذ قرون، من العصر المملوكي، مرورا بفترات الحروب الصليبية، حتى الحرب العالمية الأولى.
وبحسب "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، فقد انتهجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1992 سياسة هدم منازل الفلسطينيين، مستخدمة الصواريخ المضادة للدبابات، بناء على الاشتباه بوجود شباب مطلوبين فيها، ووصلت إلى حد تدمير حي التفاح بأكمله في أبريل/نيسان 1993.
وفي عام 2004 تعرض الحي للقصف من قبل مروحيات تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في إطار الاشتباكات مع كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في سياق معركة "أيام الغضب".
وقد اشتدت الاشتباكات بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية عام 2009 في حي التفاح، وتركز القصف المدفعي العنيف والعشوائي في محيط الحي وحي الزيتون، مما أدى لسقوط شهداء وجرحى جراء الهجمات الإسرائيلية.
أما في عام 2014 في إطار حرب "العصف المأكول"، فقد أعلنت كتائب القسام أنها قتلت 14 جنديا من قوات الاحتلال الإسرائيلي في كمين محكم معد مسبقا شرق حي التفاح.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، قصفت طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي مناطق عدة في قطاع غزة، من بينها "مسجد الودود" في حي التفاح وبعض منازل المواطنين في الحي.
وفي عام 2023، وفي سياق عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول على مستوطنات غلاف غزة، شهد حي التفاح معارك عنيفة بين كتائب القسام وجيش الاحتلال الإسرائيلي، استهدفت فيها الكتائب آليات ودبابات الاحتلال، وتمكنت من قتل عشرات الجنود الإسرائيليين.
وفي مطلع عام 2024، كشف المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، عن نبش جيش الاحتلال الإسرائيلي قرابة 1100 قبر في مقبرة حي التفاح، مضيفا أن آليات الاحتلال "جرفتها وأخرجت جثامين الشهداء والأموات منها".
وقد وصلت في مارس/آذار 2024 شاحنات محملة بالمساعدات الغذائية إلى مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في حي التفاح، تحمل معلبات ومواد غذائية لم تكن موجودة منذ بدء الحرب.
واستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي في أبريل/نيسان 2024 الحي، موقعا شهداء وجرحى فلسطينيين من ضباط وأفراد شرطة ومواطنين، بحسب وزارة الداخلية الفلسطينية.
وفي يونيو/حزيران 2024، استشهد العديد من أبناء حي التفاح إثر غارات شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على بعض منازل مواطني الحي، مما أدى لتدميرها بشكل كامل، وتضرر لمنازل أخرى مجاورة.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي حي التفاح، مما أدى لسقوط 4 شهداء فلسطينيين وإصابة آخرين.
أبرز معالم حي التفاح مقبرة الإنجليزتقع مقبرة الإنجليز في حي التفاح، وهي المقبرة الثانية للإنجليز في فلسطين من حيث المساحة بعد مقبرة بئر السبع، وتبلغ مساحتها 40 دونما، وقد أسستها هيئة قوات التحالف "الكومنولث البريطاني"، أثناء احتلال فلسطين عام 1917.
تضم المقبرة 3217 قبرا لقادة مشاة وقادة سلاح المظليين والطيران، وجنود من جنسيات متعددة منها الأسترالية والنيوزلندية والهندية، ويوجد به ضريح جماعي للهنود المسلمين والهندوس.
جامع علي بن مروانيعود أصل جامع علي بن مروان للعصر المملوكي، ويمتد على مساحة 320 دونما، وتجاوره مقبرة سميت باسمه تضم شواهد قبور تاريخية.
وقد أنشئ المسجد عام 1371م، وجرت عليه الكثير من التجديدات والإضافات، وسمي نسبة إلى الشيخ علي بن مروان، صاحب الضريح الموجود أسفل القبة الملحقة بالمسجد.
مقام ابن مروانيتكون المقام من غرفة واحدة تقع إلى الجنوب الغربي من مسجد علي بن مروان، ويصل ارتفاعها إلى 5 أمتار تعلوها قبة الضريح، ويوجد داخلها قبر الشيخ علي بن مروان، وهو من المغرب وينتمي لعائلة الحساني، وأتى إلى غزة في بداية عهد المماليك، وتوفي عام 1314م.
