يُجرّم القانون كل شخص في إمكانه أن يُنقذ شخصًا في حالة خطر ولا يفعل. والذي يقع في غزة، جريمة إبادة الكل مسؤول عنها، بل هو خطر مَحْق شعب من الوجود، في أفق مشاريع أخذت تَرْشح فيما يسمى مخطط الجنرالات؛ لدفع الفلسطينيين إلى الرحيل عن غزة عبر التجويع، وفي الضفة عبر التضييق.
ولا أحد يحرك ساكنًا من الذين يستطيعون أن يغيروا مجرى الأمور، أولًا، الولايات المتحدة، وثانيًا القوى العظمى، باختلاف مستوياتها، ودرجة انخراطها.
لندعِ الأمم المتحدة التي تُذكّر بسابقتها عصبة الأمم، والتي كانت قد ماتت فعليًا بعد غزو اليابان لمنشوريا في الصين، وإيطاليا للحبشة، في ثلاثينيات القرن الماضي، وتولّد عن ذلك استقواء الاتجاهات الفاشية في العالم، مما أدى إلى الحرب العالمية الثانية. واليوم أبانت عن عجزها مجددًا في تحقيق الأمن والسلم في أرجاء عدة، ولأسباب متباينة، وتظل غزة أوضح الأمثلة على شلل الأمم المتحدة.
هذا لا يُقلل من جهود الأمين العام، والمؤسسات التابعة للمنظمة، لكنها لم تعد ذات ثقل معنوي لكي تردع كل معتدٍ أو متجاسر على الأمن والسلم في العالم.
لكن ما الشأن بالنسبة للولايات المتحدة؟ هل أعياها أن توقف الحرب في غزة والتي تستهدف الأطفال والنساء؟ فهل تستطيع الولايات المتحدة غدًا أن ترفع لواء "نظام عالم جديد"، أو تستفهم في سؤال استنكاري، لماذا يكرهوننا؟ أليست قوة الولايات المتحدة – كما قال الرئيس بوش الابن بعد ضربة البرجين في 11 سبتمبر/ أيلول 2001 – في قيمها، وإيمانها بالحرية والتعدد والحق في الاختلاف وحقوق الإنسان؟ فأين هي الولايات المتحدة من قيمها؟ وأين هي قيمها؟ وهل يمكن للولايات المتحدة أن تنتصب ضميرًا بعد اليوم؟
أما أوروبا، فهي كما سويسرا، كبيرة، أو نادي أغنياء. فرنسا التي تريد أن تحلم بدور في مسرح العلاقات الدولية، رُدت إلى تلميذ صغير يهزأ منه نتنياهو، وينهره.
أما الدول الأخرى في أوروبا – وبخاصة ألمانيا وبريطانيا، بسبب عقدة الذنب للأولى، والمسؤولية المعنوية للثانية، لأنها من وعد بوطن لليهود – فلا يمكن إلا أن تساير إسرائيل في تأثمها، بلا حرج، ولا تقية (كما تفعل الولايات المتحدة)، ولا تستر.
جميل أن يكون للعالم ضمير، تُعبر عنه قوى حية، وطلبة في الجامعات، ومثقفون، وموقّعو عرائض، ومحاكم دولية، لكننا في عالم لم يعد يأبه لصرخات الضمير، مهما تعالت، ولا بأحكام القضاء، مهما تواترت.. هل أوقفت مظاهرات الطلبة ماكينة الحرب الإسرائيلية؟ وهل ارتدع نتنياهو في حربه الهمجية أمام العرائض، أو المحكمة الجنائية الدولية؟
نعيش حقًا، ما أسماه المغني يوسف إسلام، عالمًا متوحشًا، أو – بتعبير أقل فجاجة – عالمًا أهوج. القوة تسمو على الحق، والغطرسة على العدل، والبهتان على الحقيقة، والتحايل على النزاهة.
هل العالم مستعد أن يدفع الفاتورة غدًا أمام هذا الانزياح الأخلاقي الذي أعاد البشرية إلى وضع هوبزي، أو شريعة الغاب؛ لأن الوضع الساري، لن يبقى بلا تبعات.
لقد اكتوت البشرية بما سُمي الحرب على الإرهاب، وتوزع العالم في شرخ حضاري، وكان رأس الحربة في الحرب على الإرهاب، الولايات المتحدة، لكن الخاسر – كما يقول بن رودس، مستشار سابق للرئيس أوباما – كان الولايات المتحدة؛ لأنها ضخّمت خطرًا أنشأته.
