(عذرا سينما)فيلم من بطولة ويأس غزة
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
تجلس في قاعة المسرح البلدي برام الله، على كرسي ناعم ودافئ لتشاهد برد غزة وجحيمها، قادمًا من بيتك وحارتك الهادئة، ومتناولًا وجبة مسخن فلسطيني دسمة، تتمتع برفاهية أن تخرج إلى مرحاض نظيف في الطابق الثاني من المسرح، لا يزاحمك فيه أحد، ولا يقف أمامه طابور هائل من الناس، ثم تهبط الدرج بهدوء دون خوف من قصف مفاجئ أو رصاص قناصين، عائدًا إلى نعومة مقعدك في المسرح لتتفرج على مدينة طالما أحببتها ورغبت في زيارتها، بلا بيوت ولا مراحيض ولا وجبات ولا هدوء، مدينة اسمها غزة.
خطف انتباهي من هذه الأفلام فيلم (عذرًا سينما) للمخرج الشاب المعروف أحمد حسونة، صاحب الفيلم الشهير استروبيا الحاصل على العديد من الجوائز العالمية، أهمها مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، عام 2019. ويسلط الفيلم الضوء على تداعيات الهجرة من فلسطين مثل البطالة والفقر والسعي إلى معانقة الحرية وغيرها من الأسباب، وذلك من خلال سرد قصة أربعة شباب تدفعهم ظروف الحياة للهجرة من غزة عن طريق البحر في عام 2012، فيعيشون صراعات مختلفة يذهب ضحيتها مهاجرون أبرياء.
عذرًا سينما لأحمد حسونة، فيلم سريع وقصير، وتخيلت مخرجه وهو يصوره وكأن طائرة (كواد كابتر) احتلالية تطارده في كل الأماكن، لكنه ترك أثرًا عميقًا في قلبي لدرجة أنني بكيت من أجل مخرجه وهو يروي قصة الجحيم الذي ما زال يعيش فيه بعد 7 أكتوبر، مقارنًا هذا الجحيم بواقع أقل جحيمية كان قبل 7 أكتوبر. يقول المخرج الغزي رشيد مشهراوي صاحب فكرة مشروع أفلام المسافة صفر ردًا على سؤالنا حول سياق الفيلم: "كان المخرج الشاب أحمد حسونة على تواصل دائم معي قبل 7 أكتوبر، متحمسًا جدًا لصنع أفلام وتقديم رواية غزة الحصار، وبعد 7 أكتوبر، تواصلت معه طالبًا منه المشاركة في مشروع المسافة صفر فلم يتحمس، لانشغاله بلقمة الحياة له ولأسرته، لكني ذكّرته بحماسه القديم وقلت له: هذه فرصتك، اكتب سيرتك الفنية عبر فيلم واكتب يأسك وجوعك، فوافق فورًا وأخرج فيلمًا جميلًا مؤثرًا أحببته جدًا".
يسرد المخرج قصصه الشخصية مستعينًا بمقاطع سابقة من حياته كمخرج يتنقل هنا وهناك مع طاقم التصوير وهو يصور أفلامه السابقة، بلا سماء مجنونة وبعشاءات هانئة وضحك وليل آمن وأحلام متواصلة وقوية، رغم الحصار الذي كان مفروضًا على غزة ومنع الفنانين من السفر. وهذا الواقع، طبعًا، لا يقارن بما يحدث الآن من كابوس لا يصدق. يتداول الغزيون نكتة يروونها بحسرة: "كنا زمان نحكي يا رب تفرجها، وبعد 7 أكتوبر صرنا نقول: اكتشفنا أن الله مفرجها علينا من زمان".
يقول المخرج أحمد حسونة ردًا على سؤالنا عن دافعه وإحساسه مع فيلمه عذرًا سينما: "هذا فيلم يحكي قصتي ولم أتخيل يومًا أن أصنع فيلمًا عني، لكن بعد فكرة المسافة صفر لرشيد مشهراوي، وافقت دون حماسة لعمل فيلم عني، ومن دردشاتي الطويلة مع رشيد على وقع زنانة الاحتلال وقذائفه، عثرت على رؤية الفيلم، وهو من إفرازات المشاعر المشحونة والمختنقة. قبل 7 أكتوبر كنت صانع أفلام وثائقية ودرامية، ومشغولًا باستمرار، بكتابة سيناريوهات الأفلام، لكن بعد 7 أكتوبر انقلب كل شيء رأسًا على عقب، الفيلم عبارة عن تجميع المشاهد الوثائقية التي اشتغلتها قبل 7 أكتوبر بسنتين، مع بداية الحرب، صار الهم هو توفير لقمة العيش، هذا فيلم كتبته بمشاعر لا بكلماتي".
