لماذا تحرص الصين على تعميق الشراكة مع المغرب؟
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
تزداد وتيرة تعزيز العلاقات بين الصين والمغرب بصورة ملحوظة، وقد صارت المملكة وجهة رئيسية للاستثمارات الصينية في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا، في الوقت الذي يسعى فيه المغرب إلى تعزيز مكانته مركزا لوجستيا يربط بين أفريقيا وأوروبا.
وفي تقرير نشره موقع المونيتور، قالت الكاتبة سابينا صديقي إن شركة البنية التحتية الصينية الكبرى "ريلواي شانهايجوان بريدج" وشركة "فوسلوه كوغيفر" الألمانية الرائدة في مجال تكنولوجيا السكك الحديدية حصلت على عقود بقيمة 56.
وأضافت أنه بعد إطلاق قطار البراق الأسرع في أفريقيا، الذي تصل سرعته إلى 300 كيلومتر في الساعة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعربت الحكومة المغربية عن رغبتها في توسيع شبكة القطارات الفائقة السرعة التي يبلغ طولها حاليا 323 كيلومترا، ووفقا للمشغل الوطني للسكك الحديدية في المغرب، المكتب الوطني للسكك الحديدية المغربية، فإن التحديثات المتعاقد عليها ستدعم خط القنيطرة- مراكش، وهو أحد أكثر ممرات النقل حيوية في البلاد.
في الوقت نفسه، بدأت الشركة الصينية لتصميم السكك الحديدية في إجراء مسودة دراسات أولية لإنشاء خط السكك الحديدية الفائق السرعة الثاني في المغرب المخطط له أن يربط بين الدار البيضاء وأغادير.
من جهته، أرجع زيشان شاه، المحلل في شركة فينرا في واشنطن، أهمية توسعة خط السكك الحديدية الفائق السرعة في المملكة لعدة عوامل، أولها أنه "سيساعد في نقل الزوار في جميع أنحاء البلاد لحضور كأس العالم لكرة القدم 2030، الذي سيستضيفه المغرب بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، كما سيقلل من وقت السفر بين المدن المغربية الرئيسية وسيسهل حركة البضائع، مما يجعل المغرب المركز اللوجستي الرئيسي للتجارة بين أفريقيا وأوروبا".
وتعليقا على دور بكين في توسيع خدمة القطار السريع في المغرب، قال المستشار الإعلامي المغربي المقيم في الرباط أنس مزور إنه في الوقت الذي فازت فيه الشركات الصينية بعدد من الصفقات لتنفيذ القطار الفائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، من شأنها أن تساهم في تحقيق "جانب مهم من مبادرة الحزام والطريق" في ما يتعلق بالبنية التحتية، فإن مشاريع تصنيع بطاريات السيارات التي تم توقيعها مؤخرا مع كبرى الشركات الصينية تساهم بشكل أكبر في الجانب التنموي والاقتصادي في المغرب.
وأوضحت الكاتبة سابينا صديقي أن قطاع السيارات الكهربية الجديدة في الصين يحظى باهتمام كبير في المغرب، الذي يعد أكبر مُصنِّع للسيارات في أفريقيا، ولديه القدرة على إنتاج ما يقرب من مليون سيارة سنويا، كما أن احتياطاته من مواد البطاريات المهمة تسرع من ظهوره بوصفه مركزا لتصنيع السيارات الكهربائية.
والعام الماضي، وقّع المغرب وشركة "غوشن هاي-تك" الصينية مذكرة تفاهم بقيمة 6.4 مليارات دولار لبناء مصنع كبير لبطاريات السيارات الكهربائية بالقرب من الرباط.
المغرب والحزام والطريقوأصبح المغرب عام 2017 من أوائل الدول في أفريقيا والعالم العربي التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، وصار عضوا في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بقيادة الصين في ديسمبر/كانون الأول 2018.
وعلاوة على ذلك، في يناير/كانون الثاني 2022، وقّع وزير الشؤون الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونائبة رئيس اللجنة الوطنية الصينية للإصلاح والتنمية، نينغ جيجي على اتفاقية بشأن خطة تنفيذ مبادرة الحزام والطريق المشتركة.
