لجريدة عمان:
2024-11-22@16:22:12 GMT

الإعلام وصناعة الرأي

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

فـي مشهد بدا مألوفا يتحدث الجميع عن أفول الصحافة والقنوات التلفزيونية الرسمية، ولكن فـي الوقت ذاته، ظلَّت هذه المنصات هي المصدر الموثوق للأخبار فور وصول خبرٍ عاجلٍ أو حدثٍ كبيرٍ. نعم تطورت الوسائل، وغدت الصحافة الورقية تنتشر بحُلَّتِها الإلكترونية بشكل أسرع ولم يعد انتظار صدور الجريدة الورقية لمعرفة الأخبار العاجلة أمرًا مجديًا.

لكن، هل اختفت فائدة الجرائد ووسائل الإعلام وتأثيرها؟.

تابعت بشكل متزايد الأخبار المتعلقة بفلسطين ولبنان والعدوان الصهيوني الغاشم عليهما وعلى كل من ساند أهل غزة فـي مواجهة الإبادة الصريحة والمستمرة. يكوّن المتابع لوسائل الإعلام التابعة لكيان الاحتلال معرفة جيدة عن الدور الفعّال لهذه الوسائل فـي توجيه الرأي العام، الداخلي والخارجي على السواء، كما يلاحظ نمطا متكررا تُبنى عليه قراءات ذات أهمية بالغة. ففـي كل وقت يختار الكيان اغتيال قيادي ما، أو يرتكب مجزرة ما بهدف الإبادة المحضة وتهجير السكان الأبرياء الذي ظل الهدف الأبرز للاحتلال منذ البداية؛ كان يعقّب مباشرة عبر وسائل الإعلام اليمينية واليسارية على السواء بأنه استهدف قياديا فـي الحزب الفلاني، أو نفقا يستخدمه المقاومون، أو هدفا عسكريا. بل تطور الأمر بأن غدا تصريح دانيال هاجاري المتحدث باسم المليشيا الصهيونية، بأن هنالك نفقا ما أو جماعة ما مختبئة داخل مستشفى أو مدرسة أو دار عبادة -وهي كلها أمكنة يحرّم استهدافها فـي الحروب- مسوغًا مباشرًا لقصف ذلك المكان بما فـيه ومن فـيه، دون أن ترمش لهم رفة عين. فلا تغدو المتابعة والأعين متجهة نحو المدنيين الأبرياء وإبادتهم، بل يغدو الحديث عمَّا إذا كان خبر اغتيال القيادي أو الهدف المعلن قد تم فعليا!، وكأن قتل عدد لانهائي من البشر يغدو مسوغًا لمجرد تحقيق الهدف المعلن.

ثم إن تشكيل صورة عامة عن الشعب الفلسطيني تجعل قتله يبدو مسوغًا للداخل الصهيوني، أو للمتعاطف الأوروبي مع «ضحايا الهولوكوست» كما يطيب لهم أن يسموا أنفسهم، ومن عجب أن يكونوا -لو صح أنهم يهود أساسا، لا صهيونيون مجمَّعون من الشتات- ضحايا ألمانيا النازية، ويكونون جلادي الفلسطينيين العُزَّل فـي الآن ذاته!، وهو ما لا يمكن تبريره بحال. قرأت كثيرا من الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام الصهيونية، مثل موقع واللا، إسرائيل هيوم، يديعوت أحرونوت، معاريف، وأخيرا هآرتز التي تعتبر أكثرها اعتدالا وأقرب لليسارية والرأي الذي يخرج عن الحدود الموضوعة من حكومة الاحتلال على هذه الوسائل. تم تصوير سكان غزة بأنهم جميعا مذنبون وهمجيّون بربريّون، وهو ما صرّح به عدد من وزراء الاحتلال قبل وأثناء عدوانهم على غزة، وعلى رأسهم جالانت وزير دفاع الاحتلال. ثم صُوّر السنوار الذي أصبح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة بعد انتخابات عام 2006م، بأنه الشخصية الهمجية والجبانة فـي آن!.

