تحولات الإعلام العبري.. انقسام لـ3 توجهات وخلق واقع معقد في إسرائيل
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
خلفت الحرب على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023 واقعاً معقداً للمواطن الإسرائيلى لاسيما حين متابعته لوسائل الإعلام الإسرائيلية وتعاطيها مع الحرب ومستجداتها وبجميع محاورها سواء كانت عسكرية أو سياسية أو حتى فى الملفات المتعلقة بها من اقتصاد وأمن داخلى، حتى فى المفاوضات الخاصة بصفقة تبادل الأسرى مع الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة.
وفى دراسة لمعهد بحوث الأمن القومى الإسرائيلى بعنوان «الإعلام الإسرائيلى المستنفر للحرب»، من إعداد أتيلا شوملبى وديفيد سيمان توف وأوفير ديان، وهى عبارة عن استنتاجات أولية من سلوك الإعلاميين والصحفيين الإسرائيليين بعد السابع من أكتوبر 2023، الذين وصفوا «طوفان الأقصى» بالهجوم الصادم لإسرائيل، حيث فاجأ الجيش الإسرائيلى والحكومة بقوته وسرعته، مشيرين إلى أن الهجوم أدى إلى تصعيد خطير فى النزاع، حيث ردت إسرائيل بقوة، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين فى غزة وزيادة التوترات على الجبهات الأخرى، خاصة مع حزب الله فى لبنان بالإضافة إلى تهديدات إيران المتكررة بالهجوم على إسرائيل، كما اعترض الحوثيون فى اليمن بعض السفن الإسرائيلية عدة مرات، وبالإضافة لذلك أعلن الحوثيون تأييدهم العلنى للفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة.
فى المقابل يركز الإعلام الإسرائيلى حالياً بشكل كبير على قضية الأسرى، حيث إن هذه القضية تتصدر العناوين الرئيسية فى الصحف والإذاعة والقنوات، فهناك أسرى ما زالوا محتجزين فى قطاع غزة، مما يثير الكثير من الجدل والخلافات السياسية داخل إسرائيل، لاسيما أنهم ليسوا إسرائيليين فقط، بل يوجد من بينهم مواطنون أمريكيون وأوروبيون، مما زاد من الضغوط الدولية على إسرائيل للتوصل إلى صفقة تبادل، بحسب الدكتور أحمد سليمان، الباحث فى الشئون الإسرائيلية.
وأضاف «سليمان» لـ«الوطن»: «شهد الإعلام الإسرائيلى تناقضات فى تصريحات بعض الشخصيات الحكومية فى إسرائيل، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذى عارض أى صفقة يمكن أن تتضمن الإفراج عن أسرى فلسطينيين، مما عقد الأمور وأثار المزيد من الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية، كما أن هناك حالة من التوتر داخل المجتمع الإسرائيلى، حيث تطالب عائلات الأسرى الحكومة الإسرائيلية ببذل المزيد من الجهود لإعادتهم، وهذه العائلات تنظم فعاليات ومظاهرات للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، وتظهر فى الإعلام بشكل متكرر للتعبير عن غضبهم وإحباطهم من التقدم البطىء فى المفاوضات، وتعتبر القناة 14 الإسرائيلية من أكثر القنوات التى تهتم بعرض حالة أسر الرهائن وتجرى معهم الكثير من اللقاءات بشكل دائم ومتكرر».
وبسبب الانتقادات اللاذعة الموجهة للحكومة الإسرائيلية لفشلها فى إدارة ملفات عديدة سواء كانت داخلية أو خارجية، انقسم الإعلام الإسرائيلى إلى ثلاثة أقسام تمثلت فى المجموعة الأولى التى تؤيد «نتنياهو» ووزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، فى إدراتهما للحرب على قطاع غزة واستمرارها، حيث ترى تلك المجموعة أن الوصول إلى صفقة لن يسمح لإسرائيل باستعادة أسراها إلا بشروط قاسية وبالتالى قد يكون تكرار أحداث السابع من أكتوبر مجرد مسألة وقت، ومن أكثر الشخصيات الإسرائيلية المؤثرة فى المجتمع وترى ذلك مردخاى كيدار الباحث المتخصص فى دراسة الشرق الأوسط، حيث ظهر مؤخراً بشكل متكرر فى الإعلام الإسرائيلى ويتبنى ذلك التوجه بشكل كبير ويعرض رأيه فى قناة «طوف» الإسرائيلية، وهذه القناة ومن يعمل بها من مذيعيين يتبنون الرأى نفسه.
