الجزيرة:
2025-05-01@14:54:21 GMT

لماذا يكرهوننا؟

تاريخ النشر: 24th, October 2024 GMT

لماذا يكرهوننا؟

يُجرّم القانون كل شخص في إمكانه أن يُنقذ شخصًا في حالة خطر ولا يفعل. والذي يقع في غزة، جريمة إبادة الكل مسؤول عنها، بل هو خطر مَحْق شعب من الوجود، في أفق مشاريع أخذت تَرْشح فيما يسمى مخطط الجنرالات؛ لدفع الفلسطينيين إلى الرحيل عن غزة عبر التجويع، وفي الضفة عبر التضييق.

ولا أحد يحرك ساكنًا من الذين يستطيعون أن يغيروا مجرى الأمور، أولًا، الولايات المتحدة، وثانيًا القوى العظمى، باختلاف مستوياتها، ودرجة انخراطها.

لندعِ الأمم المتحدة التي تُذكّر بسابقتها عصبة الأمم، والتي كانت قد ماتت فعليًا بعد غزو اليابان لمنشوريا في الصين، وإيطاليا للحبشة، في ثلاثينيات القرن الماضي، وتولّد عن ذلك استقواء الاتجاهات الفاشية في العالم، مما أدى إلى الحرب العالمية الثانية. واليوم أبانت عن عجزها مجددًا في تحقيق الأمن والسلم في أرجاء عدة، ولأسباب متباينة، وتظل غزة أوضح الأمثلة على شلل الأمم المتحدة.

هذا لا يُقلل من جهود الأمين العام، والمؤسسات التابعة للمنظمة، لكنها لم تعد ذات ثقل معنوي لكي تردع كل معتدٍ أو متجاسر على الأمن والسلم في العالم.

لكن ما الشأن بالنسبة للولايات المتحدة؟ هل أعياها أن توقف الحرب في غزة والتي تستهدف الأطفال والنساء؟ فهل تستطيع الولايات المتحدة غدًا أن ترفع لواء "نظام عالم جديد"، أو تستفهم في سؤال استنكاري، لماذا يكرهوننا؟ أليست قوة الولايات المتحدة – كما قال الرئيس بوش الابن بعد ضربة البرجين في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 – في قيمها، وإيمانها بالحرية والتعدد والحق في الاختلاف وحقوق الإنسان؟ فأين هي الولايات المتحدة من قيمها؟ وأين هي قيمها؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن تنتصب ضميرًا بعد اليوم؟

أما أوروبا، فهي كما سويسرا، كبيرة، أو نادي أغنياء. فرنسا التي تريد أن تحلم بدور في مسرح العلاقات الدولية، رُدت إلى تلميذ صغير يهزأ منه نتنياهو، وينهره.

أما الدول الأخرى في أوروبا – وبخاصة ألمانيا وبريطانيا، بسبب عقدة الذنب للأولى، والمسؤولية المعنوية للثانية، لأنها من وعد بوطن لليهود – فلا يمكن إلا أن تساير إسرائيل في تأثمها، بلا حرج، ولا تقية (كما تفعل الولايات المتحدة)، ولا تستر.

جميل أن يكون للعالم ضمير، تُعبر عنه قوى حية، وطلبة في الجامعات، ومثقفون، وموقّعو عرائض، ومحاكم دولية، لكننا في عالم لم يعد يأبه لصرخات الضمير، مهما تعالت، ولا بأحكام القضاء، مهما تواترت.. هل أوقفت مظاهرات الطلبة ماكينة الحرب الإسرائيلية؟ وهل ارتدع نتنياهو في حربه الهمجية أمام العرائض، أو المحكمة الجنائية الدولية؟

نعيش حقًا، ما أسماه المغني يوسف إسلام، عالمًا متوحشًا، أو – بتعبير أقل فجاجة – عالمًا أهوج. القوة تسمو على الحق، والغطرسة على العدل، والبهتان على الحقيقة، والتحايل على النزاهة.

هل العالم مستعد أن يدفع الفاتورة غدًا أمام هذا الانزياح الأخلاقي الذي أعاد البشرية إلى وضع هوبزي، أو شريعة الغاب؛ لأن الوضع الساري، لن يبقى بلا تبعات.

لقد اكتوت البشرية بما سُمي الحرب على الإرهاب، وتوزع العالم في شرخ حضاري، وكان رأس الحربة في الحرب على الإرهاب، الولايات المتحدة، لكن الخاسر – كما يقول بن رودس، مستشار سابق للرئيس أوباما – كان الولايات المتحدة؛ لأنها ضخّمت خطرًا أنشأته.

