ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (1-6)
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
مجتزأ من ورقة: عبد الله الفكي البشير، "ثورة أكتوبر ومناخ الستينيات: الانجاز والكبوات (قراءة أولية)"، نُشرت ضمن كتاب: حيدر إبراهيم وآخرون (تحرير)، *خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014): نهوض السودان المبكر*، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014.
عبد الله الفكي البشير
abdallaelbashir@gmail.
*مدخل*
تحاول هذه الورقة تقديم قراءة أولية لثورة أكتوبر 1964، من خلال الاستقراء في مناخ عقد ستينيات القرن العشرين في السودان. تقف الورقة عند مناخ ستينيات القرن العشرين في العالم، باعتباره عقدا لانتصار حركة الحقوق المدنية Civil Rights Movement، وعقدا للتغيير وازدهار حركات التحرر الوطني، والخطاب القومي والعروبي والاتجاهات الزنُوجية وأسئلة الهوية- وباعتباره عقدا كذلك، للتشريع لمفهوم التعدد الثقافي، الذي برز لأول مرة، إلى حيز الوجود، غداة الحرب العالمية الثانية، واستيعابه في الدساتير والقواميس السياسية، بعد أن توسع تداوله في حقول البحث العلمي.
لم يكن السودان من حيث المكونات والإرث التاريخي، وهو تحت حكم عسكري، بمعزل عن المشهد العالمي. فقد عبرت شعوب السودان عن أشواقها وتطلعاتها إلى التغيير بثورة شعبية سلمية عزلاء إلا من قوة اجماعها، فاستطاعت أن تغير حكماً عسكرياً بالقوة من غير عنف. بيد أن الثورة برغم قوتها، لم تستطع أن تحقق التغيير في اتجاه الحقوق المدنية والاعتراف بالتعدد الثقافي، بل تبعتها كبوات فكرية وسياسية كبرى، ظل السودان، ولايزال، يعاني منها. تقدم الورقة تفصيلاً وتحليلاً في هذا، وتزعم بأن عقد ستينيات القرن العشرين في السودان، كان عقداً للتناقضات الفكرية والمفارقات السياسية، فثورة أكتوبر من حيث القاعدة/ الجماهير، كانت تعبيراً عن الأشواق للتغيير بتناغم مع المشهد العالمي، ومن حيث القمة/ زعماء الأحزاب التقليدية وأصحاب الامتياز (غير المهمشين)، لم تكن سوى إعلان لمفارقه السودان لأشواق جماهيره، وتناغمه مع المشهد العالمي، منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا. تقدم الورقة تحليلاً وتعليلاً في هذا الاتجاه، وتخلص إلى أن ثورة أكتوبر برغم اختطافها وعدم نجاحها في تحقيق التغيير، سوى تغيير النظام العسكري؛ إلا أنها عبرت عن قوة اجماع الجماهير على إرادة التغيير، كما أنها تركت إرثاً ثورياً ينتظر الاكتمال والتطوير لفكر التغيير وطريقة تحقيقه.
إن مجتمعات التعدد الثقافي، كحال السودان، عصية على الإدارة والبناء والتعايش، في ظل غياب الحقوق المستحقة: الديمقراطية والحرية وكرامة الإنسان. كما أن تحقيق التسوية الوطنية فيها، عبر منهج توقيع الاتفاقيات، الذي تبع اختطاف ثورة أكتوبر، ولا يزال مستمراً، ما هو إلا ترميم لبناء متهالك، في ظل غياب الحقوق المكتسبة. فلا سبيل لتلك المجتمعات لانتزاع تلك الحقوق سوى الثورة الشعبية. إن مغذيات الثورة الشعبية وأسبابها في السودان، اتسعت وتعمقت الآن، أكثر من أي وقت مضى، وتسربت إلى وعي الجماهير، بمعزل عن الأوصياء على العقول، ولهذا فنحن الآن على مشارف انفجار "الثورة الكبرى". ولهذا جاءت خاتمة الورقة موسومة بـ -"نحو الثورة الكبرى ثورة العقول"- وهي ثورة ستشتعل في عقول الجماهير، هدفها التغيير الشامل والجذري، ولا يفصلنا عنها، سوى لحظة الاجماع، وقيام المثقفين بواجبهم نحو اشعالها في عقول الجماهير، وهذا ما سيحدث قريباً، لاريب في ذلك.
تتهيكل الورقة حول ستة محاور أساسية هي طبيعة ثورة أكتوبر، وثورة أكتوبر ومناخ عقد الستينيات في العالم، وقضية الجنوب وملاقاة الآخر، القادة والعبث بإرادة الجماهير والفوضى الدستورية، خيانة مبادئ الثورة والكبوات الكبرى: الكبوة السياسية والكبوة الفكرية، الكبوة الأخلاقية، وخاتمة تركّز على موضوع الثورة القادمة: نحو الثورة الكبرى ثورة العقول.
