لجريدة عمان:
2025-03-17@17:57:11 GMT

أزمنة سائلة!

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

هل يمكن القول إن الهوية الاتصالية للعالم، كما بدت منذ تسعينيات القرن الماضي عبر ثورة الاتصال والمعلوماتية، هي مؤشر لدخول مجتمعات البشر في أزمنة سائلة؟ أي من حيث كونها أزمنة يوازي فيها إيقاع الحياة سرعةً وسيولة هي على النقيض من الحركة النسبية لعالم القرن العشرين؟ (ذلك القرن الذي نعته المؤرخ الإنجليزي إريك هابزباوم بـ«عصر التطرفات» وأرَّخ له حقبة أقصر من الحقب المعهودة للقرون (100عام).

حين حدد هابزباوم نهاية القرن العشرين بالعام 1991 فيما حدد بدايته بالعام 1914م!

وفيما بدت له حقبة التسعينيات كما لو أنها عشرية متقدمة للقرن21. واستشرافًا لطبيعة الزمن القادم / الزمن السائل؛ صدَّر هابزباوم (الذي رحل عن عالمنا في 2012 عن 95 عامًا) أحد فصول الكتاب بهذا الاقتباس: «نحن في بداية عصر جديد يتميز بقدر كبير من انعدام الأمن وبالأزمات الدائمة، وغياب أي شكل من أشكال الوضع الراهن، ينبغي أن ندرك تمام الإدراك أننا نواجه الآن واحدة من أزمات التاريخ العالمي».

وسيبدو واضحًا أن إحدى سمات السيولة في هذه الأزمنة الجديدة تكمن في الهوية اللامركزية للكثير من أنظمتها، بخلاف الهوية الصلبة للأنظمة التي طالما كانت تحكم مجتمعات البشر في عالم القرن العشرين وما قبله.

ذلك أن تعدد وسائط الإعلام وانتشارها وسيولتها، كالسوشيال ميديا، وسهولة خلق عالم خاص وموازٍ في تعزيز العزلة الشخصية للفرد، مع القدرة -في الوقت ذاته- على الاتصال الفوري بأي شخص في العالم.. كل هذه السمات تنحو إلى تشويش مفهوم الحدود الصارمة والأنظمة الصلبة في حياة المخضرمين الذين عاشوا طرفًا من أزمنة نهايات القرن العشرين، فيما هم يخوضون هذا الزمن الجديد(ككاتب هذه السطور) بعيون مفتوحة على الدهشة. فهذه الأزمنة السائلة اليوم، وهي بطبيعة الحال عالقة عبر خيط غير مرئي بالأزمنة التي سبقتها، تنحو باستمرار نحو تمييز سريع يقفز قفزًا بمتوالية تغيير هندسية نحو عالم أكثر سيولةً وغموضًا.

وحين يغترب الإنسان أكثر عن ذاته في هذه الأزمنة السائلة يسكنه خوف منها، ومن مستقبلها القريب الغامض، إنه خوف لا ينبع من الثقة بقدرة ما على التأقلم، وإنما ينبع من جهل الإنسان بالأسرار التي تخبئها له معجزات المعرفة ومفاجآت الذكاء الاصطناعي، وما ستطبعه التحولات على حياة الناس والأجيال المقبلة؟

في السياسة كما في التكنولوجيا والعوالم الأخرى، سيبدو تشابك حياة مجتمعات البشر في عالم العولمة هذا ومزيجه المعقد، أحد أهم دوافع التشكيك بالكثير من القناعات لاسيما قناعات أولئك الذين عاصروا في حياتهم طرفًا من أزمنة القرن العشرين وأجوائه. إن السيولة التي ضربت عالم السياسة منذ نهاية الحرب الباردة حطمت الكثير من القناعات الساذجة، وكشفت عن مواجهات عارية تعيَن على المجتمعات الساكنة (مجتمعات العالم الثالث) التعرض لضرباتها التحويلية وصدماتها الدموية الخطيرة، فهزت ثقة تلك المجتمعات بالكثير من قناعاتها الافتراضية؛ ليبدو البؤس الذي جلبته العولمة على حياة مجتمعات العالم الثالث هو أحد أهم معالم تلك الصدمات.