فى المقابل، هناك مجموعة أخرى من المعارضين لنتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلى بشكل كبير ومن أبرزهم العميد احتياط بريك الذى يظهر بشكل مكثف فى الإعلام، موضحاً أن السبب وراء استمرار الحرب على قطاع غزة حتى الآن هو رغبة نتنياهو فى البقاء على رأس الحكومة الإسرائيلية لأن إنهاء الحرب يعنى التحقيق مع نتنياهو ووزير الدفاع ورئيس الأركان أيضاً ومحاكمتهم بسبب التقصير الذى حدث فى السابع من أكتوبر.
ويعتبر العميد بريك من أكثر الشخصيات العسكرية شهرة لأنه أول من تنبأ بأحداث السابع من أكتوبر، وقد كان يظهر فى الإعلام الإسرائيلى وينبه القادة والمسئولين باحتمالية وقوع ما حدث، حتى إن البعض لقبه باسم نبى الغضب، لأنه كان يغضب من عدم سماع المسئولين لكلامه، بحسب «سليمان».
وأضاف: «من وجهة نظرى فإن العميد بريك هو الرأى الأميل إلى الصواب، حيث يمكن أن نقول إن إنهاء الحرب بالنسبة لنتنياهو يعنى إنهاء حياته، كما أن أمر الأسرى ليس مهماً بالنسبة له كما يزعم، لأنه إذا أراد تحرير الرهائن من خلال صفقة لأوقف الحرب على الفور وأعلن عن استعداده لتنفيذ مطالب الفصائل الفلسطينية، حتى لو شملت تلك المطالب الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين الفلسطينيين».
وتابع: «المجموعة الثالثة تشمل بعض المستشرقين الذين تركوا الأمور السياسية والاجتماعية داخل إسرائيل واهتموا بتشويه صورة العرب حيث تركز تلك المجموعة على توجيه محتواها إلى الغرب، ومن أشهر المستشرقين الذين تبنوا ذلك الاتجاه داخل الإعلام الإسرائيلى، عيديت بار، وهى باحثة إسرائيلية من أصول إيرانية، حيث تظهر بشكل متكرر فى قناة (كان) تتحدث عن الإسلام السنى والإسلام الشيعى محاولة تشويه صورة كلا الجانبين، والأمر نفسه بالنسبة لباحث يسمى يحيئيل شابى وآخر يسمى أفرايم هريرا وغيرهما من المستشرقين، حيث تبذل تلك المجموعة قصارى جهدها للتشويه، وأرى أنها محاولات فاشلة لن تساعدهم فى حل مشكلاتهم».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: إسرائيل نتنياهو الاحتلال غزة لبنان الشرق الأوسط الولايات المتحدة فلسطين بيروت الإعلام الإسرائیلى السابع من أکتوبر فى الإعلام قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
توجهات إقليم كردستان في ظل متغيرات المنطقة الجيوسياسية
بقلم : د. محمد نعناع ..
هناك وعي بالشيء، وبموازاته ثمة وعي بالمصلحة الخاصة بدون وعي ذات الشيء، وهذه مشكلة معرفية كبيرة، وهي في الوقت نفسه معضلة أخلاقية تجعل من الهموم الشخصية كأنها أولويات حياتية، وقد يلتزم بها عدد من الناس على أنها عقيدة مجموعاتية، ويحدث ذلك في ظل إعلاء قيمة الرمزية والزعاماتية على حساب الواقع، أما في عالم السياسة فإنها ( أي وعي المصلحة الخاصة فقط والاهتمام بها دون الالتفات للجدوى المتحققة في الواقع) تنتج عدم نضوج سياسي مستدام، وهذا ما يحصل بين الحكومة العراقية الإتحادية وحكومة إقليم كردستان، وفي ظل هذا الوضع غير المفيد للجميع قد تنمو أزمات جديدة، خصوصاً بعد حدوث متغيرات كثيرة على المستوى الدولي والإقليمي، كما في الوضع في سوريا، وحل حزب العمال الكردستاني، والتصعيد الاحتجاجي في تركيا، وعودة تصدير نفط الإقليم. لقد استطاع الإقليم وبشكل اكثر دقة – استطاع الديمقراطي الكردستاني- ان يستمر في فرض هوية خاصة للإقليم بعيداً عن التأثيرات السياسية الداخلية والخارجية، وصمد أمام التحديات التي يعتبرها قادة الحزب تحديات وجودية، على حد قول زعيم الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، الذي كرر إشارته لرغبة أطراف كثيرة بتقويض الاستقرار في الإقليم، بل ذهب بعيداً الى حد التهديد بالانسحاب من العملية السياسية في أحد خطاباته؛ إذا استمر ما يسميه استهداف الإقليم عبر المحكمة الاتحادية وغيرها من القرارات السياسية. أن هذا المسار الجبهوي الذي يتفعل في الإقليم أثناء كل أزمة وافدة من الحكومة الإتحادية أو منبثقة من داخل