*ثورة أكتوبر ومناخ عقد الستينيات من القرن الماضي في العالم*
لم تكن أسباب اندلاع ثورة أكتوبر، بمعزل عن مناخ عقد الستينيات من القرن الماضي في العالم، حيث انتصار حركة الحقوق المدنية، والتي تبعها الاعتراف بالتعدد الثقافي والتشريع له، إلى جانب ازدهار حركات التحرر الوطني في أفريقيا، وتمدد خطاب القومية العربية. لقد برز مفهوم التعدد الثقافي لأول مرة، إلى الوجود، غداة الحرب العالمية الثانية ومع إنشاء منظومة الأمم المتحدة. ودخل مصطلح التعددية Pluralism للتداول في حقل الدراسات الإثنية والسياسية عقب الحرب العالمية الثانية – من قبل جون فيرنفال J. S. Furnivall - وقد استوحى ذلك من واقع دراساته عن بلدان جنوب شرق آسيا، ولا سيما بورما وجاوا. ثم بدأ الاهتمام السياسي بالإثنيات في عقد الستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية، عقب انتصار حركة الحقوق المدنية التي فجرها الأمريكيون المنحدرون من أصل أفريقي. كذلك افسح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في عام 1948، الطريق إلى صدور معاهدتين دوليتين أجيزتا في عام 1966، عالجت الأولى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيما عالجت الثانية الحقوق المدنية والسياسية، وكلا المعاهدتين تؤكدان مبدأ حق تقرير المصير كمبدأ عالمي وتدعوان الدول الأعضاء إلى الدعوة لتحقيق مبدأ تقرير المصير وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. تبع كل ذلك أن زاد الاهتمام بالاثنيات والتنوع العرقي والثقافي وأصبح في مقدمة هموم أهل السياسة في الولايات المتحدة الأميركية، سواء في التعليم بلغات المجموعات أو تشجيع نشر آدابهم وفنونهم وتاريخهم باعتبارها إضافة جديدة للثقافة الأمريكية. ثم تطوَّر مفهُوم التعدد الثقافي Multiculturalism ليشمل التعدد الديني وكريم المعتقدات والتعدد اللغوي والعرقي، ويتضمن تعدد تعبيرات الجماعة والمجتمعات عن ثقافاتها، وأشكال انتقال هذه الثقافات، بالمضامين الحاملة لها، المستمدة من الهويات الثقافية أو المعبرة عنها . تبع ذلك الاستيعاب للتعدد الثقافي في التشريعات ومواثيق الحقوق والحريات ثم وجد طريقه للدساتير القومية. فإلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، مثلت كندا منذ السبعينيات نموذجاً آخر لاستيعاب التعدد الثقافي.
لم يكن السودان عند اندلاع ثورة أكتوبر، بحكم مكوناته وإرثه التاريخي وموقعه الجغرافي في أفريقيا، بعيدا عن هذا المشهد العالمي والإقليمي. فالسودان يزخر بتعدد ثقافي، ليس له نظير في أفريقيا، بل أن تعدده الثقافي من حيث الأصالة والقدم بلا مثيل في العالم. يقول جوزيف أومارا وخديجة صفوت: "كان السودان معبرا عظيما للمسافرين منذ مينا موحد الوجهين القبلي والبحري ومؤسس الأسرة الأولى من الممالك القديمة (2925 ق.م.-2775 ق.م.) تقريباً- وقد بقي السودان ذلك المعبر العظيم من كل مكان إلى كل مكان من القارة الأفريقية وما ورائها- إن تلك الرحلات وموجات هجرة المسافرين المغامرين والغوارين والمكتشفين تركت أجزاء ثقافية منحت السودان تميزاً وتعددا وغنى بلا مثيل، سوى ربما الولايات المتحدة؛ إلا أن الأخيرة لا تملك ادعاء أصالة تاريخ يعود إلى 3000 عام قبل الميلاد". إن بلدا بهذا التعدد الثقافي نادر المثيل، لابد أن يكون منفتحاً على التجارب العالمية في التعاطي مع أشواق مجتمعات التعدد الثقافي، خاصة مع ازدهار حركات التحرر الوطني في أفريقيا. فعند اندلاع ثورة أكتوبر، والتي كانت قضية الجنوب أهم أسبابها، لم يكن السودان بعيدا عن دعوات حركات التحرر الوطني الأفريقي، إن لم يكن ميدانا لحراكها وشريكاً أصيلا في أشواقها، فهو قطر أفريقي في المقام الأول.
الشاهد أن السودان في عقد الستينيات من القرن الماضي، كان أكثر اتصالا بالمشهد العالمي، وعمقه الأفريقي، الأمر الذي أسهم، إلى جانب المعطيات المحلية ومناخ الستينيات في السودان، في القابلية للثورة. (وقد ورد بعض التفصيل في أصل الورقة).
نلتقي مع الحلقة الثانية وهي تتناول محورين، هما: مناخ ستينيات القرن العشرين في السودان، قضية الجنوب والثورة: الجماهير والخروج من الذات لملاقاة الآخر.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الحقوق المدنیة المشهد العالمی ثورة أکتوبر فی السودان فی أفریقیا فی العالم لم یکن من حیث
إقرأ أيضاً:
“الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة حول آخر التطورات والمستجدات
الثورة نت/..
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات الإقليمية والدولية، الخميس 15 شعبان 1446هـ / 13 فبراير 2025م .
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[النساء:167 -169]، صَدَقَ اللهُ العَلِيُّ العَظِيم.
في هذه الأسابيع، أعلن الرئيس الأمريكي المجرم الطاغية [ترامب] موقفاً تفاجأ منه أكثر الناس، تفاجأ منه الزعماء، تفاجأ منه السياسيون، تفاجأت منه النخب، وتفاجأ منه معظم المجتمع البشري، ولقي استهجاناً كبيراً في المجتمع البشري في مختلف البلدان، عندما أعلن خطته لتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، إلى بلدانٍ عربيةٍ أخرى، يعني: خطةً لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه وبلده، ومصادرة حقه مصادرةً كاملة، مصادرةً لحقٍ يتفرَّع عنه حقوقٌ كثيرة، وحقٌ واضح وثابت، بكل الاعتبارات المعترف بها بين البشر، والمجمع عليها عند مختلف البلدان، في كل المجتمعات البشرية.