وكما ظهرت مفاهيم «ما بعد» : ما بعد الحداثة، ما بعد الدولة القومية، لتنتصب دالةً على الدخول إلى مراحل غامضة يجري التحول إليها دون إدراك واعٍ بهويتها، حلت كذلك مفاهيم جديدة في وصف الأفراد مثل «ناشط» و«مؤثر» لتغيب معها مفاهيم سابقة، كما أصبحت القدرة على خلق مساحة اتصالية «إعلامية» للفرد -ولو من غير معايير- من أهم المساحات التي تعزل الناس عن بعضهم عبر السوشيال ميديا.

هل يمكن القول -والحال هذه- إننا على عتبات أفول مفاهيم مثل: «الذوق العام» و«الوجدان المشترك» و«المشاركة الوجدانية» وغير ذلك من القيم التي كانت تسهر على صناعتها نظم إدراك موجهة لوعي الناس عبر أجهزة الدولة العامة؟

هناك الكثير من الأسئلة التي تطرحها تحديات الأزمنة السائلة هذه، لكن ماذا لو كانت هذه الأسئلة التي تهجس بالبال هي أسئلة أشخاص «مخضرمين» في الزمن الخطأ؟ بحيث تصدق عليهم حالة «مقلوبة» من حكمة الخليفة عمر بن الخطاب: «الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم».

مع ذلك ربما سيبدو جليًا؛ أن بدايات هذه الأزمنة السائلة غير كافية لامتلاك القدرة على تحديد هويتها، حتى بالنسبة للأجيال التي ولدت في: «إيقاعات الزمن الجامح».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القرن العشرین

إقرأ أيضاً:

الإنجيليون تيار الولادة الثانية في الكنيسة البروتستانتية

تيار ديني تجديدي محافظ، انبثق من رحم الكنيسة البروتستانتية، يضم مجموعة من الكنائس المستقلة، تجمع بينها مبادئ عقدية، ترتكز على التحول للإيمان بالتوبة (الولادة الثانية)، والاعتقاد بالسلطة المطلقة للكتاب المقدس وحده، وصلب المسيح وتضحيته، ونشر الإنجيل في جميع أنحاء العالم.

والإنجيلية حركة مسيحية عالمية، يُقدر عدد أتباعها بما يزيد على 600 مليون نسمة حول العالم (وفق بيانات التحالف الإنجيلي العالمي)، يتجمع أكثر من 90 ألفا منهم في الولايات المتحدة الأميركية، يشكلون قوة سياسية مؤثرة في الانتخابات الأميركية وقرارات البيت الأبيض المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية.

ويَعتبر الإنجيليون دعم الاحتلال الإسرائيلي مسألة عقدية، لأن إقامة إسرائيل -في نظرهم- وسيادتها في الأراضي المقدسة (فلسطين) "تحقق نبوءة آخر الزمان"، التي تنتهي ببناء الهيكل وعودة المسيح المخلص، الذي سيحكم العالم من القدس.

ولطالما مارس الإنجيليون ضغوطا على الإدارة الأميركية، لتقديم مزيد من الدعم لإسرائيل، ففي الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب (2016-2020)، والذي يمثل الإنجيليون ثلث قاعدته الانتخابية، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها بين العامين 2017 و2018.

وفور تنصيبه للولاية الثانية مطلع عام 2025، ألغى أمرا تنفيذيا يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وضغط لتهجير فلسطينيي قطاع غزة، وإضافة إلى ذلك سارع الإنجيليون إلى الضغط عليه للسماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية كاملة.

