تعثر نهضة أفريقيا…السودان نموذجا
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
نواصل حديثنا عن ملتقى الحوار الأفريقي للسلام والأمن الذي نظمته مؤسسة تامو أمبيكي بتاريخ الرابع إلى السادس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري في جنوب أفريقيا. في كل جلسات ومداخلات الملتقى كان الشباب والمجتمع المدني، تواجدا وقضايا، حاضرين بكثافة وفعالية مميزة، بينما شكّل موضوع نهضة أفريقيا جوهر كل المداخلات والنقاشات.
ظل الجدل يدور طويلا بين الجيل الأول من المفكرين الأفارقة والعرب حول النهضة أو البعث الحضاري، وهم يسعون لمعرفة أسباب تخلف مجتمعاتنا، وكيف نكتسب القدرة للحاق بركب الحضارة البشرية. وأعتقد أن فاتحة الإجابة عن هذا السؤال، تفترض القول بأن قدرة الشعوب على تحقيق “مفخرة” اقتصادية اجتماعية فكرية تتجلى فيها عظمة تراثها الثقافي والحضاري، تبدو لنا محددة بمدى صدق والتزام وقدرة النظام السياسي على التصدي لقضية البعث النهضوي. لكن، ليس النظام السياسي وحده هو العامل الوحيد الحاسم هنا، وإنما هو جزء من مؤثرات كثيرة في حركة الوعي والتاريخ والثقافة لهذا الشعب أو ذاك. ولقد واجهت أفريقيا التحدي التاريخي المرتبط بإشكالية التخلف والتقدم من خلال عدة محطات، أهمها، في نظري، محطتا الاستنزاف والتبعية. الاستنزاف في القارة بدأ منذ خمسة قرون بالإنسان، بتجارة تصدير العبيد إلى الدنيا الجديدة. ثم أعقب ذلك استنزاف الثروة، أي سرقة الموارد الطبيعية للقارة الأغنى في العالم، وهو استنزاف مستمر حتى اللحظة. ومنذ أكثر من نصف قرن، تتعرض أفريقيا لاستنزاف من نوع جديد، هو استنزاف الأدمغة أو العقول، أي تفريغ أفريقيا من أفضل كفاءاتها وأكثرهم تعليما وموهبة، في علوم الطب والالكترونيات والهندسة والفنون والأدب…الخ، يجذبهم الغرب بتوفير ظروف معيشية واعدة وفرص ذهبية لتطوير الذات، تاركين وراءهم فراغا يصعب تعويضه. وعلى الرغم من بدايات نهوض أفريقيا بعد انتصارات حركة التحرر الوطني في ستينيات القرن الماضي، فإنه كان نهوضا مؤقتا، إذ سرعان ما سيطر الاستعمار الجديد على القارة، وتعثر مشروع النهضة بتمكن أنظمة التبعية عبر الاستبداد والطغيان وما أفرزته من صراعات عرقية دموية، وتجاهل لأولويات التنمية، وتفشي الفقر والجوع والمرض والفساد، والتواطؤ مع سارقي ثروات القارة، وتغذية البيئة الطاردة لشباب أفريقيا وأدمغتها، وللأسف السودان نموذج ساطع.
الشعوب العربية جابهت ذاك التحدي التاريخي في لحظتين حاسمتين: لحظة المواجهة بين التخلف والتقدم إبان الغزو الاستعماري للعالم العربي في القرن التاسع عشر، ولحظة الصدام العنيف مع الغرب بعد قيام دولة إسرائيل. وقد حاول المفكرون العرب، كل حسب ميوله الإيديولوجية وتصوراته الفكرية وانتماءاته الاجتماعية والسياسية، الإجابة عن الاسئلة المتولدة من ذلك التحدي التاريخي، والتي أوجزها المفكر المغربي عبد الله العروي في أربع مشكلات رئيسية، هي: مشكلة الأصالة، أي تحديد الهوية أو تعريف الذات. ومشكلة الاستمرار، أي علاقة العرب بماضيهم. ومشكلة المنهج الفكري العام، أي الوسائل التي سيتبعها العرب لكي يكتسبوا المعرفة، ويمارسوا الفعل. ومشكلة أدوات التعبير، أي ما هي أنسب أدوات التعبير التي تتيح للعرب أن يعبروا بواسطتها عن مرحلة تطورهم الراهنة. وأعتقد أن الفكر العربي طرح أيضا ثلاثة قضايا أساسية خاصة بتطوير المجتمع العربي ذاته، تمثلت في السعي إلى الأصالة من خلال الحديث عن الإسلام وقدرته على التجدد لكي يتلاءم مع الفكر الحديث. والسعي إلى الحرية من خلال الحديث عن أهمية تطبيق النظام الديمقراطي، الذي يكفل المساواة بين المواطنين في ظل سيادة القانون. والسعي إلى التحديث من خلال تأكيد الدور الحاسم لاقتباس التكنولوجيا الغربية وإقامة حركة شاملة للتصنيع.
