أكتوبر 23, 2024آخر تحديث: أكتوبر 23, 2024

رامي الشاعر

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من قمة “بريكس” في عاصمة جمهورية تتارستان الروسية قازان عن تغييرات جذرية تطرأ اليوم على العالم المتعدد الأقطاب، في الوقت الذي تضطلع فيه دول “بريكس” العشرة بمسؤوليتها عن الوضع في العالم “بالأفعال لا بالأقوال” على حد تعبير الرئيس.

وتابع بوتين خلال كلمته الافتتاحية باجتماع قمة “بريكس” السادسة عشر: “إن جميع دولنا تدافع عن المساواة وحسن الجوار والاحترام المتبادل، وتؤكد المثل العليا للصداقة والتفاهم، من أجل رخاء ورفاهية العالم، لا بالكلمات وإنما بالأفعال، حيث تظهر هذه الدول مسؤوليتها عن مستقبل العالم، وتسهم بشكل كبير في حل المشكلات الإقليمية الملحة”.

ونحن في المنطقة العربية نعاني من التمادي في التعدّي على السيادة، سيادة الدول والأراضي والشعوب، ولا يمكن إيقاف مثل هذا التمادي الفج والصارخ والعربيد إلا بموقف عربي موحد واضح وصريح.

إننا نتحدث ونقرأ ونكتب جميعاً بلغة تقترب أو تبتعد عن اللغة العربية الفصحى بدرجات متفاوتة، وندين بديانات إبراهيمية ثلاث نزلت جميعا على منطقتنا المقدسة والسعيدة والتعسة في آن واحد، ونواجه جميعاً مصيراً مشتركاً مرتبط بالأرض والماء والسكان والموارد، ونمارس ثقافات قد تختلف في أشكالها وأطيافها وألوانها، إلا أنها ذات قاعدة يمكن أن توصف بأنها “واحدة” أو قريبة من ذلك. مع كل ذلك، وبرغم تمتع كل دولة من الدول العربية بسيادة معترف بها دوليا، وبرغم تمتعنا، وفقا لما سبق، بما يمكن وصفه بـ “هوية” أقرب ما تكون إلى أن تكون “موحدة”، إلا أننا نسعى، وبأشكال مختلفة، إلى البحث عما يفرق ولا يوحد، وتجد في مواقفنا وجدالاتنا ونقاشاتنا ما يقترب من التناحر إن لم يكن القتال والصراع والأزمات.

إن لدينا جامعة دول عربية، ومجلس للقمة العربية يتناوب على رئاسته سنويا رؤساء الدول العربية، يترأسه في الدورة الحالية ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، والذي قام بخطوة في غاية الأهمية، فور ترأسه القمة هذه الدورة، حيث قام بزيارة عمل إلى روسيا، صدر بعدها سلسلة من المقالات الهامة التي تطرح ضرورة وأهمية وجود دور عربي فاعل وأصيل يليق بعراقة هذه الأمة.

من بين تلك المقالات مقال الكاتب الدكتور نبيل العسومي، الذي اتفق مع ما ذكرته في إحدى مقالاتي بشأن الاتفاق على عقيدة عربية موحدة، تواجه كل التحديات التي يواجهها عالمنا العربي، وأن يكون للعرب ولمجلسهم الرئاسي دور فعال يحسب حسابه بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فيما يختص تحديدا بحماية سيادة أي دولة عربية، بما يعني أن أي اعتداء على أي دولة عربية يمثل اعتداء على جميع الدول العربية، وأي مساس بالأمن القومي لأي دولة عربية، يمثل مساساً بالأمن القومي للدول العربية جمعاء.