إعلان النشأة

تعود جذور الإنجيلية إلى حركة الإصلاح الديني في الكنيسة الكاثوليكية، التي تزعمها مارتن لوثر وأتباعه في أوروبا في القرن السادس عشر، والتي تقوم على الاعتقاد بالكتاب المقدس مصدرا وحيدا موثوقا ومُلزما للحقيقة الدينية، وكان أتباع هذه الحركة أول من أُطلق عليهم "إنجيليون"، لتمييزهم عن غيرهم من أتباع الحركات الإصلاحية الأخرى.

وفي القرن السابع عشر نشأت حركة الإحياء الإنجيلي، وهي حركة تجديدية داخل الكنيسة البروتستانتية، رافضة للشكليات والجمود الذي طغى على الكنيسة، وشكلت تلك الموجة التيار الثاني الذي غذى الإنجيلية بعد الإصلاح اللوثري.

وكانت البداية من ألمانيا تحت مسمى "حركة التقوى"، التي تأسست بجهود من القس اللوثري فيليب جاكوب سبينر، وركزت على التحول و"التجديد "الداخلي للإنسان" والاعتقاد بأن مثل هذه التجربة ضرورية للخلاص.

ومع دخول القرن الثامن عشر أخذت هذه الحركة تنتشر في إنجلترا، وكان من أبرز المبشرين بها تشارلز ويسلي مؤسس حركة الميثودية، وبلغ تأثير الإنجيليين ذروته في بريطانيا في القرن التاسع عشر، إذ أثرت المعتقدات والممارسات الإنجيلية آنذاك بشكل عميق على الحياة والفكر والسياسة المحلية والاستعمارية البريطانية.

ولم يقتصر نشاط تيار الإنجيلية في إنجلترا على نشر الأعمال اللاهوتية، بل نشروا أعمالا أدبية وعملوا في تحرير المجلات وإدارة الجمعيات، وساهموا بقوة في النشاط الثقافي.

وفي أواخر القرن الثامن عشر نمت الإنجيلية في الولايات المتحدة، واتسع نطاق الدعوة لها بشكل متزايد في أوروبا وأميركا بحلول القرن التاسع عشر، من خلال رجال الإحياء الديني الأميركيين، أمثال: تشارلز غرانديسون فيني ودوايت إل. مودي، وأرسلت الحركة بعثات تبشيرية عالمية، استهدفت أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا.

وتنامت قوة الإنجيلية وامتدادها في العالم، ووحد أتباعها من مختلف الطوائف حول العالم جهودهم وشكلوا التحالف الإنجيلي عام 1846 في لندن، ثم أنشؤوا فروعا أخرى له بين العامين 1846 و1955 في العديد من الدول، مثل فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة والسويد والهند وتركيا وإسبانيا والبرتغال، ونشطت المؤتمرات العامة في أوروبا وأميركا.

ديفيد بارسونز نائب رئيس السفارة المسيحية الدولية في القدس عام 2018 (رويترز) انشقاق الأصولية

مع اندلاع الثورة العلمية التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، واجهت المسيحية البروتستانتية تحديا جديدا، تمثل في النقد الكتابي، وهو ما جعل بعض الكنائس تميل مع هذا الاتجاه على حساب الأصولية الكنسية.

إعلان

وفي الاتجاه المعاكس نشأ تيار ثالث في الإنجيلية، دافع عن التعاليم المسيحية البروتستانتية التقليدية، وفي الوقت نفسه نظر إلى الكتاب المقدس لا لكونه مصدرا لاهوتيا فقط، بل باعتباره أساس الحياة الشخصية والجماعية.

وفي القرن العشرين أدت الخلافات حول تفسير الكتاب المقدس إلى حركة انشقاق داخل الكنيسة البروتستانتية في الولايات المتحدة، وأصبح واضحا الانقسام بين الإنجيليين التقدميين والأصوليين حول قضايا مثل النقد الكتابي والمشاركة الاجتماعية، لذلك انفصل بعض الأصوليين عندما فقدوا التأثير في طوائفهم، وأسسوا كنائس جديدة، وكليات ومعاهد دينية ملتزمة بالفكر الأصولي.