الإقليم يعزز قوة الإقليم ذاتياً لكنه ايضاً يستنزف الحلول المركزية التي يجب ان يتم الحفاظ عليها حتى لا تتكرر سيناريوهات مدمرة كما حصل في صيف العام 2014. إن تصورات غير حقيقية تتبناها قوى استعدائية قد تُخرب العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، في الوقت الذي تعصف بالمنطقة متغيرات تتجاوز الحدود المحلية، وان اتفاقاً بين مظلوم عبدي رئيس قسد وأحمد الشرع رئيس النظام السوري من شأنه أن يُدخل أكراد العراق في حسابات معقدة مع شركاء لهم في الوطن، على اعتبار ان قسد يهيمن عليها المكون الكردي وتتشارك بهذا مع أكراد العراق، وهذا ما لا يروق لأطراف عراقية تعد أي تقوية لنظام الشرع في سوريا يأتي على حساب مصالحها الاستراتيجية. وتطورات من هذا القبيل تستدعي التنسيق بين القيادات الكردستانية وقادة الحكومة الاتحادية بناءً على برنامج عمل مؤسساتي يراعي المسائل التالية :
1- المشاركة في الحلول الأمنية، وعدم الانفراد بالقرار الأمني، فضلاً عن إدارة الظهر لبعضهما في قضايا داخلية وخارجية.
2- تحييد التوجهات العدائية عبر بناء الشراكات السياسية الموثقة.
3- التفتيش عن حلول غير تقليدية للازمات المزمنة عبر مؤسسات الدولة وبناء الشراكات المؤكدة في سياق استراتيجي.
4- الاستفادة من نهج السوداني غير التصعيدي وتطبيق الاتفاقات السياسية في بيئة حكومية تضمن التطبيقات المتناظرة، وضمن برنامج طويل الأمد.
5- انهاء أزمة السليمانية وحقوقها الأساسية وخصوصاً في مسألة رواتب الموظفين على أسس تحترم خصوصيات الإقليم، أو اعتماد واقعية داخلية
تحفظ حقوق الجميع.
6- التعاون في تعزيز دور العراق الخارجي، والتأثير في الفواعل الإقليمية والدولية على أساس حماية الامن القومي العراقي وتوسيع المجال الحيوي له.
لقد أثبت إقليم كردستان وتحديداً الديمقراطي الكردستاني- بأنه يتقدم خطوة دائماً على بغداد في المسألة الخارجية، لقد اكدت ذلك الزيارات التي يقوم بها مسرور بارزاني للدول الكبرى والدول ذات الاهتمام الإقليمي، ومنها زيارته إلى الولايات المتحدة الامريكية التي سبقت زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الى واشنطن ولقاءه الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في الخامس عشر من نيسان 2024 ، فقد مهدت زيارة مسرور بارزاني الطريق للحديث الأمريكي الجاد مع السوداني حول دور ووضع الكرد في العملية السياسية، وهذا النمط من التفكير يُكسب الكرد فاعلية دبلوماسية تستثنيه من أي عواصف قد تعصف بالنظام السياسي في العراق في إطار الحملة على أذرع “محور المقاومة” المرتبطة بطهران. ومن المنطقي بهذا الصدد أن يتهيأ الإقليم لأي متغير في محيط العراق مستقبلاً ويتعامل معه في سياقات مستقلة، بل قد يأخذ زمام المبادرة ويسبق دائماً أي موقف اتحادي حول القضايا الخارجية كما حصل في بيان أربيل حول سقوط نظام بشار الأسد، فقد صدر بيان سياسي رسمي من حكومة إقليم كردستان في الثامن من ديسمبر 2024 ركز على الابعاد الاستراتيجية في المنطقة دون التنسيق مع بغداد، وعد الإقليم ما فعلته هيئة تحرير الشام ( الإدارة العسكرية بقيادة الشرع) ضمن إرادة الشعب السوري، وتعمد البيان الإشارة الواضحة إلى حقوق المكونات، ويبدو أن الإقليم وعى مسألة أن سقوط الأسد يحمل أيضاً في طياته تغييرات أخرى لها تأثير على القرار الحكومي العراقي كتضاؤل الدور والنفوذ الإيراني في العراق والمنطقة. وهذه محاكاة براغماتية ستمنح الكرد إمكانية لعب دور يتجاوز المشاركة السياسية إلى مسك مفاتيح اللعبة الإقليمية بمساعدة الحلفاء الدوليين والاقليميين. ويتحقق هذا الدور عن طريق تحقيق أربيل لثلاثة مكتسبات لا تمتلكها الحكومة الاتحادية والأطراف والقوى السياسية التي تتشارك معها في معادلة السلطة :
الأول: التمكن من إقناع الفاعليات السياسية في المنطقة بأن الإقليم له توجهات خاصة لا علاقة لها بالصراع الوكالاتي والأدواتي في المنطقة، وله فلسفة خاصة في مسألة حقوق المكونات.
