يُحسب للدستور الحالى أنه حرر منصب رئيس مجلس النواب من قبضة السلطة التنفيذية التى كانت تتحكم فى ترشيحه عن طريق الأغلبية التى يملكها الحزب الحاكم تحت القبة عندما كان يرأسه رئيس الجمهورية، هذا التحول يعتبر إيجابية مهمة من إيجابيات الدستور الذى ألغى نظام الكفيل الذى كان يختار رئيس مجلس النواب بناء على اعتبارات تخرجه عن حياده وتسمح بلىّ ذراع السلطة التشريعية إعمالاً لمبدأ «سيب وأنا أسيب»، و«اللى فات مات» الذى شاع فى هذه الفترة، وللأمانة فإن الدكتور أحمد فتحى سرور الذى استمر رئيساً لمجلس الشعب لأكثر من 20 عاما متصلة، وكان يجدد له كل عام أى فى بداية كل دور انعقاده من الفصل التشريعى، قد أدى الأمانة ومارس سلطته كاملة فى إدارة مجلس النواب، وحافظ على مهام المجلس فى القيام بمهامه التى منحها له الدستور، وأولها أنه كان يحمى الأقلية تحت القبة، ويمنح نواب أحزاب المعارضة والمستقلين الحرية فى إبداء آرائهم المعارضة للسلطة، كما كان يحد من شطحات الأغلبية التى كانت تمارس التغول وفرض النفوذ والرغبة فى تحقيق المصالح الشخصية استناداً إلى الحزب الحاكم، لكن كان رئيس المجلس يدفع ثمن حياده فى الجلسة التى كنت أطلق عليها جلسة «تحديد المصير» والتى كان يعقدها حزب الأغلبية لهيئته البرلمانية فى مبنى الحزب بكورنيش النيل برئاسة رئيس الحزب وهو نائب رئيس الجمهورية وفى حضور أعضاء لجنة السياسات والتى مارست نفوذها وفرضت أعضاءها على الحزب وعرفت بالحرس الجديد فى مواجهة الحرس القديم فى الحزب الحاكم.
الثمن الذى كان يواجهه رئيس مجلس الشعب هو وقوف الأغلبية ضد تجديد ترشيحه لفترة جديدة فى رئاسة مجلس الشعب، وكانوا يصدرون له أحد نواب الصعيد المعروف عنه صوته العالى استناداً إلى صداقته القديمة برئيس الحزب وكان هذا النائب يطالب بإجراء تغيير لرئيس المجلس، قائلاً: «كفاية عليه كده يا ريس عاوزين تغيير»، وبعد شد وجذب ومحاسبة وعتاب وانتقاد تترك الهيئة البرلمانية أمر ترشيح رئيس المجلس لرئيس الحزب وهو رئيس الجمهورية ويأتى القرار باستمراره واستمر هذا الحال من عام 1990 حتى عام 2011 وهو وقت قيام ثورة 25 يناير والتى كانت من بين أحداثها حرق المقر الرئيسى للحزب الوطنى الحاكم، وللأمانة أيضاً كان الدكتور سرور يفوز برئاسة مجلس الشعب فى الانتخابات التى كان يجريها المجلس وكان يخوضها كمرشح للأغلبية، وكان يحظى بثقة نواب المعارضة والمستقلين أيضاً، كنت أسأل الدكتور سرور عن المعاناة فى ترشيحه من الحزب الحاكم وقلت له فى إحدى المناسبات: لماذا لم يتم انتخاب رئيس مجلس الشعب لمدة الفصل التشريعى بالكامل من وكيلى المجلس أيضاً، وجاء فى المادة 177 من الدستور الحالى أن مجلس النواب ينتخب رئيسا ووكيلين من بين أعضائه فى أول اجتماع لدور الانعقاد السنوى العادى لمدة فصل تشريعى، ولم يجعل الدستور هذا الانتخاب مطلقاً ولكن وضع فى يد ثلث أعضاء المجلس حق التقدم بطلب إعفاء أى منهم يخل بالتزامات منصبه ويصدر القرار بالأغلبية كما قيد الدستور انتخاب رئيس المجلس والوكيلين لمدة فصلين تشريعيين فقط.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن محمود غلاب ترشيحه عن الحزب الحاکم مجلس النواب رئیس المجلس مجلس الشعب رئیس مجلس التى کان
إقرأ أيضاً:
عبقرية صلاح جاهين
يقول عمنا «كما أحب أن أناديه» عن نفسه فى الرباعيات «فى يوم صحيت شاعر براحة وصفا الهم زال والحزن راح واختفى... خدنى العجب وسألت روحى سؤال.. أنا مت؟ و لا وصلت للفلسفة؟»، كان جاهين الفيلسوف يدعو الناس دائماً أن يشربوا كلماتهم ليدركوا طعمها إذا كانت حلوة أو مُرة، حقيقى إننى أشرب أشعار هذا الفيلسوف بغض النظر عن طعمها، وأنا أنضم إلى رأى الكاتب الكبير «يحيى حقى» عندما قال «لقد خدعنا صلاح وهو يصف نفسه تارة بالبهلوان وتارة بالمرح– فإن الغالب على الرباعيات هى نغمة الحزن»، فهذا الشاعر الذى فارق الحياة منذ حوالى نصف قرن تقريباً، ما زالت الطاقة الإبداعية التى غرسها فى وجداننا سوف تأتى ثمارها كلما اقترب أحد من قراءة أشعاره التى تكشف روعة الشعر ووعى الفيلسوف الذى يلاحظ ما لا يلاحظه عامة الناس. وإننى أشعر كلما قرأت رباعية من رباعياته أن الرجل يحيا بيننا ويحكى لنا عما يراه فى زماننا، من تلك الأبيات التى ذكرتنى به «النـدل لما اغتنى أجر له كام طبال.. والطبل دار فى البــــلد عمَّال على بطَّال.. لاسمعنا صوت فى النغم ولا شعر فى الموال.. أصـــــل الندل مهمــا عِلى وكتر فى أيده المال.. لا فى يوم هيكون جدع ولا ينفع فى وســـط رجال.» الله عليك يا عمنا.. فقد أنتشر الأندال فى كل مكان وسيطروا وأصبح الكون كله داخل بطونهم.
لم نقصد أحداً!