ومع منتصف القرن نشأت حركة جديدة أطلق عليها "الإنجيلية الجديدة" ثم الإنجيلية فقط لاحقا، لتمييز أفرادها عن الأصوليين الانفصاليين، وتألفت الإنجيلية الجديدة من الطوائف التي حافظت على التعاليم الأصولية، وعلى عكس الانفصاليين، أبقت على الود مع الطوائف المسيحية الأخرى، وكان من أبرز قادتها بيلي غراهام، الذي أصبح شخصية محورية في حمل الرسالة الإنجيلية عبر العالم.

وفي حين رغب الأصوليون في رؤية أنفسهم إنجيليين، أراد الإنجيليون الآخرون تمييز أنفسهم باسم "الإنجيليون الجدد"، ومع ذلك، بقي لدى الطرفين فيما بعد الكثير من القواسم المشتركة حول عناصر التجديد في الكنيسة.

الانتشار حول العالم

شهد القرن العشرون انتشارا واسعا للإنجيلية حول العالم، وشكل قادتها في الولايات المتحدة الرابطة الوطنية للإنجيليين عام 1942، وفي النصف الثاني من القرن، اتسع انتشار الإنجيلية في العديد من الدول، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والفلبين، وغدت الإنجيلية قوة مهمة في العالم المسيحي، تعمل بشكل منظم عبر تشكيل "الزمالة الإنجيلية العالمية" عام 1951، والتي سُميت لاحقا "التحالف الإنجيلي العالمي".

إعلان

وأسست الحركة مجموعة من المنظمات المدنية تضم أصحاب المهن مثل الأطباء والعلماء والرياضيين، وأصبحت قوة ثقافية مهمة، لها نشاطات في الكثير من الجامعات، وساهمت في نشر دراسات حول العلوم واللاهوت والدراسات الثقافية في المجلات العلمية، واستغلت كذلك البث الإذاعي والتلفزيوني لإيصال رسالتها.

ونمت الحركة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، بسبب التقارب بين تيار المحافظين فيها مثل الكنائس المشيخية والمعمدانية، وتيار التقاليد الميثودية كالكنائس الخمسينية وكنائس القداسة، ووحد الجانبان جهودهما، وهو الأمر الذي ساعد في تسارع انتشار الحركة حول العالم مع دخول القرن الحادي والعشرين.

وفي عام 2020، أظهرت دراسة فرنسية تستند إلى 25 وثيقة حول الإنجيلية في العالم، أن قارة آسيا تضم أكبر تجمع للإنجيليين، بتعداد وصل إلى نحو 215 مليون نسمة، وجاءت أفريقيا في المرتبة الثانية بتعداد بلغ 185 مليونا.

وكان أبرز تجمع لهم على مستوى الدول في الولايات المتحدة، التي ضمت 93 مليون إنجيليّ، تليها الصين بتعداد 66 مليونا، ونيجيريا بنحو 58 مليونا والبرازيل بحوالي 47 مليون نسمة.

وبمرور السنوات، أصبح التحالف الإنجيلي العالمي عبارة عن شبكة من الكنائس تنتشر في أكثر من 140 دولة، وتخدم أكثر من 600 مليون مسيحي إنجيلي حول العالم، وهو ما يعادل نحو ربع المسيحيين في العالم.

الاتحاد الإنجيلي العالمي (الموقع الرسمي) العقائد والممارسات

تعود أصول كلمة "الإنجيلية" إلى اللغة اليونانية وتعني "البشارة السارة"، وجاء في الموقع الرسمي للاتحاد الإنجيلي العالمي، أن كلمة "إنجيلي" مشتقة من كلمة "إنجيل"، لأنها تعني الشخص المنتسب إلى الإنجيل، والذي يشكل هذا الكتاب السماوي محور تفكيره وحياته واهتمامه.

ولا تُعد الإنجيلية طائفة بعينها، وإنما هي تيار ديني ينتمي المؤمنون به إلى كنائس وطوائف مختلفة، مثل الكنائس المعمدانية والسبتية والميثودية وكنائس المسيح وكنائس القداسة والكنائس الخمسينية.

