مناظير الاربعاء 23 اكتوبر، 2024
زهير السراج
manazzeer@yahoo.com
* الهتافات والزغاريد والطبول التي اُستقبل بها المتمرد الخائن (كيكل) إثر انشقاقه من مليشيا الجنجويد، والترحيب الذي وجده مِن قادة الجيش رغم كل الجرائم والفظائع التي إرتكبها ضد المواطنين الأبرياء في ولاية الجزيرة مِن قتل واغتصاب وتعذيب وبطش وترويع ونهب وسرقة، أكبر دليل على أن الشعب السوداني لا يساوي شيئا في نظر الذين رحبوا بالمتمرد واستقبلوه وهللوا له وكأنه بطل الابطال (صلاح الدين الايوبي) الذي حرر القدس الشريف من قبضة الصليبيين، أو السلطان ( محمد الفاتح العثماني) الذي فتح القسطنطينية وضماها للدولة الاسلامية، وأن كل ما يهمهم هو السلطة التي يسعون لإستعادتها على أشلاء الأبرياء، وكرامة الوطن والشعب في الحرب التي يلطخون بها شرف الكرامة، ولقد وضحت الآن حقيقة (الكرامة) المزيفة التي يمارسون من اجلها سفك الدماء وتشريد الشعب وهتك العروض، ويستأجرون باسمها الابواق الصفراء لاستنفار الشباب واستمالة البسطاء وخداع الجهلاء لمؤازرتهم والتصفيق لجرائمهم !
* كان أغرب وأسوا ما سمعته من تبريرات لتلك الاحتفالات الاسطورية (وكأنهم يحتفلون بمقدم المولد النبوي الشريف)، هو أن الفارس المغوار كان جاسوسا للجيش داخل المليشيا المتمردة لرصد حركاتها وتحركاتها من اجل تحرير الجزيرة الغالية وأهلها الأبرياء من قبضتها الوحشية، ثم عاد الآن الى حضن الجيش للدفاع عن الوطن وكرامة الشعب، وهو تبرير أكثر سوءا مليون مرة مِن أن (كيكل) تاب وانشق عن المتمردين وانضم لصفوف الجيش، فكيف لجندي أو (جاسوس) يعمل لصالح الجيش، وكيف يسمح له الجيش، أن يرتكب ما ارتكب من جرائم وفظائع واهوال ضد الشعب والوطن والمدنيين الابرياء، حتى لو كان المكسب هو النصر الاكبر وإستعادة كل السودان وتحرير كل الشعب من قبضة الوحوش، وليس الجزيرة ومواطنيها فقط؟!
* لو صح هذا الزعم فلا بد من معاقبة قادة الجيش الذين سمحوا له بارتكاب تلك الجرائم بأشد وأغلظ العقوبات ونزع الجنسية والطرد من الملة والقطع من خلاف والشنق والصلب في ميدان عام ورمى الجثث في العراء!
* والمضحك المبكي أن جاسوسية وجرائم كيكل وجيشه، لو صح أنه كان جاسوسا للجيش ــ كما قال (المخلل العسكري الإسطراطيجي) المدعو (عبد الباسط) لقناة الجزيرة مباشر ــ لم تحرر وطنا ولم تحم شعبا ولم تستعد جزيرة، ففيمَ التهليل والتكبير والزغاريد والطبول وهتافات الابواق الصفراء كريهة الرائحة؟!
* لقد اُعتقل وعُذب واقتيد الكثيرون الى المحاكم الإيجازية التابعة للكيزان بتهمة التعاون مع المتمردين، وحُكم عليهم بالسجن مدى الحياة أو الاعدام لمجرد وجود شكوك لا ترقى حتى لمستوى الشبهات، واتهم الملايين بالخيانة لأنهم يطالبون بوقف الحرب وانقاذ الوطن والشعب من ويلات الحرب، بينما يحتفل الذين اشعلوا الحرب والذين يحرضون عليها بالخائن (كيكل) الذي قتل واغتصب وهتك الاعراض وشرد ونهب وسرق، ويحتفي بمقدمه الجيش، وهو ما يوضح من هو الخائن العميل ومن هو الوطني الشريف، حتى لمن لا بصر له ولا بصيرة ولا عقل، وسواء كان (كيكل) متمردا ثاب لرشده أو جاسوسا للجيش، فإن الجزاء الوحيد الذي يستحقه هو الشنق والصلب في ميدان عام بتهمة الخيانة العظمى، وليس الإحتفاء والاحتفاء به!