في البداية كان البعض يتصوَّر أنَّ هذه واحدة من الكلمات التي يطلقها المجرم الطاغية [ترامب]، وهو متعوِّدٌ على أن يطلق كلمات غير واقعية، ولا منطقية، ولا مقبولة، ولا معقولة، أشبه شيءٍ بالتُرَّهات، وأشبه شيءٍ بالتهريج، الناس متعوِّدون منه لذلك، في أمريكا نفسها، وفي غير أمريكا، ولديه الكثير من المبالغات، والكلام الذي لا يتقبَّله أيُّ إنسانٍ عاقل، ففي البداية تصوَّر البعض أنَّها قد تكون من هذا القبيل، وقد تكون كلمة غير جادة؛ إنَّما في سياق مجاملاته مع الإسرائيلي، ومن باب التعبير عن مدى ولائه للصهيونية، وتفاعله مع العدو الإسرائيلي، لكن مع تكراره لطرح الموضوع، يظهر إصراره على خطته الإجرامية، التي تتنكَّر لكل الحق والعدالة، ولكل الحقوق، مع أنَّه متضاربٌ في كلامه، أحياناً يطرح مسألة الشراء، وهي مسألة لقيت مع الاستهجان العالمي الاستغراب، وأصبحت أشبه شيء بنكتة؛ لأنها كلام ساذج، وكلام غريب جداً، أن يُطْرَح مثله من شخص في موقع مسؤولية، باسم رئيس دولة، والولايات المتحدة الأمريكية التي تقدِّم نفسها على أنها دولة تمتلك حضارة، وتعبِّر بعناوين الحُرِّيَّة، والعدالة، والحقوق… وغير ذلك، ولو أنها عناوين زائفة، لكن أن يكون التنكر لتلك العناوين حتى على هذا المستوى من الصلف والوقاحة، فهذا هو الشيء الغريب جداً.
على كُلٍّ، تكرر الموقف من [ترامب]، وبدا جاداً في أطروحته هذه، وفي خطته التي هي باطلٌ محضٌ وخالص، ومكشوفٌ تماماً، بدون أن يكون هناك أيُّ شيءٍ من العناوين الأخرى يغطيها، أو شيءٌ يستطيع أيُّ أحد من الموالين لأمريكا، أو من داخل أمريكا نفسها، أن يجعل منه مبرراً لمثل هكذا خطة باطلة، ظالمة، بدا جاداً، وأصبح يكرر هذه الأطروحة، ويسعى إلى الترويج لها، ويسعى إلى الإقناع بها، وبدأ يمارس الضغوط على بعض الأنظمة العربية للقبول بها.
الشيء الواضح في الطرح الأمريكي: أنَّه- فعلاً- هو نتاجٌ للطغيان الأمريكي، بالنسبة لنا لا نتفاجأ أبداً من أي أطروحةٍ أمريكية مهما كانت في بُعدها عن الحق، في أنها ظالمة، في أنها باطلة، هذا هو المتوقع من الأمريكي، الأمريكي الذي له داء الطمع، والجشع، والطغيان، الطغيان بكل ما تعنيه الكلمة:
سياساته تعبِّر عن الطغيان.
مواقفه تعبِّر عن الطغيان.
سلوكه يعبِّر عن الطغيان.
تاريخه الإجرامي، الظالم، المتوحش، كله متفرِّعٌ عن الطغيان، ومن تجليات طغيانه.
ولـذلك أن يصل إلى مثل هذه المرحلة من الانكشاف في تبنيه للباطل، وللظلم، وبتنكُّره التام والكامل للعدالة وللحق، فهذه مسألةٌ متوقَّعةٌ منه، بطغيانه، بهمجيته، بنزعته الاستعمارية، بجشعه، بأطماعه التي لا حدود لها.
ثم أيضاً بدائه الآخر، وهو: إيمانه بالمشروع الصهيوني، الذي هو مشروعٌ عدوانيٌّ، تدميريٌّ، ظالمٌ، والأمريكي يؤمن به ويسعى لتحقيقه، وبات في هذه الآونة الأخيرة مستعجلاً على أن يعمل لتحقيق نجاحات في ذلك المشروع الظالم، وهي نجاحات إن تمت؛ فهي بمصادرة حقوق لشعوب، لبلدان، حقوق ثابتة، وهي أيضاً لو تمت هي ظلمٌ محضٌ، وباطلٌ خالص، ليس له ما يبرره إطلاقاً، حتى فيما هو مجمعٌ عليه بين البشر من عناوين، ومن حقوق معترفٍ بها.
على كلٍّ، هذه الهمجية، وهذا الطغيان، تعني: أنَّ [ترامب] الذي حمل في رئاسته الأولى عنوان: [صفقة القرن]، انتقل في رئاسته الثانية إلى [جريمة القرن]، [جريمة القرن] التي تورَّط فيها الأمريكي مع الإسرائيلي في العدوان الهمجي، الوحشي، الإجرامي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مرتكباً جرائم الإبادة الجماعية، ومرتكباً أبشع وأفظع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، من: تجويعٍ، وتدميرٍ شامل، وتعذيبٍ واضطهاد للأسرى وغيرهم… وغير ذلك من الجرائم الفظيعة، من: قتلٍ متعمَّدٍ للأطفال والنساء، وسعيٍ لإبادة الشعب الفلسطيني، انتقل من صفقة القرن ليتوِّج هذه الجريمة: جريمة القرن، التي كانت عدواناً إجرامياً بإبادةٍ جماعية على مدى خمسة عشر شهراً، فشل من خلال ذلك العدوان في تنفيذ هذا الهدف، الذي هو: التهجير للشعب الفلسطيني عن أرضه ووطنه وبلده، فحاول أن يقدِّم العنوان من جديد بشكلٍ مكشوفٍ تماماً، بدون مواربة، بدون غطاء، وأن يسعى لإقناع الأنظمة العربية التي تخاذلت عن نصرة الشعب الفلسطيني، وفرَّطت في واجبها الإنساني، والديني، والأخلاقي، والذي له علاقة أيضاً بأمنها القومي، فرَّطت تفريطاً كبيراً، ها هو يحشرها في الزاوية، ويطرح عليها إملاءاته لتنفِّذ، لتنفِّذ، ليس بأسلوب الحوار، والإقناع، والتفاهم، يقول: [عليهم أن يفعلوا، وسيفعلون]، يقول هكذا هو، يعني: أنَّه يتخاطب معهم بلغة فرض الإملاءات، بلغة إصدار الأوامر والتوجيهات، يتجرأ عليهم إلى هذه الدرجة، فهو يريد أن يتوِّج جريمة القرن بهدفها؛ لأنها جريمة رهيبة جداً، جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني على مدى خمسة عشر شهراً، وما جرى فيها من الفظائع، وما ارتكبه الإسرائيلي بمشاركةٍ أمريكية من الفظائع والجرائم الرهيبة، يريد أن يتوِّجها بتحقيق هدفها في التهجير للشعب الفلسطيني من أرضه.
