مصر والأمم المتحدة: أسس راسخة في الماضي.. ورؤية ثاقبة نحو المستقبل
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
مقال رأي مشترك، بقلم ( السفير عمرو الجويلي، مساعد وزير الخارجية للشئون متعددة الأطراف والأمن الدولي، وإلينا بانوفا، المُنسقة المُقيمة للأمم المتحدة في مصر).
انعقدت قبل أشهر قليلة، وبمشاركة مصرية «قمة المستقبل في نيويورك»، والتي ننظر إليها جميعاً كفرصة لإعادة بناء الثقة في النظام الدولي متعدد الأطراف، وفي القلب منه الأمم المتحدة.
ولقد كانت المشاركة الفاعلة لمصر في القمة تعبيرا عن قيادتها ورؤيتها بشأن جملة من القضايا العالمية الأساسية، كما ترجمت التزام مصر الراسخ من أجل خلق نظام دولي أكثر مساواة وشمولا، باعتبارها داعماً قوياً للتنمية المستدامة والتمويل من أجل التنمية، والسلام والأمن الدوليين والعلم والتكنولوجيا والابتكار والتعاون الرقمي، والشباب والأجيال المقبلة، وتعزيز المشاركة الفعالة في الحوكمة العالمية، كان صوت مصر حاسما في صياغة مُخرجات القمة التي كان هدفها وضع الأساس لعقد عالمي جديد.
في قمة المستقبل، اغتنمت مصر هذه الفرصة للإعلان عن "الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويل"، الأولى من نوعها في المنطقة العربية، كخطوة إضافية نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز المرونة الاقتصادية.
كذلك، فقد كانت جهود مصر لدمج الذكاء الاصطناعي عبر مجموعة متنوعة من القطاعات الأساسية اتساقا مع أهداف التنمية المستدامة في بؤرة الضوء خلال القمة. ومع هذه الجهود التنموية الوطنية، كانت المطالبات بضرورة خلق البيئة الدولية المواتية لذلك من خلال اصلاح البناء الاقتصادي متعدد الأطراف.
فبينما يواجه الاقتصاد العالمي صدمات متعددة تهدد مسار التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، وتفقد الدول النامية العديد مما أحرزته بمشقة من مكاسب تنموية ملموسة، نذكر بخطة السكرتير العام التحفيزية لأهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة في 2023، بهدف تقديم الدعم الكافي من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال ضخ السيولة وتعزيز تمويل التنمية ومعالجة أعباء الديون السيادية وخفض تكلفة الإقراض للدول النامية.
وفي العام الجاري، عقدت مصر "منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين" وهو المبادرة الرائدة التي أتاحت منصة حيوية وفريدة من نوعها ضمت طيفا واسعا من أصحاب المصلحة الأفارقة، من ممثلين حكوميين، ورواد القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني فضلا عن مُمثلي الشباب.
وهدف المنتدى إلي إعادة تصور الحوكمة العالمية وإيصال صوت الأولويات الأفريقية حول السلم والأمن والتنمية في اتجاه إصلاح النظام متعدد الأطراف وتعزيز الأجندة العالمية لمنع الصراعات وبناء السلام.
إن الشراكة بين الأمم المتحدة ومصر هي بمثابة شهادة حية على ما يُمكن تحقيقه عندما يُقابل الأهداف العالمية التزام وطني. إذ يُسلط "تقرير النتائج السنوية لفريق الأمم المتحدة القطري في جمهورية مصر العربية" لعام 2023، الضوء على إنجازاتنا المشتركة، والتي تمتد عبر مختلف القطاعات اتساقا مع الأولويات الوطنية لمصر.
إنها شراكة طويلة الأمد تلعب دوراً حيوياً في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. فمعاً، نقوم بتعزيز الأولويات الوطنية المتوافقة مع تلك الأهداف، بما في ذلك جهودنا المشتركة لضمان تعزيز رأس المال البشري مع التركيز على الأطفال والشباب، والتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة بيئيا، عبر مختلف المجالات التي يشملها إطار الأمم المتحدة للتعاون من أجل التنمية المستدامة (UNSDCF) 2023- 2027.
خلال أسابيع قليلة، تحديداً في شهر نوفمبر المقبل، سنشهد أيضا استضافة مصر للنسخة الثانية عشر من المنتدى الحضري العالمي (WUF12)، وهي فرصة لتطوير حلول جماعية لجعل المدن أكثر شمولا ومرونة واستدامة. إن كل هذه المبادرات تُفسح مجالا أوسع لنا لنعمل معا نحو تحقيق مستقبل أكثر مساواة واستدامة.
