لجريدة عمان:
2025-02-16@17:56:30 GMT

أزمنة سائلة!

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

هل يمكن القول إن الهوية الاتصالية للعالم، كما بدت منذ تسعينيات القرن الماضي عبر ثورة الاتصال والمعلوماتية، هي مؤشر لدخول مجتمعات البشر في أزمنة سائلة؟ أي من حيث كونها أزمنة يوازي فيها إيقاع الحياة سرعةً وسيولة هي على النقيض من الحركة النسبية لعالم القرن العشرين؟ (ذلك القرن الذي نعته المؤرخ الإنجليزي إريك هابزباوم بـ«عصر التطرفات» وأرَّخ له حقبة أقصر من الحقب المعهودة للقرون (100عام).

حين حدد هابزباوم نهاية القرن العشرين بالعام 1991 فيما حدد بدايته بالعام 1914م!

وفيما بدت له حقبة التسعينيات كما لو أنها عشرية متقدمة للقرن21. واستشرافًا لطبيعة الزمن القادم / الزمن السائل؛ صدَّر هابزباوم (الذي رحل عن عالمنا في 2012 عن 95 عامًا) أحد فصول الكتاب بهذا الاقتباس: «نحن في بداية عصر جديد يتميز بقدر كبير من انعدام الأمن وبالأزمات الدائمة، وغياب أي شكل من أشكال الوضع الراهن، ينبغي أن ندرك تمام الإدراك أننا نواجه الآن واحدة من أزمات التاريخ العالمي».

وسيبدو واضحًا أن إحدى سمات السيولة في هذه الأزمنة الجديدة تكمن في الهوية اللامركزية للكثير من أنظمتها، بخلاف الهوية الصلبة للأنظمة التي طالما كانت تحكم مجتمعات البشر في عالم القرن العشرين وما قبله.

ذلك أن تعدد وسائط الإعلام وانتشارها وسيولتها، كالسوشيال ميديا، وسهولة خلق عالم خاص وموازٍ في تعزيز العزلة الشخصية للفرد، مع القدرة -في الوقت ذاته- على الاتصال الفوري بأي شخص في العالم.. كل هذه السمات تنحو إلى تشويش مفهوم الحدود الصارمة والأنظمة الصلبة في حياة المخضرمين الذين عاشوا طرفًا من أزمنة نهايات القرن العشرين، فيما هم يخوضون هذا الزمن الجديد(ككاتب هذه السطور) بعيون مفتوحة على الدهشة. فهذه الأزمنة السائلة اليوم، وهي بطبيعة الحال عالقة عبر خيط غير مرئي بالأزمنة التي سبقتها، تنحو باستمرار نحو تمييز سريع يقفز قفزًا بمتوالية تغيير هندسية نحو عالم أكثر سيولةً وغموضًا.

وحين يغترب الإنسان أكثر عن ذاته في هذه الأزمنة السائلة يسكنه خوف منها، ومن مستقبلها القريب الغامض، إنه خوف لا ينبع من الثقة بقدرة ما على التأقلم، وإنما ينبع من جهل الإنسان بالأسرار التي تخبئها له معجزات المعرفة ومفاجآت الذكاء الاصطناعي، وما ستطبعه التحولات على حياة الناس والأجيال المقبلة؟

في السياسة كما في التكنولوجيا والعوالم الأخرى، سيبدو تشابك حياة مجتمعات البشر في عالم العولمة هذا ومزيجه المعقد، أحد أهم دوافع التشكيك بالكثير من القناعات لاسيما قناعات أولئك الذين عاصروا في حياتهم طرفًا من أزمنة القرن العشرين وأجوائه. إن السيولة التي ضربت عالم السياسة منذ نهاية الحرب الباردة حطمت الكثير من القناعات الساذجة، وكشفت عن مواجهات عارية تعيَن على المجتمعات الساكنة (مجتمعات العالم الثالث) التعرض لضرباتها التحويلية وصدماتها الدموية الخطيرة، فهزت ثقة تلك المجتمعات بالكثير من قناعاتها الافتراضية؛ ليبدو البؤس الذي جلبته العولمة على حياة مجتمعات العالم الثالث هو أحد أهم معالم تلك الصدمات.

وكما ظهرت مفاهيم «ما بعد» : ما بعد الحداثة، ما بعد الدولة القومية، لتنتصب دالةً على الدخول إلى مراحل غامضة يجري التحول إليها دون إدراك واعٍ بهويتها، حلت كذلك مفاهيم جديدة في وصف الأفراد مثل «ناشط» و«مؤثر» لتغيب معها مفاهيم سابقة، كما أصبحت القدرة على خلق مساحة اتصالية «إعلامية» للفرد -ولو من غير معايير- من أهم المساحات التي تعزل الناس عن بعضهم عبر السوشيال ميديا.

