سودانايل:
2024-11-25@17:20:20 GMT

نقب الجدار بمعاول الخيال!

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

الدكتور الخضر هارون

maqamaat@hotmail.com

في مجموعة قصصية للقاص المصري يوسف إدريس بعنوان (الندّاهة) ,قصة بعنوان ( مسحوق الهمس) تصور بدقة مشاعر سجين لا رجاء لديه في الخروج من محبسه. والسجن لأي سبب كان شديد القسوة علي الإنسان وقد أحسنت العرب حين وصفته بأنه (موت الإحياء وشماتة الأعداء!). قد يختلف مذاقه بين صنديد صاحب مباد نبيلة استرخص في سبيلها كل دعة وراحة و رغد فهو يجد ذلك كله في صموده في محبسه يبلغ أحياناً حد الزهو بالانتصار لكن ذلك لا يعني ألا تراوده الحاجة لإشباع الغرائز المركبة فيه كمخلوق من لحم ودم ينازع بين المثل العليا المبرأة من جزيئيات المادة وبين مكونات التراب فالناس جميعا تتراوح رحلات الحياة لديهم بين السماوات والأرض.

والكاتب الأديب يوسف إدريس يكتب عن غيابات الجب في السجن عن تجربة عاشها بين حيطانه .فقد انتظم في شبابه الباكر وهو طالب في كلية الطب وبعدها طبيباً مبتدأ عضوا نشطا في واجهة الحزب الشيوعي المصري, "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني", (حدتو). ولما قلب الضباط الأحرار نظام الملك فاروق في يوليو 1952, انقسم الشيوعيون بين مؤيد لما وقع باعتباره ثورة وطنية معادية للاستعمار والإقطاع وبين معارضين له باعتبار الحدث من تدبير المخابرات الأمريكية علي غرار ما فعلت في أمريكا الجنوبية من انقلابات عسكرية رجعية. وأودع الشيوعيون في السجون وكان من بينهم يوسف إدريس. ولما وقعت مصر مع بريطانيا إتفاقية 1953 بشأن مستقبل السودان, رأي النظام الجديد أن طرح شيوعي السودان بشأن الوحدة مع مصر عند الاستفتاء بعد ثلاث سنوات ,يعد طرحاً مقبولاً بالنظر لمواقف الأحزاب السودانية الأخرى. وكان ملف السودان لدي الصاغ صلاح سالم الذي استدعي ثلاثة من سجناء حدتو من السجن للمساعدة في حث الشيوعيين السودانيين لدعم خيار وحدة السودان مع مصر كان من بينهم يوسف إدريس فجئ بهم لقصر عابدين وطرح عليهم الأمر فطلبوا مهلة أسبوع للتشاور مع زملائهم في السجن. لكن أطيح بصلاح سالم في ذلك العام عقيب تمرد توريت في جنوب السودان العام 1955. وكان ذلك سببا في عدم عودة يوسف إدريس إلي السجن وانتهاء نشاطه السياسي والاتجاه للأدب. وتروي قصة علاقته بثورة يوليو برواية أخري طلب فيها نظام عبد الناصر توسط الشيوعيين السودانيين لإتمام صفقة سلاح مع الإتحاد السوفيتي وأن يوسف إدريس جاء بالفعل في معية صلاح سالم للخرطوم وأن الصفقة قد تمت بنجاح.
والذي يعنينا هنا أن الرجل ذاق مرارة السجن فجاء وصفه لتلك المرارة عن تجربة حقيقية في (الليمان). يقول: " من قال إن السجن هو فقط مصادرة حرية الإنسان؟ إن فقدان حرية الإنسان ليس سوي الإحساس السطحي الأول.... فالإنسان يظل يفقد أشياء كثيرة, كل ما يملكه أو باستطاعته امتلاكه, كل قدراته ومكتسباته...كل ما ينفرد به كشخص..."
ومع ذلك يعيش الأمل بين جوانحه, " يصل الأمر ليفسر كل فتحة باب علي أن الشاويش قادم بأمر الافراج وكل حذاء ثقيل يدق أرض العنبر انه حذاء المأمور او المدير جاء يحمل قرارا بالإفراج..."
وفي ذات يوم جاء العسكري عبد الفتاح الطويل الرفيع الأسمر وقبل ان ينطق بكلمة كانت عصاه الخيزران تدق علي باب الزنزانة , دقات كمزاج صاحبها في النهار ,عصبية متعجلة ملحة :