ولفتت الكاتبة إلى أن "الاستثمارات الاقتصادية الصينية في المغرب كانت تتجه نحو شراكة إستراتيجية بنموذج الربح المتبادل، خاصة في ظل توافر أكبر احتياطات الفوسفات في المغرب، إلى جانب عدد من المعادن الأخرى التي تدخل في صناعة البطاريات".
وأفادت الكاتبة بأن الاتفاقية تهدف إلى تعزيز فرص الحصول على التمويل الصيني في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وإقامة مشاريع ضخمة في المغرب، وتسهيل التجارة والمشاريع المشتركة.
وبعد اختيار 14 قطاعا مهما للمشاريع في إطار مبادرة الحزام والطريق، تشمل المجالات ذات الأولوية البنية التحتية والصحة والزراعة والصناعة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا.
وفي إشارة إلى السياق الجيو-اقتصادي للخطة، قال مزور إن ذلك جعل المغرب "همزة وصل اقتصادية" يمكن للصين التعاون معها لتصدير منتجاتها الصناعية إلى أوروبا وأميركا الشمالية.
وعلى سبيل المثال، أشار مزور إلى أن تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب يمثل خطوة مهمة جدا بالنسبة للمغرب من أجل "الحفاظ على موقعها المتقدم في صناعة السيارات، وخلق مزيد من فرص العمل، وتطوير مهارات الموارد البشرية".
وأضاف مزور أن تزايد الاستثمارات الصينية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المغرب، والاتفاقيات المبرمة بين هواوي ومختلف الجهات المغربية، بما في ذلك الوزارات والمؤسسات التعليمية، تُعد "مساهمة كبيرة في تنمية البلاد".
العلاقات الإستراتيجيةوذكرت الكاتبة أن الرباط وبكين تتمتعان بعلاقات دبلوماسية منذ عام 1958، وترتبطان بشراكة قوية، وقد دعمت الصين الاستقرار السياسي في المغرب من خلال إظهار الدعم لحكومته عندما اندلعت انتفاضة سياسية في فبراير/شباط 2011.
وأشارت الكاتبة إلى أنه تم التوقيع على إعلان مشترك بشأن إقامة شراكة إستراتيجية بين الرباط وبكين، خلال الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى الصين عام 2016، ليصير المغرب أول بلد في شمال أفريقيا يرتبط بميثاق تعاون شامل مع الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ونوهت الكاتبة بإبرام 15 اتفاقا بين الشركات المغربية والصينية، ثم في عام 2021، التقى عضو مجلس الدولة الصيني يانغ جيتشي مع بوريطة في بكين، واتفق الجانبان على تعميق شراكتهما الإستراتيجية.
العلاقات التجاريةأصبحت الصين، عام 2022، ثالث أكبر شريك تجاري للمغرب والشريك الأول في آسيا، وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري 7.6 مليارات دولار، وحاليا، تصل الاستثمارات الصينية في المغرب إلى حوالي 56 مليون دولار.
ومع ذلك، ووفقا لتقرير مؤشر الاستثمار الصيني العالمي لعام 2023 الصادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة لمجلة الإيكونوميست البريطانية، كان المغرب ثالث أكثر البلدان جاذبية للاستثمار الصيني في أفريقيا العام الماضي بعد مصر وجنوب أفريقيا.
وخلال زيارته مؤخرا إلى المغرب، التقى وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو وزير التجارة المغربي رياض مزور، وعرض الأخير إمكانات منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي تعد وسيلة لتطوير المنتجات المغربية والصينية للأسواق الأفريقية الواعدة، وأشار وانغ إلى أن المملكة أصبحت وجهة مفضلة للشركات الصينية.
وفي الوقت الحاضر، تستوعب مدينة محمد السادس للتكنولوجيا في طنجة، وهي منطقة تصنيع وتكنولوجيا ترعاها الصين خارج مدينة طنجة الساحلية شمال المغرب، عشرات الشركات الصينية.