منذ أكثر من نصف قرن تتعرض أفريقيا لاستنزاف من نوع جديد، هو استنزاف الأدمغة أو العقول، أي تفريغ أفريقيا من أفضل كفاءاتها وأكثرهم تعليما وموهبة
ويحاول البعض التعليل لفشل النهضة الأفريقية بأن التراث المعرفي لشعوبها لا يؤهلها لتبني الديمقراطية، ولا يمتلك مفاتيح بوابات التحديث. لكن هذه النظرة، في تقديري، خاطئة لأنها تنطلق من فرضية وكأن هذه الشعوب قد خرجت لتوها من مرحلة الجمع والالتقاط وليس لديها ما تتمثله لتربية الأبناء أو لابتداع وسائل للمعيشة اليومية. يقول الروائي السنغالي شيخ حميدو “الجهل بالثقافة الإفريقية له سببان: الأول تاريخي يرتبط مسألة العبودية، والآخر بنيوي يتمثل في كون الثقافة الإفريقية شفهية غير مكتوبة، وهذا لا يعني عدم وجود ثقافة، فالإفريقي يعرف كيف يتعامل مع أهله وأبنائه وله قيمه ومبادئه وموروثاته، لكن بما أنها ثقافة وحضارة غير مكتوبة، لا يستطيع الآخر أن يعرفها”. كما أن تلك النظرة الاستعلائية تتناسى الأثر الكبير للحضارة العربية في إعادة بعث النهضة الأوروبية من خلال حركة الترجمة والتأليف في علوم الجبر والهندسة والفلك…الخ، وتتجاهل حقيقة أن الدين الإسلامي نفسه أتي بنقلة حضارية رفعت راية التعايش السلمي بين القبائل تمهيدا لتوحيدها في شعوب وأمم. إن سقوط مشروع النهضة العربية والافريقية بعد أفول نجم ثورات التحرر الوطني لم يكن بأي حال نتيجة حتمية للسمات الخاصة بالموروث الثقافي، أو المكون البيئي والجغرافي، أو التركيبة الجينية الوراثية لشعوب هذه البلدان، كما يدعي البعض. بل كان بسبب سياسات وبرامج أنظمة الاستبداد والطغيان التي حكمت أفريقيا والعالم العربي بعد انتصارات حركة التحرر الوطني. فسيف هذه الأنظمة طال صناع النهضة الحقيقيين من مفكرين وعلماء ومثقفين ورجال دين مستنيرين، لتمتلئ مساحتهم الشاغرة بالتيارات الماضوية، وبأنصاف المثقفين الذين سيطروا على وسائل الإعلام وأدوات التوجيه الثقافي والتربوي، ففرضوا نموذجا معرفيا بائسا يقوم على التلقين دونا عن التفكير الناقد، وينحط بالفنون إلى درك سحيق، ويتحمس للتجهيل ومعاداة العلم، بدرجة أقرب إلى الملهاة المأساوية. فلنسترجع فقط ما قاله أحد قادة نظام الإنقاذ البائد وهو يأمر بتعذيب العالم البروفسيور فاروق محمد إبراهيم، أستاذه ولاحقا زميله في هيئة التدريس في الجامعة: “نحن نعذبك لأنك تدرس نظرية دارون “أصل الانواع” لطلاب الجامعة”! ولاحقا سنستكمل حديثنا حول النهضة الأفريقية، ونتناول الشباب والمجتمع المدني.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
رغم التقلبات الجوية.. ميناء الإسكندرية حركة البضائع تقفز بنسبة 74%
شهدت ميناء الإسكندرية، صباح اليوم الاثنين، حركة تداول البضائع بالهيئة العامة للميناء تزايدا كبيرا رغم سوء الأحوال الجوية وتقلبات الطقس إلا أن خلال شهر اكتوبر 2024 شهدت الميناء تزايدا كبيراً بالمقارنة بشهر أكتوبر العام الماضى فى جميع انواع البضائع .