فصُوّر على مدى سنة كاملة بأنه إرهابي متوحش يقبع فـي الأنفاق، وهو محاط بالرهائن!. فـي صورة لا تنتمي إلا إلى غرف الإنتاج الهوليوودي الوهمية فحسب. وبعد أن استشهد السنوار فـي قتال على الأرض، فقدت الرواية الصهيونية مصداقيتها الموهومة؛ فكيف يموت على سطح الأرض من يعيش فـي الأنفاق محاطا بالخدم والحشم والأسرى «الرهائن كما يحلو للاحتلال تسميتهم»؟!. ثم إن مصطلح الرهائن والإصرار عليه ينبئ عن مكر عسكري متعمد، فكأنما هم أناس أبرياء مسالمون قبضت عليهم عصابات إرهابية!، لا أنهم مستوطنون يحتلون أراضي وأملاك أناس آخرين تم تهجيرهم. وبعد استشهاد السنوار، عدت إلى قراءة وسائل إعلام الاحتلال لأنظر كيف سيتم تصوير الأمر. فجاء خبر فـي إسرائيل هيوم «جيش الدفاع الإسرائيلي يقتل يحيى السنوار فـي غزة»، ووردت فـي الخبر جملة اعتاد الموالون للصهاينة أن يرددوها مذ بدأت حرب الإبادة فـي حديثهم عن حماس أولا، ثم فـي حديثهم عن السنوار «..كان المهندس لمذبحة 7 أكتوبر، التي قتل فـيها أكثر من 1200 إسرائيلي وخُطف فـيها أكثر من 250». هذه الجملة التي اعترف الجيش وكثير من مؤسسات الاحتلال بأنها غير دقيقة، وذلك لأن كثيرا من القتلى كانوا من الذين قتلتهم طائرات الاحتلال نفسه فـيما يعرف ببروتوكول هانيبال.

تتطلب قراءة الصحف التابعة والموالية للاحتلال قدرة عالية على تحمل الأكاذيب، ولم أستطع أن أنقل كل ما قرأته فـيها وذلك لأنها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، تُشر إلى عملية الإبادة الجارية حتى اللحظة. كما أنها تنزع صفة الإنسانية عن أهل غزة جميعا، بأطفالهم وشيوخهم ونسائهم حتى، وذلك ما تجلى فـي تصريحات وزير جيش الاحتلال يوآف جالانت «على سكان غزة أن يحرروا المختطفـين الإسرائيليين وأن يستسلموا»، أن يطلب من السكان، لا من مقاومي حماس الاستسلام؛ لا معنى له سوى لتبرير الإبادة الجارية. إن أكثر ما يذيب النفس والعقل، أن قتل المدنيين صار شيئا عاديا، وأن الشر يمكن أن يلتهم المرء ويجعله يرتكب الفظائع باسم الله، والإنسان، والوطن؛ ولا يحدث ذلك كله إلا نتيجة الأدلجة التي تلتهم ما يتبقى من الضمير الحي بداخل كل إنسان، وتنزع ما يتبقى من رحمة وشفقة تجاه أخيه الإنسان، فـيصاب بالسعار الدموي لإبادة ما يقع تحت بصره، من إنسان، ونبات، وحيوان، وحجارة!، وهو شيء موثّق بالصور والمقاطع المرئية، لا من قبيل الادعاء المحض. لأجل هذا كله، على المثقفـين العرب، ومن يمتلكون الملكات اللغوية أن يفندوا الجرائم الثقافـية للاحتلال ويواجهوها بسردية مضادة، لأن القتل الذي يكون ختاما وتحت المجهر؛ ليس إلا خاتمة الحَلَقة التي تبدأ من الكتابة والتعليم والثقافة التي يبثها الكيان فـي الشعب، فلنواجه كل سلاح بسلاح مضاد، وسيحكم التاريخ والضمير الإنساني على كل امرئ حسب موقفه وكلمته ورسالته.

