غزة – سلك "أبو لؤي" طرقا ملتوية بين الأزقة والشوارع الضيقة للتسلل إلى منزل شقيقته على الأطراف الشمالية الشرقية لمخيم جباليا، وعاد لأسرته ببعض الطعام لمجابهة المجاعة التي عادت لتنهش أجساد الغزيين في قطاع غزة، وخاصة في شطره الشمالي، وسط شح في المساعدات الإنسانية وعراقيل إسرائيلية تقلل من وصولها.

كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، وفقما يقر أبو لؤي (44 عاما)، ولكن لم يكن لديه خيار آخر وأطفاله الخمسة يتضورون جوعا.

بيد أن سعادته بإنجازه لم تدم طويلا، فما حصل عليه من طعام لا يكفيهم سوى بضعة أيام فقط، وسيواجه ومن معه تحديات كبيرة في الحصول على غيره، في ظل قيود خانقة تفرضها قوات الاحتلال على مخيم جباليا وشمال القطاع.

ويخضع هذا المخيم الأكثر كثافة بين مخيمات القطاع الثمانية منذ ثلاثة أسابيع لحصار إسرائيلي مشدد، ومجازر مروعة ترتكبها قوات الاحتلال بحق سكانه، وتمنع عنه ونحو 400 ألف فلسطيني في شمال القطاع كل سبل الحياة.

مطاعم أغلقت أبوابها في جنوبي قطاع غزة بسبب توقف تدفق السلع والبضائع التجارية عبر معبر كرم أبو سالم (الجزيرة) عراقيل كبيرة

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كثيرة، ومن أصل 423 حركة مساعدات إنسانية تم التنسيق لها مع السلطات الإسرائيلية في الفترة من الأول إلى 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تم تسهيل 151 حركة فقط، ورفض 189، وتم تعطيل البقية.

وفيما يتعلق بحركة وصول المساعدات إلى شمال القطاع، قال المكتب الأممي إنه تم تسهيل 4 حركات فقط من أصل 66 حركة مخططا لها.

وأوضح أن السلطات الإسرائيلية رفضت أيضا طلبا منفصلا الاثنين الماضي للوصول إلى جباليا لتوزيع الغذاء والأدوية والوقود لتشغيل مرافق المياه، وسط انقطاع التيار الكهربائي المستمر ونفاد الوقود اللازم لتشغيل مرافق المياه، مشيرا إلى أن الناس يخاطرون بحياتهم إما للعثور على مياه الشرب وإما لاستهلاك المياه من مصادر غير آمنة.

وبحسب مكتب أوتشا، فإن "هناك حاجة ماسة إلى فتح ممرات آمنة ومستدامة للوصول إلى شمال غزة والمناطق الأخرى في القطاع"، مشددا على أن "المعابر المحدودة وغير الموثوقة تعيق عمليات الإغاثة الإنسانية وتجعلها غير فعالة".

ووفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن دولة الاحتلال تغلق معبر رفح البري مع مصر منذ بدء عمليتها العسكرية البرية المتواصلة في مدينة رفح في السادس من مايو/أيار الماضي، وتغلق المنفذ الإنساني المستحدث (إيرز غرب) منذ 180 يوما، علاوة عن القيود المشددة المفروضة على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة في جنوب شرق مدينة رفح.

انعكس الحصار الإسرائيلي على الأسواق التي تشهد ارتفاعا غير مسبوق في أسعار السلع الشحيحة المتوفرة بالقطاع (الجزيرة) سياسة تجويع

وبفعل ما يصفها المكتب الإعلامي الحكومي بـ"سياسة التجويع"، اختفت غالبية السلع والبضائع من الأسواق في جنوب القطاع وشماله، وارتفعت الأسعار على نحو كبير.

ويقول المواطن محمد حماد للجزيرة نت إنه بحث ليومين متواصلين في أنحاء مدينة خان يونس عن كيس دقيق لأسرته فلم يجده، وهذا الأمر يرجعه المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة -في حديثه للجزيرة نت- لمنع الاحتلال إدخال شاحنات الدقيق التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وبحسب حماد، فإن كيس الدقيق من 25 كيلوغراما بلغ سعره في الأسواق حاليا أكثر من 150 شيكلا (حوالي 40 دولارا)، رغم أن سعره عندما يكون متوفرا لا يزيد عن دولارين.

