الاستثمار في الطبيعة يحدد مستقبلنا
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
من السهل أن نتصوَّر أن البشر موجودون بشكل منفصل عن الطبيعة. لكن أعظم التهديدات التي تواجه البشرية تأتي من الأزمات التي تؤثر على الطبيعة، وخاصة تغير المناخ، وخسارة التنوع البيولوجي، والتلوث المتفشي. ولن نتمكن من معالجة أي من هذه الأزمات حتى نتوقف عن اعتبار الطبيعة أمرا مفروغا منه ونبدأ في الاستثمار فيها بشكل أكبر.
الواقع أن الاستثمارات «الإيجابية في التعامل مع الطبيعة» والتي تهدف إلى الحفاظ على البيئة البحرية، والإدارة المستدامة للأراضي، وتعزيز الأمن المائي، وزراعة الغابات من الممكن أن توفر نحو 30% من خفض الانبعاثات اللازم للحد من الانحباس الحراري الكوكبي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية -وهو الهدف المنصوص عليه في اتفاقية باريس للمناخ. علاوة على ذلك، لا تعمل هذه الاستثمارات على تحسين قدرتنا على الصمود في مواجهة تغير المناخ فحسب؛ بل إنها تساعد أيضا في منع الجوائح الـمَـرَضية في المستقبل. قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف السادس عشر في إطار اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في كالي بكولومبيا هذا الشهر، يتعين علينا أن نتذكر أن الأزمات التي تؤثر على الطبيعة تفرض أيضا مخاطر بنيوية على الاقتصاد العالمي، ورفاهتنا ورخائنا جميعا، وأهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة. الواقع أن 55% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي يعتمد بدرجة كبيرة أو معتدلة على الطبيعة. في كالي، سيناقش مندوبون مما يقرب من 200 دولة كيفية التعجيل بالعمل على حماية 30% من الأراضي والمناطق البحرية على كوكب الأرض، والحد من التلوث، واستعادة الأنظمة الإيكولوجية المتدهورة بحلول عام 2030. تتمثل إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون تحقيق هذه الأهداف الطموحة في التمويل. فنحن في الوقت الحالي لا نكتفي بالإفراط الشديد في الاستثمار في أنشطة تلحق الضرر بالطبيعة وتؤدي إلى تفاقم مشكلاتنا؛ بل إننا نستثمر الثلث فقط من المطلوب لتحقيق الأهداف المرتبطة بالمناخ، والتنوع البيولوجي، وتدهور الأراضي بحلول عام 2030. لتوسيع نطاق الاستثمار الإيجابي في التعامل مع الطبيعة، نحتاج إلى القيام بأربعة أشياء. أولا، يتعين علينا بناء شراكات أكثر فاعلية تتألف من القطاعين العام والخاص بين البلدان وبنوك التنمية العامة، فضلا عن المنظمات العاملة في مجال الحفاظ على الطبيعة، والشركات، والمؤسسات المالية في القطاع الخاص. هذا من شأنه أن يساعد في الحد من مخاطر الاستثمارات، وإعداد المشاريع، وتحقيق التأثير على نطاق ضخم لصالح العمل المناخي، والحفاظ على الطبيعة، والتنمية الاقتصادية الشاملة. ثانيا، يتعين علينا أن نعمل على إحياء وتعميم وتبسيط الممارسات التجديدية وإدارة التنوع البيولوجي، وخاصة في قطاعات الزراعة، والغابات، وصيد الأسماك. ثالثا، نحن في احتياج إلى مبادئ ومعايير وآليات إفصاح مشتركة لتتبع التمويل الإيجابي لمشروعات الحفاظ على الطبيعة ومدى تأثيره، والإفصاح عن مزيد من المعلومات حول البصمات المرتبطة بالطبيعة، وأوجه الاتكالية، وتعرض الشركات والمؤسسات المالية للمخاطر. أخيرا، لوضع الطبيعة في الحسبان في كل السياسات وقرارات الاستثمار، يتعين علينا أن نعمل على تقليل تدفق