وإنه من خلال مثل هذه الروح والعمل الجماعيين نستطيع التصدي للقضايا العالمية المُعقدة وأن نضمن ألا يتخلف أحد عن الركب. وهذا بالضبط هو هدف ثمر تعاوُنُنا في المشروعات والمبادرات التنموية المحلية، فعلى مر السنوات، نعمل سوياً على تحقيق مكاسب ملموسة لملايين الأشخاص، من معالجة الفقر والتكيف المناخي إلى تعزيز تمكين المرأة وصولا إلى فرص العمل للشباب.
لا يسعنا هنا إلا أن نؤكد على ضرورة تحقيق مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة، خاصة بالنسبة لحق جميع الشعوب في تحقيق مصيرها، ومن خلال تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية. وفي العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، نحن في أمس الحاجة إلى تنفيذ جميع قرارات الأمم المتحدة، التي هي قرارات الشرعية الدولية، ونستند في ذلك إلى قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واجبة الاحترام في كل مكان من جميع الأطراف.
فلنعمل في يوم الأمم المتحدة هذا، لتوحيد جهودنا معا بروح تعددية الأطراف، إن مستقبلنا المشترك يعتمد على قدرتنا على التعاون والابتكار والعمل سريعا.
أمامنا تحديات هائلة، لكن لدينا إمكانات واعدة وعزيمة صلبة. فبالعمل معا، نستطيع تحقيق السلام والازدهار والكرامة التي نسعى إليها جميعا.
ستستمر الأمم المتحدة في أداء دورها كمنارة للتضامن في شتى أنحاء المعمورة، وكصوت لمن لا صوت له، وكمحفز للتقدم، وستستمر مصر دولة رائدة في أعمالها قائدة لمجموعاتها، فمعا يُمكننا بناء عالم أفضل وأكثر مساواة للجميع. مستقبلنا المشترك يعتمد على كل امرأة ورجل منا.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مصر الأمم المتحدة القانون الدولي الإنساني تحقيق السلام أهداف التنمیة المستدامة متعدد الأطراف الأمم المتحدة من خلال
إقرأ أيضاً:
«القمة العالمية للحكومات» تستشرف مستقبل المجتمعات
دبي: «الخليج»
أطلقت مؤسسة القمة العالمية للحكومات بالتعاون مع شركة «أوليفر وايمان» العالمية، تقريراً معرفياً جديداً، يستشرف فرص وتحديات زيادة نسبة الأفراد المعمّرين في مجتمعات المستقبل، في ظل ما تشهده البشرية من تطورات متسارعة في التكنولوجيا الطبية التي تسهم في تعزيز صحة الإنسان.
ويستعرض تقرير «عمر أطول؟! الفرص والاعتبارات»، التطورات التي شهدتها المجتمعات على مدى 75 عاماً مضت، في مجال التقنية الطبية، والصرف الصحي، والرعاية الوقائية، والخيارات المتنوعة في أساليب الحياة، التي عززت صحة الإنسان وأسهمت في رفع متوسط العمر المتوقع، من 45 عاماً في خمسينات القرن الماضي، إلى أكثر من 73 عاماً في عالم اليوم.
وخلص التقرير إلى أن ارتفاع متوسط عمر الأفراد في مجتمعات المستقبل، سيسهم في إيجاد فرص كبرى، تتمثل في المزيد من المساهمات الاقتصادية، والحياة الصحية السعيدة التي سينعم بها إنسان المستقبل، لكنه لفت إلى عدد من التحديات التي تتطلب نهجاً استشرافياً استباقياً من الحكومات لمعالجة الآثار المعقدة لمجتمع المعمّرين، يرتكز على تعزيز منظومات الرعاية الصحية، وتطبيق سياسات مرنة للقوى العاملة، وتطوير البنى التحتية المجتمعية.
وأشار التقرير إلى تحدي استدامة النمو الاقتصادي لمجتمع المعمرين، والاستراتيجيات الضريبية الفعالة الكفيلة بمساعدة الحكومات على تغطية التكاليف التي يفرضها ارتفاع متوسط عمر الإنسان، مؤكداً أهمية الاستثمار في الحلول المبتكرة، وتعزيز التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص لتوظيف تعزيز جودة حياة مجتمع المعمرين المستقبلي، وابتكار الحلول الكفيلة بمواجهة تحديات ارتفاع متوسط العمر المتوقع.