الأمريكي عندما يطرح مسألة تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، ومن الضفة الغربية أيضاً، الأمريكي واضحٌ في توجهه أنه يريد ذلك، فمعنى ذلك: أنَّه يسعى لتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ كامل، ومعنى ذلك: أنَّ ما يقوله الأمريكيون سابقاً في خداعهم وجرِّهم للعرب إلى مسارات تحت عنوان السَّلام، وحلِّ الدولتين، أنَّه مجرد خداع، الأمريكيون أنفسهم يتنكَّرون لكل الاتِّفاقيات التي عقدتها السلطة الفلسطينية مع العدو الإسرائيلي، في مسألة حلِّ الدولتين، بإشرافهم وتحت رعايتهم، يتنكَّرون هم لما تمَّ عندهم، وباسمهم، وتحت رعايتهم، وهذا يكشف أنهم كانوا يعتمدون فقط الخداع في كل المراحل الماضية؛ أمَّا توجههم فهو: في إطار المشروع الصهيوني نفسه، والهادف إلى السيطرة التامة على فلسطين، وتصفية القضية الفلسطينية بشكلٍ نهائي، وحرمان الشعب الفلسطيني من كل حقوقه، والعمل على تهجيره بالكامل من فلسطين، ثم التوسع أيضاً؛ لأن الموقف الأمريكي واضحٌ أيضاً في دعم التوسع الإسرائيلي في السيطرة على بقية البلدان العربية، في السيطرة على الأردن، في السيطرة على لبنان، والخرائط واضحة، والمشروع الصهيوني معروف، في السيطرة على كل ما يستطيعون، المسألة عندهم متعلِّقة بالتمكن، وتهيئة الفرص والظروف، وتحقيق العمل على مراحل، والتهيئة للأمور أولاً بأول في واقع البلدان نفسها… إلى غير ذلك.
فالأمريكيون واضحون في طغيانهم، وعدوانيتهم، وإجرامهم، وظلمهم، وتنكُّرهم للحق، وتنكُّرهم للعدالة، وتنكُّرهم للمبادئ: مبادئ الحق، ومبادئ العدالة، التي أتت في الرسالة الإلهية، ومعترفٌ بها في الفطرة الإنسانية، وبما هو أيضاً في إطار أعراف البلدان، في مختلف بلدان العالم، وفي مواثيق الأمم المتحدة، وفي القانون الدولي، في القانون الدولي تعتبر هذه جريمة حرب، مع ذلك لا يكترثون لأي شيء، يتنكَّرون في مقابل أهدافهم العدوانية، الباطلة، الظالمة، يتنكَّرون لكل شيء، لكل معروفٍ بين البشر، ولكل حقٍ ثابتٍ عند المجتمع الإنساني بكله، يتنكَّرون لكل شيء، بل يتنكَّرون حتى للمرتبطين بهم، للموالين لهم، الذين خذلوا الشعب الفلسطيني، وخذلوا غزة من أجلهم، خذلوا غزة من أجل أمريكا ومن أجل إسرائيل، لم يقدِّروا لهم هذا الجميل، ولا حتى للذين تواطأوا معهم، وحرَّضوا الإسرائيلي والأمريكي على إبادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، وإبادة كتائب القسَّام، والفصائل المجاهدة في قطاع غزة، لم يقدِّروا لهم أي شيءٍ من ذلك، واتَّجهوا هذا الاتِّجاه الأعمى الباطل.
بينما التوجه الصحيح، الذي ينسجم مع الحق، مع العدالة، هو: أن ينقلوا اليهود الصهاينة من فلسطين؛ لأنهم مغتصبون، ومحتلون، وظالمون، ومجرمون، وهم مصدر الشر والقلق في المنطقة بكلها، وفي فلسطين بنفسها، وهم الذين هم في موقف العدوان، والاحتلال، والظلم، والباطل، وإذا كان [ترامب]، وإذا كان التوجه الأمريكي على أساس الرعاية لليهود الصهاينة، والاحتضان لهم، فبالإمكان أن يقوموا بنقلهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك مناطق شاسعة جداً، حتى مناطق لا تزال بدون سكان، في أمريكا نفسها، أمريكا بلد شاسع، وفيها مناطق لا تزال فارغة من السكان، لا يتواجد فيها السكان، يمكنهم أن يقوموا بنقل اليهود الصهاينة إلى أمريكا، وأن يعطوهم ولاية، يشكِّلوهم كولاية من ولايات أمريكا، ويعطونهم هناك أرضاً شاسعة، أو يعملوا على إدماجهم في مختلف الولايات، يعني: هذا هو الذي متاح، وهذا هو الذي ينسجم مع الحق والعدالة؛ لكنَّ الأمريكي هو ظالم، ويقف مع الظالم، هو طاغية، ويتوجَّه بطغيان، وفي مسار الطغيان، ليظلم الآخرين، ولاسيَّما أبناء أمتنا.