وتصدرت البضائع الصب السائل مقدمة البضائع التى شهدت قفزة نوعية خلال شهر اكتوبر بنسبة زيادة بلغت 74% إذ تم تداول 845.6 ألف طن تقريبا خلال الشهر المشار إليه في حين تم تداول 486 ألف طن تقريبا خلال ذات الشهر من عام 2023 .
وشهدت بضائع الصب الجاف إرتفاعاً كبيراً في حجم التداول خلال شهر أكتوبر 2024 مقارنة بشهر أكتوبر 2023 بواقع 57.9% تقريباً حيث تم تداول 3 مليون طن تقريباً خلال هذا الشهر في حين تم تداول 1.9 مليون طن خلال ذات الشهر من عام 2023 .
وجائت البضائع العامة في المرتبة الثالثة من حيث نسبة الزيادة حيث شهدت إرتفاعاً خلال شهر أكتوبر 2024 مقارنة بشهر أكتوبر 2023 بواقع 49.2% تقريباً حيث تم تداول 893.5 ألف طن تقريباً خلال هذا الشهر في حين تم تداول 598.7 ألف طن خلال ذات الشهر من عام 2023
أما البضائع المحواه فقد شهدت إرتفاعاً بواقع 8.8% خلال شهر أكتوبر 2024 مقارنة بشهر أكتوبر من عام 2023 حيث تم تداول 2.1 مليون طن تقريبا خلال الشهر في حين تم تداول 1.9 مليون طن خلال شهر أكتوبر من العام السابق ، حيث شكلت أعداد الحاويات حوالي 179 ألف حاوية
وقد أسفرت تلك الزيادات في حركة تداول مختلف أنواع البضائع عن إرتفاع حجم التداول الكلي خلال شهر أكتوبر 2024 إلى 6.8 مليون طن بنسبة زيادة 38.8 % مقارنة بشهر أكتوبر 2023 .
وفي سياق متصل فقد شهدت حركة السفن بدورها تزايداً ملحوظاً خلال شهر أكتوبر 2024 مقارنة بشهر أكتوبر 2023 ، حيث تصدرت سفن الصب الجاف أكثر أنواع السفن إرتفاعاً بواقع 64.7 % بإجمالي عدد 84 سفينة تليها في نسبة الزيادة عن الشهر المثيل من العام السابق سفن الصب السائل بنسبة 30.4% تقريباً ثم سفن الحاويات بواقع 9%.
وبشكل عام فقد بلغت نسبة الزيادة في إجمالي حركة السفن بالميناء 12.4% خلال شهر أكتوبر 2024 مقارنة بشهر أكتوبر 2023 حيث بلغ عدد السفن 461 سفينة.
تأتي هذه الزيادات في معدلات التداول وحركة الملاحة في ظل تعليمات وتوجيهات اللواء بحري أحمد عبد المعطي حواش رئيس مجلس الإدارة، بتحقيق الإحترافية في أداء الأعمال وتقديم كافة وسائل الدعم الفني والتشغيلي أثناء عمليات القطر والإرشاد بواسطة المرشدين وأطقم الأرشاد والوحدات البحرية وكذا المتابعة والمراقبة من خلال المنظومات الفنية المتقدمة ببرج الإرشاد وإتباع العاملين بالهيئة للسبل التكنولوجيا المتقدمة لسرعة نهو الإجراءات المتعلقة برسو السفن ومغادرتها ورفع المعدلات القياسية لعمليات الشحن والتفريغ والسعي المستمر لتقليل التكدسات بالميناء .
يأتى ذلك في إطار توجيهات الفريق كامل الوزير – نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصناعة والنقل نحو العمل المستمر على تطوير معدلات الأداء بالموانئ المصرية وصولاً إلى رؤية التحول إلى مركز عالمي للنقل والتجارة واللوجستيات.