- يالله...لِم عزالك ..ياالله..شيل نزامك "نظامك " برشك وبطانيتك.. وتعال بسرعة! "
-
كل سجين متلهف للحرية يظن أن معني ذلك الإفراج ولكن ويا لمرارة الحسرات كان الأمر انتقالا من زنزانة إلي أخري في أقصي عنابر السجن مجاورة لسجن النساء .وفي السجن قالة يسعد بتكرارها كل سجين بأن أحد السجناء كان قد أحدث في الجدار نقباً أوصله إليهن! فتعلق الأمل بتلك الجيرة وغرق السجين في الأحلام وطفق ليله ونهاره ينقر في الجدار السميك الذي ضاعفوا متانته كي يستعصي علي النقب. وتوالي النقر علي الجدار أسبوعا حتي أيقن صاحبنا بخياله الجامح أنه بدأ يتلقى نقرات عبره ردا علي نقراته . وخال الناقرة بيضاء شقراء فارعة الطول وربما تخيلها لطيفة بريئة لم ترتكب جرماً قادها إلي السجن بل سوء الطالع لا سوء الطوية هو الذي فعل ذلك وربما ظلم الظالمين وحسد الحاسدين. وعاش أياماً تقتات مشاعره المرهفة علي هذا الخدر اللذيذ فأطلق علي هذه المحبوبة المتوهمة عبر الجدار الصلد اسم (فردوس). " أناديها بأعلى ما أستطيع من همس: سامعاني؟
- وتناديني دون أسمع لها صوتاً: أنت فين؟"
. قال " وجاءت مرة فرصة حين انتهت النوبة وجاءت نوبة جديدة وأصبح الاومباشي عبد الفتاح الرفيع ذو العصا حارسا لليل في الدور الذي احتلُ احدي زنازينه ..جاءت الفرصة لأني اعرف ان عبد الفتاح العصبي المتعجل بالنهار غيره عبد الفتاح حارس الليل حيث لا توجد عيون الشاويشية والضباط حيث لا عصا وحيث تعود إليه طبيعته الصعيدية البسيطة ويصبح الطريق إلي قلبه كوب شاي مصنوع علي السبيرتو المهرب والطريق إلي لسانه سيجارة بلومنت . تحدثت إليه . قال "عبر باب زنزانتي المصنوع من عمدان حديدية متينة .وقفنا بعد العشاء ندردش ونتحدث وبمهارة قدت الحديث الي اللومنجي (السجين) الذي ثقب الحائط, ضاحكاً قائلا له انني لطالما فكرت أن أصنع مثله ..وشخشخ صدر عبد الفتاح وهو يضحك ويقول:
- بس المرة دي ح يطلع نقبك علي شونة ( أي من غير نتيجة).. أمال علي شونة.. وسألته كيف؟ فقال:
- دول خلاص عزلوا .... كل الحريم راحوا القناطر.. كلو عزل ..كلو...ودق الخاطر في رأسي اذن هذا هو السبب في رحيلها المفاجئ لا بد!
- وقلت لأتأكد:
- اظنهم نقلوهم بقي من حوالي عشرة أيام كده؟
- فعادت إليه العصبية:
- لا...لا.لا...عشرة أيام إيه...أنت نايم حضرتك.. دول من زمان... زمان خالص. من ثلاثة أشهر... بيجي من أربعة أشهر..
كدت اقهقه قهقهة من فقد العقل... أليس من الجائز ألا تكون هناك فردوس بالمرة؟ بل من يدري لعل الهمس المسحوق همس رجل كان يعتقد أنه يخاطب به أنثي؟؟ "

وفي ظني أنا كاتب هذه السطور، أيها السادة وأيتها السيدات أنه كان كذلك!!

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: یوسف إدریس عبد الفتاح

إقرأ أيضاً:

زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال

"قبل 21 عامًا كنت هنا في هذا السجن، وأعود له اليوم حرا وبصفتي رئيسًا سابقًا. هذه التجربة كافية لتشجيعك. وأعلم أنك تتحلى بالصبر وقوة التحمل".

ذلك مقتطف من حديث الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد إلى نجله كريم واد الذي قلده حقائب وزارية مهمة في عهده، وعندما آلت السلطة لماكي سال رمى به في سجن روبس بتهمة الإثراء غير المشروع.

سجن روبس الذي أنشأته فرنسا عام 1929، يقع في منطقة "مدينا" بوسط العاصمة دكار، وكان مركزا لقمع المعارضين إبان حكمها الاستعماري للسنغال.

