فى تلك الساعات يجتمع ممثلو العديد من الدول من وزراء مالية ومحافظين للبنوك المركزية ومعهم بالطبع مصر فى واشنطن حيث مقر صندوق النقد والبنك الدوليين فى مؤتمر موسع لبحث التضخم العالمى وتباطؤ الاقتصاديات.
ويأتى هذا المؤتمر فى وقت حساس بالنسبة لمصر ومع مطالبة الرئيس السيسى للحكومة بمراجعة سياسات صندوق النقد تجاه القاهرة بحيث لا تأتى تلك السياسات بالمعاناة أكثر على الشعب المصري.
ويأتى كل ذلك وسط آراء اقتصادية معتبرة تطالب بضرورة إرغام الصندوق على تخفيف قبضته التى تسببت فى انهيار قيمة الجنيه المصرى وحدوث موجة غلاء غير مسبوقة.
مصر بدأت علاقتها مع صندوق النقد الدولى منذ السبعينيات، وهى علاقة امتدت لعقود وشهدت العديد من البرامج والتسهيلات التى قدمها الصندوق لمساعدة الاقتصاد المصرى فى مواجهة التحديات. ورغم أن الهدف المعلن كان تحقيق الاستقرار المالى والاقتصادي، إلا أن تلك البرامج غالبًا ما أثارت جدلًا واسعًا، لما صاحبها من أزمات اقتصادية واجتماعية أثرت على حياة المواطنين.
تعود أول تعاملات مصر مع صندوق النقد الدولى إلى عام 1976 عندما لجأت الحكومة المصرية إلى الصندوق للحصول على قروض مالية نتيجة التحديات التى واجهت الاقتصاد بعد حرب 1973. كانت الحكومة المصرية تسعى إلى إعادة هيكلة الاقتصاد والتخفيف من عبء الإنفاق العسكري، واستعادة الاستقرار المالى الذى تضرر بشدة بسبب الحرب.
اتفاقيات وإصلاحات:
برنامج عام 1991 واحد من أبرز محطات تعامل مصر عندما اتفقت مصر مع الصندوق على برنامج للإصلاح الاقتصادى. كان هذا البرنامج يشمل تحرير أسعار الصرف، وخصخصة بعض الشركات المملوكة للدولة، ورفع الدعم التدريجى عن السلع الأساسية. رغم النجاح الجزئى فى تحقيق الاستقرار المالي، إلا أن البرنامج تسبب فى أزمات اجتماعية خطيرة تمثلت فى ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة معدلات الفقر. وبعده توقفت الحكومة المصرية عن اللجوء لصندوق النقد، البرنامج الاقتصادى مع الصندوق الذى نحن بصدده فبدأ فى نوفمبر 2016، لجأت مصر مرة أخرى إلى صندوق النقد الدولى لطلب قرض بقيمة 12 مليار دولار. وارتبط هذا القرض ببرنامج إصلاح اقتصادى صارم شمل تعويم الجنيه المصري، رفع الدعم عن الوقود والكهرباء، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. رغم أن البرنامج نجح فى تحقيق بعض المؤشرات الإيجابية مثل تقليص العجز المالى وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي، إلا أن تداعياته الاقتصادية كانت مؤلمة، حيث ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير، وزادت الأعباء المعيشية على المواطنين.
ومن الأزمات الناتجة عن التعامل مع صندوق النقد الدولي: ارتفاع معدلات التضخم وكان تعويم الجنيه المصرى فى 2016 سببًا رئيسيًا فى ارتفاع كبير فى معدلات التضخم، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية والخدمات بشكل غير مسبوق. تأثيرات هذا الارتفاع شعر بها المواطنون على مستوى الحياة اليومية، خاصة الطبقات الفقيرة.
وتأثر المواطن المصرى بشكل مباشر من السياسات الاقتصادية المرتبطة ببرامج الصندوق، حيث ارتفعت معدلات الفقر والبطالة نتيجة تسريح العمالة من شركات القطاع العام التى تمت خصخصتها، ونتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة بعد رفع الدعم عن السلع والخدمات، وعلى الرغم من الأزمات التى تسببت بها سياسات صندوق النقد الدولي، إلا أن هناك بعض الإيجابيات التى تحققت مثل زيادة احتياطيات النقد الأجنبي، وتحقيق نمو اقتصادى نسبى فى بعض الفترات. كما ساعدت تلك السياسات فى تعزيز الشفافية وتحسين المناخ الاستثمارى فى البلاد.
التحديات الأكبر تكمن فى الآثار الاجتماعية التى صاحبت برامج الإصلاح. لا يزال المواطن المصرى يعانى من ارتفاع تكاليف المعيشة، وضعف القدرة الشرائية، وزيادة معدلات الفقر. كما أن الدين الخارجى المتزايد يمثل تحديًا كبيرًا أمام الحكومة المصرية لتحقيق استدامة مالية على المدى الطويل.