إعلان

ولا توجد سلطة مركزية عالمية تخضع لها تلك الكنائس، بل هي مجموعة كنائس مستقلة، تعتمد على سلطة القادة الإنجيليين المحليين، وتجمع بينها مبادئ عقدية مشتركة، تُعرف بها وتميزها عن غيرها من الكنائس المسيحية الأخرى، وترتكز على 4 مبادئ أساسية:

التحول:

يؤكد الإنجيليون على أهمية تجربة التحول الصادق إلى الإيمان، والذي يأتي من خلال التوبة، والانتقال من حياة الخطيئة إلى الإيمان، وهو ما يُسمى بالولادة الثانية، لذلك يطلق عليهم أيضا "المولودون من جديد".

ويمثل طقس المعمودية أهمية مركزية عندهم، لأنه يدل على التحول والميلاد الجديد، الذي يعتبره الإنجيليون نقطة تحول كبرى في مسار حياة الإنسان، تحدد هويته وتختم خلاصه.

سلطة الكتاب المقدس:

يعتمد الإنجيليون على الكتاب المقدس وحده (العهد القديم والعهد الجديد)، فهو السلطة العليا في جميع أمور الاعتقاد والطقوس، ويجب أن تكون له الأسبقية دائما على العقل والتقاليد والسلطة الكنسية والخبرة الفردية.

ويعتمد الإنجيليون المعنى الحرفي الظاهر من نصوص الكتاب المقدس، ويرفضون جهود التأويل، فهم يرون أن الإنسان قادر على معرفة الله من خلال الكتاب المقدس وحده، لأن الله قد كشف فيه الحقيقة الشاملة والأبدية بطريقة يمكن للجميع فهمها.

وتشكل صورة إنسان (رجل أو امرأة) يحمل الكتاب المقدس في يده رمزا للإنجيلية في كثير من أنحاء العالم، للدلالة على الإيمان بقوة الكتاب المقدس.

صلب المسيح وتضحيته:

تعتبر هذه القضية مركزية لرسالة الإنجيل، وتشكل جوهر المعتقدات الإنجيلية، ويقصد بها أن كلمة الله الأزلية حلّت في يسوع الناصري، الذي أظهر الله بشكل واضح للبشرية، وأنه مات على الصليب، للتكفير عن خطايا البشرية.

النشاط التبشيري:

ويقصد به الالتزام بنشر الإيمان و"البشارة السارة" للمسيح بين جميع الناس في العالم، وإثبات حقيقة الإنجيل في التبشير والخدمة الاجتماعية.

إعلان

وفضلا عن تلك العقائد المشتركة، لكل كنيسة من الكنائس الإنجيلية خصوصيتها العقدية والفكرية التي تميزها عن غيرها، فقد تختلف كنائس الإنجيليين فيما بينها في تفصيلات تتعلق بالطقوس وأسلوب العبادة وموقفها من القضايا الاجتماعية وبعض المسائل اللاهوتية، مثل: المعمودية ودور المرأة في القيادة.

وتركز الحركة الإنجيلية على استقامة السلوك، وقد اعتاد المؤمنون بها في القرون الأولى الابتعاد عن التدخين والكحول وممارسة الجنس المحرم والطلاق والرقص ومشاهدة الأفلام، ولكن الالتزام بهذه الأمور بدأ يتراجع نسبيا مع مرور الزمن، إلا أن الإخلاص في الزواج ظل أمرا بالغ الأهمية.

تفاعلات اجتماعية وقوة سياسية

كوّن الإنجيليون بمرور الزمن، أنماطا مشتركة في التفكير وأسلوب الحياة، مثل الهوية المسيحية في المشاركة السياسية، والحركات المناهضة للشذوذ الجنسي والخمر والإجهاض، وطوروا وفقا لذلك تحالفات تنظيمية وشبكات للتفاعل الاجتماعي.

