في ظل انهيار المنظومة الصحية داخل غزة جرّاء العدوان والحصار الإسرائيلي، يواصل الأطباء الذين قرروا الحفاظ على عهدهم في مداواة المرضى والجرحى، مناشداتهم لإنقاذ الوضع داخل المستشفيات المتبقية في القطاع، والتي تعمل بشكل جزئي، في ظل نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، فضلًا عن أدوات صيانة وتشغيل المولدات الكهربائية.

ويعرب الأطباء عن شعورهم بالإنهاك الشديد، جراء توافد أعداد الكبيرة من الجرحى والمرضى بشكل يومي على المستشفيات في غزة وسط العجز في الإمدادات والكوادر الطبية.

ضغط على المستشفيات يؤكد أحمد أبو صبحة، الطبيب في مستشفى ناصر الطبي في مدينة خان يونس، ما تعانيه مستشفيات قطاع غزة من نقص في الأدوية والمستهلكات الطبية رغم توافد أعداد كبيرة من جرحى الحرب والمرضى العاديين عليها.

ويقول خلال حديثه: «نعاني مع أبناء شعبنا من تبعات العدوان الإسرائيلي المدمر على كل مناحي الحياة، وخاصة نحن القطاع الصحي».

ويوضح الطبيب الفلسطيني أن الضغط الشديد من الجرحى يشكل ثقلًا وضغطًا كبيرًا على الأطباء، الذين «يضطرون للتعامل مع الحالات الطارئة للمصابين لإنقاذهم من الموت، فيما يتركون الحالات غير الطارئة مكدّسة في طرقات المستشفيات للتعامل معها لاحقًا».

ويستدرك: «بالنسبة لنا نقدم الغالي والثمين فداءً لأبناء شعبنا، لكن الأوضاع مأساوية، في مستشفيات غزة كافة».

أطباء شهداء

ويشير «أبو صبحة» إلى مواجهة المستشفيات في قطاع غزة عجزًا كبيرًا في الكوادر الطبية، بسبب نزوح أعداد كبيرة من العاملين الصحيين بين مختلف مناطق قطاع غزة، بجانب استهداف الكثيرين منهم في الغارات الجوية الإسرائيلية.

ويضيف: «أعداد كبيرة من المرضى نقدم لها العلاج في الطرقات، ورغم ذلك نواجه شحًا في الطواقم الطبية اللازمة لتغطية هؤلاء».

وفي 21 سبتمبر الحالي، أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة عن استشهاد 3 من العاملين الصحيين لديها وإصابة 6 آخرين بجروح خطيرة، نتيجة استهداف الاحتلال مخزنًا للأدوية في منطقة مصبح، جنوبي القطاع.

وقالت في بيان صحفي لها يومذاك: إن «طواقم الإسعاف لم تستطع الوصول إلى مكان الحادث لانتشال الشهداء والجرحى، بسبب الغارات الجوية الصهيونية».

وكشفت وزارة الصحة عن استشهاد نحو 500 من الكوادر الصحية فضلًا عن إصابة واعتقال المئات منهم، منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي وحتى الآن.

وأشارت إلى «استهداف الاحتلال المتعمد للبنية الأساسية الطبية أدى إلى حرمان المواطنين من إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية».

كما دعت وزارة الصحة الفلسطينية أيضًا إلى دخول الإمدادات الإنسانية بلا شروط لمعالجة النقص الحاد في الإمدادات الطبية، وإنقاذ حياة المرضى وجرحى الحرب، بجانب المساعدة في إجلاء الحالات الخطرة من بينهم، لتلقي الرعاية الطبية المنقذة للحياة في الخارج.

واستشهد الحكيم في مستشفى كمال عدوان محمد عبد العال وعدد من أفراد عائلته بعد قصف منزلهم في حي العلمي بمخيم جباليا شمال قطاع غزة.

كارثة مستشفى الأقصى

وفي المحافظة الوسطى، أعلنت مستشفى شهداء الأقصى عن خطر توقف المستشفى وخروجه عن الخدمة خلال أيام فقط، بسبب انتهاء كميات الزيوت وقطع غيار المولدات الكهربائية ومنع دخولها، وهو ما «ينذر بوقوع كارثة إنسانية حقيقية في المحافظة التي يقطنها حاليًا أكثر من مليون إنسان».

وأطلقت إدارة المستشفى الحكومي الوحيد في المحافظة الوسطى نداء استغاثة عاجل للمنظمات الأممية والمجتمع الدولي، بسرعة «إدخال وإيصال الزيوت وقطع الغيار الخاصة بالمولدات الكهربائية؛ منعًا للتوقف عن تقديم الخدمة للمرضى والجرحى».

وأوضحت أن مستشفى شهداء الأقصى يعمل على المولدات منذ سنة كاملة دون توقف، بالتزامن مع الضغط الهائل من مرتاديه.

كما طالبت إدارة المستشفى منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر وكل المنظمات الدولية، بمعاينة «الأوضاع الخطيرة التي يعيشها مستشفى شهداء الأقصى، والتوجه الفوري والعاجل للاطلاع عن كثب على الواقع الصحي المرير والصعب ومعالجته في أسرع وقت ممكن وبشكل فوري وعاجل».

نزوح الأطباء

ويباشر ألف كادر صحي فقط علاج المرضى والجرحى في المستشفيات التي تعمل جزئيًا في مدينة غزة وشمال القطاع، وفقًا لتصريح مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية، منير البرش خلال حديثه لـ«عُمان»، والذي أشار إلى نزوح عدد كبير من الطواقم الطبية من شمال القطاع إلى جنوبه، تبعًا لأوامر الإخلاء المتكررة من قبل جيش الاحتلال.

وحذر المسؤول في وزارة الصحة الفلسطينية من موت الآلاف من المرضى والجرحى في قطاع غزة في صمت دون أن يأتوا إلى المستشفيات، بسبب عدم توافر الأدوية والمستلزمات الطبية، كاشفًا عن نقص كبير في أدوية الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والأمراض المرتبطة بمشكلات وراثية في الدم، وكذلك أدوية غسيل الكلى.

وعن صورة ما يحدث في مستشفيات شمال قطاع غزة بيّن البرش أن الاحتلال استهدف الطوابق العليا من مستشفى الإندونيسي شمال غزة.

وأوضح أن المستشفى يوجد به أكثر من 40 مريضًا وجريحًا بالإضافة إلى الطاقم الطبي داخل مستشفى الإندونيسي.

وأكد أن الاحتلال تعمد انقطاع الكهرباء بالكامل عن المستشفى الإندونيسي، حيث أطلق نيران كثيفه باتجاه مبنى وساحات المستشفى الإندونيسي مما تسبب بحالة ذعر كبيرة بين المرضى والطاقم الطبي.

والليلة الماضية، أطلق المستشفى المعمداني في مدينة غزة نداء استغاثة، يطالب فيه المواطنين الفلسطينيين بضرورة التبرع بالدم؛ لإنقاذ حياة المرضى والجرحى، الذين يصلون إليه في ظل الغارات الإسرائيلية الكثيفة على مناطق شمالي القطاع غزة، التي باتت تطول أفراد عائلات الطواقم الطبية أنفسها.

فقبل نحو ثلاثة أيام، فجعت ممرضة بنبأ استشهاد ثلاثة من أفراد عائلتها في غارة جوية إسرائيلية على منزلهم في مدينة غزة، بينما كانت تباشر عملها في إنقاذ أرواح المواطنين في المستشفى المعمداني.

تقول آلاء صقر، الممرضة بالمستشفى المعمداني: «كنت أدخل مريضًا إلى الرعاية الحرجة حين أتاني خبر استشهاد اثنين من أعمامي وأخي الأكبر، فتوقفت للحظات من هول الصدمة، ثم دخلت في نوبة شديدة من البكاء والنحيب».

وتضيف آلاء، ثلاثين عامًا خلال حديثها: «لم أصدق ما حدث، لقد تركتهم في الصباح بخير بعدما تناولنا سويًا طعام الفطور، والآن عليّ أن استقبلهم في المستشفى جثثًا هامدة، واستعد لتكفينهم، قبل إتمام مراسم دفنهم، ما نواجهه في قطاع غزة لا يصدقه عقل، الاحتلال يسلب أحباءنا دون أن نستطيع فعل أي شيء لإنقاذهم».

وتتساءل الممرضة الفلسطينية عن سر صمت المجتمع الدولي والدول العربية عما يحدث للمدنيين في قطاع غزة: «أين العالم من هذه المجازر الصهيونية بحق أبناء الشعب الفلسطيني؟».

وعقبت: «يتم تجويعنا، ونُجبر على النزوح، ونُقتل، وعلى الجانب الآخر يضحك المحتل ضحكة صفراء في وجه العالم الصامت».

بأي ذنب نُجرح؟!

ويبدي الجرحى الفلسطينيون في غزة استياءهم، لعدم معرفتهم بأي ذنب يتم قصفهم بشكل مباشر وجرحهم رغم نزوحهم من مكان إلى آخر هربًا من ويلات العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة للشهر الثاني عشر.

يؤكد شهدي التُرك، الذي يرقد جريحًا في مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، أن طائرة استطلاع إسرائيلية استهدفته مرتين في الشارع، حيث كان في طريقه لتفقد منزله المدمر في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع.

ويضيف: «كنت في طريقي وإذا بالطائرة الزنانة تطلق الرصاص عليّ، محدثة إصابة في قدمي اليسرى، وعندما ركضت على قدم واحدة، قصفتني مرة ثانية، فأصبت في يدي».

ويتعجب النازح الستيني مما حدث له، كونه رجلًا مسنًا يرتدي الجلباب، وليس هناك أي شيء يدل على أنه من مقاتلي المقاومة الفلسطينية، كي يتعرض للاستهداف من قبل جيش الاحتلال.

يضيف: «قصفوني، لم أعرف لماذا! أنا رجل مسن شعري أبيض، وليس لي أي علاقة بالمقاومة، ماذا يريدون مني؟! بيتي وقصفوها ورضيت! شردوني وقلت الحمد لله».

ويؤكد الجريح الفلسطيني أن «العلاج لا يتوافر في المستشفيات الحكومية أو الصيدليات، مما يؤدي إلى ظهور مضاعفات على المرضى والجرحى»، فيما ينتقد الصمت العربي والدولي تجاه المأساة الإنسانية في قطاع غزة: «ماذا ينتظر العرب والعالم كي يتحركوا؟ ينتظرون أن نموت جميعًا! العالم كله يشاهدنا عبر الشاشات ونحن نُذبح ونُقطع».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: مستشفى الإندونیسی المرضى والجرحى وزارة الصحة فی قطاع غزة کبیرة من فی مدینة

إقرأ أيضاً:

جميع مستشفيات غزة مهددة بالتوقف خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم الجمعة، من توقف كافة مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع الذي تشن عليه حرباً منذ أكثر من عام.

وقال  مدير عام المستشفيات الميدانية الطبيب مروان الهمص في مؤتمر صحفي لوزارة الصحة في مدينة خان يونس "نوجه الإنذار العاجل ونحذر من أن مستشفيات قطاع غزة كاملة ستتوقف عن العمل أو تقلص من خدماتها خلال 48 ساعة بسبب عرقلة الاحتلال لإدخال الوقود"
واضاف "ندعو المؤسسات الدولية لاستغلال قرار محكمة الجنائية الدولية لوقف حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وإدخال كل ما يحتاجه قطاع غزة من وقود ودواء واحتياجات أساسية، وإرسال وفود طبية لقطاع غزة عامة وشماله خاصة".
غزة.. هدنة مؤقتة مقابل ضمانات أمريكية و"كلمة" ترامب - موقع 24كشفت صحيفة "معاريف" العبرية، تطورات جديدة في ملف مباحثات الهدنة في قطاع غزة، وأوضحت أن الوسطاء يبحثون وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، للإعداد لتسوية نهائية. وفي وقت سابق قالت الوزارة في بيان "في ساعات متأخرة من ليلة أمس، أعادت قوات الاحتلال استهداف مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، وأصابت 6 من الكوادر الطبية العاملة بينها حالات خطيرة أدخلت إلى العناية المركزة".
واضاف البيان "أدى الاستهداف أيضاً إلى تدمير مولد الكهرباء الرئيسي بالمستشفى، وثقب خزانات المياه ليصبح المستشفى من غير أكسجين ولا مياه، الأمر الذي ينذر بالخطر الشديد على حياة المرضى والطواقم العاملة داخل المستشفى حيث يتواجد 80 مريضاً و8 حالات في العناية المركزة".
ودانت وزارة الصحة "هذا العمل الاجرامي المتكرر والمستمر على مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، ونكرر مناشدتنا للمؤسسات الدولية والانسانية ضرورة توفير الحماية للمستشفيات والكوادر الصحية في قطاع غزة بحسب ما كفلته ونصت عليه القوانين الدولية".

مقالات مشابهة

  • إصابة مدير مستشفى كمال عدوان وعدد من العاملين إثر قصف إسرائيلي في غزة
  • اسرائيل تواصل قتل أهالي غزة.. ومستشفى «كمال عدوان» يعيش وضعاً كارثياً
  • شهداء في قصف منازل مأهولة وسط وجنوب القطاع.. واستهداف جديد لمشفى كمال عدوان
  • صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة
  • وزارة الصحة توجه "إنذارا عاجلا" بشأن مستشفيات غزة
  • صحة غزة تستغيث وتحذر من توقف جميع المستشفيات لعدم توفر الوقود
  • جميع مستشفيات غزة مهددة بالتوقف خلال 48 ساعة
  • استهداف متواصل للطواقم الطبية.. 49 يومًا على حرب الإبادة والتجويع شمالي القطاع
  • مطالبات في غزة بحماية المستشفيات عقب قصف مستشفى كمال عدوان
  • وفروا الحماية للمستشفيات.. صحة غزة تستغيث