ولاحظ شاه أن العلاقات التجارية بين المغرب والصين قد شهدت طفرة خلال السنوات القليلة الماضية، مشيرا إلى أن ثمة زيادة بنسبة 50% في حجم التجارة بين البلدين منذ انضمام المغرب رسميا إلى مبادرة "الحزام والطريق" الصينية عام 2017.
وتابع شاه أنه في غضون سنوات قليلة فقط، تفوقت الصين على فرنسا لتكون ثاني أكبر مصدر لواردات المغرب، "خاصة في قطاعي السيارات ومكونات السيارات الكهربائية، نظرا لأن المغرب الآن هو أكبر مصدر للسيارات إلى الاتحاد الأوروبي".
وقال شاه إن السبب في ذلك هو أن المغرب "وجهة جذابة للاستثمار الصيني في إنتاج البطاريات، وفي نهاية المطاف تجميع السيارات الكهربائية، بسبب وجود قاعدة كبيرة لتصنيع السيارات في البلاد".
المغرب أكبر مصنّع للسيارات في أفريقيا (أسوشيتد برس) المشاريع المشتركةونقلت الكاتبة ما كتبه الخبير الاقتصادي بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، دونغ ليو، عام 2019، حينما أشار إلى أن المغرب يمتلك بيئة واعدة لتوسيع التصنيع الصناعي كثيف العمالة، مما يمنحه ميزة لنقل التصنيع المحتمل من الصين إلى المغرب.
وبفضل القرب الجغرافي من أوروبا، والبيئة السياسية والاقتصادية المستقرة، واتفاقيات التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، أصبح المغرب موقعا مثاليا لإقامة مشاريع مشتركة للشركات الصينية والغربية على حد سواء.
وفي معرض توضيحه لمزايا هذا الترتيب، أفاد شاه بأن المغرب أصبح ذا أهمية متزايدة بالنسبة للصين، إذ أصبح "نقطة انطلاق لشركاتها للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يساعد في التهرب من أي رسوم جمركية محتملة قد تفرضها دول الاتحاد الأوروبي على السلع الصينية القادمة مباشرة من الصين".
وأضاف شاه أن المغرب يمنح الصين وصولا غير مسبوق في ما يتعلق بمصالحها الاقتصادية في كل من أفريقيا والاتحاد الأوروبي، وقد أصبح "البوابة الرئيسية للصين نحو شمال وغرب أفريقيا بفضل موقعه الجغرافي وبنيته التحتية للنقل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مبادرة الحزام والطریق السیارات الکهربائیة الاتحاد الأوروبی البنیة التحتیة السکک الحدیدیة الصینیة فی فی أفریقیا فی المغرب أن المغرب فی الوقت إلى أن
إقرأ أيضاً:
أبعاد صراع السودان وبذور الإستراتيجية الصينية في لباب
واقع الصراع الراهن في السودان وحالة الحرب المتواصلة منذ أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، كان موضوع الدراسة الموسومة "أبعاد الصراع في السودان"، التي تصدّرت غلاف العدد 24 من مجلة "لباب" للدراسات الإستراتيجية الصادر اليوم الخميس عن مركز الجزيرة للدراسات.
في هذه الدراسة، سلّط الباحث في العلاقات الدولية بواشنطن الخير عمر أحمد سليمان الضوء على الأبعاد المختلفة -الإقليمية والدولية- للصراع في السودان من منظور تحليلي، وعالج محدداته لتقديم تفسير علمي للأسباب الرئيسية التي قادت إلى الحرب التي لا تزال مستمرة لمدة عام ونصف العام.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما لم يُروَ من قصة إيران وحماسlist 2 of 2مفاتيح حلّ الأزمة السودانية في ندوة بحثيةend of listوطرح الباحث مجموعة من العناصر التي تسببت في هذا الواقع، ومن بينها ظاهرة تعدد الجيوش الموازية، وغياب الحوار السياسي البنّاء الذي يُفضي لتوافق سياسي، وغياب المشروع الوطني المتفق عليه، وضعف دور الأحزاب في المساهمة في إنتاج ذلك المشروع، وعجزها عن إنتاج سياسات كلية لإدارة التنوع.