هذه الخطوة أيضاً ليست خطوةً جزئية، يعني: مسألة التهجير لأهالي قطاع غزة، والضفة الغربية، والتصفية للقضية الفلسطينية، هي جزءٌ من المشروع الصهيوني، الذي يسعى أيضاً إلى التمدد، والتوسع، وقضم الأراضي، والاحتلال، وأيضاً- في نهاية المطاف- الاستهداف للمقدَّسات الإسلامية في فلسطين، وعلى رأسها: مسرى النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهَ وَعَلَى آلِهِ” (المسجد الأقصى)، هو مهدد مع كل ما هناك من جزئيات وتفاصيل، في إطار المشروع الصهيوني التدمير العدواني ضد أمتنا بكلها، وفي المقدمة: البلدان العربية، ثم سائر المقدَّسات الإسلامية، التي هي مستهدفة في إطار المشروع الصهيوني؛ ولـذلك لا ينبغي أن تكون النظرة من جانب العرب، ومن جانب العالم الإسلامي، نظرةً جزئية، وكأن المشكلة في هذا المستوى فقط، وبهذا الحجم فقط، الأمريكي والإسرائيلي ينتقلان في كل مرحلة إلى خطوة، لكنها خطوة تعتبر جزءاً من مشروعٍ متكامل، هو بكله عدواني ووحشي؛ ولـذلك ينبغي أن يكون هناك وعي تجاه هذه الخطوة، وما قبلها، وما بعدها، هذه مسألة مهمة.
الخطة الأمريكية، التي هي طغيانٌ واضح، وفضيحة بكل ما تعنيه الكلمة، وباطلٌ محضٌ وخالص، لا غطاء عليه، ولا يستطيع أحدٌ أن يبرره، مع كل ما هي عليه من الانكشاف والوقاحة، ومن الطغيان والعدوانية، إلَّا أنَّ نجاحها متوقِّفٌ على قبول العرب بها، هذه نقطة مهمة جداً، نقطة مهمة جداً، يعني: لا يمكن لتلك الخطة أن تنجح، وهي بما هي عليه من الانكشاف، والوقاحة، والقبح، والظلم، والباطل المكشوف الخالص، لا يمكن أن تنجح مهما تحدث عنها الطاغية الكافر [ترامب]، مهما روَّج لها، لا يمكن أن تنجح إلَّا بقبول العرب، وبالدرجة الأولى الأنظمة العربية المجاورة لفلسطين، يعني: مصر والأردن، معهما أيضاً النظام السعودي، له دور مهم في هذه المسألة، في أن يقبل أو لا يقبل؛ لأنه يسعى إلى إقناع الآخرين، ويُستغل للترويج للأمور التي يسعى الأمريكي لفرضها على أبناء أمتنا.
وبما أنَّ المسألة متوقِّفة على قبول العرب بها، ولا يمكن أن تنجح إلَّا بذلك، فمعنى ذلك: أنَّ هناك مسؤولية كبيرة على العرب، وعلى الأنظمة العربية، وعلى الشعوب العربية، مسؤولية إنسانية، وأخلاقية، ودينية، ومسؤولية أيضاً مرتبطة بأمنهم القومي.
هناك في الموقف المعلن موقفٌ واضحٌ برفض خطة [ترامب]، وهذا الموقف واضحٌ من المصريين، من الأردنيين، من السعوديين، هذا شيءٌ مهم، لكن الأهم هو الثبات على هذا الموقف، الثبات بصدق، وأن يستفاد تجاه هذه المسألة- كما قلنا في الكلمة الماضية- من الإجماع، هناك إجماع فلسطيني، إجماع عربي، إجماع إسلامي، إجماع دولي، على أن خطة [ترامب] لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، هي خطة باطلة، وسيئة، وغير مقبولة، لكن- كما قلنا سابقاً- الآخرون قد يصل مستوى موقفهم إلى التعبير والشهادة، أن يشهدوا لأمتنا وشعوبنا أن خطة [ترامب]، التي تستهدف الشعب الفلسطيني، وتستهدف العرب والمسلمين جميعاً، أنها خطة باطلة، وسيئة، وظالمة، لكن على مستوى الموقف، على مستوى الفعل، قد لا يتحرَّكون لخطوات قوية، لخطوات عملية؛ أمَّا العرب- والمسألة أصلاً متوقِّفة على أن يقبلوا أو لا يقبلوا- فلا يجوز لهم أن يقبلوا بها أبداً، أن يقبلوا معناه: أن يكونوا- هم- أن يكونوا مشاركين وبدورٍ أساسي في هذا الجرم الفظيع الكبير جداً، أن يكونوا مشاركين مع الأمريكي في هذه الجريمة الرهيبة، الفظيعة، العدوانية، في هذا الباطل المحض، وهذه قضية خطيرة، وأن يكون الدور الأساس لأن تنجح تلك الخطة الباطلة، الظالمة، العدوانية، لهم هم؛ ولهذا الأمريكي يسعى للإيقاع بهم في فضيحةٍ كبيرة، وفي جريمةٍ كبيرة، وفي أمرٍ شنيعٍ للغاية، ضد دينهم، ضد أمتهم، ضد مصلحة بلدانهم وشعوبهم، ضد أمنهم، يعني: خطر بكل الاعتبارات في الدين والدنيا، في الدين والدنيا، هذه نتيجة من نتائج خذلانهم لغزة على مدى خمسة عشر شهراً: طمع الأمريكي فيهم أن يكونوا هم من يشاركون بأنفسهم في تصفية القضية الفلسطينية، بهذا الشكل الوقح، والباطل، والمكشوف.
ولـذلك بما أنَّ هناك إجماع فلسطيني على رفض هذه الخطة العدوانية الإجرامية، وإجماع عربي إسلامي، وموقف عالمي مؤيِّد للموقف العربي، وللحق العربي المسلم، فيجب الاستفادة من ذلك، والتوحد من الجميع، والتعاون من الجميع، كفُّوا عن حالة الانقسامات، وعن حالة المراوغات، اتَّجهوا هذا الاتِّجاه الجماعي، لرفض هذه الخطة، ورفض أن تكونوا أنتم الأدوات التي تنفِّذها، والأداة التي تسعى إلى أن تحوِّلها إلى واقع، اتركوها لتبقى كلاماً في الهواء، لا يمكن تطبيقه أبداً.