طبعًا ينبغي أن نذهب أبعد، فلم يكن الإرهاب بلا أب. كان نتيجةَ عمليات اغتصاب حدثت في أرجاء عدة، في العراق الذي جُوع، وبالقرن الأفريقي، في الصومال، الذي استهين به، وفي أفغانستان التي تُركت تتقاتل بعد نهاية الحرب ضد الاتحاد السوفياتي، وفي وعد الوسيط النزيه – الولايات المتحدة – بحل القضية الفلسطينية، والذي لم يكن وسيطًا ولا نزيهًا.
لو قُدّر أن تعرف البشرية فصلًا جديدًا من صدام الحضارات – وكل شيء يدفع في هذا الاتجاه – فليس مؤكدًا أن يخرج العالم منه معافًى، وألا تتأثر سكينة المجتمعات وأمنها، في أي مكان في العالم.
لست بصدد النكاية، ولا التهديد، ولا الوعيد، ولا استحثاث الضمير الإنساني، لأن أثره محدود، ولكن النداء موجّه إلى الولايات المتحدة؛ لأنها الوحيدة التي تستطيع أن تضع أولًا حدًا لحرب الإبادة الجارية على قدم وساق في غزة، وتعطيل مشاريع ترحيل الفلسطينيين التي هي قيد الطبخ.
لا ينبغي للحملة الانتخابية الأميركية أن تُحوّل الأنظار عن المجزرة الرهيبة التي تقع كل يوم في غزة، والدمار الذي يحيق بلبنان، ومشروع الترانسفير الذي تعكف عليه إسرائيل.
من حق الولايات المتحدة أن يكون لها موقف من حماس، ومن حزب الله، ولكن ليس لها، وهي التي تتذرع أو تتبجح بالأحرى، بقيم الإنسانية، أن تضرب صفحًا عن ساكنة غزة، ومن تبقى منهم، وهم يواجهون الجوع والعطش والأمراض والبرد وانعدام الدواء، فضلًا عن كل الأدواء النفسية التي تتولد عن الحرب.
وليس من حق الولايات المتحدة أن ترى لبنان يُحرق، في الجنوب، أو بيروت وهي تتعرض للدمار.. أضحى لبنان تيتانيك تغرق، لتهوي إلى عمق القرار. البلد الذي علّم أبجديات الحداثة للعالم العربي، بنفض الغبار عن اللغة العربية، بالترجمة، وفي الصحافة، والطباعة، وفي جامعاته، وبمفكريه، هذه الواحة تحتضر، ويمس أثرها كل أرجاء العالم العربي.
على العالم العربي أن يتحرك، لا تضامنًا مع غزة وأهالي غزة، ولكن حفاظًا على مصالح بعض دوله، ذلك أن ما يسمى مخطط الجنرالات، أي إفراغ غزة من ساكنتها، ووضع اليد على الضفة، أو الترانسفير، هو خيار قائم، ستكون له انعكاسات ليس على دول الطوق وحدها، أو المحيط القريب، بل على المنطقة بأكملها.
لم يُخفِ نتنياهو قط مراميه منذ تبني قانون الهوية، من أنه يحقق "الاستقلال الثاني" لإسرائيل، ويرى في الحرب فرصة سانحة لتنزيلها، أي "التطهير" الديمغرافي والعرقي.
على الدبلوماسية أن تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو على تقليل الأضرار.. وإلا فسوف يتولد مسيخ عن هذا الاغتصاب لن يوفر أحدًا. ينبغي التحرك، لا لاعتبارات أخلاقية، أو لاصطفافٍ مع قيم العدل فقط، ولكن لاعتبارات براغماتية. الشر لن يُنجب إلا البشاعة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة التی ت فی غزة عالم ا
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي يوجه 20 سؤالا لنتنياهو تنتقد أداءه خلال الحرب على غزة
وجه الكاتب الإسرائيلي أوري مسغاف عشرون سؤال موجهة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تضمنت انتقاد الحكومة في إبرام صفقة التبادل وتأخيرها إلى فترة كبيرة، والإخلال بالأهداف المعلنة للحرب ضد قطاع غزة.
وطرح مسغاف أسئلته في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" وجاء السؤال الأول: "بماذا يختلف اتفاق إعادة المخطوفين ووقف القتال الذي وقعت عليه في هذا الشهر عن الاتفاقات التي تم وضعها
على الطاولة مرة تلو الاخرى منذ شهر أيار/ مايو 2024؟".
وتسائل الكاتب أيضا عن "لماذا ترفض أن تعرض على الحكومة والجمهور الصيغة الكاملة للاتفاق؟ وهل يشمل الاتفاق الانسحاب من محور فيلادلفيا، الخطوة التي اعتبرتها حتى الفترة الاخيرة أمر لا يمكن أن يحدث إلا على جثتك؟".
