محاكمة الأفكار تحت برلمانات الواتس أب بين مؤيد ورافض!
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
بقلم/ موسى بشرى محمود
يعد الواتس أب من أكثر تطبيقات التواصل الإجتماعي تفاعلا" بين مثيلاتها الأخرى وطبيعه التواصل فيه قد تكون بين شخص وآخر أو بين أكثر من فرد داخل غرفة دردشة إسفيرية واحده تسمى بالمجموعة أو ال«Group».
تتنوع وتختلف طبيعة أغراض هذه القروبات ما بين ال« الأسري ذات الطابع الإجتماعي،السياسي،التجاري،متعددة الأغراض.
يلعب قروب الواتساب دور البرلمان الذي يقبع تحت قبته المشرعين والمراقبين لدولاب عمل الدولة بإعتبار أن السلطة التشريعية أحد ركائز الحكم الأربعة لإدارة الدول أو الحكومات كما هو متعارف عليه.
طبيعة العصف الذهني المتنوع الموجود في القروبات لاسيما السياسية قد تكون مخرجاتها بمثابة قرارات تعتمد على مستوى الدولة والعالم أجمع بفضل وجود المختصين الذين يهيمون في وديان شتى حسب تخصصاتهم الأكاديمية والتراكم الخبراتي والأبعاد الفكرية بتبايناتها المختلفة بين عضويته.
تطبيق الواتساب سلاح ذو حدين يعمل إيجابا" إذا تم توظيفه وفق هدفه المنشود وسلبا" إذا قصد به التهديم والخراب مع سبق الإصرار والترصد.
المراقب لأنشطه قروبات الواتساب وخاصة الذي يتمتع بعضوية أكثر من قروب واتس يلاحظ دخول أدوات جديدة داخل برلمانات الواتساب بعد إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل 23 بين«الجيش والدعم السريع» التي قسمت السودانيين ما بين«مساند للجيش،واخر مساند للدعم،محايد،متحفظ ورافض للحرب من أساسه» كل حسب قناعاته التي يؤمن بها ولكن المؤسف والمخجل حقا" ظهور أجسام غريبة من معسكرات الحرب وأعني بالتحديد هنا «الجيش والحركات المسلحة التي تناصر الجيش ومن يدور في فلكهم» تستخدم هذه العناصر المدربة والموجهة بتعليمات من تجار ووكلاء الحرب أدوات «التخوين،الشيطنة،التخويف،التهديد والوعيد ووصف كل من يرفض الحرب بأنه مساند للدعم السريع بغرض تشويه صور رافضي الحرب وإشانة سمعتهم للنيل منهم» وهو أسلوب سياسي رخيص يستخدم لإبتزاز العقلاء والمستنيرين الذين يقرأون الأحداث بعقولهم لا بعواطفهم وإنتماءاتهم السياسية الضيقة ذات المنافع الذاتية المبنية على المحاصاصات،المحسوبية،العلاقات القربى ذات الصبغة العشائرية،علاقات النسب والمصاهرة،الوعود بالتعيينات المرتقبة،تقاسم إمتيازات وفوائد أرباح الحرب،الفردوس الموعود من الإستوزار على حساب دماء الأبرياء الذين قتلتهم الحرب اللعينة التي يمارسها كلا طرفي الحرب.
تستخدم تلك العناصر المتخصصة من الذين يقتاتون قوت يومهم من وراء عمل تصنيف الأعضاء وقراءه أفكارهم لإجراء محاكمات صورية إسفيرية رخيصة مدفوعة الثمن البخس أساليب التهديد والوعيد على شاكلة «إن لم تكن معنا فأنت ضدنا» وهو تجسيد حي لتهديدات فرعون التي كان يمارسها ضد قومه الرافضين لسياساته الجبروتية لإتباعه بالقوه القهرية «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)»-غافر.