الشعب الفلسطيني موقفه واضح، وهو ثابت، والشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة مضحٍ، وصابر، وثابت، ويقدِّم التضحيات، لكن يجب أن يتَّجه الجميع لإسناده، لإعانته، للوقوف معه، وأن يحذر الكل من الطعن في ظهره، ومن الغدر به، ومن التعاون مع الأعداء عليه، هذه مسألة مهمة.
الموقف العربي يجب أن يكون موقفاً ثابتاً صامداً، وألَّا يكون هناك أي موافقة على الخطة الأمريكية، وإلَّا فهي خيانة كبرى، خيانة كبرى، ولها تبعات خطيرة جداً، تبعات على الأمن القومي العربي، تبعات على المنطقة بكلها، تبعات خطيرة للغاية، ليست المسألة سهلة، ويجب أن يكون هناك موقفٌ صادقٌ وثابتٌ، مهما كانت الإغراءات من الجانب الأمريكي، ومهما كانت الضغوط، ليس هناك ما يبرر ذلك، بالتوحد والتعاون والالتفاف حول الموقف الصحيح، في رفض تلك الخطة، يمكن التغلُّب على الضغوط الأمريكية، وعلى الإغراءات الأمريكية.
ثم الحذر، الحذر ثم الحذر ثم الحذر من المساومة، ومن المقايضة، الأمريكي إذا وصل إلى خطٍ مسدود، ورأى أنه ليس هناك مجال أبداً لنجاح خطته، قد يتَّجه إلى التأجيل وليس الإلغاء، إلى التأجيل، والدخول في مساومات ومقايضات تمهِّد لاحقاً لهذه الخطة؛ ولـذلك لا يجوز أن يكون هناك أي مساومة، ولا أي مقايضة من قِبَل الأنظمة العربية فيما يضر بالقضية الفلسطينية، بل أن يستفيق الجميع من غفلتهم، وأن يدركوا ما هي حقيقة أطماع الأعداء، ما هي حقيقة أهدافهم، التي هي واضحة ومعروفة؛ من أجل أن يكون لهم موقفٌ جاد مع الشعب الفلسطيني لمساندته، وأن يغيِّروا من توجهاتهم السلبية تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين، أن يغيِّروا ما فعلوه سابقاً من التصنيف بالإرهاب… وغير ذلك، والخطوات السلبية التي لا ينبغي الاستمرار عليها، هذا فيما يتعلق بهذه المسألة.
بالنسبة لنا في يمن الإيمان والحكمة: موقفنا ثابتٌ ومبدئيٌ في نصرة الشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأعزاء، والوقفة الجادَّة الصادقة معه بكل ما يمكن؛ ولـذلك إذا اتَّجه الأمريكي والإسرائيلي لمحاولة تنفيذ هذه الخطة بالقوة، أو اتَّفقوا مع الأنظمة العربية، ووافقت لهم، واتَّجهوا إلى تنفيذها؛ سنتدخل حتى بالقوة العسكرية، سنتحرك في أداء مسؤوليتنا الجهادية في سبيل الله تعالى، للتصدي للأمريكي والتصدي للإسرائيلي، والنصرة للشعب الفلسطيني، كما فعلنا في مواجهة جريمة القرن على مدى خمسة عشر شهراً، في وقفتنا الشاملة مع الشعب الفلسطيني، بما في ذلك على المستوى العسكري، والعمليات العسكرية: بالقصف الصاروخي، والمسيَّرات، والعمليات البحرية… وغير ذلك، نحن لن نتفرج أبداً، إذا اتَّجه الأمريكي والإسرائيلي إلى تنفيذ هذه الخطة الباطلة، الظالمة، العدوانية، الإجرامية بالقوة؛ سنواجه عدوانهم بالقوة، وبالتدخل العسكري، وبالجهاد في سبيل الله تعالى بكل الوسائل، ولن نتفرَّج أبداً، لن نتفرَّج أبداً تجاه مثل هذه الخطة العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، لن نقبل بتهجيره عن أرضه وعن وطنه، هذا فيما يتعلق بهذه الخطة.
فيما يتعلَّق بمسار تنفيذ الاتِّفاق: الاتِّفاق له مرحلتان:
مرحلة أولى.
ومرحلة ثانية.
محدد في نفس صيغة الاتِّفاق ما يتعلق بالمرحلة الأولى من استحقاقات، من جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكتائب القسَّام، والفصائل الفلسطينية، هناك التزام ووفاء بما عليهم من استحقاقات في إطار تنفيذ المرحلة الأولى، حتى الآن لم يفِ العدو الإسرائيلي بكامل الاستحقاقات المتعلقة بالمرحلة الأولى من الاتِّفاق، والضامن الأمريكي عليه هو مشجِّعٌ له أيضاً على الإخلال بالتزاماته، وعدم الوفاء بها كاملة، مع أنَّها التزامات تتعلق بالجانب الإنساني:
إدخال الخيام.
إدخال ما يلزم لترميم المستشفيات.
إدخال مواد إغاثية بمستوى معين، وكميات معينة.
متطلبات تتعلَّق بالصحة، مسألة الخيام مسألة أساسية، مسألة أساسية، الكرفانات كذلك مسألة أساسية؛ لأن البيوت مدمَّرة، الأحياء دُمِّرت بالكامل، معظم المنازل والمساكن في قطاع غزة مدمَّرة بالكامل، يحتاج الناس إلى الإيواء، يحتاجون إلى الخيام، أبسط الأشياء، كميات محدودة وضئيلة دخلت من الخيام، قد لا تلبِّي سوى 8% من الاحتياج الكامل للسكان؛ ولـذلك هناك تعنتٌ أيضاً حتى في مسألة نقل الجرحى المتَّفق على خروجهم للعلاج، من خلال معبر رفح، فالعدو الإسرائيلي هو الذي لم يفِ بالالتزامات المتبقية عليه فيما يتعلَّق بتنفيذ المرحلة الأولى، وهو الذي أيضاً يماطل ويتنكر بوضوح، وبتشجيعٍ أمريكي، وبتشجيعٍ أمريكي، مع أنَّ الأمريكي هو الضامن، لكن أي ضامن؟! ضامن يتنكَّر لكل الحقوق، لكل المواثيق، لكل الاتِّفاقات، ضامنٌ مخادع، ويكذب، ويغدر، ويفجر، ويكفر، ويتنكَّر لكل الحق، ولكل العدالة.