وبعد رحيل فرنسا في عام 1960، حافظ سجن روبس طيلة العقود الماضية على سمعته السيئة، في أوساط الساسة والصحفيين والحقوقيين في السنغال.

من أمام سجن روبس بوسط العاصمة السنغالية دكار (الفرنسية) أشواك على الدرب

وبالفعل، فإن عبد الله واد حل ضيفا في روبس مرارا عندما كان يشق طريقه نحو القصر الذي كان يبعد عن زنزانته كيلومترين فقط.

حدث ذلك في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في ذروة معارضته لنظام عبدو ضيوف الذي ورث الرئاسة عن ليوبولد سيدار سينغو عام 1981 واستمر فيها حتى عام 2000.

ومع تأكيده على أن السنغال تمثل نموذجا ديمقراطيا في أفريقيا، يقول رئيس "رابطة الحقوقيين" آلاسان سك إن "المرور عبر السجن يعد محطة مهمة في مسيرة العديد من السياسيين".

وفي حديث للجزيرة نت، يرى سك أنه "قد حان الوقت لتعزيز دور العدالة بوصفها سلطة مستقلة، بعيدًا عن أن تكون أداة لتصفية الحسابات أو زج القيادات السياسية خلف القضبان دون مبررات قانونية واضحة".

وفي الحقيقة، لم تبدأ هذه الممارسات مع سجن عبدو ضيوف لعبد الله واد، ففي عام 1962، ألقى سينغور خلف القضبان بوزيره الأول والسياسي البارز حينها أمادو جاه، بتهمة التخطيط لقلب النظام.

عبد الله واد تعرض للقمع عندما كان معارضا وبعد وصوله للسلطة تورط في سجن خصومه (رويترز) العودة للسيرة الأولى

لكن وصول المعارض المخضرم عبد الله واد إلى السلطة في عام 2000، لم يضع حدا لتوظيف السجن في تلغيم طريق الساسة نحو السلطة في السنغال.

ففي 2005، أرسل واد إلى السجن حليفه ووزيره الأول السابق إدريسا ساك، عندما أدرك قدرته على منافسته على رئاسة البلاد.

قضى إدريسا سك 199 يوما في سجن روبس بتهمة الإضرار بأمن الدولة واختلاس المال العام.

ولعل هذه المدة كانت كافية لتحجيمه في رئاسيات 2007، حيث حل ثانيا بحصوله فقط على 15% من الأصوات بينما احتفظ واد بمنصبه بحصوله على 55% من الجولة الأولى.

وفي عهد واد، اكتسب نجله كريم نفوذا كبيرا بدعم من والدته الفرنسية السيدة الأولى حينها ففيان واد، وكان يدعى وزير الأرض والسماء، لكونه يمسك بحقيبتي النقل الجوي والبري.

الوقوف ضد هيمنة واد الابن كلّف ماكي سال منصبه كرئيس للبرلمان وكاد يدخله إلى السجن في 2008، لولا أنه احتمى بالنفوذ الديني لمنطقة طوبي، وفق تقارير محلية.

الوزير الأول السابق إدريسا سك قضى 199 يوما في سجن روبس بتهم مختلفة (رويترز) طموحات قتلها سال

ولم تُغلق الزنازين السياسية في عهد سال الذي أجهض حلم واد في البقاء في منصبه لولاية ثالثة، حيث فاز عليه بـ65% من الأصوات في الجولة الثانية في رئاسيات 2012.

في هذا العهد، وبالضبط في 2013، استضاف سجن روبس كريم واد بتهمة الإثراء غير المشروع، لكن دوافع الانتقام لا يمكن إغفالها، نظرا لخصومته السابقة مع الرئيس سال.

وعندما زار واد الأب نجله في سجن روبس، ذكّره بأنه سبقه للاعتقال في هذا المكان بدوافع سياسية لثنيه عن الطموح لرئاسة البلاد.

وفي 2016، خرج كريم واد من السجن بعفو رئاسي مقرون بشرط مغادرته للسنغال والبقاء خارجها ما دام سال رئيسا للبلاد، واستقر من يومها في قطر.

وكما استغل العدالة في قتل طموح كريم واد في خلافة والده، تمكن سال أيضا من إغلاق الطريق المؤدي للقصر في وجه عمدة دكار خليفة سال، فأنزله في سجن روبس في 2017، بتهمة الإثراء غير المشروع.

الرئيس السنغالي السابق ماكي سال يُتهم بتوظيف العدالة في إقصاء خصومه السياسيين (رويترز) أم المعارك.. ظهور سونكو

أما في 2018، فقد اشتدت ضراوة المعركة على السلطة ببزوغ نجم رئيس حزب باستيف عثمان سونكو الذي كان سال جرده من وظيفته في وزارة المالية في 2016  بتهمة انتهاك واجب التحفظ، عندما نشر تقارير حول الفساد.