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
من الذي انتصر في حرب غزة؟
التوصل الى اتفاق لإطلاق النار بين اسرائيل وحماس يعني أن نتنياهو فشل في تحقيق أي من أهداف الحرب التي أعلن عنها يوم الثامن من أكتوبر 2023، عندما قرر اجتياح قطاع غزة وخوض حربٍ برية وجوية وبحرية وإعلامية ونفسية ضد الفلسطينيين، محاولاً سحقهم بشكل تام.
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" إنه سيبدأ حرباً شاملة ضد قطاع غزة، وإنَّ لهذه الحرب أهدافٌ ثلاثة: استعادة الأسرى الاسرائيليين، القضاء التام على حركة حماس، وتأمين المستوطنات في محيط القطاع أو ما يُسمى "غلاف غزة".
وواقع الحال أنَّ اسرائيل خاضت أطول حربٍ في تاريخها على الإطلاق واستمرت 15 شهراً ضد القطاع لكنها فشلت في تحقيق أي من هذه الأهداف الثلاثة، واضطرت في نهاية المطاف الى البحث عن أسراها عبر "صفقة" وليس بالقوة، كما اعترفت ضمناً بأن القضاء على حركة حماس غير ممكن، وأن هزيمة شعبٍ يتمسك بأرضه هو ضربٌ من الخيال والمستحيل.
لمن يسألون من انتصر في هذه الحرب الدموية المدمرة فإننا نقول بأنَّ الحروب تُقاس بالمآلات وليس المسارات، أي إن الحروبَ تُقاس بنتائجها لا بتفاصيلها اليومية، وهذا ما انطبق وينطبق على كل الصراعات الكبرى في تاريخ البشر، ففي الحرب العالمية الأولى تكبدت قوات الحلفاء التي انتصرت خسائر أكبر بكثير من تلك التي تكبدتها دول المركز، وفقد المنتصرون ما مجموعه 22 مليون إنسان، بينما فقد الطرفُ الخاسر أقل بكثير: 16 مليوناً فقط.
في الحرب العالمية الثانية كان المشهدُ أكثر وضوحاً، فقد تكبد معسكر "الحلفاء" خسائر تزيد عن 61 مليون قتيل، بينما اقتصرت خسائر دول "المحور" على 12 مليون قتيل فقط، ورغم ذلك فان نتيجة الحرب كانت لصالح من تكبدوا خسائر أكبر.
المشهد ذاته كان في حرب فيتنام، وثورة الجزائر، وثورة جنوب أفريقيا، والأمثلة على ذلك كثيرة.. وهذا يعني بالضرورة أن الحروب تُقاس بنتائجها وليس بتفاصيلها اليومية، كما إنها ليست معادلة رياضيات نحسبُ فيها كل طرف ماذا خسر لنستنتج بأن صاحب الخسارة الأكبر هو المهزوم، إذ إن هذه الطريقة تصلح لمباريات كرة القدم وليس للحروب والصراعات الكبرى.
المهم أيضاً في هذا السياق أن وقف إطلاق النار يأتي وليس لدى اسرائيل أي سيناريو لليوم التالي، حيث لم ينجح الاسرائيليون في الاطاحة بحكم حركة حماس، ولم ينجحوا كذلك في خلق وضع جديد يخدم مصالحهم، وعلى مدار الشهور الـ15 للحرب فشلوا في إقناع أية دولة عربية بأن تتدخل عسكرياً في القطاع، كما فشلوا في إقناع السلطة الفلسطينية بأن تحل بديلاً لإدارة القطاع، وفشلوا أيضاً في خلق أي سيناريو بديل.
المؤكد اليوم أن هذه الحرب التي استمرت 15 شهراً، والتي هي أطول مواجهة عسكرية في تاريخ الطرفين، إنما هي انتهت الى تغيير المنطقة بأكملها، إذ إن اليوم التالي لهذه الحرب ليس كاليوم السابق لها، كما أنَّ الحسابات القادمة لأية مغامرة عسكرية اسرائيلية مستقبلية ستكون بكل تأكيد مختلفة تماماً عن الحسابات التي كانت لدى الاسرائليين سابقاً.