يعدّ الهالوين واحداً من أكثر الاحتفالات الشعبية انتشاراً، لا سيما في الثقافات الغربية، حيث يُحتفل به في ليلة 31 أكتوبر. ومؤخراً بدأت بعض الدول العربية تشهد احتفالات مشابهة، خاصة في المجتمعات التي تتسم بالتنوع والانفتاح الثقافي لديها.
يعود تاريخ هذا الاحتفال إلى تقاليد قديمة، لكنه تطور بمرور الزمن ليصبح مناسبة اجتماعية تمتزج فيها الأزياء التنكرية والخدع والحلوى.

أما في السينما، فقد اكتسب الهالوين بُعداً آخر، حيث أصبح مصدر إلهام لأفلام الرعب والإثارة التي تتناول موضوعات مثل الخوف والغموض والموت. 
ترجع جذور الهالوين إلى احتفال "سامهاين" Samhain، وهو مهرجان كلتي قديم كان يُقام في نهاية موسم الحصاد وبداية الشتاء. كان "الكلتيون" يعتقدون أن الحاجز بين عالم الأحياء والأموات يصبح رقيقاً في هذه الليلة، مما يسمح للأرواح بالعودة إلى الأرض. و-في معتقداتهم-، أن الحماية من تلك الأرواح الشريرة، تكون بإرتدائهم للأزياء التنكرية وإشعالهم للنيران كي تبعد عنهم.
"الكلتيون"، تلك الشعوب القديمة التي نشأت في أوروبا منذ العصر الحديدي، توزعت بين أيرلندا، بريطانيا، فرنسا، وإسبانيا. لم يكونوا دولة موحدة، بل قبائل تتشارك لغة ومعتقدات متجذرة في الطبيعة والأرواح. اشتهروا بالفنون والحرف اليدوية، من أسلحة ومجوهرات إلى تماثيل تنبض بأساطيرهم. وسط دورات الفصول. مع مرور الزمن، اندمجت هذه التقاليد مع الاحتفالات المسيحية، وأخذ الهالوين شكله الحديث في الثقافة الغربية، الذي يتميز بالاحتفالات التنكرية وتوزيع الحلوى والخدع. 
إن الهالوين يشغل من النفس البشرية مكانة لا تبارى، فهو ليس مجرد احتفال عابر، بل حالة أقف عندها متأملة. ففي هذا اليوم، يتحول الناس إلى شخصيات أخرى، ويطلقون العنان لأفكارهم الإبداعية الكامنة، وكأنهم يرتدون أقنعة تكشف عن جوانب مظلمة من أنفسهم.. ومع ذلك، يجدون في هذا اليوم ملاذاً آمناً، حيث يواجهون رهبتهم، لا بقلوب خافقة أو عيون قلقة، بل بابتسامات ساخرة، وبطريقة، يرونها مسلية، تجعلهم يلهون بما يخشونه، ويتنكرون بما يرتعدون منه، كأنهم يضحكون في وجه الظلام!
قد يكون ارتداء الأزياء التنكرية في الهالوين ضرباً من التمرد الصامت، يتمكن من خلاله الناس أن يفلتوا من قبضة واقعهم اليومي، وأن يتقمصوا شخصيات أخرى، مرعبة أو مرحة. ففي تلك الليلة، يرتدون الأقنعة، لا ليخفوا وجوههم فحسب، بل ليخفوا أنفسهم أيضاً، ويهربون من ضغوط الحياة، كأنهم يجدون في التنكر حصناً يحررهم ولو مؤقتاً من تلك القيود. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوز إلى ما هو أعمق وأشد غرابة. فهم يقبلون على تجربة الخوف، يسعون إليه، يطلبونه طلباً، فيضعون أنفسهم عن طيب خاطر في مواقف مرعبة، يشاهدون أفلام الرعب، ويدخلون بيوت الظلام المخيفة. ولعلهم يفعلون ذلك لأنهم يدركون، أن هذا الخوف الذي يعيشونه لحظات، خاليا من الخطر الحقيقي. فتلك اللحظات تمنحهم الفرصة لمواجهة الرعب، لا ليهربوا منه، بل ليتحدّوه ويتحكموا فيه، كأنما يستمتعون بإحساسهم بالقوة والسيطرة عليه.
لكن، في بعض الثقافات، يبدو الهالوين وكأنه فصل من فصول الحياة، فصلاً يعلن قدومه نهاية دورة وبداية دورة جديدة. يتزامن مع فصل الخريف، حيث تسقط الأوراق وتتهيأ الأشجار لاستقبال شتاء قاسٍ. فكأنما الاحتفال بهذا اليوم هو احتفال بالتجدد والتحول، ووداع لشيء قديم، واستقبال لشيء جديد. فهو لحظة من لحظات التحرر، يبذل فيها الناس أقنعة الماضي، ويتهيئون لرحلة جديدة مع الحياة.