سونكو الذي حل ثالثا في رئاسيات 2018، وجهت له في 2021 تهمة اغتصاب نفاها بشكل قاطع، وخرجت مظاهرات حاشدة ترفض محاكمته، والزج به في السجن.

وقد عدل سال عن سجنه تحت ضغط الشارع والزعامات الدينية، لكنه منعه من الترشح لتشريعيات 2022 ورئاسيات 2024.

أما رفيق سونكو الرئيس الحالي للسنغال ديوماي فاي، فقد حل ضيفا في سجن "كاب مانيول" في أبريل/نيسان 2023 بتهمة ازدراء المحكمة وإهانة القضاء.

الوزير الأول والسجين السابق عثمان سونكو تعهد بمحاسبة الساسة الفاسدين (رويترز) اعتقالات وانتهاكات حقوقية

أوضاع السجناء السياسيين وحالة الحريات العامة في السنغال، تصدرت في السنوات الأخيرة تقارير حقوق الإنسان، حيث تم تسليط الضوء على الانتهاكات والتحديات التي تواجهها البلاد في هذا المجال.

وفي يناير/كانون الثاني 2024، نشرت "هيومن رايتس ووتش" تقريرًا يدين القمع السياسي في السنغال، وقالت إنها وثّقت قرارات تعسفية استهدفت أعضاء من المعارضة وصحفيين ونشطاء، بالإضافة إلى قيود على حرية التعبير والتجمع السلمي.

كما خضعت السنغال لمراجعة شاملة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث حث السلطات على احترام الحريات الأساسية، خاصة خلال الفترات الانتخابية، مع التركيز على حقوق التجمع السلمي وحرية الصحافة.

موسم الحسم والحساب

ومن داخل سجن "كاب مانيول"، ترشح ديوماي فاي لرئاسيات مارس/آذار 2024 وأُخلي سبيله ضمن قانون عفو عام مع بداية الحملة الدعائية ليتمكن من الفوز من الجولة الأولى بحصوله على 54% من الأصوات.

ولا يبدو أن الزج بالساسة في السجون سيتوقف، مع اكتساح حزب باستيف لرئاسيات مارس/آذار وتشريعيات نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

وقد تعهد رئيس الحزب والوزير الأول عثمان سونكو بفتح تحقيقات شاملة حول ملفات الفساد التي طالت الموارد العامة، ومحاسبة المسؤولين المتورطين فيها.

محمد غي ناشط سياسي سنغالي وسجين رأي سابق (الجزيرة) مطلب بتعويض المتضررين

وينادي أنصار سونكو بمحاسبة الرئيس السابق مكي سال على ضلوعه في انتهاكات حقوقية وعمليات فساد واسعة، حسب زعمهم.

ومن بين هؤلاء الناشط السياسي محمد غي الذي روى للجزيرة نت أنه مكث 7 أشهر في سجن روبس لأنه فقط كان معارضا لنظام ماكي سال.

يقول غي إن المدعي العام وجه له اتهامات زائفة وخطيرة تتضمن الجريمة المنظمة والعلاقة بجهة إرهابية والإخلال بالأمن العام والمشاركة في مظاهرات غير مرخصة.

 وفي نظر غي، لا بد من تعويض المتضررين من القمع ومحاسبة الرئيس السابق ماكي سال "فالمحاسبة قادمة على القمع والقتل وسرقة المال العام".

مقالات مشابهة

  • النزاهة: السجن 15 سنة لمدير إحدى شركات المقاولات في ديالى
  • صدمة! خالد يوسف يكشف عن رقم صادم عن المصريين قبل الثورة.. وحسين فهمي يرد بغضب
  • هذه هوية رجل الأعمال الذي لقي حتفه في رحلة قنص بشفشاون
  • قبل وقف إطلاق النار ما الذي يقوم به حزب الله؟.. معاريف تُجيب
  • هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
  • السجن المؤبد بحق تاجر مخدرات في النجف
  • زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
  • إدريس إلبا يقترب من الانضمام لفيلم "Masters of the Universe" ويستعد لتحقيق حلمه الأفريقي
  • من بحري إلى بيالي: قصة الموسيقار اللاجئ الذي يبحث عن الأمل في المنفى 
  • اقتحام وتحطيم مكتب المخرج خالد يوسف