وعن المعابر في قطاع غزة تسائل الكاتب: "هل يشمل الاتفاق تشغيل معبر رفح من قبل رجال السلطة الفلسطينية؟ وكيف يتساوق فتح ممر نتساريم وعودة مئات آلاف الفلسطينيين إلى أنقاض شمال القطاع مع التزامك العلني باستئناف القتال بعد انتهاء المرحلة الأولى في الصفقة؟".
وطرح الكاتب أيضا تساؤلات "على ماذا ولماذا قتل عشرات الجنود من الجيش في عمليات متكررة في شمال القطاع، بما في ذلك في الشهر الذي سبق الاتفاق؟ وتنفيذ الوعد باستئناف القتال يعني الحكم بالإعدام على المخطوفين الذين سيبقون هناك وهذه عملية انتقائية كيف خطرت ببالك هذه الخطة؟".
وأضاف "في 7 كانون الأول/ يناير 2024، يوم إشعال الشمعة الأولى في عيد الأنوار، وبعد شهرين على المذبحة، أعلنت للمرة الأولى بأننا على بعد خطوة من النصر بعد ذلك كررت ذلك مرة تلو الأخرى ماذا عن ذلك؟ وأنت وعدت بالقضاء على حماس ونزع قدراتها السلطوية وعمليا هي التي تسيطر مدنيا وسلطويا على القطاع وتقوم بإدارة توزيع المساعدات وتجنيد مقاتلين جدد وتحافظ على قدراتها العسكرية كيف فشلت في ذلك؟".
وأوضح "أنت تصمم على تسمية حرب 7 اكتوبر حرب النهضة وفي هذه الأثناء غلاف غزة والجليل مدمرين وإعادة الإعمار تزحف وفي الكثير من البلدات حتى لم تبدأ بعد ولا توجد خطة وطنية لإعادة السكان إلى بيوتهم عن أي نهضة يدور الحديث؟".
وطرح الكاتب أسئلة "لماذا لم يتم استغلال وقف إطلاق النار الذي استمر لشهرين في لبنان من أجل التقدم نحو اتفاق سياسي دائم؟ وما هي الخطة الاستراتيجية للحكومة برئاستك التي تتعلق بلبنان وسوريا، اللتان توجد على أراضيهما الآن قوات الجيش الاسرائيلي؟".
وقال "لماذا أنت ومساعدوك تستمرون في معارضة تشكيل لجنة تحقيق رسمية لفحص المذبحة والحرب، خلافا لحرب يوم الغفران وحرب لبنان الثانية، التي خلالها وبعدها طلبت مرة تلو الاخرى تشكيل مثل هذه اللجنة؟ وهذا الأسبوع تم انتخاب رئيس للمحكمة العليا والوزراء والأبواق يديرون ضده حملة تشويه وتشهير، وأعلنوا أنهم لا يعترفون به لماذا لا تخرج بشكل علني وصريح ضد هذه الهستيريا؟".
وجاء في الأسئلة أيضا "هل حتى بعد الحرب التي قتل فيها 800 جندي وأصيب الآلاف ما تزال تؤيد إعفاء الحريديين من التجنيد؟ وهذا الأسبوع نشر في وسائل الأعلام بأن زوجتك وابنك يتدخلان من ميامي في عملية انتخاب رئيس الأركان الجديد هل هذا صحيح؟ ولماذا أيضا ترفض نشر تقرير كامل ومفصل حول حالتك الصحية كما هو مطلوب وجدير رغم أنه في السنة الماضية أجريت لك عدة عمليات جراحية وفحوصات طبية؟".
وتضمنت الأسئلة "ما هي قصة زوجتك التي توجد منذ شهرين في ميامي بما في ذلك شهادتك في محاكمة ملفات الآلاف وأثناء إجراء العملية الجراحية بدون أي تفسير رسمي للجمهور؟ وكيف يمكن أن ابنك يئير، الذي يعيش منذ سنتين في ميامي، يستمر في المشاركة من هناك كل يوم في مضامين تشهير وتآمر ضد هيئة الأركان والشباك وجهاز القضاء؟".
وجاء السؤال رقم 20 للاستفسار عن أن "أغلبية ساحقة من الجمهور سئمت منك ومن الحكومة لماذا لا تقدم استقالتك وتذهب إلى الانتخابات من أجل الحصول على ثقة الشعب من جديد؟".
وختم الكاتب مقاله بسؤال إضافي كان "هل طائرة "جناح صهيون" (الطائرة الرئاسية الإسرائيلية) ستهبط في ميامي في الطريق إلى واشنطن أم أنه توجد لك حدود أيضا؟".