الإسرائيلي واضحٌ تماماً في أنَّه هو الذي يتهرَّب من المرحلة الثانية، وكان المجرم [نتنياهو] هو الذي أعلن عن نيَّته تمديد المرحلة الأولى، يعني: ليأخذ من الفلسطينيين ما هو ضمن المرحلة الثانية، ليأخذه منهم في المرحلة الأولى، ولا يعطيهم مرحلةً ثانية، يعني: مخادعة واضحة ومكشوفة، يريد أن يجرِّدهم مما بأيديهم، ويفرض عليهم إخراج من بقي من أسراه ضمن المرحلة الأولى، ولا يفي بالالتزامات التي عليه، والتي ينبغي أن تكون في إطار مرحلة ثانية، وهناك استحقاقات كبيرة للمرحلة الثانية، تتعلق حتى بجوانب أساسية في الإعمار، في الإيواء، في إكمال الانسحاب… في أشياء ذات أهمية كبيرة جداً، وحقوق أساسية للشعب الفلسطيني، حقوق في إطار الحق الثابت على المستوى الإنساني وغيره، فالموقف واضح.
مع ذلك ماذا فعل [ترامب]؟ [ترامب] يتَّجه بالتهديد لمن؟ بالتهديد للشعب الفلسطيني، وحركات المقاومة، ويهدد حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكتائب القسَّام، يهددها بالعدوان عليها، ويعلن يوم السبت إلى الساعة الثانية عشر ظهراً، أنَّه إذا لم يفرجوا إلى ذلك الوقت عن من؟ عن كل الأسرى، من أسرى العدو لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكتائب القسام، فيعدهم بالجحيم، ويتهددهم.
يتنكَّر [ترامب] الكافر، المجرم، الطاغية، المهرج، يتنكر حتى للاتِّفاق الذي هو ضامن على تنفيذه، وهو اتِّفاق له صيغة واضحة، مراحل محددة، خطوات محددة، حتى في مسألة إخراج الأسرى، وتبادل الأسرى، وبقية الاستحقاقات التي هي موجودة ضمن الاتِّفاق، وضمن صيغته، يتنكَّر هو، يعني: ما هؤلاء القوم الذين لا يفون بأيِّ شيء؟! خروج وشذوذ عن الأعراف الدولية بكلها، دجل، وكذب، وغدر بالمكشوف، بدون أي مبرر إطلاقاً، استخدام لغة الطغيان، التهديد بالجحيم! الجحيم لك أنت يا [ترامب] الكافر، الظالم، الطاغية، الجحيم لك أنت، أنت الآن قد بلغت من الكبر عِتيا، طاعنٌ في السن، على مقربةٍ من الرحيل من هذه الدنيا، الموت سيأتيك رغمًا عنك، هو نهايتك المحتومة، وبعد الدنيا آخرة، والجحيم لك أنت وأمثالك من الطغاة، والظالمين، والمجرمين، والمستكبرين.
هذا الطرح غير العقلاني، والمتنكِّر للاتِّفاق الواضح، والصيغة الواضحة، وهو- كما قلنا- لغة طغيان، وتكبر، وغطرسة، وإجرام، هو غير مقبول أبداً، غير مقبول، لا يمكن أن يقبل به إخوتنا المجاهدون في فلسطين، وأن يُخرِجُوا كل من لديهم من أسرى العدو دون إتمام عملية التبادل للأسرى، وفق ما ورد في صيغة الاتِّفاق، ووفق مراحله الواضحة، المحددة، والاستحقاقات التي فيه، هم ليسوا بمجانين ليفرِّطوا فيما بأيديهم من عناصر القوة.
إذا اتَّجه الأمريكي ومعه الإسرائيلي إلى التصعيد، بناءً على ما قاله الطاغية المجرم الكافر [ترامب]، فمعنى ذلك: أنَّ المنطقة ستذهب إلى مشكلة كبيرة، أولاً: بالنسبة للأسرى لدى حماس، وكتائب القسَّام، لا يمكن أن يحصل العدو عليهم بهذه اللغة، التي هي لغة طغيان، وإجرام، وبالعدوان بناءً عليها، بالعدوان والتصعيد من جديد على قطاع غزة، التجربة واضحة على مدى خمسة عشر شهراً، لم يصل الأمريكي والإسرائيلي إلى تحقيق هذه النتيجة، وأرغموا في نهاية المطاف على الدخول في الاتِّفاق، والاتِّفاق هو الذي حصل من خلاله تبادل أسرى، وخرج من قد خرج إلى الآن، وبالإمكان أن يُستَكمل إخراج البقية، لكن وفق صيغة الاتِّفاق.
نحن في هذا المقام نؤكِّد على ضرورة أن يكون هناك موقفٌ عربيٌ إسلاميٌ بالدرجة الأولى مساندٌ للشعب الفلسطيني ومقاومته، ومجاهديه الأعزاء، وأن يكون موقفاً قوياً، وصريحاً، وواضحاً، في مقابل لغة الطغيان، يجب أن يكون هناك لغة الموقف القوي الثابت، واللغة القوية، في مواجهة منطق الطغيان الأمريكي، وسلوك الطغيان الأمريكي، هذه مسألة مهمة جداً.
