عرقلة إسرائيل المساعدات الإنسانية تزج بأهل غزة في أتون المجاعة
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
غزة – سلك "أبو لؤي" طرقا ملتوية بين الأزقة والشوارع الضيقة للتسلل إلى منزل شقيقته على الأطراف الشمالية الشرقية لمخيم جباليا، وعاد لأسرته ببعض الطعام لمجابهة المجاعة التي عادت لتنهش أجساد الغزيين في قطاع غزة، وخاصة في شطره الشمالي، وسط شح في المساعدات الإنسانية وعراقيل إسرائيلية تقلل من وصولها.
كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، وفقما يقر أبو لؤي (44 عاما)، ولكن لم يكن لديه خيار آخر وأطفاله الخمسة يتضورون جوعا.
بيد أن سعادته بإنجازه لم تدم طويلا، فما حصل عليه من طعام لا يكفيهم سوى بضعة أيام فقط، وسيواجه ومن معه تحديات كبيرة في الحصول على غيره، في ظل قيود خانقة تفرضها قوات الاحتلال على مخيم جباليا وشمال القطاع.
ويخضع هذا المخيم الأكثر كثافة بين مخيمات القطاع الثمانية منذ ثلاثة أسابيع لحصار إسرائيلي مشدد، ومجازر مروعة ترتكبها قوات الاحتلال بحق سكانه، وتمنع عنه ونحو 400 ألف فلسطيني في شمال القطاع كل سبل الحياة.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع يواجه عراقيل كثيرة، ومن أصل 423 حركة مساعدات إنسانية تم التنسيق لها مع السلطات الإسرائيلية في الفترة من الأول إلى 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تم تسهيل 151 حركة فقط، ورفض 189، وتم تعطيل البقية.
وفيما يتعلق بحركة وصول المساعدات إلى شمال القطاع، قال المكتب الأممي إنه تم تسهيل 4 حركات فقط من أصل 66 حركة مخططا لها.
وأوضح أن السلطات الإسرائيلية رفضت أيضا طلبا منفصلا الاثنين الماضي للوصول إلى جباليا لتوزيع الغذاء والأدوية والوقود لتشغيل مرافق المياه، وسط انقطاع التيار الكهربائي المستمر ونفاد الوقود اللازم لتشغيل مرافق المياه، مشيرا إلى أن الناس يخاطرون بحياتهم إما للعثور على مياه الشرب وإما لاستهلاك المياه من مصادر غير آمنة.
وبحسب مكتب أوتشا، فإن "هناك حاجة ماسة إلى فتح ممرات آمنة ومستدامة للوصول إلى شمال غزة والمناطق الأخرى في القطاع"، مشددا على أن "المعابر المحدودة وغير الموثوقة تعيق عمليات الإغاثة الإنسانية وتجعلها غير فعالة".
ووفقا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن دولة الاحتلال تغلق معبر رفح البري مع مصر منذ بدء عمليتها العسكرية البرية المتواصلة في مدينة رفح في السادس من مايو/أيار الماضي، وتغلق المنفذ الإنساني المستحدث (إيرز غرب) منذ 180 يوما، علاوة عن القيود المشددة المفروضة على معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة في جنوب شرق مدينة رفح.
وبفعل ما يصفها المكتب الإعلامي الحكومي بـ"سياسة التجويع"، اختفت غالبية السلع والبضائع من الأسواق في جنوب القطاع وشماله، وارتفعت الأسعار على نحو كبير.
ويقول المواطن محمد حماد للجزيرة نت إنه بحث ليومين متواصلين في أنحاء مدينة خان يونس عن كيس دقيق لأسرته فلم يجده، وهذا الأمر يرجعه المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة -في حديثه للجزيرة نت- لمنع الاحتلال إدخال شاحنات الدقيق التابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وبحسب حماد، فإن كيس الدقيق من 25 كيلوغراما بلغ سعره في الأسواق حاليا أكثر من 150 شيكلا (حوالي 40 دولارا)، رغم أن سعره عندما يكون متوفرا لا يزيد عن دولارين.
وعادت المجاعة لتطل برأسها من جديد في القطاع الصغير، وبحسب هيئات دولية فإن حالة الجوع الحالية نتيجة التضييق والقيود الإسرائيلية تعيد التذكير بما كان عليه واقع الغزيين خلال الشهرين الأولين للحرب.
وقال الثوابتة إن "الاحتلال منع إدخال أكثر من رُبع مليون شاحنة مساعدات وبضائع منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، في إطار تعزيز سياسة التجويع واستخدامها سلاح حرب ضد المدنيين وضد الأطفال خصوصا من خلال منع إدخال الغذاء وحليب الأطفال والمكملات الغذائية".
وقد بدأت الأوضاع بالتصاعد بشكل خطير منذ 169 يوما في محافظات الوسطى وخان يونس ورفح (جنوبي القطاع)، ومنذ أكثر من 180 يوما في محافظتي غزة وشمال غزة، حيث أحكم الاحتلال الإغلاق التام على القطاع بإغلاق جميع المعابر وجميع المنافذ الإنسانية التي كانت تدخل منها بعض المساعدات الإنسانية، لكن هذا توقف بشكل كامل في إطار سياسة التجويع، بحسب تأكيد الثوابتة.
