يحيى السنوار.. أيقونة المقاومة الفلسطينية
تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT
قدّم هذا المقاوم الفلسطيني سيرة حياة مثاليّة ليكون أيقونة نادرة في تجسيد البطولة والفروسيّة والشجاعة من جهة، والوضوح في الرؤية والبصيرة لفهم جوهر الصراع مع الكيان الذي فهمه كما لم يفهمه قادته من جهة أخرى، وجمع إلى ذلك قدرة قيادية استثنائية سواء في كسب ثقة المقاومين وحبهم، أو في تخطيط وتنظيم وإدارة العمليّات وتوظيف قدرات المقاومة البشريّة والماديّة لصناعة نقاط تحوّل مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية.
سيكتب التاريخ أن هذا المقاوم كان مهندس الحدث الذي أعطاه عنوان طوفان الأقصى، فتحوّل لأهم حدث عربي وعالمي لعام كامل وأكثر، وقلب المعادلات وغيّر اتجاهات السياسة، من مناخ كان عنوانه النجاح في تهميش القضية الفلسطينية وفتح مسار التطبيع مع الكيان وشرعنة الاحتلال، إلى عكس الاتجاه وإعادة وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال الدولي والعربي وإثبات أن أي ترتيبات للمنطقة لا تأخذ بالاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني ليست إلا سراباً لا يقبل الحياة.
نجح السنوار بإثبات قدرة المقاومة على كسر المهابة التي صنعت لجيش الاحتلال ووصفه بالجيش الذي لا يُقهَر، فمرّغ أنفه ووجهه في وحل لن يُمسح عنه صورته مدى الحياة، عبر الطوفان الذي منحه سنوات عمره بعد تحريره من الأسر إعداداً وتخطيطاً وتحضيراً وتنفيذاً، ثم منحه حياته شهيداً بعد عام من المقاومة، وفتح عبر الطوفان الباب لنقاش لن ينتهي في الكيان حول المأزق الوجوديّ، فمَن يضمن الأمن للكيان ومَن يضمن له البقاء، ما دام بمستطاع الفلسطينيين أن يُعيدوا فعل ما فعلوه في يوم الطوفان، ومنح الفلسطينيين بالمقابل الأمل باستعادة بلدهم وحقوقهم طالما أنه قدّم لهم المثل بما يستطيعون فعله وما يترتّب على هذا الفعل.
فتح السنوار الطريق واسعاً أمام وعي شعوب العالم لحقيقة القضية الفلسطينية عبر هذا الحدث الدراميّ الضخم الذي هزّ العالم، وما ترتب عليه من انكشاف العمق الإجراميّ المتوحش لكيان نجح عقوداً طويلة بتقديم نفسه بصورة المظلوميّة والمدنيّة والحضارة، وها هو ينكشف بأكثر صورة تعبر عن حقيقته العنصرية الدموية القاتلة للحياة، وها هي شعوب العالم وشبابه خصوصاً يتعرّفون على أحقية الشعب الفلسطيني ومظلوميّته ويقبلون سرديّته التاريخية للحق والاحتلال والعنصرية وحرب الإبادة، لتولد على يدي حرب السنوار معادلات ثقافيّة جديدة تحملها الأجيال الشابة لم يعُد ممكناً تجاوزها.
حرم السنوار عدوّه من ادعاء التفوق الاستخباريّ واكتشاف مكانه والذهاب إلى قتله، فقد استُشهد بقذائف الاحتلال ورصاصه وهو يحمل بندقيته ويقاتل كمقاوم، ولم يتعرّف عليه جيش الاحتلال ومخابراته إلا بعد استشهاده، فاتحاً الباب للصورة الموازية وهي صورة القائد المقاتل الذي لا يحتمي، كما قال الاحتلال بالأسرى، ويجلس داخل نفق محصّن متخذاً من هؤلاء الأسرى دروعاً بشرية تحميه.
كما قدّم السنوار في الأسر صورة القدوة المناضلة والصابرة والقياديّة، فكان عنصر توحيد بين أسرى المقاومة الفلسطينية والعربية، وكان شغله الشاغل تعلّم المزيد عن الكيان خلال الأسر وكيفية تحويل الأسر من تحدّ إلى فرصة، فأتقن لغته وعرف عنه الكثير وكتب الكثير وأعدّ خطته لقلب الطاولة، ونجح بعد تحريره من إعادة صياغة معادلات حركة حماس والقسام لحساب أولوية هذه الخطة، فحرّر حماس من عقدة الذنب التي مثّلها الموقف الخاطئ من الحرب على سورية، وقاد حماس نحو موقعها الطبيعي في قلب محور المقاومة، وصولاً إلى ساعة صفر الطوفان، فكان له من محور المقاومة هذا الإسناد حتى الاستشهاد الذي جسّده بأبهى صوره القائد الكبير السيد حسن نصرالله، بينما توّج قائد حماس الشهيد إسماعيل هنية الذي كان رفيق دربه وشريكه في مسيرته والمؤتمن على قيادة الحركة حتى سلّمه الأمانة ومن بعدها الشهادة.