أمَّا فيما يعنينا نحن، في يمن الإيمان والجهاد والحكمة، فنحن نؤكِّد- كما أكدنا سابقاً- وقوفنا الكامل، الجادّ، الصادق، لنصرة الشعب الفلسطيني، ومع إخوتنا المجاهدين في فلسطين، وأنَّه في حال اتَّجه الأمريكي والإسرائيلي بناءً على تهديد الطاغية المجرم الكافر [ترامب]، للعدوان في يوم السبت، أو قبله، أو بعده، على قطاع غزة، والتصعيد على قطاع غزة، فنحن سنتَّجه على الفور اتِّجاهاً عسكرياً بعملياتنا العسكرية لاستهداف العدو الإسرائيلي والأمريكي معاً، لن نتردد في ذلك، نحن أعلنا مراراً وتكراراً أننا سنرقب مسار تنفيذ الاتِّفاق، نراقب ونرصد، عندما نرى نكثاً بالاتِّفاق، وتصعيداً من جديد على الشعب الفلسطيني، وعدواناً شاملاً عليه من جديد، فسنتدخل عسكرياً، كما تدخلنا لنصرة الشعب الفلسطيني على مدى خمسة عشر شهراً، بالقصف الصاروخي، والمسيرات، والعمليات البحرية، سنتدخل عسكرياً، ولن نتردد في ذلك.
كما أنَّ شعبنا العزيز سيوجِّه يوم الغد- إن شاء الله- رسالة تحذير صادقة وجادّة، وهو الشعب الذي كان له على مدى خمسة عشر شهراً الصوت الأعلى، والحضور الأكبر والأقوى لنصرة الشعب الفلسطيني، هو سيخرج يوم الغد- إن شاء الله- خروجاً واسعاً في العاصمة صنعاء، وفي مختلف المحافظات، ليعلن للعالم أجمع، وقوفه الصادق والجاد مع الشعب الفلسطيني، وقفةً كاملة في كل المجالات، بما في ذلك الخيار العسكري، والتدخل العسكري، وكذلك ليوجِّه رسالةً تحذيرية للأمريكي وللإسرائيلي، من أيِّ تصعيدٍ جديد، أو عدوانٍ جديد على قطاع غزة، وفي نفس الوقت ليؤكِّد للعالم أجمع نفس الموقف، في حال توجَّه الأمريكي والإسرائيلي إلى التهجير للشعب الفلسطيني عن أرضه ووطنه وبلده، أو المساس بمقدَّساته، من خلال الاستهداف للمسجد الأقصى… أو أيٍّ من الخطوط الحمر، التي سبق وأن أعلنها خطوطاً حمراء تتعلق بالقضية الفلسطينية.
شعبنا العزيز الذي هو يمن الإيمان، ويمن الجهاد، ويمن الحكمة، يمن الوفاء، ويمن الصدق، يمن المواقف الثابتة الجادة، يعي مسؤوليته جيداً؛ ولذلك كان حضوره على مدى خمسة عشر شهراً حضوراً مشرِّفاً، وكان سقف موقفه عالياً جداً، بحجم المسؤولية، بما يليق بهذه الأمة أن تكون عليه من مواقف صادقة وجادة؛ لأن الذلة أمام الأمريكي وأمام الإسرائيلي هي تتنافى تماماً مع الإيمان، وبلدنا هويته إيمانية، من قال عنه: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، هو رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهَ وَعَلَى آلِهِ”؛ ولـذلك كانت العزة الإيمانية متجلية في موقف شعبنا العزيز، في عزَّته على الكافرين، في جرأته، في شجاعته، في إحساسه بالمسؤولية، في حضوره الشجاع.
ولـذلك أتوجه إلى شعبنا العزيز بالحضور يوم الغد إن شاء الله، والخروج المليوني يوم غد الجمعة في العاصمة صنعاء، وفي مختلف المحافظات، وتوجيه الرسالة التحذيرية القوية الصادقة للعدو الإسرائيلي وللأمريكي، من التهجير، أو العدوان والتصعيد ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أو محاولة التهجير للشعب الفلسطيني عن أرضه ووطنه، أو النكث بالاتِّفاق، أو أن يُقْدِم الأمريكي والإسرائيلي على ما توعَّد به المجرم الكافر الطاغية [ترامب] من العدوان في يوم السبت.
كما أدعو القوات المسلحة أن تكون على أُهْبَة الاستعداد للتدخل العسكري، في حال أقدم المجرم [ترامب] على تنفيذ تهديده، أو تحرك هو، أو الإسرائيلي، أو معاً في ذلك.
نحن نؤكد على هذه المواقف الثابتة المبدئية، ونحن سنكون في رصدٍ مستمر، مع التنسيق المستمر مع إخوتنا المجاهدين في فلسطين، ومع إخوتنا في محور المقاومة، وموقفنا هو بهذا السقف، وبهذا الوضوح، وبهذه الجدِّيَّة.
نحن قلنا لإخوتنا المجاهدين في فلسطين، وقلنا للشعب الفلسطيني بكله: (لستم وحدكم، ولن تكونوا وحدكم، نحن معكم، الله معكم، ونحن معكم، وسنبقى معكم حتى تحرير فلسطين كل فلسطين، ونحن معكم في مواجهة كل المؤامرات والخطط الشيطانية الصهيونية اليهودية التي تستهدفكم، على مستوى محاولة التهجير لكم عن أرضكم ووطنكم، أو الاستهداف للمقدسات… أو غير ذلك من الخطط التي هي خطط شيطانية، ظالمة، باطلة)، نحن قلنا هذه الكلمة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، استجابةً له، وتنفيذاً لأمره، وجهاداً في سبيله، قلناها للشعب الفلسطيني كلمةً معها موقفٌ عمليٌ شاملٌ صادقٌ جاد، ونحن ثابتون على هذا الموقف، لا نميل عنه أبداً، ولا نتراجع عنه إطلاقاً، مهما كانت التحديات، ومهما كانت الصعوبات.
نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