خرجت من المسرح البلدي بعد آخر لحظة من فيلم مشروع المسافة صفر، شاعرًا بأن المسافة بيني وبين الجنون مسافة صفر. هذه أفلام أحرجتني، وأخجلت قلبي، كابن رام الله المدللة الهادئة، عدت إلى البيت، وكنت أعرف أن مخرجي وأبطال هذه الأفلام، لم يعودوا بعد التصوير إلى بيوتهم، بل إلى مكان آخر اسمه الخيمة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قبل 7 أکتوبر بعد 7 أکتوبر المسافة صفر ا سینما فیلم ا
إقرأ أيضاً:
فشل وظيفة إسرائيل كقاعدة متقدمة بعد السابع من أكتوبر
أعراض توجب النظر* أن الغرب أتى بعدته وعديده لحماية إسرائيل وكانت تنهار نتيجة 7 تشرين الأزل/ أكتوبر بخلفية موروثة خرافية، وهي تعد للغرب دولة وظيفية للحرب في المنطقة وما يفسر هذه الهيستريا والجرائم ضد الإنسانية هو الخوف أن يعيد النظر الغرب في الجدوى من دعمها على حساب مصالحهم.
* أن أمريكا أدخلت جنودا منها أو يحملون جنسيتها في القتال لإبراز تفوق موهوم لم يتحقق.
* أمريكا قدمت أسلحة الإبادة الجماعية لإسرائيل فكانت طرفا في الحرب التي استمرت خمسة عشر شهرا، وكانت عمياء أمام مشاهد جرائم الحرب فلا ترى أبرياء يقتلون
* ترامب بالغ في التصرف كتاجر على حساب موقع الرياسة، وجعل أهليته كرئيس موضع جدل.
* ترامب يمتدح إنجازات إسرائيل اللاإنسانية لمجرد أن يثبت أنها لم تفشل كقاعدة متقدمة في الشرق الأوسط، وهو الهم الأكبر ومظهر غباء الاستراتيجية في التعامل مع دول المنطقة.
* الرعب مسيطر على الصهاينة، معاداة للمخالفين ونظرة عدمية للفلسطينيين.
* بانوراما تسليم الأسرى والثقة الكاملة بالقساميين من الأسرى لا تحتاج تقريب الصورة.
غزة نموذج نظرية من الواقع:
القضية الفلسطينية فاعلة منذ 1948 عندما بدأ التقسيم وكان المهاجرين قد أتو تدريجيا وبأعداد قليلة منذ 1841-1881. وكان نابليون أول من خاطب المشاعر الدينية في جذب اليهود إلى الأرض ثم بدأت عمليات التحايل من القنصليات بتبديل الأسماء من اجل البقاء، لكن في الحاضر أن هنالك محتلا ومقاومة تريد العيش هدفها العيش والحرية في أرضها، بينما المحتل الصهيوني يريد إبادة هذا الشعب وهي فكرة يساعده بها مجموعة المنظمات والعملاء والاتباع للصهيونية وإن لم يكونوا يهودا، مسلمين وكثرة من المسيحيين، لأسباب معتقدات وسرديات دينية، لكن في معركة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والتي تميزت بمبادرة ومباشرة واضحة للمقاومة، واحتجزت أسرى إضافة لما فعلته من أمور عسكرية أخرى وبشكل مفاجئ للعالم، فكان الرد عنيفا مدمرا للبنى التحتية والمساكن فوق ساكنيها ومعظمها عمارات عمودية تتسع لعدة أُسر، فكان قتلا رهيبا وتعويقا وجرحى وبما تسبب بقتل ما يزيد عن 5 في المئة من سكان غزة وجرح ضعف هذا بجروح آلية موت رهيبة أمريكية وما يعنيه هذا، ناهيك عن الأضرار المادية والنفسية وصعوبات العيش لأناس أصلا مساحة عيشهم ضيقة.
أمريكا وبعض الدول الغربية لم تك ترى كم شهداء غزة وتعتبر هذا دفاعا عن النفس وهو أغرب تعبير يطلق على سلوك المحتل ولتبرر دعم وجود هذا الاحتلال فلا تحصل هجرة عكسية كل إلى موطنه في أوروبا، وفي ذات الوقت يبرر وجودها من ناحية استراتيجية كذراع للمصالح غير المشروعة وقاعدة على الأرض للقيام بالعدوان على أي مكان وتكون بعد ذلك سببا للتدخل المباشر، وهم زودوا بالسلاح بظاهر التعاطف والتسامح مع الفعل الصهيوني، لكن الحقيقة هي سعي الصهاينة لتحقيق انتصار يبرر سبب استمرار وجودهم واحتلالهم للأرض.