ولعل هذه الروح المتجددة والمتناقضة في الوقت ذاته، هي ما جعلت الهالوين مصدر إلهام غني لصناع الأفلام، وخاصة في أفلام الرعب، التي تستفيد من هذا الاحتفال لخلق أجواء مرعبة. فهو يوم تتداخل فيه الحياة والموت، المرح والخوف، مما يتيح للسينما أن تستلهم من رمزيته وتبتكر قصصاً تثير الفزع والدهشة في آن واحد.
ولم يكن غريباً أن تستخدم الأفلام التي تدور حول الهالوين الأزياء التنكرية والأقنعة كرمز للوحشية الخفية داخل الإنسان. ففي فيلم "هالوين" الشهير للمخرج "جون كاربنتر" (1978)، وإنتاج "مصطفى العقاد"، نجد أن القناع الذي يرتديه "مايكل مايرز" يعبر عن وحشية غامضة، كأنما هو هروب من الهوية الإنسانية إلى الهوية المتوحشة. تلك الوحشية ليست إلا تجسيداً للرعب الذي يسكن أعماق النفس البشرية، مما يجعل من الهالوين فرصة مواتية لظهور هذا الجانب المظلم الذي يبقى مختبئاً معظم أيام السنة. ولعل هذا الجانب هو ما دفع الكثير من الأفلام إلى استغلال أجواء الهالوين، فتعتمد على خلق بيئة غامضة ومثيرة للخوف، حيث تتجسد الرهبة في الأزقة المظلمة والمنازل المهجورة، لتصبح خلفية مثالية للأحداث المرعبة.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، فيلم "خدع أو حلوى" (Trick 'r Treat)  الذي يقدم خمس قصص تقع جميعها في ليلة الهالوين، مستفيدة من بيئة الهالوين المظلمة والمشبعة بالغموض لإضفاء جو من الرعب والتشويق. تم إنتاج الفيلم في عام 2007، وأخرجه "مايكل دورتي" الذي كتب أيضاً السيناريو، ليخلق من خلاله تجربة سينمائية ترسم تفاصيل الخوف والمفاجأة، تماماً كما يفعل الهالوين نفسه.
  في بعض الأفلام، يكون الهالوين رمزاً لمواجهة قوى خارقة للطبيعة، حيث تظهر مخلوقات أو أشباح تهدد الشخصيات. الأفلام التي تصور الهالوين غالباً ما تعكس خوف الإنسان من المجهول والموت. هذه الأفكار يتم تجسيدها في العديد من الأعمال التي تسعى لربط ليلة الهالوين بالقوى الغامضة التي يُعتقد أنها تتحرك في الظلام.
لا يمكن إنكار أن السينما لها دور كبير في تشكيل الثقافة الشعبية للهالوين. فقد ساعدت الأفلام في تعزيز الاهتمام بالاحتفال وفي ترسيخ بعض الرموز المرعبة المرتبطة به، مثل الأقنعة والسكاكين والمخلوقات المخيفة. هذه الأفلام لم تكتفِ فقط بعرض الهالوين كخلفية للأحداث، بل أسهمت في ابتكار أساطير وقصص جديدة أصبحت جزءاً من ثقافة الهالوين نفسها. في رأيي، يمثل الهالوين تداخلاً بين الخوف والمرح، وبين الواقع والخيال. هذا التداخل هو ما يجعل منه مادة دسمة للأفلام التي تحاول استكشاف الأبعاد النفسية للخوف والوحشية والهروب من الواقع. على الرغم من أن الاحتفال في الأصل كان وسيلة لدرء الشرور، إلا أنه تحول إلى طريقة للاحتفال بالخوف نفسه، وتحدي المجهول والاحتفاء بالغموض.  ومن هنا، لم يعد الهالوين مجرد ليلة من الأزياء والخدع، بل رمز يجسد كيفية تعاملنا مع الواقع، بجرأته وغموضه.
من قال إن الهالوين احتفال بالرعب؟ إنه يشبه الحياة نفسها، احتفال بالجرأة على ملامسة المجهول، والتحدي وسط ظلام لا نعرف نهايته. فالأقنعة التي نرتديها، سواء في الهالوين أو في الحياة اليومية، ليست دائماً لإخفاء الوجوه، بل أحياناً تكشف عن حقائق نخفيها خوفاً أو تردداً. في كل يوم، تتحول مخاوفنا من أعداءٍ إلى أصدقاء، نعتادها، نضحك في وجهها، تماماً كما نفعل في ليلة الهالوين. فالحياة، ليست عن النجاة من الخوف، بل عن القدرة على التعايش معه وتحويله إلى ضوء يكشف لنا طريقاً جديداً.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