أصبحت القروبات منفرة وغير جاذبة للبعض بسبب المؤامرات التي تحاك داخلها حيث إنفلت عقد الدسائس وسط القروبات السياسية ووصل حد التخوين والشيطنة حتى القروبات الأسرية وقروبات الكيانات الإجتماعية حيث أصبح «السب،الشتم،الإساءة،المزايدة الرخيصة،الإتهامات الباطلة،محاكمة الأفكار ومصادرتها،تصفية الحسابات والخصومات السياسية،الإساءات الأسرية وهدم البيوت،التقوقع خلف ستار العشائرية الضيقة/خشوم البيوت وغيرها من الأدوات الهدامة والفتاكة» سيده الموقف في القروبات وأصبح كل يكيل بمكيالين ويزايد ضد أخيه الآخر لحاجه في نفس يعقوب من أجل نيل إستحسان رضا سيده الإ من رحم ربه!
هناك من يترصد ويتجسس على التسجيلات الصوتية،الفيديوهات،الكتابات،التعقيبات وكافة المواد المشاركه من قبل الأعضاء ومشاركتها مع أشخاص وقروبات أخرى من دون إذن صاحبه بغرض التشفي وتخوين الآخر وشيطنته وسحب البساط من تحت أرجله ووضعه في خانة الإتهام مساندا" للدعم السريع.
يحدث أحيانا" يقوم أحد رافضي الحرب رفد القروب بمنشور عقلاني يرفض الحرب أو مادة تحتوي على دليل دامغ لجريمة حرب موثقة يرتكبها طيران الجيش ضد مواطنين أبرياء في منطقة ما مع أن نفس العضو يدين إنتهاكات الدعم السريع ضد الأبرياء ولكن سرعان ما تجد أحدهم يهرول لتنميطه أي «وضعه في قالب الخائن/التخوين مع وجود صورة ذهنية سابقه تجاهه» من ثم يتمرحل لشيطنته ليصرف له صكوك الوطنية والكرامة والمواطنة!
الدافع وراء الشيطنة يكمن في قوة المسؤولية الأخلاقية والأدبية التي يتمتع بها العضو الذي تم تخوينه وشيطنته وراء إدانته للجيش لقصفه وقتله للأبرياء العزل وإدانة الدعم السريع كذلك بنفس القدر على السواء لإرتكابهم جرائم تكاد السماوات يتفطرن منه وتخر الجبال هدا!
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن من أعطى الحق لمن كي يطلب من الناس أن يصطفوا خلف معسكر الجيش أو الدعم السريع؟
-من قال أن قناعات السودانيين في الحرب تنحصر فقط بين أن تساند الجيش أو الدعم أو محايد؟
-ما هى معايير الوطنية التي يستندون عليها في تصنيفهم أن تكون مناصر للمعسكر «A» أو «B»؟
-من قال أن السودان ملك لل«الجيش والدعم السريع»؟
-أليس الكل شريك في الوطن؟
-من أحق بالوطن،الوطنية والمواطنة من أخيه السوداني؟
-لمصلحة من تقام محاكمة الأفكار ومصادرتها؟
-من قال أن الإستبيانات البحثية كلها مغلقة إجاباتها من قبيل«نعم أو لا»؟
-ألا توجد إستبيانات بحثية مفتوحة للتعبير عن أراء المبحوثين/المبحوث عنهم بحرية؟
إذا كان الله يبعث عباده يوم القيامة في ثلاث صفوف أو قوائم «وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)»-الواقعة.
جاء كذلك في تفسير معنى أهل الأعراف أنهم أناس تساوت سيئاتهم وحسناتهم وعند الحساب يكونون في حجاب ما بين الجنة والنار «وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)»-الأعراف.
