تـنميـة الثّـقـافـة الشّـعـبـيّـة
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
لـن يخـتلف اثـنان في أنّ الـثّـقـافة الشّعـبـيّـة ذخيـرةٌ من ذخائـر كـلِّ مجـتـمـعٍ وكـلّ ثـقـافـةٍ وطنـيّـة أو قـوميّـة. والذّخيرةُ هذه ذخيرةٌ حيّـة لأنّها تـدخـل في تـكوين طاقـة الإبداع الأدبيّ الفـنيّ والجماليّ من زاوية كـونها ذلك المنـتوج الذي يكـتـنـز خـبْـراتٍ في التّـعـبير متـنـوّعـةً وقـابـلةً، في الوقـت عـيـنِـه، لأن يُـبْـنى عليها أو، قُـل، لأن يقع الانطلاقُ منها صعـوداً نحو درجاتٍ أعـلى من الإبـداع الثّـقافيّ.
ليس مـن تعـارُضٍ، أَلْـبَـتّـةَ، بين التّـمسُّـك بمـوروث الـثّـقـافة الشّعـبـيّـة وحِفْـظـه من التّـبدُّد والانـدثـار، والسّعـيِ إلى تـجـديـده والارتفـاعِ بـه مبـنًـى ومضمـونـاً إلى مسـتـويـاتٍ أعلى في الوقـت عـيـنِـه. إنّـهـما عمـليّـتان متـرابطـتـان ومتضامـنـتـان متكـامـلتـان، بل إنّ الثّـانيـة منـهما -وهي مرْبـطُ الفـرس ومَـعْـقـدُ الرّهـان- لا يمـتـكـن لها أمـرٌ إلاّ متى صِـينَ الموروثُ الـثّـقـافـيّ الشّعـبـيّ وحـوفِـظَ عليه ومُـتِـحَ من ينابـيـعه. بيان هذا أنّ التّـجـديد الحـقّ هـو عـيـنُـه التّـجــدُّد؛ أي الفعـلُ المـبـدِع المنطـلق من ذاتـيّـة الـثّـقـافة نـفسِـها، وليس ما يـقـع عليها من تجـديـدٍ فـوقـيّ أو من فـوق. إنّه تحـرُّرُ طاقـةِ الخـلق داخل الـثّـقـافة وانـطـلاقُـها من حيّـزها التّـعـبيـريّ والجماليّ التي هي فيه نحـو مساحـاتٍ جـديدة وأشكالٍ جـديدة تسـتـدخـلُـها فيها وتُـوطِّـنـها في نسيجها لتـتـحـوّل إلى قـوّةٍ جـديـدة فيها خلاّقـة ودافعـة. هكذا لا تستـحـقّ ثـقافـةٌ أن تكـون تجـديـديّـة إلاّ متـى استـوعبـت مخـزونـها الموروث ولم تـتـنـكّـر له. في الوقـتِ عـيـنِـه لا تستـحـقّ مـوروثـها إلاّ إذا كانت قـادرة على الإضافـة إليه وعلى التّـجـديـد. يـؤديـنـا السّـياقُ السّابـق إلى التّـشـديـد على الفـكـرة التّاليّـة: إذا كـان كـلّ مسـعًـى إلى الحـفـاظ على المـوروث الـثّـقـافـيّ الشّعـبـيّ (والـثّـقـافيّ العـالِـم بل وكـلّ مـوروثٍ حضاريّ) مَـسْـلكاً إيـجابيّـاً ووطـنـيّـاً/قـومـيّـاً محـمـوداً، فإنّ صـوْن ذلك المـوروث لا يـكـفي وحـده كـي يـؤدّيَ مجـتـمـعٌ رسالـتَـه تجـاه مـوروثـه الـثّـقـافـيّ والحضاريّ عـلى الوجـه الأمثـل، بـل يحـتـاج أداؤهـا الصّـحيـح - كما يحـتـاج الوفـاءُ الحـقُّ لذلك الرّأسمـال الـثّـقـافـيّ والحضـاريّ - إلى أن تُـمْـنَـح الحياةُ ثـانيـةً لذلك المـوروث: أن يخـرُج من تـاريخـه الماضي ليـنـتسب إلى تاريـخـنا الحاضـر. إنّ إنجـاز مثـل هـذه الانـتـقـالة بالمــوروث الـثّـقـافـيّ الشّعـبـيّ من زمـنٍ إلى زمـنٍ، وبـثَّ روح الحيـاة فيـه مجـدّداً، لا يكـون بمجـرّد استـعـادتـه كما تَـنَـزَّل - أوّل مـرّةٍ - في بيـئـتـه وفي زمـنـه الخـاصّ، بـل هـو يكـون فـقـط إن أُعـيـدَ تـقـديمُـه تـقـديـماً جـديـداً يـتـوسّـل إمـكانـيّـات اليـوم ويـوظّـف ما فيها من أساليب وتـقـنـيّـات ورؤًى جـديدة إلى المادّة الـثّـقـافيّـة؛ وذلك من أجـل ضـخِّ دورة حيـاةٍ جـديـدة في ذلك الموروث، ورياضـة الأذواق الجمـاليّـة للأجيـال الجديدة على استـطابـتـه واستـعـذابـه واستـذاقـة ما يكـتـنـزُه من جمـاليّـاتٍ غـنـيّـة. بعـبـارة أخـرى، لا يـسع مـوروث ثـقافـيّ أن يـتـجـدَّد ويَـحْـيـا ثانيـةً ويـستـمـرّ وجـوداً وأثـراً إلاّ حيـنـما يُـهـيِّـئ المجـتـمعُ مشـروعـاً متـكامـلاً للنّـهـوض العـلـميّ بـه يتـعـهّـده بالرّعـايـة والتّـطـويـر، ويستـثـمـر في كـنـوزه الـثّـقـافـيّـة ودفائِـنـها النّـفيـسة. هـذا ما فعـلـه عصر النّهضـة في القـرن السّـادس عشـر، مـثـلاً، تجـاه كـلّ المـوروث الـثّـقـافـيّ الأوروبـيّ، النّـخـبـويّ منـه والشّعـبـيّ مـعـاً. لـقـد فجّـر يـنابيـع ذلك المـوروث في الشّـعـر، والمسـرح، والموسيـقـى، والفـنّ التّـشـكيـليّ، والنّـحـت، والعمـارة... وأعـاد بنـاء هـذه جميـعـها على قَـوامٍ جـديد، مـرتـفـعـاً بالـذّائـقـة الجمـاليّـة إلى مسـتـوًى من السّـمـوق بعـيـد. ما كـان عصـر النّـهضـة ابـتـداعـاً غيـرَ مسـبـوقٍ لطـرائـقَ في التّـعبيـر، بالكـتابـة والأصـوات والصُّـوَر، كما قـد يُـظَـنّ، بل أكـثـرُ عـمـلِ أدبـاء النّـهـضـة وفـنّـانيـها كـان على المـوروث الـثّـقـافـيّ الأوروبـيّ، الرّومـانـيّ واليـونـانـيّ، لكنّـه ما أتـى مجـرّد محـاكـاةٍ لـه أو تـكـراراً لأساليـبـه، بـل خَـلَـع عليه النّـهـضـويّـون روح عصـرهم وذوق زمنـهـم الجـديـد. من البـيّـن أنّ العـنايـة بالـثّـقـافـة الشّعـبـيّـة والاحتـفـاءَ الحـقيـقـيّ بـها ينـبـغـي أن يـرْكَـب مَـرْكـباً عـلمـيّـاً؛ إذِ العـنـايـةُ هـذه صنـاعـةٌ متكـاملـةُ الأركـان على مـا دَلَّـتْـنَـا تجـربـةُ النّـهضـة في أوروبـا على ذلك. وهـذا يعـنـي، ابتـداءً، أنّ على أيّ مشـروع للنّـهـوض بـهـذه الـثّـقـافـة أن يـنـأى بنـفـسه عن التّـعامُـل معـها بوصـفـها معـطًـى (ثـقـافـيّـاً) نـاجـزاً ونـهائـيّـاً لا يحـتـاج إلى أكـثـر من استـعادتـه في فـطـريّـتـه و«سـذاجـتـه» الأولى؛ ذلك أنّ هـذه نظـرة فـولكـلوريّـة، بامتـيـاز، إلى الـثّـقـافة الشّعـبـيّـة لا تسـدي إلى الأخيـرة أيَّ خـدمـةٍ على وجـه الإطـلاق، بـل هي تعـيش عالـةً على مـوروث تلك الـثّـقـافة. ينـبـغي أن تكون نـقـطـةُ انـطلاق مشـروع النّـهـوض بالثّـقـافـة الشّعـبـيّـة التّـعامـل مع الـثّـقـافة تلك بوصـفـها خامـةً قابـلـةً لمـزيـدٍ من التّـصـنيـع، تـمـامـاً مثـلـما أنّ مـنـتـجي تلك الـثّـقـافة صـنّعـوها من خامـات (= لحـظات ثـقافـيّـة) سابقـة ولم يكـتـفوا