كما يعج حي التفاح بمعالم أثرية أخرى، أبرزها مسجد "الأيبكي"، الذي يحتوي على بلاطة رخامية تعود لسنة 751 هجرية. وتوجد أيضا مقبرة "التمرتاشي"، ومنطقة المشاهرة، وتقع إلى شمال الحي مقبرة للشهداء المسلمين الذين قتلوا في الحروب الصليبية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات جیش الاحتلال الإسرائیلی فی حی التفاح فی عام
إقرأ أيضاً:
«الطوفان» والجزائر وفييتنام: تفاؤل العقل والإرادة
بعد عقدين أو ثلاثة، وكأي من الثورات والحروب، سينقسم المؤرخون حول «الطوفان» وفقاً للسنوات، بين أحداث العام الأوّل والثاني وإلى أن تقع الهدنة. ولأننا نعيش في اللحظة، وما تفرضه من صعوبات وآلام وعواطف، فمن الصعب التوقف والنظر إلى المشهدية التاريخية بشكل أوسع وأشمل. هنا تأتي أهمية قراءة الشواهد التاريخية النظيرة وعِبَرها وما تخبرنا به، فهذه فائدة دراسة التاريخ، وهذه أيضاً القيمة العابرة للزمن للتضحيات الثورية لمن سبقونا من الشهداء والمناضلين.
لنحدد تاريخ نماذج الثورة الصينية والحربين التحرريتين لفييتنام والجزائر. تؤرَّخ هذه الحروب بأعوامها، ولحظاتها الحرجة والمصيرية، إلا أن ما تعطينا إيّاه هذه التجارب مجتمعة وبالنظرة الكلية لها، هو نموذج لتقسيم المراحل التي تمرّ فيها كل ثورة وحرب تحررية من الاستعمار. يقوم هذا الاجتهاد على الشكل التالي:
(1) مرحلة المبادرة، فيكون رد فعل الاستعمار الجنون والإفراط في استخدام فائض قوته، فنتلقّى الضربات المدوية،
(2) مرحلة الصمود وصراع الإرادات،
(3) مرحلة تحصيل المكاسب الإستراتيجية.
تتشارك النماذج الثلاثة في مراحل المبادرة: هجمات أعوام 1927-1934 للحزب الشيوعي على قوات الكومينتانغ، وهجمات الفييتناميين بدأ من عام 1959، وبيان الأول من نوفمبر 1654 وهجمات 1955 وصولاً إلى مؤتمر الصومام 1956 في الجزائر. دخلت هذه الثورات بعدها أصعبَ مراحلها، التي قدّمت فيها ذروة التضحيات في القادة والمجتمع والبنية العسكرية.
ففي الصين، تقهقرَ الشيوعيّون تحت ضربات الكومينتانغ فانسحبوا إلى الريف، لتبدأ أكثر ملاحم الثورة الصينية في ما يطلق عليه «المسيرة الكبرى» التي استمرت حتى عام 1936، لتصبح أحد أبرز عناصر الهوية الصينية المعاصرة، ورمزاً للصمود والإرادة الوطنية، حدّ أنه أُطلق الاسم على أكثر برامج الفضاء الصينية طموحاً.
أمّا في فييتنام، فكانت أحد أكثر شواهد التاريخ صعوبة، إذ لم يكن الأميركيون في وارد تجرّع هزيمة تاريخية سيلاحقهم إرثها حتى اليوم. وعليه، توالت مراحل التصعيد والتوحّش الأميركي، من تصعيد كينيدي حتى 1963، ليتبعه تصعيد جونسون وحملات القصف «السجادي»، وانكسار هجمات «التيت» الفييتنامية عام 1968 (مثّل الانكسار مكسباً تكتيكياً للأميركيين ولكن المكسب الإستراتيجي كان للفييتناميين الذين فرضوا حضورهم من جديد) وصولاً إلى عام 1969.
أمّا عن أقرب نماذجنا العربية، وأكثرها تشابهاً بنموذجنا العربي ضدّ الصهيونية، فما بعد الفاتح من نوفمبر، والذي تحتفل الجزائر في هذه الأيام بذكراه السبعين، مرحلة ذروة التضحيات وذروة العنف والجرائم الفرنسية في حق الجزائريين ما بين 1956 و1959.
وهي المرحلة التي اغتيل واستشهد فيها أبرز الرموز التي نربطهم بالتحرير اليوم رغم أنهم لم يشهدوه: بن العربي بن مهيدي، زيغود يوسف، ديدوش مراد، علي لابوانت وغيرهم. دخل الجزائريون مع الاستعمار مرحلة تكسير للعظام، لتتوالى مشاريع جنرالات مختلفين لوأد الثورة، جاك ماسو وموجة جرائم 1957 ومعركة مدينة الجزائر، مشروع «خط الجنرالين شال موريس» مع الحدود مع تونس والمغرب بأسلاك كهربائية وألغام لحصار الإمداد العسكري والبشري للثورة.
وصولاً إلى الذروة، مع مشاريع ودسائس أقوى وجوه فرنسا منذ نابليون، الجنرال شارل ديغول، لتصفية الثورة وتفريقها والقضاء على حاضنتها. خلال هذه السنوات، علت أصوات الانهزاميين والمثبطين عن جدوى بيان الأول من نوفمبر، إلا أن أجيالهم تحتفل به اليوم.