إذا" من أعطى التفويض لهؤلاء القوم ليصادروا أفكار الناس ويحاكمونهم وفق أمزجتهم وأهواء من يحركونهم ويرفعوا عنهم حرج التفكير خارج الصندوق حتى يكونوا كالكلاب التي تتبع صاحبها عندما تجوع؟
-ألا يستحق الإنسان أن يؤمن بقناعاته دون أن ينقاد كالبهيمة أو يتبع لغيره؟
-متى يتحرر الإنسان من قيود الأغلال؟
-متى يصل عقول هؤلاء مستوى الإحترام والإيمان بمبدأ التحرر العقلي الكامل «Mind decolonization»؟
-أليس من حق الآخر الإستقلال بذاته غير أن يتبع لأحد؟
-من بيده ملكوت الغيب ليطلع على قلوب البشر ليصنفهم وفق ما يخيل إليه من سحره أنه كذلك؟
-أليس هذا ظلم وإجحاف ضد الاخر؟
-كيف تكون حجتهم يوم يقول الله فيهم «وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)»-الصافات؟
-يا ترى من يحاجج عنهم هل قادتهم وكبرائهم الذين أضلوهم السبيل ليسألوا الله أن يضاعف لهم العذاب ويلعنهم لعنا" كبيرا «وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)»-الأحزاب,أم لديهم حججهم الذاتية للدفاع عن أنفسهم؟
لا نعلم كيف يترافعون وبأي السبل ولكن ربما تكمن الإجابة على السؤال عند بداية إفتتاح أعمال القيامة!
قديما" قال أحد الثوار ذات يوم «هناك من يريد التحرر من العبودية وهناك من يطالب بتحسين شروط العبودية»
وقال آخر في ما معناه «كان هناك عبدا" مملوكا" عند سيده وذات يوم سجنه سيده وبعد أن إنقضت مدته وجاء الفرج بخروجه من السجن وقد صدقوا له بتعويض مالي مجزي فسألوهو لو أطلقنا سراحك وأعطيناك مليون دولار ماذا أنت فاعل بها أجابهم بأنه سيشتري بها سيدا" آخر ليحسن له ظروف عبوديته!»
«لنا لقاء»
musabushmusa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع أ ص ح اب
إقرأ أيضاً:
لماذا تحتضن نيروبي مشروع حكومة الدعم السريع؟
استضافت كينيا الأسبوع الماضي اجتماعات متتالية للاتفاق على ميثاق (مانفستو) تؤسس عليه حكومة الدعم السريع التي تنوي إقامتها افتراضيًا أو مكانيًا (بحسب تمدد العمليات العسكرية الجارية حاليًا في مختلف مناطق السودان)، ونحاول هنا أن نراجع خط الزمن من بدايته لنعرف السياق الذي ألجأ المجتمعين هناك إلى اتخاذ تلك الخطوة.
الخطة الأساسية للهجوم الذي ابتدأته قوات الدعم السريع في منتصف أبريل/ نيسان 2023، هي الانقضاض على الحكومة السودانية والقبض على قائد الجيش أو قتله، كما صرح بذلك علنًا قائد الدعم السريع قبل اختفائه هو، وخروج قائد الجيش إلى بورتسودان.
تمدد الدعم السريع بعد مجزرة الجنينة في مايو/ أيار 2023، ليمضي لتنفيذ جرائم مشهودة قتلًا واغتصابًا وتدميرًا وسرقة، وثقتها المنظمات الأممية، ويهجر ملايين السودانيين من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار والنيل الأبيض والنيل الأزرق، ليحل في منازلهم وأعيانهم بديلًا عنهم من أتى بهم الدعم السريع من عرب الشتات من مختلف الدول.
امتصّ الجيش السوداني الصدمة، وأعاد ترتيب صفوفه التي انضم إليها الآلاف من عموم السودانيين، منهم المجاهدون السابقون والمستنفرون الحاليون ومجموعات الحركات المسلحة التي ذاقت الأمرّين من الجنجويد منذ عام 2005.
إعلانعاد الجيش السوداني متمكنًا من أم درمان ومستعيدًا مواقعه ومحررًا لولايتَي سنار، والجزيرة ومناطق واسعة في الخرطوم، هُزمت فيها مجموعات الدعم السريع هزائم مريرة، أوضحت قوة الجيش السوداني المهنية وصحة ترتيباته وخططه العسكرية.