ومن يتابع تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية وماثيو ميلر اللتين تخرجان من مشكاة واحدة فـي تسويغ الجرائم الصهيونية بحق أهل غزة ولبنان، لن يهنأ له بال وهو يبسط الاحتمالات، ألم يقل نتنياهو بأنه يريد تغيير خارطة الشرق الأوسط؟ مع هذا الدعم اللامحدود واللامشروط من الحكومات الغربية؛ هل نستطيع تخيل أن يكترث أحد لنا -عرب- إن تعرضنا للإبادة؟ لا أظن ذلك. وما لم يصل صوت الحق إلى الشعوب الغربية، فإن الحكومات المسلوبة الإرادة فـي الغرب، لن تغير سياساتها أبدا، وهي قد قدمت أبشع صورة عن النظام الديمقراطي فـي السنة الأخيرة بشكل واضح وبكل بجاحة، ولا تزال. مَن يصنع الرأي، يصنع الشعوب، وكيفما كان الصانع؛ تكون السياسة الخارجية..

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

غليون لـ عربي21: قرار الجنائية الدولية ضغط قانوني وأخلاقي جديد على الاحتلال

رأى أستاذ علم الاجتماع بجامعة السوربون الدكتور برهان غليون، أن قرار الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاع السابق يوآف غالنت يمثل تطورا مهما لجهة ممارسة مزيد من الضغط القانوني والأخلاقي على دولة الاحتلال وداعميها بضرورة وقف حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني.

وأكد غليون في تصريحات خاصة لـ "عربي21"، أن قرار الجنائية الدولية بحق قادة الاحتلال على الرغم من أهميته القانونية والإنسانية إلا أنه أقل بكثير من حجم الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ولا تزال ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني ثم الآن الشعب اللبناني.

وقال: "يجب أن نعترف أن رد الفعل العالمي على المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين منذ أكثر من عام أضعف بكثير مما كان ينبغي أن تكون عليه.. ومع أنني أعتقد أن هذا القرار مرحب به، ولكنه غير كاف مقارنة مع الكارثة الموجودة.. خصوصا أن ردود الفعل الدولية أيضا حوله كانت ضعيفة، فالأمريكيون رفضوا القرار والأوروبيون صمتوا.. وسيتوقف الأمر من من الدول الموقعة على الجنائية الدولية يمكنها أن تنفذ القرار".

وأضاف: "لا شك أن لهذا القرار تأثير معنوي لا أكثر ولا أقل، لكن لا يجب الرهان على نتائج ملموسة لجهة وقف الحرب أو التأثير على مجرياتها.. هو جزء من الضغط الأخلاقي الذي تقوم به شخصيات عالمية لإدانة الإبادة الجماعية".

وحول تأثير القرار على مسيؤة التطبيع العربية مع الاحتلال، قال غليون: "الدول العربية لن تعيد حساباتها في العلاقة مع دولة الاحتلال أبدا، إنما سوف تخفف من الحماس الذي كانت تبديه بعض الدول، خصوصا الخليجية للتطبيع مع إسرائيل، وهذا ليس بسبب قرار الجنائية الدولية، وإنما لأن التطبيع أصبح من الصعب على دول الخليج أن تذهب فيه، خصوصا أن الشجب الدولي لحرب الإبادة أصبح واضحا وكبيرا".

وأضاف: "لهذا فتأثير حرب الإبادة والموقف الدولي الرافض لها هو الأكثر تأثيرا وليس نتيجة قرار الجنائية.. بلدان عربية كانت قاب قوسين أو أدنى من إعلان تطبيع علاقاتها مع الاحتلال بسهولة الآن صارت أمامها صعوبات كثيرة، وربما بإمكانها أن تشترط حلولا للقضية الفلسطينية قبل أي خطوة تطبيع".

وأشار غليون إلى أن حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من عام، أعادت وضع المسألة الفلسطينية على الطاولة الدولية كأحد القضايا الرئيسية التي لا يمكن تجاوزها..