وعادت المجاعة لتطل برأسها من جديد في القطاع الصغير، وبحسب هيئات دولية فإن حالة الجوع الحالية نتيجة التضييق والقيود الإسرائيلية تعيد التذكير بما كان عليه واقع الغزيين خلال الشهرين الأولين للحرب.

وقال الثوابتة إن "الاحتلال منع إدخال أكثر من رُبع مليون شاحنة مساعدات وبضائع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، في إطار تعزيز سياسة التجويع واستخدامها سلاح حرب ضد المدنيين وضد الأطفال خصوصا من خلال منع إدخال الغذاء وحليب الأطفال والمكملات الغذائية".

وقد بدأت الأوضاع بالتصاعد بشكل خطير منذ 169 يوما في محافظات الوسطى وخان يونس ورفح (جنوبي القطاع)، ومنذ أكثر من 180 يوما في محافظتي غزة وشمال غزة، حيث أحكم الاحتلال الإغلاق التام على القطاع بإغلاق جميع المعابر وجميع المنافذ الإنسانية التي كانت تدخل منها بعض المساعدات الإنسانية، لكن هذا توقف بشكل كامل في إطار سياسة التجويع، بحسب تأكيد الثوابتة.

وتقول المسؤولة في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مها الحسيني للجزيرة نت إن معدل الشاحنات التي كانت تدخل القطاع قبل الحرب تقدر بـ600 شاحنة يوميا محملة بأنواع متنوعة من السلع والبضائع، في حين أن معدلها خلال الحرب لا يزيد عن 40 شاحنة يوميا وهي لا تفي باحتياجات السكان.

ومنعت إسرائيل أكثر من 220 ألف شاحنة من الدخول للقطاع، منها نحو 100 ألف شاحنة كانت موجهة لمناطق شمال القطاع، بحسب المسؤولة الحقوقية.

غالبية الغزيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي جراء الحصار الإسرائيلي والقيود على دخول المساعدات (الجزيرة) تداعيات خطيرة

ومست سياسة التجويع الإسرائيلية بحياة نحو مليوني و400 ألف نسمة، وتركت تداعيات خطيرة تتمثل في نقص الغذاء والدواء وشلل اقتصادي كامل وتزايد معدلات البطالة والفقر، كما يقول الثوابتة.

وإمعانا في سياسة التجويع، تعمّد الاحتلال تدمير البنية التحتية الزراعية، وفي سبيل ذلك، يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة المهندس محمد أبو عودة للجزيرة نت إن جيش الاحتلال دمر الأراضي الزراعية، وقيّد الوصول إلى الموارد الأساسية للزراعة مثل المياه والأراضي، وفرض قيودا صارمة على استيراد المدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة والمبيدات.

كما دمرت قوات الاحتلال مزارع الإنتاج الحيواني بقطاعاته المختلفة من دواجن ولحوم حمراء وبيض وألبان، ودمرت قطاع الصيد البحري ومزارع الاستزارع السمكي.

ونتيجة لهذه السياسة، يوضح أبو عودة أن الغزيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفقدان السيادة على الغذاء، والحرمان من الحق في الغذاء، وتراجع نسبة الاكتفاء الذاتي، ويقول إن هناك فجوة كبيرة في الإنتاج المحلي من غالبية السلع والمنتجات الزراعية، وبسببها لا تزيد نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضروات عن 15% والفواكه عن 20%.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجامعات المساعدات الإنسانیة سیاسة التجویع شمال القطاع للجزیرة نت أکثر من

إقرأ أيضاً:

«ظلام وحصار وجوع»| الاحتلال يقطع الكهرباء عن قطاع غزة بالكامل مما يزيد من معاناة المدنيين.. وحماس تدين السياسة الإسرائيلية القائمة على العقاب الجماعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في تصعيد جديد للأزمة الإنسانية في قطاع غزة، قررت إسرائيل وقف إمدادات الكهرباء عن القطاع، بعد أيام من منع دخول المساعدات الإنسانية، مما يفاقم معاناة السكان المحاصرين. ويأتي هذا القرار في ظل تحذيرات دولية من كارثة إنسانية قد تصل إلى حد الإبادة الجماعية، في ظل التدهور المستمر للأوضاع المعيشية في قطاع غزة.