وقتها علت أصوات كانت خافتة من داخل الحاضنة السياسية للدعم السريع، تتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة موازية تنطلق من دارفور حيث ينتشر الدعم السريع ووسط حاضنته الاجتماعية. صدى هذه الأصوات انتهى لخروج جزء من الحاضنة السياسية وانشطار "قحت/ تقدم" إلى مجموعات مضى جزء منها مواليًا وداعمًا ومشاركًا في تأسيس منطلقات الحكومة الموازية.
الانتقال إلى الخطة (ب)هكذا انتقلت ترتيبات المخطط للخيار (ب) بتشكيل حكومة موازية تضمن استمرار الحرب ووجود لافتة الدعم السريع التي تراجعت تمامًا وانهزمت عسكريًا في كل المعارك، وفي غالب الولايات عدا دارفور. ذلك سيضمن مكاسب عند التسوية السياسية بنهاية الحرب.
لتنفيذ ذلك، عمد المخططون إلى محاصرة الحكومة السودانية خارجيًا بتأثير مباشر على دول الجوار، كينيا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، إضافة إلى تشاد التي غدت مركزًا رئيسيًا للإمداد بالعتاد والسلاح الخارجي للدعم السريع.
يضمن ذلك تمدد التدخلات الخارجية في الشأن السوداني، ولربما مضت إلى أجندة ومصالح أجنبية تمضي إلى فصل دارفور، وكردفان عن بقية السودان، وما انفصال الجنوب ببعيد بعد أن تمددت الأيادي والمنابر الخارجية لتنال من وحدة السودان وأهله.
تكررت ذات المشاهد وفتحت كينيا أبوابها ومنابرها لمخطط مماثل يمضي على ذات منوال ليبيا، واليمن. قبلت كينيا أن تقوم بالدور وتفتح أراضيها للمؤامرة، وهي الدولة التي تعرضت أواخر عام 2007 لذات النزاعات السياسية والقبلية عقب الانتخابات، وقتها سقط آلاف الأبرياء من القتلى والنازحين في مدنها المختلفة، وقتها رفضت كينيا كل أشكال ومبررات التدخل الخارجي.
إعلانواليوم لا تسعف الذاكرة كينيا وهي تجسد دور التدخل الخارجي وتمهد الطريق لتقسيم السودان وتمزيق وحدته وتقدم المنصة الدعم المطلوب لذلك.
جمع المخططون الشتاتَ والتناقضَ من هنا وهناك مع الدعم السريع، للإيهام بأن من يقف وراء الخطة قوم معتبرون سياسيًا واجتماعيًا من مختلف مناطق السودان، وأنفقت الأموال بلا حساب لتنفيذ المخطط، كما أكد عدد من المشاركين أنفسهم.
نتج عن جمع التناقضات تأخير التوقيع لمرتين وإلغاء المؤتمر الصحفي الذي أُعلن عنه في نيروبي، هذا علاوة عن تصريحات مشككة وضعيفة من بعض المشاركين حول ماهية تفاصيل الوثيقة والميثاق وما يتبعها من خطوات، وإلى أين ستمضي؟ ومن سيقودها ويشكل حكومتها؟ ومن يمولها؟ وأين سيكون مقر هذه الحكومة؟ وغيرها من الأسئلة.
وقبل أن نخوض في قراءة الميثاق الذي من المفترض أن تؤسس عليه حكومة الدعم السريع الموازية للحكومة السودانية القائمة، يجدر أن نجيب عن سؤالي المدخل لهذا الحدث:
السؤال الأول: لماذا انعقد اللقاء في نيروبي؟اللقاء في نيروبي انعقد تأسيسًا على ما يجمع قائد الدعم السريع والرئيس الكيني من علاقة قديمة بدأت منذ كان الثاني نائبًا للرئيس الكيني، توثقت بشراكة اقتصادية بينهما في استخراج الذهب من عدة مناطق بالسودان، وربطت الرجلين تفاصيل المخطط الخارجي الذي يرمي إلى استغلال موارد السودان والتحكم في ثرواته وإدارة موارده وسلطته.