وتقول المسؤولة في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان مها الحسيني للجزيرة نت إن معدل الشاحنات التي كانت تدخل القطاع قبل الحرب تقدر بـ600 شاحنة يوميا محملة بأنواع متنوعة من السلع والبضائع، في حين أن معدلها خلال الحرب لا يزيد عن 40 شاحنة يوميا وهي لا تفي باحتياجات السكان.
ومنعت إسرائيل أكثر من 220 ألف شاحنة من الدخول للقطاع، منها نحو 100 ألف شاحنة كانت موجهة لمناطق شمال القطاع، بحسب المسؤولة الحقوقية.
ومست سياسة التجويع الإسرائيلية بحياة نحو مليوني و400 ألف نسمة، وتركت تداعيات خطيرة تتمثل في نقص الغذاء والدواء وشلل اقتصادي كامل وتزايد معدلات البطالة والفقر، كما يقول الثوابتة.
وإمعانا في سياسة التجويع، تعمّد الاحتلال تدمير البنية التحتية الزراعية، وفي سبيل ذلك، يقول المتحدث باسم وزارة الزراعة المهندس محمد أبو عودة للجزيرة نت إن جيش الاحتلال دمر الأراضي الزراعية، وقيّد الوصول إلى الموارد الأساسية للزراعة مثل المياه والأراضي، وفرض قيودا صارمة على استيراد المدخلات الزراعية كالبذور والأسمدة والمبيدات.
كما دمرت قوات الاحتلال مزارع الإنتاج الحيواني بقطاعاته المختلفة من دواجن ولحوم حمراء وبيض وألبان، ودمرت قطاع الصيد البحري ومزارع الاستزارع السمكي.
ونتيجة لهذه السياسة، يوضح أبو عودة أن الغزيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفقدان السيادة على الغذاء، والحرمان من الحق في الغذاء، وتراجع نسبة الاكتفاء الذاتي، ويقول إن هناك فجوة كبيرة في الإنتاج المحلي من غالبية السلع والمنتجات الزراعية، وبسببها لا تزيد نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضروات عن 15% والفواكه عن 20%.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات المساعدات الإنسانیة سیاسة التجویع شمال القطاع للجزیرة نت أکثر من
إقرأ أيضاً:
دعوات أممية لمنع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة
غزة (وكالات)
أخبار ذات صلةدعت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، أمس، إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة. وقالت جولييت توما مديرة الاتصالات في «الأونروا»، في بيان نشرته على موقع «فيسبوك»، أمس، إن «جميع الإمدادات الأساسية تنفد في غزة»، مشيرة إلى أن هذا يعني أن الأطفال الرضع، سيذهبون إلى النوم جائعين». وأضافت أنه بعد ستة أسابيع من الحصار الذي فرضته إسرائيل الذي يمنع دخول المساعدات والإمدادات التجارية، كادت المخزونات الغذائية أن تختفي، وأغلقت المخابز، والجوع ينتشر، ويلزم اتخاذ إجراءات فورية لمنع الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وفي وقت سابق أمس، أعلنت «الأونروا»، مقتل وجرح أكثر من 1000 طفل في غزة في الأسبوع الأول بعد انهيار وقف إطلاق النار.
في غضون ذلك، قالت منسقة الأمم المتحدة الخاصة لعملية السلام في الشرق الأوسط ومنسقة الشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيغريد كاغ، إن أكثر من 60 ألف طفل دون سن الخامسة في قطاع غزة يعانون سوء التغذية.
وأوضحت كاغ أن المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى غزة خلال فترة اتفاق وقف إطلاق النار وصلت إلى مستحقيها دون مشاكل، إلا أن تدفق المساعدات كان مستمراً ضمن إطار اتفاق وقف إطلاق النار، ولكن منذ النصف الثاني من شهر مارس لم يُسمح بدخول المساعدات.
وفي 18 مارس الماضي، تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الساري منذ 19 يناير 2025، واستأنفت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
وأشارت كاغ إلى أن العاملين في المجال الإنساني يواجهون نقصاً في المعدات اللازمة لتنفيذ عملياتهم، كما أن الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات قد نفد، وهو ما أدى إلى تعطل توزيع المساعدات الإنسانية.
وأضافت: «نعلم أن أكثر من 60 ألف طفل في غزة دون سن الخامسة يعانون سوء التغذية، كل رقم في هذه الإحصاءات يمثّل إنساناً وحياةً، وكفاحاً من أجل البقاء».
وشدّدت كاغ على أن القانون الدولي يُلزم إسرائيل بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مؤكدة ضرورة إيصال هذه المساعدات بشكل عاجل، وقالت إن الهجمات الإسرائيلية على غزة لا تطال المدنيين فقط، بل تُعدّ مرعبة أيضاً للعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، وغالبيتهم من المدنيين الفلسطينيين.