وفاء الكبسي
ليحيى السنوار حكاية فريدة، سطَّر فيها اسمه في كتاب الخالدين، فنحن أمام رجل استثنائي، وُلِدَ لكي يكون مقاتلًا أُسطوريًّا بكل ما تعنيه الكلمة؛ فقد خاض السنوار غمار التحدي والصعاب، ومر طوال حياته بتجربة تجلت في المساهمة الفعالة بتأسيس حركة المقاومة الإسلامية بغزة في القرن الماضي، ثم وجد نفسه في سجون الاحتلال طيلة عقدين، قرأ فيها طبيعة العدوّ الإسرائيلي وتركيبته السياسية والفكرية والشعبيّة وتعلم اللغة العبرية، وألَّف العديدَ من الكتب والروايات، وتعد رواية “الشوك والقرنفل” من أبرز مؤلفاته التي تروي قصة النضال الفلسطيني، وحين خرج من الأسر (محرَّرًا بسطوة المقاومة التي عشقها)، عاد يتقدَّم الصفوف ليفاجئ المحبين والأعداء مرّة إثر مرّة بتصدُّره لمعارك بطولية عديدة آخرها كانت معركة “طوفان الأقصى” التي أذهلت العالم بأسره، وأدخلت الغزاة الصهاينة في حالة من البؤس لم يعرفوها في تاريخهم.
هذه السيرة الرائعة لم يكن لها أن تُتوج بغير الشهادة، والشهادة هنا كانت بعد مشاهد بطولية نسفت روايات الاحتلال، وسجلت أُسطورة البطل الاستثنائي الذي لا يعرف الخوف، بطلٌ حمل سلاحه وتقدّم الصفوف بين رجاله مقبلًا غير مدبر مدافعًا عن أرضه وشعبه، لابسًا جعبته متسلحًا ببندقيته، لم يختبئ في نفق تحت الأرض ولم يتخذ الأسرى دروعًا بشرية كما ادَّعى صهاينة العرب وإعلامهم المنحط، فاستشهد السنوار كفارس أُسطوريّ قل أن نجد له مثيلًا، استشهد وهو يقاتل بكل جسارة حتى الرمق الأخير كما ظهر في لقطات الفيديو كمشهد سينمائي ظهر للعالم أجمع صورة ملثمًا قاتلًا وحيدًا دون أن يرفع راية بيضاء، فأصبح سيد (طُـوفَان الأقصى)، وشكل نموذجًا فريدًا لبطل ملهم أُسطوري عابر للزمان والمكان، فقد كانت لحظة موته هي البداية له لا الفناء، كيف لا وهو ارتقى شهيدًا في سبيل الله كما أراد فقد قالها يومًا أنه يخشى الموت على الفراش مثل البعير أَو بجلطة دماغية أَو بحوادث طرقات لكنه لا يخاف من الموت في سبيل الله وهو يقاتل أعداء الأُمَّــة والإنسانية، والله إنها لنعمةٌ كبيرة أن تلقى الله كما يُحِبُّ وكما تُحِبُّ، وَأن تكون نهايتك الدنيوية بدايةً لخلودك الأبدي، أن تلفظ أنفاسك بين من شاركوك مسيرة الألم والأمل، وَأن تقول بلسانك ما تُصَدقُه دماؤك.
رحل السنوار رحيلًا يليق بقائد عظيم في صورة فريدة نسفت كُـلّ آمال العدوّ الصهيوني وتطلعاته لنهاية يحيى السنوار، أرادوه أسيرًا في مشهد إذلال وتشفٍّ، أَو قتيلًا في نفق أَو بين المدنيين أَو في خيام النازحين ومراكز الإيواء؛ بيد أنّ الصورة التي نشرها جنود الاحتلال لغرض التفاخر والاستعراض كشفت عن قائد فريد ملهم أُسطوري، فحق لفلسطين والأمة الإسلامية أن تَفخَر بهذا البطل الاستثنائي وللأجيال القادمة أن تحمل رسالته ورسالة من سبقوه حتى يكون النصر العظيم، ذلك النصر الذي نؤمن به؛ لأَنَّه وعْد الله الحق.