هكذا أصبح روتو منحازًا، بل ومتبنيًا لسردية الجنجويد منذ أول تدخل له في النزاع المسلح في السودان عام 2023، ومحاولته قيادة لجنة الإيغاد (IGAD) التي لم يكن ابتداءً طرفًا فيها. من تلك البداية وحتى البيان الأخير الذي صدر عن الحكومة الكينية الأسبوع الماضي، تأكد بوضوح الموقف الكيني المنحاز للدعم السريع.
أولى وأهم نقاط البيان الكيني، هي غياب الإشارة المباشرة إلى وحدة أراضي السودان، وهو أمر متعارف عليه دبلوماسيًا، ما يعني دعم كينيا لتقسيم السودان بإقامة حكومة أخرى تحكم أجزاء منه، وعمليًا تقسيم البلاد، وذلك ما ورد في الميثاق التأسيسي الموقع في نيروبي.
إعلانلتأكيد ذلك، ذكر البيان "حق الشعب السوداني في تقرير مصيره"، وهو تعبير واضح يفتح الباب إلى إعادة تقرير مصير أجزاء من السودان وخروجها من الحكومة المركزية، وهو اعتراف ضمني بدور قوات الدعم السريع كفاعل سياسي يمثل مجموعات من الشعب السوداني تختار دولتها كما ترى وترغب، مما يخرج كينيا تمامًا عن الحياد، ويؤكد التزامها بمسار المخطط وما تقوم به قوات الدعم السريع. استضافة قوات الدعم السريع في نيروبي لا تأتي في سياق وساطة، وإنما كجزء من موقف كيني في التعامل مع الأزمة السودانية.
لا يمكن مقارنة هذا الموقف الكيني بمحادثات مشاكوس/ نيفاشا 2002، التي كانت نتاج عملية تفاوضية تحت إشراف الإيغاد (IGAD) وبمشاركة طرفي النزاع: (الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان).
اللقاء الأخير في نيروبي جمع فقط مجموعات الدعم السريع ومناصريهم، وهدف إلى تشكيل حكومة موازية دون حضور الطرف الآخر (حكومة السودان أو حتى القوات المسلحة). غياب الطرف الآخر يفقد الحدث صفة الوساطة أو المفاوضات أو المحادثات.
انعقاد المؤتمر بقرار كيني منفرد يضعف مصداقية الرئيس روتو كوسيط، ويعزز الشكوك حول حياده، ويؤكد انطباع السودانيين أن كينيا منحازة للدعم السريع.
يجمع بين حميدتي وروتو أيضًا النزعة العرقية التي يقوم عليها كلٌّ منهما، ففي الانتخابات الكينية عام 2007، اندلعت احتجاجات عنيفة في البلاد بدعوى تزوير الانتخابات، وأخذت الاحتجاجات طابعًا عرقيًا، وشاركت فيها عرقية الكالينجين (قبيلة روتو) وغيرها، الأمر الذي أصدرت على إثره المحكمة الجنائية الدولية في ديسمبر/ كانون الأول 2010، قائمة بالمسؤولين عن التحريض على العنف، من بينهم الرئيس روتو، واتهمتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وبتنظيم وتنسيق لهجمات دموية مسلحة استهدفت مجموعات عرقية.