 

وقف إمدادات الكهرباء

أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، يوم الأحد، أنه أصدر تعليماته بوقف تزويد قطاع غزة بالكهرباء على الفور، مشددًا على أن إسرائيل ستستخدم "كل الأدوات المتاحة" لاستعادة الرهائن وضمان عدم بقاء حركة حماس في غزة بعد انتهاء الحرب. وجاء قراره بعد نحو أسبوع من إعلان إسرائيل منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، الذي يواجه بالفعل أزمة غير مسبوقة.

 

ورحب وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل، إيتمار بن غفير، بالقرار، داعيًا إلى فصل محطة معالجة المياه العادمة في القطاع أيضًا، وهو ما ينذر بتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل خطير.

 

المياه والمستشفيات في خطر

يعتمد قطاع غزة على مصدر وحيد للكهرباء عبر خط إسرائيلي يغذي محطة تحلية المياه الرئيسية، التي توفر مياه الشرب لأكثر من 600 ألف شخص. ومع انقطاع الكهرباء، تواجه المحطة خطر التوقف التام، مما قد يؤدي إلى أزمة مياه خانقة في القطاع. كما يعتمد السكان على الألواح الشمسية والمولدات، لكن شح الوقود يجعل هذه البدائل غير كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية، خاصة في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023.

 

كما تأثرت المستشفيات بشدة، حيث تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يهدد حياة آلاف المرضى والجرحى، الذين تتزايد أعدادهم بسبب القصف الإسرائيلي المستمر. وتشير التقديرات إلى أن قطاع غزة كان بحاجة إلى نحو 550 ميجاواط من الكهرباء يوميًا قبل الحرب، كان يتم توفير 120 ميجاواط منها عبر الخطوط الإسرائيلية. لكن مع توقف الإمدادات، لم يتبقَ سوى بدائل محدودة، لا تكفي لسد الاحتياجات المتزايدة للسكان المحاصرين.

 

ردود الفعل

أدانت حركة حماس بشدة قرار إسرائيل قطع الكهرباء عن غزة، معتبرة أنه يأتي في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها تل أبيب ضد سكان القطاع. وقالت الحركة في بيان لها إن إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات والوقود يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف الدولية، ويكشف عن نوايا الاحتلال في فرض سياسة الأمر الواقع. كما اتهمت إسرائيل بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقات الموقعة، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يحاول تعطيل الاتفاقات التي شهد عليها المجتمع الدولي، بهدف تحقيق مكاسب سياسية على حساب معاناة سكان غزة.

 

من جانبها، حذرت المقررة الأممية الخاصة بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، من أن قطع إمدادات الكهرباء عن غزة ينذر بإبادة جماعية، مشيرة إلى أن توقف محطات تحلية المياه سيحرم السكان من مصدرهم الأساسي للمياه النظيفة، مما سيؤدي إلى كارثة صحية واسعة النطاق.

ويأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في وقت يعاني فيه سكان غزة من أوضاع معيشية مأساوية، حيث يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي ومنع وصول المساعدات الإنسانية. 
وتتصاعد الدعوات الدولية للضغط على إسرائيل من أجل التراجع عن قراراتها التي تعمق الأزمة الإنسانية في القطاع، فيما يطالب الفلسطينيون المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم لوقف الانتهاكات المستمرة التي يتعرض لها سكان غزة.

مقالات مشابهة

  • سياسة «العقاب الجماعي» تفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة
  • مفوض الأونروا يحذّر من المجاعة في قطاع غزة
  • إسرائيل تصعّد حصارها على غزة بقطع الكهرباء وسط تفاقم الأزمة الإنسانية
  • إسرائيل تشدد الحصار على غزة بوقف الكهرباء والمياه والمساعدات الإنسانية
  • إسرائيل تواصل إغلاق معبري كرم أبو سالم و"إيرز" لليوم التاسع
  • «ظلام وحصار وجوع»| الاحتلال يقطع الكهرباء عن قطاع غزة بالكامل مما يزيد من معاناة المدنيين.. وحماس تدين السياسة الإسرائيلية القائمة على العقاب الجماعي
  • إغلاق المعابر يفضح نوايا الاحتلال .. وسلاح التجويع مرة أخرى
  • حماس: سياسة التجويع الإسرائيلية تطال الأسرى في غزة
  • العربي للدراسات السياسية: إسرائيل تستخدم سلاح التجويع للضغط على المقاومة
  • باحث: عرقلة إسرائيل لتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة ليست بجديدة