وساد بين كثير منهم اتجاه عام يقوم على التفاعل مع المجتمع المدني، وبدأت الإنجيلية تظهر بصفتها حركة اجتماعية تجمع بين مبادئ الإيمان والشعور بالحماسة والالتزام المُغيّر للحياة، وتم إنشاء صالات الألعاب الرياضية للكنائس وقاعات الزمالة والمقاهي والمكتبات وتجمعات للباحثين مصممة للترفيه، وتديرها الكنيسة.

واستطاع الإنجيليون الانتشار من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية وفنية ومدارس دينية، وقد ارتبط صعودهم ببرامج الدعم الاجتماعي التي أسسوها والأنشطة الإنسانية التي قادوها، مثل إنشاء المدارس والعيادات وحفر الآبار والمساعدة في إطلاق مشاريع تجارية.

وسعى الإنجيليون إلى التأثير في الجانب السياسي، فحرصوا على رفع مستوى مشاركتهم السياسية، لا سيما في الولايات المتحدة، إذ طوروا أيديولوجية سياسية خاصة بهم، وشكلوا مؤسسات وشبكات من المسيحيين المحافظين بهدف نشر أيديولوجياتهم في هذا المجال، وكونوا مجموعات ضغط مثل منظمة " التركيز على الأسرة" و"تحالف الإيمان والحرية".

إعلان

وتُظهر إحصائيات مركز الأبحاث الأميركي "بيو" للفترة بين عامي 2023 و2024، أن الإنجيليين هم المجموعة الدينية الكبرى في الولايات المتحدة، وقد مثلوا نسبة تصل إلى 23% من إجمالي البالغين في البلاد، وبذلك شكلوا كتلة انتخابية ضخمة، أصبحت دعامة رئيسية للقاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري، الذي يتماشى أكثر مع المواقف المحافظة التي يتبنونها في القضايا الدينية والأخلاقية والاجتماعية.

وارتبط الإنجيليون بالأحزاب المحافظة في العديد من البلدان الأخرى حول العالم، ففي أميركا اللاتينية أسسوا أكثر من 20 حزبا، أثروا من خلالها في السياسة، ومن ذلك، دعم الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي يعتنق أفكارهم، للوصول إلى السلطة في العام 2018.

وفي أفريقيا، تضغط الحركة الإنجيلية على الساسة ونخب الدول للتأثير في صناعة القرار السياسي على المستوى المحلي أو الوطني، لا سيما في الدول ذات النسبة العالية من السكان الإنجيليين.

فرانكلين غراهام الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية بيلي غراهام الإنجيلية (الفرنسية) قوة داعمة لإسرائيل

يُعتبر الإنجيليون جزءا من الحركة المسيحية الصهيونية، التي تؤمن بأن فلسطين هي الأرض المقدسة التي وُعد بها اليهود في الكتاب المقدس، وأن القدس هي عاصمتهم، ويعتقدون بوجوب المساهمة في تحقيق ذلك الوعد.

ويتعلق الإنجيليون بشدة بالنبوءة التوراتية التي تقول إن اليهود سيعودون إلى الأرض المقدسة (فلسطين) في آخر الزمان، ويسودون عليها، ويبنون الهيكل في القدس، ويَعُد الإنجيليون هذه النبوءة إحدى عقائدهم المركزية.

وترى النبوءة أن حربا ستقع في أعقاب بناء الهيكل، يُقتل فيها ثلثا اليهود، ويعتنق الثلث الآخر المسيحية، وبعد 7 سنوات ينزل المسيح من السماء ليخلص البشرية، ويقود المؤمنين للنصر في المعركة المسماة "هرمجدون"، التي ستقع في وادي جبل مجدو، شمالي فلسطين المحتلة، ويحكم ألف عام من الهيكل في القدس.

وينشغل الإنجيليون بالنبوءة وتحقيقها، وينظمون بشكل مستمر رحلات دينية إلى القدس والأراضي الفلسطينية، تشمل زيارة جبل مجدو، يستمعون أثناءها إلى روايات رجال الدين حول النبوءة والمعركة التي ستقع في تلك المنطقة.