الثاني: الاستقلالية الاقتصادية عبر عودة تصدير نفط إقليم كردستان، وهذا ما لوحت أليه إشارات خلال الأيام الماضية مدعوماً من الولايات المتحدة الأمريكية وسط عدم ممانعة بغداد.
الثالث: الحصانة الأمنية وخصوصاً في مدياتها الحدودية، وسيتعزز هذا الأمر مع التطبيق الفعلي لقرار حل حزب العمال الكردستاني.
إن هذه المكتسبات ليست سهلة، وهي الان ليست كلها في متناول أربيل، ولكن الإقليم أيضاً يتقدم خطوة على طريق تحقيقها خلافاً لجهود الحكومة الاتحادية المكبلة بالنوازع الأيديولوجية التي تفرض نفسها على معادلة السلطة. تدرك جميع القوى السياسية العراقية بأن متغيرات المنطقة هي متغيرات جيوبوليتيكية لها تأثيرات على التوجهات العامة والتفصيلية في أكثر من دولة، ولقد حان الوقت الذي تنزع فيه كل مجموعة اجتماعية لتحصين نفسها من هذه التأثيرات، ولكن الأفضل من وجهة نظر اغلب المراقبين أن تتجه عمليات التحصين في سياق مؤسسات الدولة، وهنا كلما استطاعت بغداد صياغة الإدراكات السياسية على أساسات مستقلة وحيادية كلما تقاربت وجهتا نظر الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كردستان، وهذا المنظور سيركز قوة العراق في الفعل الإقليمي والدولي، وهو غير متحقق الأن رغم أن الذي يرسم السياسة الخارجية العراقية هو رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي يتصف بالقرب من أربيل وبالتحديد قربه من مسعود بارزاني وبالتعامل الإيجابي مع القضايا الخلافية والحساسة، وينفذ هذه السياسة وزير كردي وهو وزير الخارجية فؤاد حسين، وسبب عدم تحقق التقارب الاستراتيجي والتنسيق التفصيلي بين بغداد واربيل لحد الأن يعود إلى عدم الثقة المتبادل بين أطراف سياسية في الإطار التنسيقي وبين القيادات الكردستانية، ولهذا المعوق تراكمات بعضها ناتج عن سوء إدارة الدولة بشكل عام من جهة، ومن جهة أخرى بسبب التصاق مصائر قوى سياسية بمعادلة إقليمية إذا انهارت فستنهار هذه القوى معها. سيبقى إقليم كردستان على تعهداته الخاصة بحماية مصالحه ومكتسباته ما دامت الأطراف الأخرى تحترم هذه المصالح والمكتسبات، وستبقى الحكومة الإتحادية تعاني من عدم التوصل إلى وصفة موحدة للتعامل مع الطبخات الإقليمية والدولية، ولكنها قد تحتفظ بمساحة من النأي بالنفس لتجنيب العراق الدخول في منعطفات لا يقوى على إدارة نفسه في أتونها، ولكن السيناريو الأفضل لكلا الطرفين هو التوصل إلى إتفاقات متقدمة تقطع الطريق على استغلال الخلافات الداخلية وتوظيفها في عملية إنجاح مشروع يتعارض مع المصالح العليا للعراقيين، أي إجبار العراق على لعب دور وظيفي لا يمنحه استقلاليته المطلوبة، ولهذا على العراقيين وعي الأشياء بذاتها وليس بما يقوله الاخرون عنها، فالمصلحة تكمن في تفسيرنا للأشياء وفقاً لحاجاتنا الحقيقية، وليس لحاجات الاخرين المغلفة بدوافع وهمية.