45 لوحة في معرض «الأرض» مستلهمة من فيلم عبدالرحمن الشرقاوي في معهد النقد الفني

يستضيف المعهد العالي للنقد الفني فعاليات المعرض الفردي الخاص بعنوان «الأرض» للفنان التشكيلي بدوي مبروك، وذلك بمقر المعهد ويستمر المعرض حتى نهاية الشهر الجاري. وتدور أعمال المعرض حول الدلالات المتعددة لكلمة «الأرض»، سواء كانت الوطن أو الأم أو الزراعة والنماء والخير أو غير ذلك.

وأضاف الفنان التشكيلي بدوى مبروك الأستاذ بكلية الفنون التطبيقية ومدير ثقافة القرية بقصور الثقافة لـ«الوطن»: «المعرض يضم نحو 45 لوحة بمقاسات مختلفة وهو حفر على الخشب وطباعة بارزة على الورق».

وعن مفهوم الأرض الذي ينطلق منه، قال «بدوي»: «تيمة الأرض هي مجموعة من القيم والأنشطة المعبرة عن الحياة وعن النشأة والميلاد والطيبة والوطن والأصالة وحب الأهل وهي الزرع والحصاد والعادات والتقاليد والروح الجميلة التي تربطنا منها وتوصل الأجيال بعضها ببعض».

واسم المعرض مُستلهم من رواية وفيلم «الأرض» للأديب عبد الرحمن الشرقاوي، وفندت في المعرض مشاهد فيلم «الأرض» في العمل الفني، موضحا أُعبر بمفردات البيئة الريفية، كما يظهر الفتى ابن الفلاح الذي يحاكي والده بربط المنديل على رأسه وفي لوحة مجاورة تظهر الفتاة الصغيرة وهي تلعب في الحقل، «تأكيدا على مشاركة المرأة للرجل في العمل»، وفسر ما يظهر في الأعمال العلاقة الراقية بين الكائنات الحية على الأرض.

واستكمل: «لتعكس العلاقات الحانية، واللمة والوحدة، والتظلل بطيبة الأرض التي تسع أهلها وتستوعب كل الضيوف من الأشقاء. كما تظهر اللوحات التي تحتفي بالسنابل والغيطان والخير، وكذلك البقرة رمز العطاء والإلهة حتحور. كما تخير للألوان الأبيض والأسود، موضحا: «تخرج منهما جميع الألوان».

الفنان بدوى مبروك

الفنان بدوى مبروك حاصل على درجة الدكتوراه في الفنون الجميلة جامعة حلوان، وهو من مواليد قرية البلاعزتين بمدينة مغاغة بمحافظة المنيا، شارك في صالون الأول لفن الرسم بمركز الجزيرة للفنون 2004، وترينالي الجرافيك الدولي الخامس بقصر الفنون 2006، وقام بتقديم ورشة عمل بكلية الفنون الجميلة، وحصل على العديد من الجوائز، منها الجائزة الأولى في مجال الجرافيك بالمسابقة العامة للفنون التشكيلية، جائزة تشجيعية بيبنالي بورسعيد القومي الثامن 2009.

وكانت الدكتورة غادة جبارة رئيسة أكاديمية الفنون، الدكتور وليد شوشة عميد المعهد العالي للنقد الفني، قد افتتحا معرض «الأرض» وذلك بمقر المعهد بحضور محمد  ناصف نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والدكتور حنان موسى رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث بالهيئة، و أساتذة المعهد العالي للنقد الفني.

 

مقالات مشابهة

  • «الحريفة 2» الأعلى في سباق إيرادات الأفلام خلال 21 يوما بهذا الرقم (صور)
  • تفاقم المخاوف من خطة إسرائيلية بعد غارة الفجر
  • بطرسبورغ تشهد افتتاح مهرجان السينما الهندية
  • 45 لوحة في معرض «الأرض» مستلهمة من فيلم عبدالرحمن الشرقاوي في معهد النقد الفني
  • وهبي يكشف عن أهم التعديلات التي جاءت بها مراجعة قانون الأسرة
  • لماذا يلجأ بعض صنّاع السينما للتعقيد؟ ريتا تجيب
  • يداه ترتعشان..توم هانكس يثير المخاوف
  • الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية يقترح فتح أماكن عروض جديدة بمراكز ومدن المحافظة
  • ٥ فبراير انطلاق مهرجان الأفلام التسجيلية الدولي بالإسماعيلية
  • محافظ الإسماعيلية يستقبل رئيس المهرجان الدولي للأفلام التسجيلية