وعودة إلى قازان، فإن ذلك يمكن أن يعني فيما يعني أن تشارك الدول العربية على اختلاف مواقفها، واستنادا إلى انتمائها إلى دول الجنوب والشرق العالمي، التي تسعى لكي ترفع صوتها كي يصل إلى آذان العالم، وما يسمى بـ “المجتمع الدولي” الذي تهيمن عليه الدول الغربية، أن تشارك هذه الدول العربية في جهود انتقال النظام العالمي من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية، وهي أجواء “تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالمين العادلين”، الشعار الذي أطلقته قمة “بريكس” السادسة عشرة.

يضمن ذلك بالتبعية استعادة هيئة الأمم المتحدة لهيبتها واحترامها وتنفيذ كافة قراراتها، وهو المقصود بمصطلح “العقيدة العربية الموحدة”، التي ما أشد ما نحتاجها اليوم لإنقاذ الشعبين الفلسطيني واللبناني من المحنة التي يمران بها، وكذلك من المخاطر التي تهدد سوريا والأردن والعراق واليمن، حيث يسعى البعض لسكب مزيد من النيران على برميل البارود في الشرق الأوسط.

نعم، من الجيد أن تشارك بعض الدول العربية في “بريكس” (مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية)، ومن الجيد أيضا أن تكون هناك إيران، ممثلة لإحدى أكبر القوى في المنطقة، وربما يكون رائعاً إذا ما انضمت أو قامت “بتوسيع مشاركتها” تركيا أيضا، على حد تعبير الرئيس رجب طيب أردوغان، إلا أن ذلك وحده لا يكفي، لأن هذه المجموعة بالأساس ليست حلفا، وليست موجهة ضد أحد، ولا ينبغي أن تكون أو نسعى نحن لذلك، وإنما هي جهود حميدة تستهدف التنمية والازدهار والتعاون الاقتصادي بعيدا عن الإملاءات والعقوبات والحصار الاقتصادي وهيمنة الدولار الذي تستخدمه الولايات المتحدة لا كعملة احتياطية وإنما كسلاح، وكـ “عصا الشرطي” الذي يتعهد بـ “الحفاظ على أمن العالم” دون أن يطلب منه أحد ذلك، وإنما برغبة خبيثة للهيمنة على موارد ومقادير الدول ومصائر شعوبها.

أقول إن كل هذا قد يكون جيداً، وقد يكون مهما أيضا أن يكون للدول العربية دور للمشاركة في هذه المنظومة الاقتصادية الجديدة للتعاون والتبادل الاقتصادي، إلا أن الأهم والفيصل هو أن يكون للدول العربية صوت واحد في مجال السياسة والأمن، أن تكون هناك “عقيدة عربية موحدة” تدافع عن الإنسان العربي أينما وكيفما كان. ويعود ذلك لما تملكه منطقتنا الغنية من موقع استراتيجي بين البحر الأحمر والأبيض المتوسط وعلى مضيقي باب المندب وهرمز، إنها سرة العالم، التي يجب عليها أن تضطلع بدور مؤثر في انتقال العالم إلى أجواء دولية جديدة عادلة تحترم سيادة جميع الدول بصرف النظر عن حجمها أو عن ناتجها المحلي الإجمالي.

إن ما يقوم به الكيان الصهيوني من إملاءات على الدول العربية والغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وما يصاحب ذلك من تهديدات بفرض عقوبات على من يتعامل مع روسيا أو مع إيران أو مع الصين، يحتاج إلى وقفة عربية موحدة ترفض كل هذه التهديدات والإملاءات التي يمارسها اللوبي الصهيوني الأمريكي ضد عالمنا العربي والشرق أوسطي.

وما يقوم به الجيش الإسرائيلي والقيادة الإسرائيلية من استعراض للقوة والقدرة على تدمير أي منشأ أو موقع حيوي أو استراتيجي أو تدمير مدن بأكملها لا يندرج سوى تحت بنود الهمجية والوحشية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية.