وقال: "لقد كانت الأنظمة العربية تغض النظر على الحرب في البداية على اعتبار أنها كانت معادية لحماس والتيارات الإسلامية الراديكالية، اليوم تجاوز الأمر قصة حماس والإسلام السياسي إلى القضية الفلسطينية نفسها، ولم يعد بإمكان الأنظمة العربية الصمت عما يجري في فلسطين، لأن استمرار الحرب وتصفية القضية الفلسطينية ستجعلهم في صراع مقبل مع شعوبهم، وهذا أيضا نتيجة بشاعة حرب الإبادة كما قلت، وأيضا بسبب انتفاض الرأي العام العالمي ضد الظلم".

وأضاف: "يمكن القول إن المقاومة الفلسطينية بصمودها أعادت طرح القضية الفلسطينية على العالم والعرب بعدما كانت هناك تصريحات بدفنها، وأن فلسطين انتهت.. ما جرى أنه تم تأكيد القضية الفلسطينية، وأنه لا يمكن تجاوزها، وهناك قطاعات واسعة من الرأي العام الدولي بما فيها اليهودي اكتشفت الطبيعة العنصرية للكيان، وقطاعات كبيرة متمسكة بحل عادل للقضية الفلسطينية.. اليوم الكسب الذي حصل هو اعتراف دولي واسع من الرأي العام الدولي بعدالة قضية فلسطين.. وهذا هو ما جعل الجنائية تتخذ هذا القرار والأمم المتحدة تتحدث عن ضرورة التوصل إلى حل لها".

لكن غليون أشار إلى أن هذا الوضع زاد من تعقيد الصراع في ظل التحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وقال: "اليوم إسرائيل في أزمة وأمريكا في أزمة والمنظمات الدولية في أزمة، ولا أحد يقدم حلا، لأن الحل بيد حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة لا تعترف بالحقوق الفلسطينية مقابل اعتراف متزايد وواسع لدى جزء كبير من الرأي العام العالمي، لكن التحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي  والغربي يجعل من الصعب التجاوب مع الرأي العام الدولي الضاغط من أجل الاعتراف بالحقوق الفلسطينية".

وأضاف: "الاعتراف بفلسطين كبير جدا، وشروط تحقيق العدالة لفلسطين أصبحت أكثر تعقيدا.. لهذا أعتقد أن الدول العربية معنية بالعمل من أجل الضغط لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وخصوصا دول الخليج ومصر، كيف تتصرف للرد على هذا التحدي؟ هذا ما سنحتاج لبعض الوقت كي نرى تجلياته على الأرض"، وفق تعبيره.

وأمس الخميس، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة منذ 412 يوما.

وقالت المحكمة، في بيان عبر حسابها على منصة إكس، إن "الغرفة التمهيدية الأولى (بها) رفضت الطعون التي تقدمت بها إسرائيل بشأن الاختصاص القضائي، وأصدرت مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت".

وفي 20 مايو/ أيار الماضي، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتكبها الجيش الإسرائيلي بغزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

كما طلب خان مرة أخرى في أغسطس/ آب الماضي، من المحكمة سرعة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.

وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 148 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.

وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.

مقالات مشابهة

  • غليون لـ عربي21: قرار الجنائية الدولية ضغط قانوني وأخلاقي جديد على الاحتلال
  • الإعلام الحكومي: 4 مجازر بغزة راح ضحيتها 112 شهيدًا وأكثر من 120 جريحًا
  • نادي الأسير: الاحتلال يعتقل 12 مواطنًا من الضفة
  • حماس: المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في بيت لاهيا نتيجة للفيتو الأمريكي
  • جلسة تناقش إرث الإمارات وصناعة السمعة
  • 270 طفلاً بسجون الاحتلال يواجهون مرحلة أكثر دموية بظل الحرب
  • 270 طفلاً بسجون الاحتلال يواجهون الاحتلال مرحلة أكثر دموية بظل الحرب
  • نادي الأسير: الاحتلال يعتقل 15 مواطنًا من الضفة
  • ‏400 يوم من الإبادة الوحشية.. الاحتلال الإسرائيلي يقتل «الطفولة» ‏في غزة
  • 47 يومًا من الإبادة.. الاحتلال يواصل حصار وتجويع آلاف المواطنين شمالي القطاع