ثم تتجه "لباب" بالقارئ نحو حضارة الصين العريقة، ليدرس أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر محمد المختار الشنقيطي "بذور الفكر الإستراتيجي وجذوره في الحضارة الصينية العتيقة"، مؤسسًا دراسته على نصين هما: كتاب "فن الحرب" لصن تزو المكتوب قبل الميلاد ببضعة قرون، ونص "الإستراتيجيات الـ36" الذي لا نعرف مؤلفه، والذي يرجع إلى القرن السادس الميلادي. وقد تتبعت الدراسة آثار هذين النصين في الصين وخارجها، ماضيا وحاضرا، وقدمت مضامينهما في خلاصات مكثفة ومبادئ، مبينة ضرورة مدارستهما لفهم العقل الإستراتيجي الموجّه للصين اليوم.
وبعيدا عن الصين، يقدّم أستاذ القانون العام بجامعة ابن زهر في المغرب عبد الحكيم أبو اللوز دراسة عن "السلفية وثقافتها السياسية الامتثالية"، يتتبع فيها السلوك السياسي للحركات السلفية عامة، وفي المغرب على وجه التحديد، ليخلص إلى أنه في حالة المغرب تتسع دائرة الدنيوي في طبيعة السلفية، مما يجعلها حركة سياسية صريحة، وإن ظهرت بشكل الوعظ الديني.
وفي المغرب أيضا، يبحث الدكتور في القانون الدستوري وعلم السياسة بجامعة محمد الخامس في الرباط سفيان جرضان سلوك الأحزاب السياسية في دراسته الموسومة "الانخراط داخل الحزب السياسي بالمغرب: بناء العضوية بين المسار والتداعيات"، لكنه يختار منهجا مختلفا عن دراسات أخرى كانت تقوم على دراسة تفاعلات الحزب الخارجية بتتبع مخرجات سياساته، إذ يبحث في التجربة الفردية للمواطنين داخل الأحزاب السياسية المغربية، من حيث دوافع الانخراط فيها وما تتركه من آثار إيجابية على السلوك السياسي.
أما الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد السادس في الرباط عادل النجار، فيبحث في دراسته "الأحزاب السياسية والاحتجاج: من الاتصال إلى الانفصال" العلاقة بين الأحزاب السياسية وظاهرة الاحتجاج، من خلال تتبع زمني بين نمطين، هما: نمط "الاتصال" الممتد زمنيا من عام 1934 إلى بدايات التسعينيات، ثم نمط "الانفصال" بدءا من أواخر التسعينيات إلى 2022. ومن أجل تحقيق هذا المسعى، استند الباحث إلى مقاربة منهجية تستحضر السياقات السياسية والمعاني التي يضفيها الفاعلون على الأحداث والوضعيات الاحتجاجية، انطلاقا من إطاراتهم المرجعية.
واستعرضت زاوية "قراءة في كتاب" في هذا العدد من "لباب" كتابا جديدا صدر باللغة الإسبانية للباحث في العلوم السياسية كارلوس سانشيز سانز، المدير المساعد لصحيفة "إل كونفيدونسيال" الليبرالية، وحمل عنوان "رأسمالية المحسوبية.. كيف تلاعبت النخب بالسلطة السياسية؟".
وفي هذه الزاوية، استعرض الكتابَ الباحث المشارك في المعهد المغربي لتحليل السياسات عبد الرفيع زعنون، مبينا أن مؤلفه عمد إلى استقصاء الأسباب الجوهرية للتخلف التاريخي لإسبانيا، وأرجعها بالأساس إلى الأدوار السلبية للنخب السياسية والاقتصادية، في ظل تحالفات بين شبكات المصالح المصرفية والصناعية وجماعات الضغط التي رعتها الأوليغارشيات الإقليمية في منطقتي الباسك وكتالونيا.
يمكنكم تحميل هذا العدد كاملا من "لباب" من هنا، كما يمكنكم الاطلاع على الأعداد السابقة.