إلى النهاية لم تعترف أمريكا بأن هذا الكم من الأبرياء قتل عدوانا، وإلى أن أتى تبادل الأسرى لنرى تجاهلا لآلام الفلسطينين، فيعبر رئيسا أمريكا المغادر والقادم عن سرورهما لخروج الأسرى الصهاينة والأمريكيين؛ متجاهلين الأسرى الفلسطينين، متجاهلين الموت والدمار في غزة، ببساطة، بل إن وزير خارجية بايدن يقول إني لم أرَ أي جرائم حرب أو قتلى مدنيين والإحصائية تعد آنذاك نحو 22 ألف شهيد وضعفين من الجرحى الخطرة جراحهم مع قصف المستشفيات، رغم أن المحاكم الدولية أدانت قادة الكيان بجرائم الحرب والإباداة واعترفت بقرارها عدد كبير من الدول وصمت رغم الاعتراف عدد آخر.
الأمريكان كما الإسرائيليون يتمنون لو كان قُضي على الجميع من أجل راحة قاعدتهم المتقدمة في الشرق الأوسط كما يظنون، لم ينصف الأمريكان القسام عندما شاهدوا بانوراما تسليم الأسرى الذي لايمكن وصفه فهو منهج إبداعي تماما.
هل إسرائيل قاعدة متقدمة:
النظام الرأسمالي والدولة الحديثة تحتاج شماعة لتبرير لِمَ الرفاهية التامة لم تأت، بل الجهد والجهد ، عجزت عن استمرا دعم الدولار بالناتج الوطني، فكونت منظومة عسكرية لتحمي المال والصناعات وقتال طواحين الهواء، فلا بد من عدو ليكون دون كيخوتي فارسا قويا يهابه العالم ولا بد من أسلحة فتاكة لتخيف العالم. كل مؤسسة لا بد لها من عمل وإلا قامت هي بالعمل لتبرير وجودها، فالعدو موجود ومكافحة الإرعاب تتحول إلى منظمة ثابتة. والغرب كله كان داعما لإسرائيل بدرجة وأخرى، أوروبا تخشى هجرة معاكسة فيسيطر الصهاينة على أوروبا بشكل كامل وليس بالنفوذ القوي كما هو الآن، وأمريكا اقتصادها وإعلامها وهيكليتها باقية بإيحاءات وقيادة الصهيونية لها كما اتضح جليا، بافتراض الكيان كقاعدة متقدمة لتبرير صيغة العلاقات والأموال والدعم اللامحدود، لكن هذا كله أسقطته عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر. فاجأ ترامب نتنياهو وهو يزعم أنه يعلم قبل هذا بتصريحه، ناسيا أن نتنياهو يعلم الحلم من الكابوس رغم أنه تمسك بالوهم بعد تصريحات ترامب وهذا فقدانٌ للبوصلة، وغيبوبة بائعة اللبن.
ترامب فاقد الثقة بالكيان ومنطق وجود إسرائيل مهتز عنده، لهذا تكلم عن غزة وامتلاكها وتهجير أهلها والترحيل كضربة حظ أو الغجرية قارئة الطالع، وهو يهبط بقيمة أمريكا كأكبر هبوط في داو جونز فالرجل تاجر وليس سياسيا؛ عندما امتدح ابنه لنصحه في الانتخابات وجلب له 36 نقطة على حد زعمه فقال "إنه يعرف السوق". فالتدمير الذي حدث كان هستيريا من فقد رباط جأشه ويريد أن يكون كشمشون وتاريخيا كان شمشون في غزة، وليهدم أعداءه بعقلية متخلفة مستمدة من أساطير.
أوروبا أدركت أن الكيان تجاوزه الزمن، وأمريكا بأسلوب ترامب الذي يشبه نيرون في تاريخها، لكن غباء السياسة الأمريكية أنها وضعت العرب بالتكتيك وأنها وصلت بالاستهانة بهم لدرجة تصدر الأمر وبلا حوارات ثم تريد أن تناقش التفاصيل للمهام المستحيلة، فمن باب أولى أن تتخلى عن استراتيجية الصراعات والعداء ما دامت الدول العربية قابلة لبناء علاقة استراتيجية مع الغرب؛ غير مكلفة ولا خطرة ككيان مستنزفهم.
كلا الطرفين (الكيان والمقاومة) منتصران كل لقيمه، فهنالك من انتصر لإهلاكه الحرث والنسل؛ وهنالك من انتصر بالصمود على تطبيق تعاليم دينه في الأسرى والحرب، فأبلى في الحرب وخدم أسراه وعاملهم بحب الله لدرجة تحول خوفهم وكرههم إلى محبة وثقة، وستبقى نزوات ترامب مشكلة اوربا فلن ينصاع له من حكام العرب من له ذرة من كرامة فطاعة ترامب الحداة موت وهو ينقل النار ليحرق الجميع.