كينيا، التي تتدخل الآن في الشأن السوداني، لا تنفك عنها الأزمات منذ عام 2007 وحتى العام الماضي، فمن دوامة الاقتتال إثر انتخابات 2007، التي خلفت المئات من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين، مرورًا بأحداث القتل في 2013 إثر الانتخابات التي جمعت بين أهورو كينياتا ورفيقه وليام روتو، وهما من بين أربعة أشخاص وجهت إليهم المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بشأن حمام الدم الذي وقع في الانتخابات السابقة، ثم التدخل الكيني في الصومال، الذي تبعه رد فعل صومالي مماثل في كينيا أودى بحياة المئات، ثم أعمال العنف التي صاحبت انتخابات عام 2022، والتي اتُهم روتو بتزويرها لصالحه ليصبح رئيسًا بعد ستة أيام من صمت لجنة الانتخابات.
إعلانلم تستقر الأوضاع الاقتصادية في كينيا، وتكررت الاحتجاجات العنيفة مع استمرار التضخم الاقتصادي في الارتفاع، مع تراجع مقدرات الكينيين الشرائية، ما دعا الحكومة الكينية إلى سنّ قوانين مالية جديدة تفرض زيادات ضريبية كبيرة على المواد الأساسية.
اندلعت التظاهرات وتحولت إلى تعبير شعبي عن السخط إزاء طبقة سياسية يُنظر إليها على أنها فاسدة، وسقط العشرات قتلى في التظاهرات، وانتقدت الأمم المتحدة الحكومة الكينية لاستخدامها "القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين"، واتهمتها "بالفشل في حماية مواطنيها أثناء ممارسة حقوقهم الديمقراطية"، ما دعا الرئيس الكيني إلى التراجع عنها. أوشكت حكومة روتو على السقوط، وضحّى بإقالة غالب وزرائه.
الوضع الاقتصادي المتردي فتح الباب للمخطط الخارجي لابتزاز الرئيس الكيني بالدعم الاقتصادي، ما فتح الباب لأطراف إقليمية تملك الأموال لإغراء كينيا لدعم أجندة الدعم السريع مقابل وعود بمئات الملايين من الدولارات.
هكذا انضمت كينيا إلى مخطط تدمير وحدة السودان وتقسيمه، وأقيم المؤتمر التأسيسي لذلك في 19 فبراير/ شباط 2025، لتقديم مليشيات الدعم السريع بواجهة سياسية وغطاء مدني من بعض الموالين قبليًا ومناطقيًا، وبعض من أغراهم الدعم المالي.
في المقابل، استنكر مسؤولون كينيون هذه الخطوة، التي تشكل دعمًا ضمنيًا لقوات الدعم السريع في صراعها ضد الحكومة السودانية، ومنهم برلمانيون ووسائل إعلام أكدوا أن هذا التصعيد يزيد من تعقيد العلاقات الثنائية بين الخرطوم ونيروبي، في وقت حساس تمر فيه كينيا بتحديات داخلية وخارجية.
توقع عدد من القيادات السياسية الكينية ألا يقبل الأفارقة بالدور المنحاز الذي تلعبه حكومتهم ضد الحكومة السودانية، وذلك ما حدث بالفعل في أول محفل أفريقي جامع، إذ سقط المرشح الكيني (رئيس الوزراء السابق) في انتخابات رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي أمام مرشح جيبوتي (وزير خارجيتها)، ما عُدّ انتكاسة كبرى للسياسة الكينية ووزنها الأفريقي.
إعلانكذلك، يتوقع الكينيون ردات فعل سياسية واقتصادية من الحكومة السودانية تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، وربما تقود إلى تعقيدات حادة في عدة مجالات ومحاور ضارة بكينيا.
السؤال الثاني: من الحاضرون؟ ومن يمثلون؟بعد فشل مشروعها الأساسي بهزيمة الجيش السوداني وتدميره والاستيلاء على الحكم بكامل البلاد، لجأت المؤامرة الخارجية للخطة (ب) بالإعلان عبر مجموعات الدعم السريع عن ميثاق تأسيسي يمضي لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
المجموعات التي انضمت للدعوة لا تعدو كونها انشطارات صورية عن أحزاب تقليدية معروفة بموقفها من الدعم السريع منذ تأسيسه إبان حكم الإنقاذ.