هل يمكن القول -والحال هذه- إننا على عتبات أفول مفاهيم مثل: «الذوق العام» و«الوجدان المشترك» و«المشاركة الوجدانية» وغير ذلك من القيم التي كانت تسهر على صناعتها نظم إدراك موجهة لوعي الناس عبر أجهزة الدولة العامة؟

هناك الكثير من الأسئلة التي تطرحها تحديات الأزمنة السائلة هذه، لكن ماذا لو كانت هذه الأسئلة التي تهجس بالبال هي أسئلة أشخاص «مخضرمين» في الزمن الخطأ؟ بحيث تصدق عليهم حالة «مقلوبة» من حكمة الخليفة عمر بن الخطاب: «الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم».

مع ذلك ربما سيبدو جليًا؛ أن بدايات هذه الأزمنة السائلة غير كافية لامتلاك القدرة على تحديد هويتها، حتى بالنسبة للأجيال التي ولدت في: «إيقاعات الزمن الجامح».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القرن العشرین

إقرأ أيضاً:

البابا فرنسيس يدعو إلى "صومٍ مختلف" في الزمن الكبير: أعمال صالحة بدلًا من الانقطاع التقليدي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أطلق البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، رسالةً غير تقليدية بمناسبة اقتراب الصوم الكبير، داعيًا المؤمنين إلى تعزيز أعمال الخير اليومية بدلًا من التركيز على الانقطاع عن الطعام أو اللحم فقط. وجاء في توصياته: "الصوم وحده لا يكفي دون أعمال صالحة تُكمِّله"، مشددًا على أن "الحياة اليومية ستمتلئ بالسلام والثقة والفرح إن التزم الجميع بهذا النهج".  

ومن الأعمال إلى الامتناع عن السلبية:

وقدَّم البابا قائمةً بـ15 عملًا صالحًا يجب الالتزام بها خلال الصوم، إلى جانب الامتناع عن سلوكيات سلبية، مؤكدًا أنها "صومٌ حقيقي يلامس القلب".

ومن أبرز التوصيات:  

1.التحية الدائمة والشكر غير المشروط حتى في المواقف غير المتوقعة.  
2. التعبير عن الحب  وتذكير الآخرين به، والاستماع لهم دون تحيُّز.  
3. المبادرة لمساعدة المحتاجين، والاحتفاء بنجاحات الآخرين، وإعطاء ما لا يُستخدم لمن يحتاجه.  
4. الصدق في القول  مع الحفاظ على اللطف، ومراعاة التفاصيل الصغيرة مع المقربين.  
5. التواصل مع الوالدين حال كانا على قيد الحياة، وتنظيف الفضاء المحيط كعلامة على الاحترام.  

صوم القلب": إلى جانب الأعمال، دعا البابا إلى "صومٍ داخلي" يتجلَّى في:  
الامتناع عن الكلام الجارح واستبداله بعبارات لطيفة.  

تجنب السخط والغضب لصالح الامتنان والصبر.  

مقاومة التشاؤم والهموم وتعزيز الأمل والثقة بالله.  

التخلّي عن الأنانية وعدم الغفران والسعي للمصالحة، مع التركيز على الصمت والاستماع للآخرين.

واختتم البابا رسالته بتفاؤل: "هذا الصوم ليس مجرد امتناع، بل تحوُّلٌ يومي نحو الخير. إنه دعوة لجعل حياتنا بوصلةً للسلام الداخلي والاجتماعي". 

وتعد هذه التوصيات امتدادًا لخطابه الداعي إلى "كنيسة فقيرة للفقراء"، حيث الأعمال البسيطة تُجسِّد الإيمان العملي.  

ويُذكر أن الصوم الكبير يبدأ هذا العام في 14 فبراير، ويستمر حتى 28 مارس، كفترة تحضيرية لعيد الفصح في التقويم المسيحي.

مقالات مشابهة

  • رحلة إلى محضة.. عبق الذكريات وعِبر الزمن
  • وسائل الإعلام في مجتمعات ما بعد النزاع: بين الهيمنة والتحرر
  • وفاة الكاتب السوري هاني السعدي
  • وفاة الكاتب والفنان السوري هاني السعدي
  • قبل عرض شهادة معاملة أطفال في رمضان.. 3 مسلسلات رصدت السفر عبر الزمن
  • آلاف اللبنانيين يحيون الذكرى العشرين لاغتيال رفيق الحريري
  • عالم أفغاني شهير يحدد نقطة التحول في حياة البشرية
  • البابا فرنسيس يدعو إلى "صومٍ مختلف" في الزمن الكبير: أعمال صالحة بدلًا من الانقطاع التقليدي
  • باسيل في ذكرى استشهاد الحريري: تعالوا نجعل من الذكرى العشرين مناسبة وطنية للتفاهم حول مستقبل لبنان
  • في الذكرى العشرين.. جنبلاط ترأس وفدًا لزيارة ضريح الحريري