وأكد محمد يوسف الشرهان، مدير مؤسسة القمة العالمية للحكومات، أن تسارع التطور التكنولوجي والابتكارات في مجالات الذكاء الاصطناعي، يحمل الكثير من الفرص الواعدة والتحديات الكبرى في مختلف المجالات المرتبطة بحياة الأفراد والمجتمعات، مشيراً إلى أن قطاع الرعاية الصحية سيشهد تطوراً كبيراً مدعوماً بالتكنولوجيا ينعكس إيجاباً على صحة الأفراد ويؤدي لرفع متوسط العمر المتوقع، ما يتطلب من الحكومات التعامل باستباقية مع ما يفرضه ذلك من تغييرات في تركيبة مجتمعات المستقبل.
وقال الشرهان إن التقرير يأتي في إطار دور القمة كمركز لتطوير المعرفة والخبرة الحكومية، وبيئة لتطوير وابتكار الحلول الاستباقية لتحديات المستقبل، ويأتي ليواكب الاهتمام العالمي المتزايد بأثر التكنولوجيا والابتكار في صحة الإنسان، وانعكاسها على مجتمع المستقبل الذي سيشهد ارتفاعاً في نسبة الأفراد المعمّرين، ما يتطلب تطوير السياسات والحلول والأدوات الكفيلة بتعزيز الاستفادة من هذا الواقع وتحويله إلى فرص جديدة ترتقي بجودة الحياة.
من جهته، قال عادل خيري، شريك في قسم العلوم الصحية والحياتية في أوليفر وايمان - الهند والشرق الأوسط وإفريقيا: «من الضروري للحكومات تعزيز الجاهزية للاستفادة من الابتكارات المرتبطة بارتفاع متوسط عمر الإنسان، وأن تعمل على تهيئة المجتمعات للتغيرات المترتبة على ذلك، خصوصاً في ظل التسارع المستمر في علم إطالة العمر وتنامي الأدلة العلمية الداعمة له».
وأضاف أن التقرير يُعد خارطة طريق محورية لكل من الحكومات والمؤسسات الخاصة، حيث يوجهها نحو كيفية التكيف مع تبعات هذا التحول، ويبرز فرص الازدهار في مستقبلٍ تصبح فيه الأعمار الأطول مصدراً لإسهامات أغنى في اقتصاداتنا ومجتمعاتنا، فمن خلال التعاون المشترك، يمكننا ضمان توزيع منافع إطالة العمر على الجميع وتمكين الفئات الأكبر سناً لتصبح ركيزة في نهضة المجتمعات.
ويتناول التقرير مفهوم «إطالة العمر»، ويستشرف الاحتمالات والابتكارات المتوقعة في المستقبل القريب، مع التركيز على الآثار المتوقعة لزيادة متوسط عمر الإنسان في المستقبل على الصعيدين الحكومي والمجتمعي، من خلال تقييم تداعيات ذلك على سياسة القوى العاملة والسياسة الاجتماعية، مثل سن التقاعد والمعاشات، إلى جانب آثاره في البنية التحتية للصحة والقوى العاملة.
ويؤكد التقرير أهمية تعزيز استعداد وجاهزية الحكومات للتغيرات المتوقعة في مجتمعات المستقبل التي ستزيد فيها نسبة المعمّرين، من خلال تطوير الاستراتيجية والسياسات التي توظف هذه الميزة وتضمن الاستفادة منها في تعزيز نمو وازدهار المجتمع، ويتطرق إلى أهمية تحقيق التوازن بين الأبعاد الأخلاقية لاستخدامات التكنولوجيا في تعزيز صحة الإنسان، والتكاليف، والجوانب التنظيمية.
ويتطرق التقرير إلى عدد من نماذج الابتكار في القطاع الصحي، من ضمنها عمل مختبرات ألتوس لابس في الولايات المتحدة الأمريكية، على تطوير تقنيات لإعادة برمجة الخلايا لتعود إلى حالتها الجنينية بحيث تعكس عملية الشيخوخة.
ويتناول تجربة مؤسسة هيفولوشن، إحدى المؤسسات العالمية غير الربحية في المملكة العربية السعودية، في توفير المنح والاستثمارات لتحفيز البحوث وريادة الأعمال في مجال زيادة متوسط العمر. كما يستعرض تجربة شركة بيور هيلث، أكبر شبكة رعاية صحية متكاملة في دولة الإمارات متخصصة في تقديم الابتكارات الرائدة بغية «إطلاق العنان لأعمار أطول وصحة أفضل للبشرية».