آمل أن يتجاوب جميع الزعماء العرب مع جهود ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة التي طرحها منذ بداية توليه منصب رئاسة مجلس القمة العربية لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، ولا أظن أن هناك أمل في إنقاذ فلسطين ولبنان من استمرار مسلسل القتل والدمار إلا من خلال جهود ومحاولات عربية قبل الدولية لتردع الاستهتار بقيمة الإنسان العربي، لا سيما الفئات الأكثر هشاشة من النساء والأطفال والشيوخ، وكذلك الاستهتار بسيادة الدول.

ولا شك أن قمة “بريكس” في قازان هي المناخ الأكثر ملائمة لطرح مثل هذه المبادرة، لا سيما في وجود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وأعتقد أن روسيا لن تبخل بأي دعم في هذا الشأن. لا بد من البدء فورا بمبادرة تؤكد على التصميم العربي للوقوف صفا واحدا أمام العدوان الإسرائيلي الغاشم على الأراضي الفلسطيني واللبنانية على مسمع ومرأى من العالم أجمع.

وآمل أن يتضمن البيان النهائي لقمة “بريكس” فقرة تدعم الشعوب العربية في نضالها ضد المحتل الإسرائيلي الذي تمادى في تعديه على الكرامة والإنسانية والحق في الحياة للشعبين الفلسطيني واللبناني.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: الدول العربیة أن تکون إلا أن

إقرأ أيضاً:

المجتمع الدّولي.. وَهْم الحُضور

يبدو القول بالمجتمع الدولي ضرباً من الوهم،




ما كان للبشرية، في عصرنا الحالي، أن تنْحت من تجاربها الطويلة في "التعارف، والتدافع، والحروب"، مصطلح" المجتمع الدولي" لولا أنّها حملت بعضاً من اليقين في أن الصراع بين أممها وشعوبها ينتهي في الغالب ـ الانتصار أو الهزيمة ــ إلى عودة لأصل التجمّع البشري والعمران والمدنيَّة.. وفي النهاية الحضارة، وتلك حالة لا ينفيها أو يُنهيها إلا الخروج من "الاجتماعي" ببُعده الإنساني إلى حيث السياسي، وما فيه من وراثة التوحش والهمجية.
غير أن تلك العودة إلى "الاجتماعي" والانبعاث منه، أو حتى تذكره باستنهاض المشاعر الإنسانية الجامعة أو تثويرها، لم يشكل في عالم "السياسي" اتفاقاً جامعاً حول معنى المصطلح، رغم وضوح القواعد القانونية والاتفاقات، الأمر الذي كشف عن عجز واضح في تحقيق الهدف منه.
لقد أفسح غياب الاجماع حول التفسير، وما تبع ذلك على المستوى العملي، لمسألة " المجتمع الدولي"، المجال أمام سيادة العلاقات الدولية اعتمادا على"القوة والضعف"، فبالنسبة للدول القوية يعني السيطرة على الدول الضعيفة، في حين تسعى هذه الأخيرة لأجل الحصول على حقوقها، ولو على الحد الأدنى منها، في محاولة منها للخرج من الظلم والقهر والسيطرة.
إن الاعتراف، ثم الإقرار، بمصطلح المجتمع الدولي من منطلق البحث عن حماية للدُّول، حتى لو كانت نظريَّة، كشف عن حاجة عامة لإبقاء بعدنا الإنساني على مستوى العلاقات الدولية، غير أن تلك الحاجة لم تتحقق إلا في حالات نادرة لا تكاد تذكر، ورغم تعميق البعد النظري لجهة القول بالمجتمع الدولي، كما هو ظاهر في القرارات الدولية، خاصة الصادرة عن مجلس الأمن، نحن نتجه اليوم إلى التخلي عنها في ميل واضح لكفة القوة على حساب الانتماء للمجتمع الإنساني، ويرجّح أن يكون بيننا وبينها أمد بعيد في المستقبل المنظور، استناداً لما هو واقع اليوم في أوكرانيا وفي فلسطين ولبنان.
وعلى الرغم من افراغ مصطلح "المجتمع الدولي" من محتواه المجتمعي والإنساني، إلا أنه يشق طريقه حضوراً عبر ثلاثة مسارات، أولها: المسار السياسي، وثانيها: الدبلوماسي، وثالثها: الإعلامي، وهذه المسارات الثلاثة، جعلته خطاباً سائداً في المحافل الدولية، لكنه عديم الصلة من حيث حاجات الدول والشعوب والمجتمعات إليه، وفي هذا السياق يمكن طرْح السؤال الآتي: ما الذي يقدمه المجتمع الدولي على صعيد الحروب والضحايا والمصابين، الذين انتظروا ـ ربما لعقود ـ انقاذهم مما كانوا فيه؟
وإذا كان مصطلح المجتمع الدولي، على مستوى الخطاب اليومي لقادة الدول وكذلك الشعوب المستضعفة، قد ارتبط بظهور الأزمات والحروب في محاولة لإيجاد حلول لها، ومثَّل أملاً منتظراً، فإنه على المستوى العملي يأتي ـ دائماً ـ مُحمَّلاً بوصف لدول العالم وحكوماتها عندما تتفق على أمر ما، وليس بالضرورة يتم تنفيذه.
والمقصود في الغالب هنا جميع الدول ذات النفوذ الدولي التي تختار المشاركة في المناقشات العالمية، وصاحبة القرار السياسي النهائي في معظم القضايا، ومنها خصوصاً السلم والحرب بعيداُ عن الجانب الاجتماعي، أو ما يعرف بالمجتمعات، بما فيها تلك التي تعدّ خطراً على البشرية بما تنتجه من أضرار، وتصدِّرُه لدول العالم الضعيفة.
ويبقى أن مصطلح "المجتمع الدولي"، في ظاهره معروف حين يتعلق الأمر بالتدخل المباشر للدفاع عن مصالح الدول القوية، لكنه يبدو مجهول الهوية والكينونة عندما يتناول قضايا الدول الضعيفة، الأمر الذي يجعل منه عملة ذات وجهين مختلفين، الوجه الأول يمثل "حقيقة الحضور" للأقوياء، والوجه الثاني يخص "وهم الحضور" عندما يركز على الدول الضعيفة.
ومن صرخات هذه الأخيرة وأوجاعها وآلامها التي لا تنتهي، يبدو القول بالمجتمع الدولي ضرباً من الوهم، بحيث لم يعد محل للظّن أو الشّك، أما بالنسبة لليقين، فإنه لن يعرف له طريقاً إلا في حال تحوّل العالم إلى قطبية متعددة، قد تُسْهم في تحقيق بعض من التعايش بين دول العالم جميعها، لكن عليها ألاَّ تظل تطارد شبح التعايش السلمي، لأن الصراع هو الحقيقة الماثلة اليوم، وربما غدا أيضا.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي : للأونروا دور حاسم في الاستجابة الإنسانية وينبغي أن تواصل عملها
  • الجامعة العربية: لا يمكن الاستغناء عن دور الأونروا إلى حين إقامة الدولة الفلسطينية
  • على الخريطة.. تعرف على الدول التي سجلت ظهور السلالة الجديدة من جدري القرود
  • المجتمع الدّولي.. وَهْم الحُضور
  • جامعة الدول العربية ومصر تدينان “الانتهاكات الجسيمة” التي قامت بها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة السودانية
  • اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية غدا لبحث قرار إسرائيل بحظر "الأونروا" في فلسطين
  • قمة البريكس في قازان
  • بوتين للروس فى الخارج.. ضرورة توظيف كل الطاقات الخلاقة خدمة للوطن
  • جامعة الدول العربية: حظر إسرائيل لـأونروا يصادر مستقبل ملايين الفلسطينيين
  • العراق في المرتبة الخامسة بقائمة الدول العربية المصدرة لـالنافثا خلال 9 أشهر