طبعًا ينبغي أن نذهب أبعد، فلم يكن الإرهاب بلا أب. كان نتيجةَ عمليات اغتصاب حدثت في أرجاء عدة، في العراق الذي جُوع، وبالقرن الأفريقي، في الصومال، الذي استهين به، وفي أفغانستان التي تُركت تتقاتل بعد نهاية الحرب ضد الاتحاد السوفياتي، وفي وعد الوسيط النزيه – الولايات المتحدة – بحل القضية الفلسطينية، والذي لم يكن وسيطًا ولا نزيهًا.

لو قُدّر أن تعرف البشرية فصلًا جديدًا من صدام الحضارات – وكل شيء يدفع في هذا الاتجاه – فليس مؤكدًا أن يخرج العالم منه معافًى، وألا تتأثر سكينة المجتمعات وأمنها، في أي مكان في العالم.

لست بصدد النكاية، ولا التهديد، ولا الوعيد، ولا استحثاث الضمير الإنساني، لأن أثره محدود، ولكن النداء موجّه إلى الولايات المتحدة؛ لأنها الوحيدة التي تستطيع أن تضع أولًا حدًا لحرب الإبادة الجارية على قدم وساق في غزة، وتعطيل مشاريع ترحيل الفلسطينيين التي هي قيد الطبخ.

لا ينبغي للحملة الانتخابية الأميركية أن تُحوّل الأنظار عن المجزرة الرهيبة التي تقع كل يوم في غزة، والدمار الذي يحيق بلبنان، ومشروع الترانسفير الذي تعكف عليه إسرائيل.

من حق الولايات المتحدة أن يكون لها موقف من حماس، ومن حزب الله، ولكن ليس لها، وهي التي تتذرع أو تتبجح بالأحرى، بقيم الإنسانية، أن تضرب صفحًا عن ساكنة غزة، ومن تبقى منهم، وهم يواجهون الجوع والعطش والأمراض والبرد وانعدام الدواء، فضلًا عن كل الأدواء النفسية التي تتولد عن الحرب.

وليس من حق الولايات المتحدة أن ترى لبنان يُحرق، في الجنوب، أو بيروت وهي تتعرض للدمار.. أضحى لبنان تيتانيك تغرق، لتهوي إلى عمق القرار. البلد الذي علّم أبجديات الحداثة للعالم العربي، بنفض الغبار عن اللغة العربية، بالترجمة، وفي الصحافة، والطباعة، وفي جامعاته، وبمفكريه، هذه الواحة تحتضر، ويمس أثرها كل أرجاء العالم العربي.

على العالم العربي أن يتحرك، لا تضامنًا مع غزة وأهالي غزة، ولكن حفاظًا على مصالح بعض دوله، ذلك أن ما يسمى مخطط الجنرالات، أي إفراغ غزة من ساكنتها، ووضع اليد على الضفة، أو الترانسفير، هو خيار قائم، ستكون له انعكاسات ليس على دول الطوق وحدها، أو المحيط القريب، بل على المنطقة بأكملها.

لم يُخفِ نتنياهو قط مراميه منذ تبني قانون الهوية، من أنه يحقق "الاستقلال الثاني" لإسرائيل، ويرى في الحرب فرصة سانحة لتنزيلها، أي "التطهير" الديمغرافي والعرقي.

على الدبلوماسية أن تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو على تقليل الأضرار.. وإلا فسوف يتولد مسيخ عن هذا الاغتصاب لن يوفر أحدًا. ينبغي التحرك، لا لاعتبارات أخلاقية، أو لاصطفافٍ مع قيم العدل فقط، ولكن لاعتبارات براغماتية. الشر لن يُنجب إلا البشاعة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة التی ت فی غزة عالم ا

إقرأ أيضاً:

منظمة ‏Global Justice‏ ‏تكرم في دمشق سفير الولايات المتحدة الأمريكية ‏لشؤون جرائم الحرب ستيفن راب ‏

دمشق-سانا‏

عُقد اليوم مؤتمر جائزة ‏Global Justice‏ السنوية لتكريم سفير الولايات ‏المتحدة الأمريكية لشؤون جرائم الحرب ستيفن راب والذي أقامته منظمة ‏Global Justice‏ تحت عنوان “بناء سوريا عادلة، سلمية، وديمقراطية”، ‏وذلك في فندق البوابات السبع بدمشق.‏