وقد حمل هذا المعتقد الإنجيليين على تقديم دعم غير محدود لإسرائيل، يتجلى في التبرعات المالية الضخمة والدائمة، والتي تتضاعف في حالات الحروب، وتأييدهم السيطرة الإسرائيلية التامة على كامل أراضي فلسطين التاريخية، ودعم الاستيطان فيها، إضافة إلى جهود إعلامية قوية مناصرة لإسرائيل، والوقوف معها في كل حروبها.

إعلان

وقد أسسوا مجموعة من المنظمات، تهدف إلى تقديم الدعم والمناصرة للاحتلال الإسرائيلي، منها:

منظمة مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل، وتعد أكبر المنظمات الإنجيلية المناصرة لإسرائيل، تأسست عام 1992، وتضم أكثر من مليون عضو.

منظمة السفارة المسيحية العالمية، وتضم مسيحيين متضامنين مع إسرائيل من كافة أنحاء العالم، وتعمل في 170 دولة. لها فروع في 90 دولة، وتنفذ برامج لتشجيع هجرة اليهود إلى المستوطنات، بما فيها منح كل مهاجر راتبا شهريا مجزيا.

مؤسسة الصداقة، وتنشط بشكل أساسي في دعم الهجرة والاستيطان في إسرائيل.

وتقدم الإنجيلية في الولايات المتحدة خصوصا، دعما سياسيا غير محدود لإسرائيل، ومن صوره التصويت لمرشح الرئاسة الداعم أكثر للاحتلال، ثم استثمار ذلك لاحقا وسيلة ضغط لتحقيق مطالبهم، والتي منها التمكين لإسرائيل.

وقد ضغطت الكتلة الإنجيلية التي انتخبت ترامب في ولايته الأولى عام 2016، والتي شكلت حوالي ثلث ناخبيه، من أجل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها.

وفي انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2024، صوت نحو 80% من الإنجيليين لصالح ترامب، بما يمثل حوالي ثلث ناخبيه، وبمجرد تنصيبه في يناير/كانون الثاني 2025، حقق بعض مطالبهم، فقد ألغي أمرا تنفيذيا للرئيس الأميركي السابق جو بايدن، كان يسمح بفرض عقوبات على المستوطنين في الضفة الغربية، وضغط لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

ولم تكتف الحركة بذلك، فسرعان ما ضغطت عليه لتحقيق مطالب إضافية، منها السماح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.

ولكن هذه الأفكار بدأت تتقلص في جيل الشباب من الإنجيليين، الذي بدأ يتبنى وجهة نظر أكثر انفتاحا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، تطالب "بتحقيق العدالة لجميع الأطراف".

وقد كشف استطلاع للرأي، أُجري بتكليف من جامعة نورث كارولينا عام 2021، أن الإنجيليين الأصغر سنا (أقل من 30 عاما) انخفضت نسبة الداعمين منهم لإسرائيل ما بين العامين 2018 و2021 من 75% إلى 34%.

إعلان

مقالات مشابهة

  • ‏سباق مع الزمن.. المال السياسي يثير القلق مع اقتراب الانتخابات
  • الجامعة البريطانية تنظم سحورا لأسرتها وتكرم روادها في الذكرى العشرين لتأسيسها
  • الإنجيليون تيار الولادة الثانية في الكنيسة البروتستانتية
  • ولاية سودانية تعلن عطلة عيد الفطر اعتباراً من العشرين من الشهر الجارى
  • سرد جديد لآلام العراقيين بعيدا عن المعالجة التقليدية في العشرين
  • مشوار حياة عالم الأزهر.. نادى سينما الأوبرا يعرض رسائل الشيخ دراز
  • أعاصير مدمرة ورياح عاتية.. عاصفة قاتلة تهز الولايات المتحدة
  • 4 طرق ناجحة للاستجابة لمريض الخرف عندما يخلط بين الأزمنة
  • التحول الديموغرافي وتوجيه مجتمعات المستقبل
  • الكويت تسلّم العراق اثنين من المتهمين بـ سرقة القرن