التمويل إلى الأنشطة الضارة بالطبيعة. سوف تضطلع بنوك التنمية المتعددة الأطراف بدور رئيسي في توسيع نطاق الاستثمارات الخضراء. وتعمل مؤسسات مثل بنك الاستثمار الأوروبي بالفعل على تكثيف الدعم لحماية الطبيعة واستعادتها واستخدامها على نحو مستدام من خلال إطلاق مبادئ مشتركة لتتبع التمويل الإيجابي في التعامل مع الطبيعة. تشكل مثل هذه المعلومات ضرورة أساسية لقياس ودمج الطبيعة في عمليات جهات الإقراض المتعددة الأطراف، فضلا عن إعلام مستثمرين آخرين حول ما يشكل استثمارا إيجابيا في التعامل مع الطبيعة. والآن يجري بالفعل إقامة الشراكات وتعزيز الجهود المشتركة الرامية إلى وضع هذه المبادئ موضع التنفيذ. على المستوى الأوروبي، يعمل بنك الاستثمار الأوروبي بشكل وثيق مع المفوضية الأوروبية لدعم تنفيذ استراتيجية التنوع البيولوجي 2030 التابعة للاتحاد الأوروبي في مختلف أنحاء العالم. ونحن نسعى جاهدين لضمان عدم تسبب أي من المشاريع التي نمولها في «خسارة» التنوع البيولوجي، ونضع اعتبارات التنوع البيولوجي والنظام البيئي في الحسبان في مختلف أنشطتنا. علاوة على ذلك، ولأن أحد أكبر التحديات في مواجهة الجهود الرامية إلى توسيع نطاق الاستثمارات الإيجابية في التعامل مع الطبيعة يكمن في تنظيم وبناء المشاريع، فإننا نقدم خدمات استشارية للمساعدة في إطلاق مبادرات استعادة الطبيعة والتنوع البيولوجي. في المغرب، عَـرَضَ بنك الاستثمار الأوروبي المشورة وقدم قرضا بقيمة 100 مليون يورو (109 ملايين دولار) للحفاظ على، واستعادة، أكثر من 600 ألف هكتار من الغابات. وفي ساحل العاج، نستعد لدعم زراعة الكاكاو المستدامة بغرض الحفاظ على الغابات وليس قطعها. ولدعم الحفاظ على البيئة البحرية، نعمل مع المؤسسات الشريكة على مبادرة المحيطات النظيفة الناجحة، والتي تسبق الموعد المحدد في توفير 4 مليارات يورو لمشاريع الحد من انتشار النفايات البلاستيكية. من الممكن أن تساعد الأدوات المالية المبتكرة التي تعمل على تحويل المخاطر في حشد مزيد من التمويل العام والخاص لمثل هذه الاستثمارات. على سبيل المثال، يوفر صندوق حياد تدهور الأراضي الممول من بنك الاستثمار الأوروبي التمويل والمساعدة الفنية للزراعة، وزراعة الغابات المستدامة، في مختلف أنحاء العالم، كما يدعم صندوق EcoEnterprises الشركات الداعمة للتنوع البيولوجي في أمريكا اللاتينية. يَـدرُس بنك الاستثمار الأوروبي أيضا استثمارا جديدا في صندوق يدعم مشاريع التشجير، وإدارة الغابات، والحفاظ على الطبيعة في المنطقة. وفي مؤتمر الأطراف السادس عشر، نأمل في البناء على مثل هذه المبادرات لزيادة تمويل المشاريع الداعمة للطبيعة. أمبرواز فايول هو نائب رئيس البنك الأوروبي للاستثمار. خدمة بروجيكت سنديكيت |
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بنک الاستثمار الأوروبی الحفاظ على الطبیعة التنوع البیولوجی یتعین علینا الطبیعة فی
إقرأ أيضاً:
المشاط: نعمل على وضع رؤية طموحة لتنوع وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة
أكدت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أهمية استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة واستراتيجية التنمية الصناعية وتعزيز التجارة (IDTES) باعتبارهما من الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي تسعى الحكومة المصرية لتحقيقها، لتعزيز بيئة الاستثمار في مصر.