ونوهت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات، في كلمة لها، بالجهود ‏الكبيرة التي قدمها السيد راب في دعم العدالة في سوريا وفضح جرائم النظام ‏بحق السوريين، مشيرة إلى أنه تكريماً لضحايا النظام سيتم إنشاء مشفى باسم ‏الدكتور مجد كم ألماز الذي قُتل داخل معتقلات النظام البائد، إضافة إلى ‏إنشاء مركز لدعم الشباب وضحايا المعتقلات باسم مازن حمادة الذي عُذّب ‏وقُتل كآلاف السوريين في معتقلات النظام البائد.‏

بدورها بينت نائب رئيس منظمة ‏Global Justice  ميساء قباني في كلمة لها ‏أن سوريا الجديدة الحرة تفخر بكل أبنائها الذين قدموا خلال سنوات الثورة كل ‏غالٍ لدعم بلادهم، سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، بما فيها منظمات ‏المجتمع المدني، مشيرة إلى أن المغتربين، بمن فيهم المقيمون في الولايات ‏المتحدة، جاؤوا إلى سوريا بعد التحرير لتقديم المساعدة في بناء سوريا.‏

من جهته لفت سفير الولايات المتحدة لشؤون جرائم الحرب ستيفن راب، ‏في كلمة له، إلى الجهود الكبيرة التي بُذلت لتوثيق جرائم النظام البائد عبر ‏التعاون مع سوريين شجعان خاطروا بحياتهم لفضح فظاعة تلك الجرائم ‏وتعريف العالم بها، والتي شملت التعذيب والقتل في السجون، والاعتقال، ‏والإخفاء القسري، ومحاصرة المناطق وتجويعها، ومنع وصول الدواء إليها، ‏واستخدام الأسلحة الكيماوية، وانتهاك اتفاقية جنيف، مشيراً إلى أن جرائم ‏نظام الأسد تُعد من أبشع الجرائم التي ارتُكبت في القرن الحالي، والتي ‏مورست في ظل صمت دولي.‏

وبيّن راب أن تلك الجرائم وُثّقت بشكل أفضل بكثير مما وُثّقت به الجرائم التي ‏ارتكبها النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أن الجهود ‏التي بُذلت خلال سنوات الماضية أفضت إلى دفع القضاء في بعض الدول إلى ‏اعتقال عدد من مسؤولي النظام البائد الذين عاشوا في الولايات المتحدة ‏وأوروبا.‏

ورأى راب أن صور “قيصر” التي أنكرها النظام وأكدت صحتها المؤسسات ‏المختصة، كانت سبباً أساسياً في دعم الحملة الدولية التي عرّت نظام الأسد، ‏إضافة إلى الشهادات الخاصة بالمقابر الجماعية، والتي وُثّقت بصور الأقمار ‏الاصطناعية، مؤكداً أنهم على استعداد للتعاون مع الحكومة والسلطات ‏السورية للمضي في تحقيق العدالة من خلال توثيق الجرائم، والكشف عن ‏مصير المختفين قسرياً وضحايا المقابر الجماعية عبر إجراء تحاليل ‌‏/‏DNA‏/ ومحاسبة الأشخاص المسؤولين عنها.‏

تخلل الفعالية عرضٌ لأهم ما قامت به المنظمة في سوريا من مشاريع دعم ‏وتمكين على الصعد الاقتصادية والسياسية والصحية، والسعي نحو رفع ‏العقوبات، وبناء المدارس في المخيمات وغيرها، وفي نهاية الفعالية تم تسليم ‏درع التكريم للسفير ستيفن راب.‏

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • منظمة ‏Global Justice‏ ‏تكرم في دمشق سفير الولايات المتحدة الأمريكية ‏لشؤون جرائم الحرب ستيفن راب ‏
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • الولايات المتحدة تتفق مع أوكرانيا على قضايا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية
  • الصين تنشر فيديو عن الحرب التجارية وتصف الولايات المتحدة بـ”نمر من ورق”
  • ترامب: الصين أكثر دولة في العالم تسرق الولايات المتحدة
  • ترامب: العالم يتهافت على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إبرام اتفاقات اقتصادية
  • حزب الليبراليين بزعامة مارك كارني يفوز في الانتخابات الكندية وسط الحرب التجارية مع الولايات المتحدة
  • ترامب: في ولايتي الثانية أنا أقود الولايات المتحدة والعالم
  • الولايات المتحدة تدعو روسيا لإنهاء الحرب مع أوكرانيا “فوراً”
  • لماذا لا يستطيع ترمب تصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة؟