من وقع عن حزب الأمة لم يستذكر موقف الإمام الصادق المهدي، عليه رحمة الله، من الجنجويد، وجهره بكلمة الحق منتصف عام 2014، والتي أكد فيها "ارتكاب قوات الدعم السريع جرائم حرق للقرى واغتصاب ونهب لممتلكات المواطنين، وضم عناصر غير سودانية إلى صفوفها، والعمل خارج نطاق القوات النظامية".
موقف الحزب ممن وقع باسمه كان سريعًا وحاسمًا بإقالته من رئاسة الحزب. كذا كان نفس الموقف لمن وقع باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي. أما بقية من وقع من المدنيين والواجهات واللافتات التي حُشدت في نيروبي، فلا يقف وراءها مد جماهيري ولا بعد سياسي.
ما تبقى من حركات مسلحة وقعت اتفاق جوبا ولم تنحز للجيش السوداني، فتلك أيضًا تعاني من تعقيدات قبلية ومناطقية أفقدتها عددًا كبيرًا من مقاتليها، وأصبحت مرتهنة بيد الدعم السريع ماليًا وسياسيًا.
حضر لقاء الميثاق رئيس "الحركة الشعبية – شمال"، السيد عبدالعزيز الحلو، المعروف عنه رفضه أي اتفاق أو توافق مع أي حكومة مرت على البلاد طوال الحقب السابقة وحتى حكومة الثورة.
فرض الحلو على الميثاق بنوده وشروطه التي ظل يرددها دون معنى وبلا تبرير، وعلى رأسها العلمانية وفصل الدين عن السياسة. أيضًا انتهت مجموعته إلى التشتت، واستقال عدد من كوادر الحركة وانتقدوا مواقفه بشدة.
إعلانبهذا التناقض جاء التأسيس لخطة التقسيم، لافتات مدنية ضعيفة تلتف حول الدعم السريع لتقدم الغطاء المطلوب، تمامًا كما حدث في ليبيا مع حفتر ونموذج المجلس الانتقالي في اليمن.
ظهر الدعم السريع متسيدًا للمشهد، مقدمًا المشاركين كمتحالفين معه وداعمين له. صورة انقسام وتشظي الأحزاب التقليدية تعزز مخطط الانقسام الجهوي والجغرافي المطلوب لفرض المخطط الخارجي وتقسيم البلاد.
تسارعت الخطى لانعقاد لقاء الميثاق، والواضح أن التقدم العسكري للجيش السوداني، الذي يتوسع يومًا بعد يوم، هو الدافع الرئيسي لذلك، قبل أن يفقد الدعم السريع ما يحتله حاليًا من مناطق يمكن أن تنطلق منها، ولو شكليًا، ما سموه بحكومة السلام المدنية.
المخطط يتطلع للتشبث بمناطق دارفور، التي تتوفر فيها مطارات تستقبل الدعم الخارجي، خاصة الدعم العسكري الثقيل، الذي يمكن أن يوقف تقدم الجيش وانتصاراته. ظهرت أهداف اللقاء قبل أن تقدم ورقة الميثاق، حينما أكد أفراده أن الدعم الخارجي بانتظار اجتماعهم وتشكيل حكومتهم الموعودة.
هكذا تتسارع الخطى من جانبين:
القوات المسلحة، التي يقف خلفها الشعب السوداني مستنفرين وداعمين، متطلعين للعودة إلى منازلهم ودورهم لإعادة حياتهم الطبيعية بعد قتل ونهب وسرقة مليشيات الدعم السريع لممتلكاتهم. مخطط الخارج، عبر مليشيات الدعم السريع وداعميه، لتثبيت أقدامهم في نيالا، والجنينة، والضعين، وكاودا، ليكون للمخطط مساحة جغرافية يوهم بحكمها، وتهبط فيها طائرات الحرب تحمل الدمار للسودان.الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline