جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@11:02:35 GMT

استمتع بالرحلة

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

استمتع بالرحلة

 

سلطان بن محمد القاسمي

ما الذي نبحث عنه في الحياة؟ هل هي الأهداف الكبيرة التي نضعها نصب أعيننا، أم اللحظات البسيطة التي نعيشها يومًا بيوم؟ فنحن كثيرًا ما ننشغل بالنتيجة النهائية، متجاهلين جمال الرحلة نفسها. ولكن، ماذا لو كانت السعادة الحقيقية تكمن في الطريق، في تلك التجارب اليومية، في التحديات التي نتخطاها، وفي الفرح الذي نجده في أبسط التفاصيل؟

نحن نعيش في عالم يعج بالتوقعات، حيث يبدو أن الهدف النهائي هو النجاح، أو الوصول إلى محطة معينة.

لكن الواقع مختلف تمامًا. فالحياة ليست محطة نصل إليها؛ إنها رحلة مليئة بالتعلم، النمو، والأوقات التي تُعد أثمن من أي هدف نحققه. والسؤال الأهم هنا: كيف نستطيع أن نستمتع بهذه الرحلة دون أن نثقل أنفسنا بعبء المستقبل أو بذكريات الماضي؟

إن الاستمتاع بالرحلة يعني أن نعيش الحاضر بكل تفاصيله، أن نقدر اللحظات التي تُشكّل حياتنا، وأن نرى الجمال في كل ما نمر به. فلو نظرنا إلى الحياة كفرصة للتعلم والاكتشاف، سنجد أن التحديات والصعوبات ليست عوائق، بل محطات نتوقف عندها لننمو. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ" (سورة الشرح: 7)، إشارة إلى أنَّ الحياة يجب أن تكون مزيجًا من العمل والراحة، التفاني والتأمل. فالرحلة ليست مجرد وسيلة للوصول إلى الهدف، بل هي الهدف بحد ذاته.

خذ مثلاً الحياة الأسرية. فكثير من الأهل يركزون على النتيجة النهائية: أن يصبح أبناؤهم ناجحين، متفوقين، ومحققين لأحلامهم. ولكن ماذا عن الوقت الذي يقضونه مع أبنائهم؟ اللحظات التي يشاركونهم فيها الحب، القيم، والدروس الحياتية. لنأخذ مثالاً من الحياة الأسرية: الأب أو الأم اللذان يضعان احتياجات أبنائهما قبل احتياجاتهما الشخصية سيشعران بالرضا والفرح عندما يريان أبناءهم ينضجون ويتحملون المسؤولية. هذا العطاء داخل الأسرة لا يُعتبر خسارة، بل هو استثمار طويل الأمد في بناء روابط قوية، ينعكس إيجابيًا على الأسرة بأكملها.

وفي الحياة المهنية، نجد أن الكثير منَّا يطارد الإنجازات الكبيرة: الترقيات، المكافآت، أو التقدير. لكن ماذا عن اللحظات اليومية التي نقضيها في العمل؟ ماذا لو قررنا أن نستمتع بكل يوم بدلاً من الانتظار حتى نُحقق تلك الأهداف البعيدة؟ الاستمتاع بالرحلة المهنية يعني أن نركز على العلاقات التي نبنيها، التجارب التي نكتسبها، وحتى التحديات التي تواجهنا. فهي كلها عناصر تجعل رحلتنا أكثر غنى وتمنحنا فرصًا لا تُقدر بثمن.

وفي بعض الأحيان، ننسى أن الرحلة ليست فقط فردية. الله سبحانه وتعالى يقول: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" (سورة المائدة: 2). فالتفاعل مع الآخرين، وتقديم العون والمساعدة، ومشاركة الرحلة مع من حولنا يجعل من الحياة أكثر إشراقًا. وعندما نعيش بروح التعاون والإيثار، نجد أن الرحلة تصبح أكثر متعة وإشباعًا. فكل لحظة نقضيها مع الآخرين تزيد من قيمتها، وتمنحنا فرصة للتعلم من تجاربهم ومشاركة نجاحاتهم.

كذلك، الاستمتاع بالرحلة أيضًا يتطلب منّا التخلّي عن القلق بشأن المستقبل. فنحن كثيرًا ما ننشغل بما سيحدث غدًا، أو بما قد نخسره أو نكسبه. لكن هذا القلق المستمر يجعلنا ننسى الحاضر. الله يقول في القرآن الكريم: "إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (سورة الشرح: 6). فالتحديات التي نواجهها اليوم هي جزء من الرحلة، وما بعدها من يسر هو أيضًا جزء من هذه الرحلة الجميلة. إن الاستمتاع لا يعني تجاهل الصعوبات، بل يعني فهم أن هذه الصعوبات هي ما يجعل اللحظات الجيدة أكثر جمالًا.

وعلى الجانب الآخر، نجد أن هذا الأمر يقربنا من الله سبحانه وتعالى. فعندما نعيش كل لحظة بامتنان ونحمد الله على نعمه، نجد أن الرحلة تأخذ طابعًا أعمق وأكثر غنى. وكل خطوة نخطوها تصبح فرصة للتقرب من الله، وكل تجربة نمر بها تزيد من وعينا الروحي. القرآن الكريم يذكرنا في سورة القصص: "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" (سورة القصص: 77). هذا التوازن بين السعي للآخرة والاستمتاع بالدنيا هو ما يجعل الرحلة ذات قيمة حقيقية.

حتى في العلاقات الإنسانية، نجد أن الرحلة المشتركة مع الآخرين تضيف الكثير من المعاني الجميلة إلى حياتنا. وهي ليست مجرد وسيلة لتحقيق مصالح شخصية، بل هي رحلة مشتركة نتعلم فيها كيف نتواصل، كيف نتفهم، وكيف نتعايش. كما أن مشاركة الآخرين في حياتنا تجعل الرحلة أكثر إثراءً، لأننا نتعلم من تجاربهم ونتفاعل مع مشاعرهم.

نحن ندرك أن الحياة ليست مجرد سباق للوصول إلى هدف محدد، بل هي رحلة مليئة بالتجارب التي تعلّمنا، تُعمّق نضجنا، وتُكسبنا حكمتها. وكل خطوة نخطوها تفتح لنا أفقًا جديدًا، وكل تجربة نخوضها تضيف إلى تكويننا وتُقربنا أكثر إلى ذواتنا الحقيقية، وأن التحديات التي نواجهها ليست مجرد عقبات، بل هي دروس تعلمنا الصبر، والتكيف، والقوة الداخلية.

إن السعادة الحقيقية تكمن في قدرتنا على الاستمتاع بكل لحظة نعيشها، سواء كانت مليئة بالنجاح أو بالصعوبات. فالحياة ليست مجرد وجهة نصل إليها، بل هي كل لحظة تُشكّل هذا الطريق. وفي كل خطوة، نجد فرصًا لتعلم شيء جديد، لتطوير أنفسنا، ولإيجاد الفرح في أبسط التفاصيل. لذلك، بدلاً من التركيز على نهاية الرحلة، علينا أن نستمتع بكل ما تقدمه لنا من دروس ولحظات فريدة.

وفي خضم هذه الرحلة التي نسير فيها، عندما نوسع عقولنا لاحتضان كل لحظة، نكتشف أن السعادة ليست غاية بعيدة نلاحقها، بل هي رفيقة دائمة ترافقنا في كل خطوة. إن الفرح لا يكمن في المستقبل الغامض، بل ينبعث من الحاضر، من اللحظة التي نعيشها بكل حواسنا. ولذلك، في كل تجربة نخوضها، وفي كل تحدٍّ نواجهه، نجد فرصًا للنمو والارتقاء، نكتشف من خلالها أعماقًا جديدة داخل أنفسنا.

وبالمثل، حين نترك خلفنا المخاوف ونتحرر من الضغوط، نجد أن السعادة ليست هدفًا نصل إليه يومًا ما، بل هي في كل تفصيل من تفاصيل الرحلة. وكلما تقدمنا بخطواتنا نحو المستقبل، كلما أصبح الحاضر هو منبع الفرح الحقيقي. فلهذا، علينا أن نعيش كل لحظة بعمق، لأن الحياة تُمنح لنا بكل جمالها في الحاضر وليس في غايات بعيدة.

وبعد ذلك، عندما نعيش بقلوب مفتوحة وعقول متحررة من قيود التوقعات، نجد أن السعادة لا تتعلق بما نحققه من إنجازات، بل بما نعيشه من تجارب. ومن هنا، وسع عقلك واستمتع بكل لحظة، فالسعادة ليست في الوصول، بل في الرحلة ذاتها، في كل محطة تقف عندها، وفي كل خطوة تأخذها.

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مقال بمجلة نيوزويك: الصين ليست اتحادا سوفياتيا جديدا

منذ انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989، ثمة انطباع خاطئ ترسخ في الفكر الإستراتيجي الأميركي بأن التنافس بين القوى العالمية العظمى سيتبع منطق الحدث التاريخي ذاته الذي أسدل الستار على حقبة الحرب الباردة، كما ورد في مقال بمجلة نيوزويك.

واعتبر كاتب المقال محمد سليمان -وهو مدير معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن– أن هذا الاستنتاج يستند إلى افتراض مُغرٍ بأن الخصوم يمكن احتواؤهم، وأن التحالفات يمكن تجميدها في كتل، وأن النصر سيأتي من خلال الإنهاك الأيديولوجي.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4إغناتيوس: الدولار في دائرة الخطر مع تصاعد الحرب التجاريةlist 2 of 4توماس فريدمان: لم أخف يوما على مستقبل أميركا مثل الآنlist 3 of 4كاتب أميركي: هكذا يمكن لقوة عظمى مارقة أن تعيد تشكيل النظام العالميlist 4 of 4وول ستريت جورنال: أميركا أمة في حالة استسلامend of list

لكنه يرى أن هذا التفكير لا يمكن إسقاطه على الصين؛ فهي ليست دولة كالاتحاد السوفياتي السابق، وليست اقتصادا موجَّها معزولا، ولا إمبراطورية ترزح تحت وطأة تجاوزاتها العسكرية، بل هي في نظره دولة معولمة، مدعومة بالتكنولوجيا، ودولة حضارية ذات رأس مال وكفاءة واستمرارية، دولة ترفض لعب الدور الذي صاغته موسكو.

تنافس تاريخي

وقال الكاتب إن ما من تنافس عبر التاريخ ترك بصمة على العقيدة الإستراتيجية الأميركية أعمق من الحرب الباردة. فعلى أمد نصف قرن من الزمان تقريبا، احتدم صراع منهجي عسكري وأيديولوجي واقتصادي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الذي كان اقتصاده في حالة ركود ونظامه السياسي "متصلبا ومستبدا".

إعلان

وأضاف سليمان أن الاتحاد السوفياتي أسس تحالفاته بالإكراه، وتخلَّفت ابتكاراته عن الركب، وانهارت منظومته الصناعية تحت معول تناقضاته، فكان أن خرجت أميركا من ذلك الصراع منتصرة بعد تفكك خصمها في عام 1991.

ووفق المقال، فقد أصبحت قواعد اللعبة إبان الحرب الباردة القائمة على الاحتواء والردع والرسائل الأيديولوجية -والتي ترمي في النهاية إلى إسقاط الخصوم- مفاهيم نظرية استخدمتها الولايات المتحدة في إدارة صراعها مع منافسيها.

ويعتقد الكاتب أن صناع السياسة الأميركية يحاولون الآن تطبيق الصيغة نفسها على الصين، التي يصف نظام حكمها بأنه هجين رأسمالي-تكنوقراطي ذو سيادة ويتمتع بانضباط إستراتيجي وله طموحات تكنولوجية، على عكس الاتحاد السوفياتي السابق.

حالة الصين

على أن سليمان لا يرى أن صعود الصين معجزة، بل هو عودة إلى ماض كانت فيه الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، حيث كانت تستحوذ على أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1820.

ومن العوامل التي تجعل من الصين بتلك القوة أنها لم تتنازل قط عن أدواتها الاقتصادية للسوق أو لرأس المال الأجنبي عندما انضمت إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001.

ويصف مدير معهد الشرق الأوسط في مقاله محاولات أميركا "احتواء" الصين كما فعلت من قبل مع الاتحاد السوفياتي، بأنها غير موفقة وخطرة أيضا.

ومع أن أنصار إستراتيجية الحرب الباردة يدعون إلى تبني نهج عالمي للاحتواء، مصمم لمحاصرة الخصم تحت وطأة تناقضاته الداخلية، فإن سليمان يرى أن هذا منطق استند آنذاك على شن حملة موسعة استُخدمت فيها موارد كثيفة لمواجهة القوة السوفياتية في كل منطقة ومجال.

اختلاف العوامل

ولكن تطبيق هذا المنطق على الصين يتعارض مع واقع الحال، فالولايات المتحدة لم تعد -في نظره- ذلك العملاق الصناعي الذي كانت عليه في عام 1950. وعلى النقيض من ذلك، باتت الصين مصنع العالم، وجزءا لا يتجزأ من سلاسل التوريد العالمية وتدفقات السلع وشبكات البنية التحتية.

إعلان

ويرى الكاتب أن الصين لم تعد تخوض تنافسا داخل النظام الدولي القائم فحسب، بل إنها تحدد أطرا جيوسياسية جديدة تماما قوامها الجيوتكنولوجيا (الجيولوجيا التقنية أو التقنية الجيولوجية).

ثم إن الصين لا تشارك في العولمة فقط، فهي تشكل أيضا شروط التحول الرقمي العالمي. وفي هذا الصدد، يقول سليمان إن بكين نشرت التكنولوجيا على نطاق غير مسبوق؛ بدءا من شبكات الجيل الخامس والبنية التحتية السحابية لشركة هواوي إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة لشركة ديبسيك، ومن السيارات الكهربائية لشركة بي واي دي وليس انتهاء بالروبوتات الصينية الصنع.

ببساطة، فإن أميركا لم تعد قادرة على تحمل إستراتيجية الاحتواء المنهجي التي تتعامل بها مع العالم بأسره باعتباره مسرح مواجهة واحدا، حسب الكاتب.

مقالات مشابهة

  • واشنطن: الأونروا ليست محصنة ضد الدعاوى القضائية
  • ???? الحقيقة التي يعلمها هذا التائه أن معركة الكيزان ليست مع أشباه الرجال !!
  • مقال بمجلة نيوزويك: الصين ليست اتحادا سوفياتيا جديدا
  • 5 طرق لزيادة سرعة شبكة واي فاي.. استمتع بإنترنت ثابت دون تقطيع
  • دراسة جديدة : أحلامنا ليست عشوائية بل رسائل مشفرة
  • من الانتحار إلى الزواج.. فتاة نجفية تُبعث إلى الحياة من جديد
  • رحلة جوية تهبط اضطراريا بسبب راكب يتوهم بوجود ثعابين
  • 70 مواطنا معتمرا يغادرون لأداء مناسك العمرة بدعم من مؤسسة سعود بهوان للأعمال الخيرية
  • الطاهر التوم يكتب: الخيانة ليست وجهة نظر
  • درّاجون عمانيون يعبرون القارات حاملين العلم على درّاجاتهم والوطن في قلوبهم