فاح عبق شهادته في الآفاق وملأت نواحيَ الأرض صورة ميلاد أُسطورة ستتناقلها الأجيال في كُـلّ ركن من أركان المعمورة، وستدرس سيرته في الأكاديميات العسكرية كبطل حارب طائرة بعصا بكل شجاعة واستبسال؛ ليظل حيًّا في ذاكرة التاريخ والشعوب، حاضرًا في عُمق القضية الفلسـطينية، وفي ميدان المقـاومة كأيقونة عظيمة لا يتكرّر، جسد في مسيرته روح التضحية والفداء، وسطَّرَ في وجه الاحتلال الإسرائيلي بطولةً فريدةً واستثنائيةً ملهمةً للأجيال وخالدة في الذاكرة وإلى الأبد، فسلامُ الله عليك يا أبا إبراهيم وعلى من سبقوك في درب الشهادة، وعلى من ينتظرون ولن يبدِّلوا تبديلًا.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
الإعصار والحب رواية للكاتبة إلهام عبد العال.. تجربة فريدة في الأدب العربي الحديث
رواية “الإعصار والحب” للكاتبة الصحفية إلهام عبد العال تمثل تجربة فريدة في الأدب العربي الحديث، حيث تخطت الكاتبة إلهام عبد العال الحدود التقليدية للروايات المترجمة وابتكرت أسلوبًا جديدًا يدمج بين الكتابة الإبداعية بلغة الأم ووصف العالم الأجنبي من الداخل.
الرواية ليست مجرد سرد لأحداث درامية في ولاية فلوريدا الأمريكية، بل هي رحلة عميقة إلى قلب التفاعلات الإنسانية والثقافات المتنوعة، حيث تواجه الشخصيات تحديات تفوق قدرتها على التوقع أو التحكم، ممزوجة بمخاطر الطبيعة وتقلباتها.
رؤية جديدة على الساحة الأدبيةتميزت الكاتبة بكتابة الرواية باللغتين العربية والإنجليزية في كتاب واحد، وهو ما يجعلها متاحة لجمهور واسع من القراء حول العالم. هذا الأسلوب لا يهدف فقط إلى جذب القارئ الغربي إلى أدب الشرق الأوسط، بل يعزز من عمق تجربة القارئ العربي الذي قد يعيش لحظات الرواية كأنه يراها بعينيه، متجاوزًا حاجز الترجمة الذي قد يضيع أحيانًا التفاصيل الدقيقة أو الروح الأصلية للعمل.
حبكة مترابطة ومركّبةتتداخل في الرواية عناصر متعددة، تجمع بين الخرافة والعلم، وبين الحب والخوف، وبين قوى الطبيعة وإرادة الإنسان. الأحداث تدور في سياق مأساوي تُظهر كيف يمكن للكوارث الطبيعية، كالإعصار المدمر، أن تجمع أشخاصًا من خلفيات وثقافات مختلفة في مواجهة مصير مشترك. من خلال عائلة أمريكية تتقاطع حياتها مع أسر من مصر والصين ودول أخرى، تقدم الرواية صورة معاصرة للعالم كقرية صغيرة تجمعها الإنسانية رغم اختلافاتها.
رسائل إنسانية وثقافية عميقةالرواية تتجاوز كونها مجرد قصة عن الحب أو الكوارث، فهي تقدم تأملات حول تأثير الماضي على الحاضر والمستقبل، وتسبر أغوار العلاقات الإنسانية التي تتبلور في أوقات الأزمات. كما تطرح أسئلة عميقة حول دور الإنسان في التلاعب بالمناخ والآثار المدمرة التي يمكن أن يخلفها. وتظهر كيف يمكن للأمل والإيمان بالحب أن يصبحا قوة دافعة لإعادة البناء المادي والمعنوي بعد الهدم.
رواية ملهمة بلغة عالمية"الإعصار والحب" ليست فقط رواية عن الولايات المتحدة، بل هي حكاية عالمية تسلط الضوء على القواسم المشتركة بين البشر، وتقدم دعوة للتفاهم والتعاون في مواجهة تحديات هذا العصر. بفضل كتابتها المزدوجة، تضع الكاتبة إلهام عبد العال الأدب العربي في سياق عالمي معاصر، لتؤكد أن القصص الإنسانية تتجاوز الحدود اللغوية والجغرافية.
باختصار، "الإعصار والحب" ليست مجرد رواية، بل هي دعوة للعيش في عالم أكثر تواصلاً وإنسانية، حيث يربطنا الحب والأمل رغم كل العواصف التي قد تهدد حياتنا.