جاء ذلك خلال لقاء وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، مع بعثة البنك الدولي بقيادة ستيفان جيمبرت، المدير الإقليمي للبنك الدولي بمصر واليمن وجيبوتي والوفد المرافق له، وذلك بمقر وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمناقشة موقف تطوير استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر (2025- 2030)، التي يتم إعدادها بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي أحد أهم شركاء التنمية لمصر، وذلك تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية وقرارات المجلس الأعلى للاستثمار. وشارك في الاجتماع الدكتورة داليا الهواري نائب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
وأشارت المشاط إلى الجهود التي تقوم بها الدولة لتعزيز كفاءة إدارة الاستثمارات العامة، وحوكمتها، ووضع سقف مُحدد للاستثمارات بما يحد من معدلات التضخم ويتيح المزيد من الفرص للقطاع الخاص، لافتة إلى أن التعاون الفني مع البنك الدولي لإعداد استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر يخدم هذا التوجه كما ينفذ توجيهات المجلس الأعلى للاستثمار بوضع رؤية واضحة للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، فضلًا عن تعزيز جهود الدولة من أجل جذب وتشجيع الاستثمارات الخارجية في إطار مستهدفات برنامج الحكومة لبناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، والاستفادة من المقومات الكبيرة للاقتصاد المصري، مؤكدة أن العلاقات مع الشركاء الدوليين يتم من خلالها إعداد العديد من التقارير التشخيصية والدراسات التي تتضمن توصيات ومحاور يتم تنفيذها على أرض الواقع في العديد من المجالات لدفع جهود التنمية.
وأكدت "المشاط" أن استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة في مصر ستضع رؤية استثمارية طموحة وقابلة للتحقيق للبلاد،وستقدم استراتيجية متماسكة لنمو الاستثمار وتنويعه، مما يساهم في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي الشامل وتنويع الاقتصاد في مصر. ويتمثل جوهر هذه الاستراتيجية في زيادة القدرة التنافسية للاستثمار في البلاد لتعزيز جذب الاستثمار الأجنبي المباشر المستدام.
وأضافت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تعمل بالتنسيق مع وزارة الاستثمار والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ومجموعة البنك الدولي على استمرار التنسيق والتشاور مع مختلف الجهات المعنية، وعقد العديد من ورش العمل، من أجل استيفاء كافة الملاحظات بشأن الاستراتيجية الجديدة في إطار الأهمية التي توليها الدولة بشأن دفع وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وتمكين القطاع الخاص.
من جانبه، أكد المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، أن الوزارة تبذل كل جهودها من أجل تهيئة مناخ استثماري جاذب ومستقر، بهدف تحقيق قفزات كبيرة من النمو تتناسب مع طموحات الشعب المصري، منوها إلى أنه خلال الفترة المقبلة سيتم الانتهاء من صياغة الخطة الاستراتيجية الاستثمارية للوزارة، والتي تتضمن استراتيجية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، مع التركيز على تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات، مما يعزز من تنافسية مصر كوجهة رئيسية للاستثمار والتجارة في المنطقة، ويعكس التزام الوزارة بتوفير فرص استثمارية مستدامة تدعم النمو الاقتصادي
ولفت «الخطيب» إلى أن الدولة تمتلك بنية تحتية متطورة ومدن جديدة ومتطورة كما يتميز السوق المصري بعمالة مدربة ومؤهلة، مشيرا إلى أن مصر تعد سوقا استهلاكيا كبيراً، وتتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي، يتوسط قارات العالم مما يسهل النفاذ إلى أوروبا والشـرق الأوسط وأفريقيا وآسيا كما تتمتع مصر بمصادر طاقة متنوعة، منها مصادر الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، فضلا عن ارتباطها باتفاقيات تجارية متنوعة، كاتفاقيات التجارة الحرة مع أكثر من٧٠ دولة، وأيضا إتاحة عدد من الحوافز الاستثمارية، منها حوافز عامة، وأخرى خاصة، وكذا حوافز إضافية.
جدير بالذكر أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، استضافت بالتنسيق مع الهيئة العامة للاستثمار، اجتماعات على المستوى الفني في إطار الإعداد للاستراتيجية، بمشاركة نحو 20 جهة وطنية ذات صلة، بالإضافة إلى مجموعة البنك الدولي.