بإعـادة إنتـاج ما وجـدوهُ بين أيـديـهـم. وليس التّـصـنيـع الذي نـدعـو إليـه سـوى العكـوف العـلمـيّ على ذلك الميـراث الـثّـقـافـيّ الشّعـبـيّ: تـدويـناً ودرسـاً وتحـليلاً وابتـنـاءَ صيـغٍ جديدة لإعادة تـقـديـمه على الأساليب الحديـثـة من غير إِذْهـاب مضـمـونـه وجـمـاليّـاتـه الخاصّـة. بعبـارة أخـرى، نـحتـاج إلى الانـتـقـال من هـاجـس حمايـة التّـراث وصـوْنـه من التّـبدُّد إلى هـاجـسٍ إنـتـاجـيٍّ أرقـى هو ما أطـلـقـتُ عليه، مـرّةً، تـنـميـة الـتّـراث. |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الـث ـقـافـی الش عـبـی ـة الـث ـقـافة الث ـقافـة عـیـن ـه
إقرأ أيضاً:
وزارة التضامن تستعرض جهود تكافل وكرامة في تنمية شمال وجنوب سيناء
تلقت الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي تقريرا عن التدخلات والجهود التى يقدمها برنامج الدعم النقدي المشروط " تكافل وكرامة" في محافظتي شمال وجنوب سيناء، وذلك فى إطار الاحتفال بالذكرى الـ 43 لتحرير سيناء.
وتنفذ وزارة التضامن الاجتماعي عددا من المشروعات التنموية في محافظتي شمال وجنوب سيناء من أجل تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين والاستثمار في البشر.
ففي محافظة شمال سيناء، بلغت عدد الأسر بالبرنامج 27,340 أسرة، حيث بلغ عدد المستفيدين من "تكافل" 13,293 مستفيدا، وعدد المستفيدين من "كرامة" 14,047 مستفيدا، وعدد المستفيدين من كرامة من المسنين 4,153 مستفيدا، ومن كرامة من ذوي الإعاقة 8,571 مستفيدا، ومن كرامة من الأيتام 570 مستفيدا.
كما بلغ عدد المستفيدين من البرنامج من الذكور 6,546 مستفيدا، ومن الإناث 20,794 مستفيدة، أما فيما يتعلق بالحالة التعليمية، بلغ عدد المستفيدين من لا يعرفون القراءة والكتابة 10,866 مستفيدا، ومن الذين يعرفون القراءة والكتابة 4,614 مستفيدا، ومن الملتحقين بفصول محو أمية 2,544 مستفيدا، ومن أصحاب التعليم المتوسط وفوق المتوسط 3,827 مستفيدا، ومن الحاصلين على مؤهل جامعي 353 مستفيدا.
وبلغ عدد من لديهم تأمين صحي 28,553 مستفيد، ومن لديهم بطاقات تموين 20,277 مستفيد، ومن ذوي الإعاقة 10,310 مستفيدا.
أما محافظة جنوب سيناء، فقد بلغت عدد الأسر المقبولة بالبرنامج 3,846 أسرة، حيث بلغ عدد المستفيدين من "تكافل" 1,788 مستفيدا، وعدد المستفيدين من "كرامة" 2,058 مستفيدا، وعدد المستفيدين من كرامة من المسنين 876 مستفيدا، ومن كرامة من ذوي الإعاقة 657 مستفيدا، ومن كرامة من الأيتام 64 مستفيدا.
وقد بلغ عدد المستفيدين من الذكور 727 مستفيد، ومن الإناث 3,119 مستفيدة، وبلغ عدد المستفيدين ممن لا يجيدون القراءة والكتابة 1,139 مستفيدا، ومن الذين يعرفون القراءة والكتابة 569 مستفيدا، ومن الملتحقين بفصول محو أمية 2,544 مستفيدا، ومن الحاصلين على مؤهل جامعي 48 مستفيدا.