تعامل مصر مع صندوق النقد الدولى كان وما زال محورًا رئيسيًا فى مسيرة الاقتصاد المصري، ورغم النجاحات المحدودة التى حققتها تلك التعاملات، فإن الأزمات التى رافقتها أظهرت الحاجة إلى سياسات اقتصادية متوازنة تأخذ فى الاعتبار الأبعاد الاجتماعية. تحتاج مصر إلى نماذج إصلاح اقتصادى تراعى الطبقات الفقيرة والمتوسطة وتحد من الآثار السلبية التى طالما صاحبت تدخلات صندوق النقد الدولى فى شؤونها الاقتصادية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تلك الساعات بالطبع مصر واشنطن صندوق النقد تجاه صندوق النقد الدولى الحکومة المصریة مع صندوق النقد إلا أن
إقرأ أيضاً:
بعد تمويل مزرعة الرياح المصرية.. أبرز تمويلات الأوبك خلال 2024
حقق صندوق أوبك للتنمية الدولية التزامًا قياسيًا جديدًا بقيمة 2.3 مليار دولار في عام 2024، بزيادة 35% مقارنة بالعام السابق. وتم توزيع هذه الالتزامات عبر 70 مشروعًا في مختلف أنحاء العالم، بهدف مكافحة تغير المناخ، وتعزيز الأمن الغذائي العالمي، ودعم التحول في قطاع الطاقة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
صرّح عبد الحميد الخليفة، رئيس صندوق أوبك، قائلاً:"في عام 2024، حدد صندوق أوبك معيارًا جديدًا في تقديم تمويل تنموي مؤثر لمواجهة الأولويات العالمية. تعكس التزاماتنا القياسية قدرتنا على تعزيز العمل المناخي والصمود الاجتماعي، إلى جانب قوة شراكاتنا مع الدول والمؤسسات التنموية مثل البنك الدولي ومجموعة التنسيق العربية. ومع اقتراب الذكرى الخمسين لتأسيس الصندوق، وبدعم قوي من دولنا الأعضاء والمستثمرين في أسواق رأس المال، نحن في وضع مثالي لتعظيم الأثر وخلق فوائد دائمة للمجتمعات حول العالم."
التوزيع الإقليمي للتمويل في 2024
شمل تمويل صندوق أوبك لعام 2024 المشاريع في:
الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا وآسيا الوسطى (39% من إجمالي الالتزامات).
إفريقيا جنوب الصحراء (34%).
آسيا والمحيط الهادئ (13%).
أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (11%).
مشاريع إقليمية وعالمية (3%).
تم تقديم هذه الأموال من خلال مجموعة من الأدوات المالية، بما في ذلك الإقراض للقطاعين العام والخاص، وتمويل التجارة، ومنح الدعم التنموي.
تمويل السياسات التنموية: شكل الإقراض القائم على السياسات 19% من إجمالي التمويل، حيث دعم برامج التنمية المستدامة في دول مثل أرمينيا (50 مليون دولار)، ساحل العاج (60 مليون دولار)، الأردن (100 مليون دولار)، الجبل الأسود (50 مليون دولار)، المغرب (100 مليون دولار)، سريلانكا (50 مليون دولار)، وأوزبكستان (70 مليون دولار).
تعزيز الأمن الغذائي العالمي والعمل المناخي:زاد صندوق أوبك التزاماته في قطاع الزراعة بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2023، حيث قدم 261 مليون دولار لدعم الاستدامة الزراعية في دول مثل بنين (26 مليون دولار)، إسواتيني (20 مليون دولار)، هندوراس (15 مليون دولار)، ليسوتو (20 مليون دولار)، مالاوي (20 مليون دولار)، رواندا (20 مليون دولار)، تنزانيا (50 مليون دولار)، وتركيا (50 مليون دولار).
دعم مشاريع الطاقة المتجددة، التي شكلت 40% من التزامات قطاع الطاقة، بما في ذلك:
مشروع بيغانا وجامري للطاقة الكهرومائية في بوتان (50 مليون دولار)
مزرعة رياح السويس في مصر (30 مليون دولار)
مشروع روغون للطاقة الكهرومائية في طاجيكستان (25 مليون دولار)
مزرعة رياح بقدرة 42 ميجاواط في أوغندا (16.5 مليون دولار)
استثمارات أخرى لتعزيز النقل والطاقة، مثل مشاريع في جمهورية الدومينيكان (120 مليون دولار)، موريتانيا (40 مليون دولار)، وأوزبكستان (37.5 مليون دولار)، مما يساهم في تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة (طاقة نظيفة وميسورة التكلفة).
البنية التحتية المستدامة والمقاومة للمناخ: خصص الصندوق 12% من تمويلاته لدعم قطاع النقل وتحسين الربط بين الدول، بتمويل مشاريع في مدغشقر (30 مليون دولار)، عمان (180 مليون دولار)، باراغواي (50 مليون دولار)، السنغال (38 مليون دولار)، تنزانيا (41 مليون دولار)، وأوغندا (30 مليون دولار).
دعم القطاع المالي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة: خصص الصندوق أكثر من 270 مليون دولار لدعم الحكومات والبنوك المحلية في تقديم قروض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في أرمينيا، بنغلاديش، البوسنة والهرسك، جمهورية الدومينيكان، نيبال، باراغواي، وأوزبكستان.
كما قدم 375 مليون دولار في تمويل التجارة لدعم تدفق السلع الأساسية والمنتجات الزراعية بين الدول النامية.
تعزيز الشراكات الدولية
في عام 2024، عزز صندوق أوبك شراكاته مع مؤسسات رئيسية، بما في ذلك:
البنك الإفريقي للتنمية (AfDB)
مجموعة التنسيق العربية (ACG)
البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)
بنك الاستثمار الأوروبي (EIB)
البنك الدولي (من خلال اتفاقية تمويل مشترك)
الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) وFONPLATA (من خلال مذكرات تفاهم)
كما وقع الصندوق اتفاقيات إطارية مع أوزبكستان، كازاخستان، وتركمانستان لتعزيز تأثيره في منطقة آسيا الوسطى.
بهذا الأداء القياسي في عام 2024، يواصل صندوق أوبك دوره الرائد في تمويل التنمية ودعم الأولويات العالمية لتحقيق الاستدامة والنمو الاقتصادي.