إنّ ما تخبرنا به هذه النماذج أنّ مفتاح نجاحها وتحصيلها للمكاسب الإستراتيجية، من معارك 1947 حتى إعلان إقامة الجمهورية الشعبية في بكين عام 1949، إلى اكتساب الفييتناميين موقع القوة في مفاوضات باريس ودحر الأميركيين عام 1973، ودخول سايغون 1975، وصولاً إلى فرض الجزائريين على ديغول الاعتراف بحقهم بتقرير المصير 1959 والصراع والتفاوض حتى الاستقلال 1962، كان النجاح عبر الثبات والصبر في مراحل «ذروة العنف» الاستعماري. والأهم هنا، أنه لم يكن هذا الثبات والصبر حالة نفسية جامدة، بل استدعيا تطوير الأدوات والأساليب القتالية والسياسية والاجتماعية والمعنوية.
في كل تجارب الانتصار على الاستعمار كانت المسألة تخضع للقاعدة التالية: أن المنتصر هو القادر على الصمود أكثر لا الإيذاء أكثر. وعليه، فإن معيار قوة كل جبهة تحررية هو مقدرتها على الصمود، وهذا مضمون تسميتها بحركات «مقاومة» بالأصل.
لا أنها في موقف رد الفعل كما يحاول مثقفو الهزيمة تمريره، بل لأن أصل فعلها ودورها التاريخي هو أنها مؤسسات بشرية فريدة من نوعها، حيث يقوم بناؤها العسكري والأيديولوجي على ضمان الفاعلية والقدرة على الصمود والإرادة والصبر.
افتتح عامنا الأول في «الطوفان» بالمبادرة مع بيان السابع من أكتوبر المجيد، ليمرّ عام الحرب مع توحّش في ضربات الصهيونية، من حرب الإبادة والاغتيالات وصولاً إلى ضربة أيلول المدوّية ومشاريع تهجير شمال غزة. إنّ ما نعيشه اليوم هو «ذروة العنف» الاستعماري، أي في مشهدية التاريخ الأوسع نحن في قلب مرحلة الصمود وصراع الإرادات.
تحدّث أنطونيو غرامشي عن تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، ومَن منّا خلال الحرب لم يغرق في تشاؤم العقل، كانت لحظة اغتيال إمامنا السيد حسن نصرالله ذروة هذا التشاؤم، وكنّا نتكئ على الإيمان وتفاؤل الإرادة وحدهما. لكني أجادل وقد أكملنا الشهر على استشهاده، أننا دخلنا مرحلة عنوانها مشهد عصا أبي إبراهيم السنوار وإرادته، وهي أننا في مرحلة تفاؤل العقل والإرادة.
ذلك ما تخبرنا به التجارب التاريخية. وما نستدل به على قدرة الصمود وفعاليته كتائب معسكر جباليا، وتكافل وصمود أهالي شمال غزة وعمومها، والفعالية والثبات الأسطوري للمقاومة الإسلامية في لبنان وحاضنتها، فهذه الفعالية هي الدليل العقلي على قوة هذه المقاومة، وأن الإيمان اليوم بقوة هذه المؤسسات الجهادية وبيئتها عليه أن يكون أكثر من أي وقت مضى، وفقاً للتجربة والبرهان لا التفاؤل فقط.
نحن اليوم في لحظتنا الأصعب، ولكننا ولحكمة قرار «الطوفان» فنحن في اللحظة التاريخية التي يكون فيها الصبر والصمود مثمرَين ولهما مكسب إستراتيجي، وهذا ما تخبرنا به الصين والجزائر وفييتنام. كنا سنصبر ونصمد أيضاً في عالم لم يحدث فيه «الطوفان»، والمؤامرات الخليجية الإسرائيلية الأميركية تحاك ونحن بلا حيلة، لا يمكن لعاقل إخبارنا أن لذلك الصبر ثمرة لا الخسران. لكننا اليوم، ولأننا في ظرف صعب، فالشاهد التاريخي يقول لنا إن العدو بذاته يعيش ظرفاً صعباً. وعليه، نعي أن هذا هو حتماً طريق القدس وما صعوبته سوى الدليل إليه.
بالعودة إلى «المسيرة الكبرى»، فإنّ القارئ لغسان كنفاني، كأحد أبرز منظري الثورة الفلسطينية وتاريخها منذ الشيخ عزالدين القسّام، سيرى أن كل ما كان يبحث عنه، هو هذه المرحلة، كان يقولها بالحرف إننا نحتاج إلى مسيرتنا الكبرى، لأنه كان يعلم أن لا طريق للتحرير سوى ذلك، أن لا طريق للتحرير سوى «الطوفان».
الأخبار اللبنانية