بعد السنوار مقاومة مستمرّة أثبتت أنّها لا تسقط القضية مهما كانت الكلفة، وشهادة القائد سوف تزيدها صلابة، وهي تثبت في الميدان استحالة أن ينجح الاحتلال ببسط سيطرته على قطاع غزة، وما يرتكبه الاحتلال من جرائم يوميّة يمنح المقاومة مزيداً من اليقين بأن قدر الفلسطينيين هو النصر أو الشهادة، بينما لن يكون سهلاً الوصول إلى صفقة تبادل تعيد أسرى الكيان بغير الشروط التي وقف عندها السنوار، علماً أنه وحده كان يملك القدرة على التفاوض على شروط أعلى أو أدنى، ومعه تفويض المقاومين، بينما لن يكون لمن يخلفه هذه القدرة وستكون أيّ عملية تفاوض أشدّ تعقيداً وصعوبة.
غزة كما لبنان بوابات حروب مفتوحة لا يستطيع الكيان أن يحلم بتحقيق إنجازات سياسية أو عسكرية فيها، ولن يستطيع إنهاء الحرب إلا بالتراجع، وكلما مرّ المزيد من الوقت زادت كلفة التراجع كما زادت كلفة الاستمرار بالحرب، وهذه لعنة اسمها لعنة السنوار وسوف تلاحق الكيان وقادته.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الكيان الإسرائيلي أمام تعدد الجبهات
29 أكتوبر، 2024
بغداد/المسلة: محمد حسن الساعدي
يواجه الكيان الإسرائيلي ضغوطا كبيرة وغير مسبوقة والمتمثلة بالقصف المكثف والمركز الذي تمارسه حماس للمدن سواء في تل أبيب أو مدن أخرى إذ وصلت الصواريخ (الحماسيّة) إلى نقاط استراتيجية في العمق الإسرائيلي بالمقابل يصل جنود حزب الله ردهم وصدهم لعمليات الاجتياح التي يحاول فيها العدو الصهيوني أن يسجل نقاطا على حساب خسارته أمام الجبهة الفلسطينية والضربات النوعية والمركزة التي يقوم بها أبطال حزب الله من خلال قصفهم للمدن الاستراتيجية والحيوية وترحيل الآلاف من من العوائل الإسرائيلية إلى داخلي تل أبيب بالإضافة إلى وفي الوقت ذاته يلعب الحوثيين الدور الأبرز في عمليات الدعم والإسناد من خلال عمليات القصف المركز بصورة تصاعدية ما يعكس حالة التصعيد المتزامنة والتنسيق العالي بين جميع الأطراف ما يضع إسرائيل في مواجهة مع عدة جبهات في أن واحد ويصعب السيطرة عليها.
التصريحات الإسرائيلية تعكس حالة تناقض فهي تحاول إطلاق رسائل طمأنة لمواطنيها عبر نشرها والترويج الأكاذيب لانجازات وهمية وغير ملموسة على الميدان وفي ساحة المعركة مثل إحباط محاولات تسلل إلى الخليل أوصد الصواريخ إلى المدن الإسرائيلية المحتلة بهدف الحفاظ على معنويات جنودها ومواطنينها ولكنها في الوقت ذاته تعكس ضعف واضحا في عملية التعامل السياسي والعسكري مع التهديدات المتصاعدة من قبل محور المقاومة والذي عكس وحدة الساحات والتخطيط والتكتيك العالي الذي يتميز به هذا المحور على الرغم من فقده قياداته ومن الخط الأول.
الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في تصاعد العمليات العسكرية والهجمات المركزة على مختلف الجبهات وإن من المؤكد أن حزب الله وحركة حماس تبقي إسرائيل في حالة استنفار ودفاع دائم فهو إلى الآن لم يستطع أن يدخل كيلومتر واحد باتجاه جنوب لبنان وأما محاولات الدخول فهي بإرادة المقاومة اللبنانية والتي تضع له الكمائن وتوقع به الخسائر الكبيرة في الأرواح والأسلحة والعتاد والمعدات ما يعقد إدارة المعركة ويزيد من حالة الخوف والرعب في العمق الإسرائيلي في نفس الوقت تظهر المقاومة باحسن إدارة للمعركة من خلال الهدوء والتنسيق العالي والإدارة الناجحة للمعركة في كافة الجبهات وأن إسرائيل لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها.
التنسيق العالي بين حركة حماس وحزب الله والحوثيين وبدعم من الجمهورية الإسلامية يعزز الضغط على إسرائيل في جبهات متعددة والذي يؤكد وحدة الساحات والعمليات ويشير بصورة واضحة إلى عملية التكاتف التي تتصل بها المقاومة عامة ما يؤكد أن أي تصعيد القادم سيواجه بكل حزم وحسم وتنسيق عالي مما يزيد من تعقيد المعركة ويضع الإسرائيليين في مأزق حقيقي كما أن استمرار الجبهات المنسقة يشير إلى أن المعركة لم تنتهي بعد بالرغم من اعتماد إسرائيل على الدعاية النفسية والإعلامية إلا أن الفعالية المستمرة للمقاومة تثبت أن قواعد الاشتباك قد تغيرت وأن إسرائيل باتت في موقف أصعب بكثير مما كانت عليه ومما كانت تتوقع وعليها إعادة النظر في حساباتها المستقبلية أمام أي تهور بأتجاه جبهة المحور.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts